كما تضيء زينة الميلاد شوارع العاصمة، أضاء خبر عودة المحقق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار لمزاولة عمله، بعد مضي أكثر من شهرٍ على تعطيل  التحقيق،  قلوب أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت. وجاء هذا القرار بعد أن أصدرت الغرفة رقم 12 من محكمة استئناف بيروت، أمس الثلاثاء، قراراً برفض طلب ردّ بيطار المقدّم من الوزير السابق يوسف فنيانوس وبالرجوع عن القرار غير القانوني الصادر عن  القاضي حبيب مزهر في 4/11/2021 بتعليق التحقيق. وكان السياسيون المدّعى عليهم في قضية تفجير مرفأ بيروت قد استعملوا الكثير من الأوراق لكفّ يد القاضي بيطار حيث بلغ عدّد الدعاوى وطلبات الردّ التي تقدّموا بها ضدّ القضاة حوالي 20. 

فرح الأهالي بعودة بيطار عبّر عنه محي الدين اللاذقاني ابن الشهيد محمد اللاذقاني الذي قال، إنهم كانوا بانتظار هذا القرار لتحريك المياه الراكدة في مسار التحقيق، متمنياً على القضاء حسم موضوع طلبات الردّ والمخاصمة بشكل نهائي كي يكمل التحقيق مساره بشكل طبيعي من دون عرقلات.

الأهالي لممثّلي الأمّة “ثقتنا بكم معدومة” 

وأمس نفّذ الأهالي وقفةً “تحسّبية” بالتزامن مع انعقاد الجلسة النيابية في قصر الأونيسكو، وعلى الرغم من عدم إدراج أيّ بند أو اقتراح قانون على جدول أعمال الجلسة يتعلّق بالتفجير، باستثناء البند 29 المقدّم من النائبين جورج عدوان وفادي سعد، إلّا أنّه “لا ثقة بممثلي الشعب بالحفاظ على مسار التحقيق، والحذر واجب” بحسب الأهالي. ويرمي البند 29  (الذي لم يناقش في الجلسة) إلى تعليق الأذونات بملاحقة الموظفين، وهي أذونات تشكّل عائقاً أمام متابعة المحقّق العدلي لمهامه، والهدف من الاقتراح المعجّل المكرّر كان التخلّص من ذريعة الحصول على إذن لملاحقة كلّ من مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم والمدير العام لجهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا. 

وبحسب اللاذقاني فإنّ قرار الاعتصام جاء بعد قراءة لجدول أعمال الجلسة المنعقدة، والذي جاء في أحد بنوده  اقتراح لتعديل بعض القوانين المتعلّقة بتحقيق المرفأ، من هنا تقرّر النزول خوفاً من قرارات تحدّ من صلاحيات المجلس العدلي أو من صلاحيات المحقّق العدلي، ومن أجل دعم قانون الاقتراح المقدّم من قبل النائبين عدوان وسعد. “نحن لو في ثقة بنوّابنا منقعد ببيتنا بس ما في ثقة”. وعن تعطيل التحقيق لأكثر من شهرٍ نتيجة طلبات الردّ والدعاوى المقدّمة، اعتبر لاذقاني أنّ ممارسات  السياسيين المتّهمين تدلّ على تخبّطهم وعلى تورّطهم وهم بحسب قوله لا يريدون قاضياً نزيهاً بل قاضياً يُملون عليه قرراتهم، من هنا لا يملك الأهالي أي ثقة بمن سيخلف القاضي بيطار في حال تمّت تنحيته. “إذا فكّروا يشيلوا بيطار يعني رح يجيبوا حدا متّفقين معه على كل شي”، رافضاً أيّ تدخّلات أو إملاءات تتعلّق بعمل القاضي بيطار “القاضي عنده أدلّة وأوراق ومستندات وعلى هذا الأساس عم تتم الاستدعاءات”.

بدورها  شرحت رئيسة لجنة الأهالي ماريانا فودوليان شقيقة الشهيدة غايا فودوليان بأنّ الوقفة تأتي “من باب الاحتياط” والخوف من احتمال إدراج قانون من خارج جدول الأعمال يكون من شأنه إلحاق الضرر بمسار التحقيق على حد قولها، كالتصويت على قرار محاكمة الوزراء والنوّاب أمام المجلس الأعلى الخاص بهم، معتبرةً أنّ المدّعى عليهم استعملوا كافّة الطرق لعرقلة عمل المحقق العدلي، من طلبات الردّ إلى عدم إعطاء أذونات الملاحقة، بالإضافة إلى التمنّع عن  تنفيذ مذكّرات التوقيف وغيرها، “الجريمة أكبر من أجنداتكم السياسية، نحن حتى نراقبكم، اتركوا القاضي يكمّل شغلو وخلونا نوصل للعدالة”. 

سنة وأربعة أشهر مرت على تفجير مرفأ بيروت والأهالي لم يهدأوا لحظة، يذلّلون العقد برويّة وسلمية، يتجاوزون والقاضي بيطار الأفخاخ المنصوبة لهم بحكمة، لم يكلّوا ولم يتعبوا، يهبّون عند كلّ استحقاق، يقفون بالمرصاد بوجه كلّ من تسوّل له نفسه الالتفاف على التحقيق، سلاحهم القانون والإرادة وصور شهدائهم التي لا تبارح أحضانهم.

تدور والدة الشهيد أحمد قعدان من رصيفٍ إلى رصيف حاملةّ صورة “أحمد”، تدلي بالتصريحات الإعلامية شاهرة صوتها كمن ينبئ بالثواب والعقاب والتراجع عن الخطيئة. 

“أحمد” لا يفارق حضنها ولو في صورة، حمته من التعثّر وهو صغير، واليوم ها هي تحمي دمه وحقيقة موته بلحمها الحي. “خايفين يخدعونا ويبتّوا بشي قرار مش لصالحنا” تقول، معتبرة الوقفة الاحتجاجية رسالة للسلطة السياسية مفادها أنّ الأهالي لهم بالمرصاد حتى جلاء الحقيقة.