غنى نحفاوي المدافعة عن حقوق الحيوان أمام “المعلوماتية” والمخالفون متسمرّون في انتهاكاتهم


2023-07-25    |   

غنى نحفاوي المدافعة عن حقوق الحيوان أمام “المعلوماتية” والمخالفون متسمرّون في انتهاكاتهم
غلاف العدد 21 من مجلة المفكرة القانونية حول الحق في البيئة

مرة جديدة تثار قضية التضييق على حرية النشر والتعبير على مواقع التواصل الاجتماعي، فبعد أن طالت ولا تزال صحافيين وكاشفي فساد وناشطين، ها هي هذه المرة تطال مدافعين عن البيئة وحقوق الحيوانات وكاشفي انتهاكات ومخالفات. 

ففي وقت لا يكاد يمر يوم من دون ارتكاب جريمة ضد الحيوانات، وتضج السوشيل ميديا بأخبار ومشاهد عنف ضد هذه الحيوانات وإساءة معاملتها وصولًا إلى قتلها، وآخرها كان ارتكاب مجزرتين في شكا وجديتا في حق عدد من الكلاب الشاردة والقطط، عبر تسميمها بمادة اللانيت، تتوجّه غنى نحفاوي المدافعة عن حقوق الحيوان، وليس أيّ من المرتكبين، عند العاشرة من صباح اليوم الثلاثاء، إلى التحقيق لدى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية. والسبب هو شكوى مقدّمة من خليل خير الله، صاحب مطعم أبو غابي في بحمدون – الضيعة، على خلفية تغريدة كشفت فيها عن عدد من الجرائم البيئية بحق الحيوانات يشتبه ارتكابها من قبل صاحب المطعم، ووثقت فيها مقتل غزالة بعد خمسة أعوام من احتجازها في قفص لديه، و”صلبها” وعرضها أمام العامّة، بهدف تحنيطها لاحقًا.

تستغرب غنى في حديث مع “المفكرة القانونية” أن تستجيب النيابات العامّة لشكوى المرتكب، وفي المقابل تتجاهل السلطات 3 إخبارات كانت قدمّتها هي ضده لوزراة الزراعة، في تشرين الأول 2021 وفي تشرين الثاني 2022، وآخرها في أيار 2023، علمًا أنّ وزارة الزراعة هي المولجة بحماية الحيوانات وفقًا للقانون وتتمتع بصلاحية إحالة المخالفين أمام القضاء والحجز على الحيوانات لتسليمهم إلى مراكز الإنقاذ في بعض الحالات. 

وقد صدرت دعوة لوقفة تضامنية مع غنى أمام مكتب جرائم المعلوماتية “لأنّ القضية قضية حق وعدالة وقانون وإجبار المعنيين على محاسبة من يخالف القانون لا من يفضح مخالفيه”، بحسب نص الدعوة.

غنى الشغوفة بحب الحيوانات منذ كانت طفلة، والمدافعة عن حقوقها، والتي بات لها عيون في كل شارع وحي وبيت وشرفة ومطعم وحديقة حيوان، تأتيها الأخبار من كل حدب وصوب، عما تتعرض له الحيوانات، بالصور والفيديوهات، وبالتالي باتت تملك أرشيفًا ضخمًا، توثق فيه المخالفات والانتهاكات بحق هذه الكائنات المسالمة، كما تقول لـ “المفكرة”.

فمنذ انضمامها إلى مواقع التواصل الاجتماعي في العام 2011، كتبت غنى حوالي 125 ألف و600 تغريدة قلّة منها لا تتناول حقوق الحيوانات، كما كشفت عن تبليغات ومخالفات وانتهاكات وأفعال عنف ضد البيئة والحيوانات الأليفة والبرية، وتعرّف عن نفسها في صفحتها بأنّها “مدافعة عن حقوق الحيوان في بلد أصبح مقبرة لكل حي”. 

وإذ تقول إنّها ستتوجّه إلى مكتب جرائم المعلوماتية، تؤكّد استمرارها في توثيق المخالفات. وبالفعل غرّدت اليوم عن جريمة بحق خنازير برية في خلال أسبوع خارج موسم الصيد أي في فترة التزاوج، وانتقدت في تغريدة أخرى خبرًا نشرته الوكالة الوطنية للإعلام عن صيد خنانيس (خنازير صغيرة) وأمّها خارج موسم الصيد أيضًا. ووضعت المنشور “غير المهني والمخالف للقانون” برسم وزير الإعلام. وعلى الإثر عمّمت الوكالة على محرّريها عدم نشر أخبار تتعلق بصيد الخنازير. 

غنى نحفاوي

تفاصيل الشكوى

“لن أخضع للترهيب، والموت وحده يستطيع إيقافي عمّا أقوم به”، بهذه الروحية تتوجّه غنى إلى مكتب جرائم المعلوماتية، وتضيف: “لدي شغف لرفع الظلم عن أي كائن موجوع، أحيانًا أنجح وأحيانًا أفشل. ولكن الأكيد أنّ أحدًا لم يتحرّك في وجه كل المخالفات بينما الآن يتحرّكون ضدّي لأني أكشف المخالفات. منذ العام 2021 وثقت مخالفات لمطعم أبو غابي، لديه حيوانات من دون رخصة، ونعلم أنّ المكان الذي يقتني حيوانات يجب أن يكون محمية أو مزرعة أو حديقة حيوانات وليس مطعمًا. وهو يضعها داخل أقفاص ومنها نسانيس صغيرة، وفي ظروف سيئة، بهدف جذب الزبائن”. 

وتضيف: “أنا لم أفتر عليه، وتأكّدت أنّه لا يمتلك رخصة لاقتناء الحيوانات وبالتالي وجودها عنده خطأ ومخالفة قانونية، إضافة إلى أنّه لا يمكن وضع حيوانات في المطاعم، فهو بفعله هذا، لم يأخذ بالاعتبار لا سلامة الحيوان ولا سلامة الإنسان ولا سلامة الغذاء، هذا إضافة إلى ارتكاباته ضد الطيور التي يطلق عليها النار من نافذته ولديّ فيديوهات توثق ذلك مع العلم أنّ قانون الصيد البري رقم 580/2004 يمنع ذلك في دائرة 500 متر من الأماكن السكنية، كما أنّ ذلك حصل في فترة كانت خارج وقت السماح بالصيد وبالتالي كلّها مخالفات، إن كانت لقانون الرفق بالحيوان أو قانون الصيد البري”.

ووضعت غنى القضية برسم قوى الأمن الداخلي ووزير الزراعة عباس الحاج حسن ومستشاره عبد الله نصر الدين.

التغريدة موضوع الشكوى

ويشرح وكيل الدفاع عن غنى المحامي منير الزغبي في اتصال مع “المفكرة” “أننا أمام كائنات حيّة لا قدرة لديها ولا صوت حتى تستطيع الشكوى تجاه المظلومية والإساءة في المعاملة التي تتعرّض لهما. من هنا ضرورة وجود أشخاص مثل غنى لإعلاء الصوت دفاعًا عن هذه الكائنات”. ويعتبر أنّ نشر هذه المخالفات هو واجب على غنى كناشطة في مجال البيئة وحقوق الحيوان قبل أن يكون حقًا لها.

ويشير الزغبي إلى أنّ “غنى ستمثل أمام مكتب جرائم المعلوماتية ليس للدفاع عن نفسها، بل لتقول إنّ ما دوّنته هو الواقع والحقيقة، وإذا كان المدعي يعتبر أنّ ما دوّنته يمس فيه ويقع في خانة القدح والذم، كان الحريّ به ألّا يرتكب الأفعال التي ذكرتها غنى، حتى لا يكون عرضة لنشر هذه الأفعال”.

ويرى الزعبي أنّ “المخالفات التي وثقتها بتغريدتها كانت تستدعي التحرّك التلقائي من القوى الأمنية، وقبلها النيابات العامة وتحديدًا المحامي العام متى ما وصل إلى علمه حصول هكذا أفعال، فعليه أن يتحرّك تلقائيا ويتخذ الإجراءات القانونية”. ويرى أنّه من المخجل أن يصبح شخص لديه كل هذه الارتكابات هو المدّعي.

ويشدد على أنّ “هذا ما سنقوله خلال التحقيق اليوم، غنى وأنا كوكيل عنها، هو رفض محو أي تغريدة. وسنطلب على المحضر اعتبار التغريدة بمثابة إخبار للنيابة العامة، في حال كانت لم تطلّع على مضمون التغريدة سابقًا. ونحن ندعوها للاطلاع عليها في سياق الشكوى المقدّمة ضدّ غنى وأن تقوم بواجبها وتتّخذ الإجراءات في حق صاحب المطعم، نتيجة لمخالفته قانون حماية الحيوان والرفق به”.

مخالفات بالجملة للقانون من دون محاسبة

يعتبر لبنان واحدًا من أصل 30 دولة في العالم، لديه قانون لحماية الحيوانات والرفق بها وهو قانون أقرّ في العام 2017 تحت الرقم 47 وأصبح نافذًا، وهو ولو كان خطوة جيدة لكنه لا يطبّق. وتضع غنى اللوم في ذلك على القضاء والمدّعين العامّين البيئيين. “كل الشكاوى التي رفعناها سواء عن طريق دعاوى أو إخبارات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تصطدم بحائط اسمه القضاء اللبناني الذي لا يحرّك ساكنًا تجاه هذا الموضوع” تلفت غنى. وترى أنّ تكرار الانتهاكات يأتي نتيجة عدم المحاسبة ونتيجة القضاء المتخاذل والمتقاعس الذي لم يصدر أي حكم أو محاسبة في حق بلدية أو مواطنين أو أي جهة ارتكبت جرائم في حق الكلاب الشاردة والحيوانات.

وتسأل: “ألم يوقع لبنان على معاهدة سايبس التي تنص على منع الاتجار بالحيوانات البرية والنباتات البرية؟ فماذا يفعل أسد عند مختار السعديات مثلًا؟ صار لي شهر بصرّخ عن الموضوع! كيف تمر التغريدة ولا أحد يسأل؟”، لماذا يريدون منّي أن أسكت عن المخالفات باقتناء حيوانات برية تموت داخل الأقفاص وتعيش بظروف سيئة؟”

وتتابع تعداد المخالفات، وتشير إلى أنّه “في أحد مهرجانات الصيف في جونيه، تم عرض أفعى ضخمة والأهالي بدأوا بتصوير أطفالهم وهي ملتفّة حولهم، وهم لا يدركون أنّها نظرًا  لضخامتها يمكن أن تشعر بتوتّر وتلتفّ حول الطفل وتكسر له عظامه، فمن المسؤول؟”. وتتابع: “أما في حدائق الحيوانات، فحدّث ولا حرج إذ لا يوجد حديقة في لبنان مستوفية الشروط، من فترة عضّت لبوة ولدًا، استطعنا إقفال الحديقة حيث وقعت الحادثة لمدة 3 أشهر، إلّا أنها عادت وفتحت بالواسطة. أما في حديقة اكسبلور في صور، فقد هرب 3 أسود، كيف حديقة حيوان ما فيها أمان كافي لزائريها؟ معقول حديقة طويلة عريضة لا تملك بارودة تخدير، واضطروا إلى قتل أحد الأسود، هل يجوز ذلك؟ ألّا يعتبر ذلك انتهاكًا لحقوق الحيوانات؟  عدا عن أنّ وضع  الحيوانات مزر جدًا”. 

وتختم غنى بأننا نؤذي الإنسان عندما نؤذي البيئة، فإذا ركضت كرمال كائن فأنا بذلك أكون أعمل من أجل استمراريتنا وحياتنا. فالدفاع عن الحيوان أمر إنساني بحت ومن غير المقبول الاستمرار في هكذا وضع، وعلى الوزارات المعنية معالجة هذا الموضوع والتحرك لتحقيق المحاسبة اللازمة لكلّ مرتكب جرائم بحق الحيوانات”.

في هذا السياق، تلفت المحامية رنا صاغية التي أسهمت في صياغة قانون الرفق بالحيوان في حديث مع “المفكرة” إلى أنّ “القانون يشمل قواعد التعامل مع الحيوانات وقواعد الحصول على حراسة حيوان محدّد وقواعد المنشآت التي تحتفظ بالحيوانات، وبالتالي يتضمن بنودًا تتعلق بعدم تعريض الحيوان لضائقة أو ألم شديد، إلّا في الحالات المحددة قانونًا وعدم تقديمه كجوائز، وتوفير حاجاته الأساسية”.

أما بالنسبة للمنشآت، فتؤكد صاغية أنّ هناك شروطًا تتعلق بمعايير الأماكن التي يمكن أن يتواجد فيها الحيوان، متّصلة بالصحة والسلامة العامة وأيضًا بمعايير متّصلة بالرفق بالحيوان. وترى أنّ المكان الذي كان المدّعي يحتفظ فيه بالحيوانات غير مرخّص له، وطريقة التعامل معها كانت قاسية، وهذا يعرّض الفاعل لعقوبات، ومن الضروري إحالته إلى القضاء المختص.

وتعتبر صاغية أنّ الشق الثاني في قضية غنى يتصل بحرية التعبير والاستدعاءات التي تحصل أمام مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، وهي نوع من العقوبة الفورية ضد الناشطين، وتعرّضهم لمواقف قاسية بدلًا من ملاحقة الشخص الذي يرتكب المخالفات والذي يمكن أن يفصل فيها القضاء بدلًا من مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، بيئة ومدينة ، قرارات قضائية ، حرية التعبير ، لبنان ، مقالات ، بيئة وتنظيم مدني وسكن



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني