عن تهاني حرب التي عنفها زوجها ونجت من الموت بأعجوبة: من يمنع لفلفة القضية ونجاة المُعنّف؟


2022-06-22    |   

عن تهاني حرب التي عنفها زوجها ونجت من الموت بأعجوبة: من يمنع لفلفة القضية ونجاة المُعنّف؟
المصدر: موقع بنت جبيل

 يأتي صوت الطفلة فاطمة عبر رسالة صوتية يتم تداولها على بعض مجموعات واتسآب وهي تستنجد بجدّها لأبيها “تعا عجّل ماما رح تموت، بابا قتلها”. في الرسالة نفسها التي حصلت عليها كاملة “المفكرة القانونية”، تروي ابنة الثماني سنوات ما حدث مع والدتها ضحية العنف الأسري الزوجي تهاني حرب (30 عاماً)، على مرأى من طفليها (فاطمة وعلي 7 سنوات). نُقلت تهاني وجسمها مغطّى بالدماء إلى مستشفى سحمر “كنّا أمام جسد مشظّى بخيوط حمراء، اعتقدنا  للوهلة الأولى أنّه ناجم عن  سقوط من مكان عال  أو بسبب انفجار أو ما شابه، ليتبيّن لنا بعد ذلك أنّ بين أيدينا ضحية جديدة لعنف أسري وذكورية مجنونة فالتة من عقالها”، كما أفاد أطباء عاينوها “المفكرة”. عنف كاد يودي بحياة تهاني مارسه زوجها محمد قمر الذي ما زال فاراً ومتوارياً عن الأنظار.

تفضح رسالة فاطمة وحشية العنف الذي مورس على أمها بحضورها وحضور أخيها: “سألنا بابا إذا فينا نروح عند ناهد (خالة الأطفال، الشقيقة الصغرى لتهاني) فقال أنا بوصلكم، سألته ماما ليش يا محمد؟ قالها خلص أنا بشتغل هيك ع مزاجي. رجع قالها اسكتي، قالت له بديش اسكت، رجع قالها اخرسي، قالت له بديش إخرس. إجا خنقها وشحطها ع غرفة النوم ودعس لها ع بطنها وقلبها وخبط لها راسها بحفّة التخت ورجع شحطها ع الكوريدور. طلعت تاتا ع صريخه وصارت تقول لماما “هدي شوي تهاني هدي شوي تهاني”، وقالت لي تاتا روحي عيّطي لجدو، وأنا قلت له تعا عجل ماما رح تموت البابا قتلها، وإجا جدو ركض، رجعت رحت عيّطت لعلي”.

تهاني ترقد في المستشفى حالياً بوضع “حساس بُعيد استئصال طحالها في محاولة من الأطباء لوقف النزيف الحاد الذي كانت تعاني منه”، وفق ما يؤكد الطبيب الشرعي في البقاع الدكتور محمد رحال لـ”المفكرة”. ويشير رحال الذي عاين الضحية، ووضع تقريراً بحالتها “الحرجة”، على ما وصف، “إلى أنّ وضعها الصحي بعد يومين من وقوع الاعتداء الجسدي حساس جداً، ويحتاج الى مراقبة دائمة ودقيقة”، وإن كان قد استقرّ بعد العملية ووقف النزيف وتقطيب جروحها وتمزّقاتها. وأشار رحال في تقريره الطبي إلى إصابة تهاني بـ “كسر منزاح في الضلع الحادي عشر الأيسر والضلع الثاني عشر الأيسر، وكسر غير منزاح في الضلع الأيسر العاشر، وكدمة في القسم السفلي للرئة اليسرى، ونزيف حاد في البطن ناتج عن تمزقات حادة ومتعددة في الطحال، وجرح جراحي مخاط جراحياً في البطن ناتج عن عملية جراحية أجريت للمصابة لاستئصال الطحال ووقف النزيف الحاد في البطن مع وجود أنابيب في القسم الأيسر للبطن، كسر خطي الشكل في في جسم الفقرة الصدرية العاشرة، والفقرة الصدرية الحادية عشرة، جرح في الوجه الداخلي للشفة السفلية، توزّم في القسم الأيمن السفلي للمنطقة العنقية للرأس، تشنجات مرافقة لألم على الوجه العلوي للكتف الأيمن والأيسر”. وبعدما رجّح الطبيب الشرعي أن تكون هذه الإصابات ناتجة عن تعرّض الضحية للضرب المبرح، لفت إلى حاجتها للراحة لمدة شهر ونصف قابلة للتمديد.

وضع تهاني الحساس، وهذه الإصابات الخطيرة واستئصال الطحال وصدمة طفليها لم يمنعوا المساعي الحثيثة التي علمت “المفكرة” أنّها تقاد في سحمر، مع ضغوط كبيرة على عائلتها المؤلفة من والدتها وشقيقتين وشقيق لعقد مصالحة بينها وبين معنّفها، زوجها، وبالتالي إسقاطها الدعوى الشخصية التي رفعتها عليه. وهي مساع تُرجمت منذ اللحظة الأولى لوقوع جرم التعنيف وما تلاه من ردود أفعال على ناشري الخبر بالقول: “مشاكل بين زوج وزوجته، أنتو شو خصكن”.

محاولة “لفلفة” جريمة العنف الأسري كانت بادية في منشور ابن عم الضحية، محمد حرب الذي لولاه لم يكن ما حصل مع تهاني ليخرج إلى العلن والرأي العام. ومحمد هو أحد ناشطي 17 تشرين في المنطقة، كتب على صفحته على فيسبوك قائلاً:

“بمناسبة عيد الأب، أقدم “م.ق” مبارح على محاولة قتل بنت عمي، وحب يعايدنا على طريقتو بما يتماشى مع تربيته وأخلاقه، وحب إنو المرحوم عمي يكون حاضر بوجداننا كل لحظة مبارح.

أما وقد نجت تهاني من الموت على يدي هذا المجرم هنّي كلمتين لازم ينقالو، حق محمد علي حرب و تهاني محمد حرب برقبتنا، وحق  كل ضلع من أضلاعها غالي كتير، اكتر من ما كان بيتصور هو وكل خسيس عم يتواطأ ويخبّيه لهالمجرم، وكل سافل كان عم يتواصل مع قوى الأمن والمخابرات مبارح و يحاول يخفف من هول الحادثة هو كمان نذل وخسيس.

حاليا مطرح هالمجرم هو الحبس، دون ذلك منكون عايشين بشريعة غاب ولكل حادث حديث”.

وفي اتصال مع “المفكرة”، أشار محمد إلى أنّ تهاني في المستشفى تعجز عن الحديث مع أي كان، مشيراً إلى أن عائلة محمد قمر، زوج تهاني والمعتدي عليها، “تتمتع بسمعة جيدة في البلدة، وأن لا سوابق سيئة لمحمد نفسه”. ومع ذلك يؤكد محمد حرب لـ “المفكرة” أنّ “ما حصل جريمة خطيرة ولن نقبل إلّا أن تأخذ العدالة مجراها، ونحن نثق في القضاء والقوى الأمنية وأن الدولة ستقوم بواجبها في هذا الاعتداء الوحشي الذي كاد أن يودي بحياة ابنة عمي”.

محاولات القبض على قمر

وعلمت “المفكرة” أنّ القوى الأمنية نفذت دوريات عدة وأكثر من عملية دهم لأمكنة يُشتبه بوجود  المعتدي فيها، إلّا أنّها لم تعثر عليه. وعلمت “المفكرة” من مصادر أمنية متابعة، أنّ القوى الأمنية – وبناء على إشارة النيابة العامة في البقاع، تتابع موضوع  شكوى تقدمت بها الضحية ضد زوجها، حتى توقيفه، للمثول أمام القضاء الذي يقرر مصيره. 

مختار بلدة سحمر ياسر الخشن يقول لـ “المفكرة”: “ما حصل أمر مؤسف جداً، وهو في الحقيقة مستغرب تماماً. فكل ما أعرفه عن الزوجين وعائلتهما الصغيرة والكبيرة لا يؤشر إلى حدث بهذا الحجم، بمعنى لا يوجد سابقة على هذا المستوى أو أقل في منزلهما على ما نعرف”. واستطرد بالقول: “سحمر وقراها المجاورة لم تعرف هذا الفائض من العنف الاسري، واستطيع التأكيد أنه فردي ويجب وضعه في هذا الاطار، أما اسبابه فتبقى ملكا للزوج والزوجة وبطبيعة الحال لنتائج التحقيقات التي بدأتها السلطات المختصة”، كما ختم الخشن.

استنكار واسع وتضامن مع تهاني

حظيت الضحية تهاني حرب بتضامن عارم في بلدتها والجوار، وضجت مواقع  التواصل الاجتماعي بعبارات التأييد لها، معطوفة على تمنيات بالشفاء العاجل. وطالب ناشطون مستقلون وأقرباء للضحية عبر منصات إعلامية بالإقتصاص من الجاني وأن يكون للقضاء كلمة بحجم الجريمة. وزار كثر من أهالي وأقرباء الضحية  مستشفى سحمر للإطمئنان على صحة تهاني، كما زارها ممثلون وممثلات من جمعيات تعنى بحقوق المرأة ومكافحة العنف الأسري.     

هذا التضامن الكبير، وبعيد وقوع الاعتداء بساعات وانتشاره عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لم يمنع البعض من محاولة “لفلفة” القضية برمتها ووضعها في دائرة ضيقة على قاعدة : “واحد ضرب مرتو انتو شو دخلكن”.

وحده التضامن الأهلي والمجتمعي العارم  مع الضحية تهاني، معطوفاً على قرارها  الحاسم بتقديم شكوى لدى المراجع  المختصة، استطاعا حتى الساعة محاصرة محاولات البعض طي القضية ودفنها برغم ثبوت تعرّض تهاني للعنف الزوجي وسكوتها عنه لفترة طويلة، وهو ما دفع جمعيات وناشطات وناشطين عدة إلى مطالبة القضاء والقوى الأمنية بتحريك الحق العام في الدعوى والاعتداء في حال نجحت الضغوط على تهاني وعائلتها في دفعها لإسقاط دعوى الحق الشخصي.  

انشر المقال

متوفر من خلال:

جندر ، الحق في الحياة ، لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، احتجاز وتعذيب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني