تحقيق طرابلس أطفال يلعبون بالأراجيح في طرابلس قرب نهر أبو علي التقطت عن صفحة نقد بنّاء
“عندما لا نحارب الفقر والجهل، سنضطر يوماً لمحاربة الفقراء (…)”
(الإقتصادي Anne Robert Turgot)
عند ذكر مدينة طرابلس في السنوات الأخيرة، غالباً ما يتناول الخبر الإشتباكات بين أحيائها أو إنتشار “التطرّف” بين شبابها أو خيارات أهلها البلديّة أو النيابيّة. ولكن، يندر البحث بالأرقام والنسب عن الأسباب الإقتصاديّة والإجتماعيّة للواقع الذي عانت وتُعاني منه المدينة. لا يهدف هذا المقال إلى تفصيل كامل أسباب المعارك التي عانت منها طرابلس ولا إلى تشريح مختلف حاجاتها الإقتصاديّة والسوسيولوجيّة، بل ينحصر بموضوعي العلم والعمل لدى أطفال ومراهقي وشباب “الأحياء الفقيرة”. فهو يُظهر الحالة التعليميّة لهذه الفئة من أبناء المدينة كما واقعهم في سوق العمل بعد تسرّبهم من المدارس والمهنيات على مدى السنوات العشر الأخيرة، بين حالة البطالة أو العمل برواتب منخفضة وبلا ضمانات. ومع وضع الهجرة وقوارب الموت جانباً، يتحوّل عددٌ كبيرٌ منهم إما إلى “أزلام” “زعماء” و”متمولين”، وإما إلى “مقتالي محاور”، وإما إلى أتباع تياراتٍ “متطرّفة” في الداخل أو الإقليم.
يشمل المقال “الفيحاء” الممتدة على مساحة 29.664 كم2؛ ويُقدّر عدد سكانها بـ 000 330 نسمة (دراسة AFD، ص.25) يتوزّعون بين طرابلس والميناء والبداوي، وقد انضمت القلمون في العام 2014 إلى إتحاد بلديات الفيحاء[1]. إنّ تحديد الأحياء والمناطق الفقيرة في الفيحاء شبه متطابق في مجمل الدراسات السوسيولوجيّة والإقتصاديّة[2] وإن اختلفت في ما بينها لجهة تعريف الفقر. ويعتمد المقال على أرقام الوكالة الفرنسيّة للتنمية[3] Agence Française de Développement (AFD)، والمعهد الأوروبيّ للتعاون والتنمية، والبنك الدولي بشأن الفقر والحالة السوسيو-إقتصاديّة، ومجموعة من الدراسات المحليّة الحكوميّة والبلديّة والجامعيّة وغيرها الصادرة في السنوات العشر الماضية، مع الإشارة إلى أن أرقام المقال لا تشمل اللاجئين السوريّين.
في العلم والأميّة وشبكة المدارس:
على الرغم من أن لبنان صدّق الإتفاقيّة العالميّة لحقوق الطفل (المعتمدة في الجمعية العامّة للأمم المتحدة في 20 تشرين الثاني 1989)، إلا أنّ هذه الحقوق لا تزال بعيدة عن المنال لناحية الحقّ في التعليم لا سيما في الفيحاء.
ترتفع نسبة الأميّة في محافظة الشمال (بما فيها محافظة عكّار الحالية) إلى 8%، علماً أن نسبة بيروت هي 5.6%. وفي بعض أحياء طرابلس، تأتي الأرقام مختلفة. إذ يصل معدّل الأمية إلى 23% في القبّة و20% في أبي سمرا و8% في المدينة القديمة (وفق دراسة مها كيال)[4]. وترتفع أكثر هذه الأرقام مع الأجيال. كما تختبئ خلف النسب السابق ذكرها نسبةٌ من “الأميّين المقنّعين”، أيّ الأشخاص الذين تعلّموا الكتابة والقراءة لكنهم ما عادوا يتقنونهما بسبب عدم الممارسة، حيث أنّ قسماً من الفقراء في أحياء الفيحاء قد عبّر بأنه “نسي القراءة والكتابة” (دراسة AFD، ص.46). لذلك، يرتفع معدّل الأميّة لدى الأجيال المسنّة إلى 40% في البداوي مثلاً بين من هم أكبر من 50 سنة. وينعكس هذا الواقع التعليميّ على الفقر. فقد أظهرت دراسة International Poverty Center [5] بعنوان Growth and Income Distribution in Lebanon[6] حول النمو وتوزيع الدخل في لبنان أنّ العائلات التي يصل المستوى التعليميّ لأربابها[7] إلى أقل من الإبتدائيّ تشكّل 45% من الفقراء. ووفق الدراسة ذاتها، ترتفع نسبة الفقر في مدينة طرابلس لتشمل 57% من مجمل سكانها، ولا يتجاوز النسبة في طرابلس سوى النسبة المشتركة للفقر في عكّار والمنية-الضنيّة التي تزيد عن 60% من السكان.
تنتشر في الفيحاء 205 مؤسسات تعليمية غير جامعيّة، 105 منها رسميّة و100 خاصّة، من الروضة إلى الثانويّ، بينها 20 مهنيّة بحسب TEDO[8] Environment and Development Observatory –. وبالمقارنة مع بيروت، فإنّ نسبة المدارس الخاصة تعتبر ضعيفة. خسرت طرابلس دورها كمركزٍ تعليميّ للشمال في مرحلتي التعليم الأساسيّ والثانويّ، إذ غادرها خلال الحرب اللبنانيّة عددٌ من المدارس إلى مناطق أخرى كالكورة، لا سيما المدارس المرتبطة بالطوائف الدينيّة المسيحيّة. في المقابل، حافظت طرابلس على دورها الشماليّ في التعليم الجامعيّ.
إنّ أدنى نسبة للإلتحاق بالمدارس في لبنان منذ المرحلة المتوسطة تسجّل في الشمال (بما فيها عكار)، حيث تصل هذه النسبة إلى 57% مقابل 68% في لبنان (دراسة AFD، ص.47). وفيما تعتبر نسبة الإلتحاق بالمدارس والشهادات الجامعيّة للعائلات الطرابلسيّة متوسطة الدخل جيّدة وفق تقريرAl-Fayhaa Knowledge Transfer Center: “AFSDS 2020” (2015) [9]، تظهر المشكلة لدى العائلات الفقيرة حيث أنّ 3/1 من الأطفال الفقراء بين 12 و14 عاماً فقط يتسجّلون في المرحلة الدارسيّة المتوسطة. وتنخفض نسبة الإلتحاق بالمدارس في منطقة التبانة لدى الذكور من 95% في المرحلة الإبتدائية إلى 32% في المرحلة المتوسطة إلى 4% في المرحلة الثانوية؛ فيما تصبح النسب 92%، 52% و14% على التوالي لدى الإناث. أما في منطقة الأسواق فتصل نسب الإلتحاق إلى 90% في المرحلة الإبتدائيّة، 41% في المرحلة المتوسطة و15% في المرحلة الثانويّة للذكور؛ فيما تصبح النسب 89%، 54% و19% على التوالي لدى الإناث[10] (وفق كتاب مها كيال وعاطف عطيّة)[11]. معدّل التسرّب المدرسيّ مرتفع بين المرحلتين الإبتدائيّة والمتوسطة. وهذا المعدّل هو ضعف المعدّل الوطنيّ (بحسب الدراسة نفسها). يرتفع هذا المعدّل أيضاً إلى أرقامٍ كبيرةٍ في التل والبساتين، حيث أنّ 49% و53% على التوالي من التلامذة في المرحلة المدرسيّة الإلزاميّة (البريفيه) قد أوقفوا تعليمهم؛ ويرتفع الرقم أكثر في بعل الدقور (في التبانة التحتا) حيث %69 من الأطفال لم ينهوا مرحلة التعليم الأساسيّ (مجلس الإنماء والإعمار والبنك الدوليّ، ص.11)[12]. بحسب بعض مدراء المدارس، فإنّ التسرب المدرسيّ يعود إلى تعليم المواد العلميّة باللغة العربيّة قبل المرحلة المتوسّطة ثم الإنتقال إلى اللغة الأجنبيّة منذ هذه المرحلة (دراسة AFD، ص.50). أما العائلات فتسحب أولادها من المدرسة بعد رسوب الطفل، وترفض أن يعيد هذا الأخير الصفّ. كما يترك عددٌ من الأطفال المدرسة لعدم الرغبة بالعلم أو للزواج (لدى الإناث) أو للعمل (لدى الذكور).
تسجّل الطبقات الشعبيّة عموماً أولادها في المدارس الرسميّة التي تعاني من مشاكل لوجستيّة وتربويّة عديدة، من هذه المشاكل، يمكن ذكر:
- غالبية المباني مستأجرة وغير مملوكة من وزارة التربية وهي غير مؤهلة للتعليم، فيما يخضع تأهيلها لموافقة المالك.
- عدد كبير من المعلمين هم متعاقدون ولا يخضعون لدوراتٍ تعليميّة ولوجيستيّة معمّقة ومستمرة.
- المدارس الرسميّة تفتقد عموماً للمعدّات والتجهيزات والوسائل الحديثة NTIC –nouvelles technologies d’information et de communication.
- توزيع المدارس بين المراحل التعليميّة غير منسّق وعدد الروضات في طرابلس أقل من عدد المتوسّطات.
- بعض المدارس تتحمل أكثر من طاقاتها الإستيعابيّة لا سيما في التبانة، فيما تعاني مدارس أخرى من التخمة في الأساتذة، كون معدّل التلاميذ في الصفوف في طرابلس هو 14 تلميذاً، ما قد يُظهر نوعاً من سوء توزيع شبكة المدارس الرسميّة في المدينة وسوء توزيع للأساتذة على هذه المدارس.
كما تعكس المدارس الحالة العامّة ومختلف الصعوبات التي تعاني منها المنطقة والأحياء (أتحفّظ عن تسمية المدارس في الحالات التالية وتمكن العودة للدراسة الفرنسيّة المذكورة):
- في البداوي، لا تتمكّن المدارس من تلبية الطلب المتزايد نتيجة النمو الديمغرافيّ. وفيما يشكو الأهالي من ضعف مستوى المدارس الخاصّة، لا يمكن للثانوية الرسميّة إستيعاب التلاميذ فيتّجهون من البداوي إلى طرابلس.
- في التبانة، تصف إدارة إحدى المدارس الرسميّة الحالة كالتالي: تُعتبر المباني بحالةٍ سيئةٍ وبحاجةٍ لترميم؛ تغيب المعدّات والتجهيزات كالمقاعد والألواح في بعض الصفوف؛ المداخيل الشهريّة لأهالي التلاميذ هي حوالي 000 450 ل.ل. إذ أنّ أغلبهم من بائعي الخضار وعاملي النظافة وبائعي القهوة المتجولين؛ الأمّهات اللواتي يأتين لتسجيل أولادهنّ في المدرسة لم يتجاوز تعليمهنّ الصفوف الإبتدائيّة وبينهنّ أميّات… (دراسة AFD، ص.53).
- في القبّة، يظهر عددٌ من حالات العنف في المدارس (AFD، ص.54). تلامذة هذه المدرسة من الأحياء الفقيرة ورواتب أهاليهم هي حوالي 000 300 ل.ل. شهرياً. فهم من سائقي السيارات العمومية وبائعي الخضار. ويأتي عددٌ من التلاميذ إلى المدرسة مزودين بسكاكين؛ وتتحدّث الإدارة عن شجاراتٍ عنيفة وعراكٍ بينهم.
- في أبي سمرا، يتحدّث أحد المسؤولين الإداريين عن حالة أستاذ هُدّد بالقتل من قبل أحد التلاميذ بعدما وضعه على باب الملعب عدّة مرات (الدراسة السابق ذكرها، ص.54-55).
لا تعاني غالبية المدارس من هذه المشاكل، لكنها تشير بشكلٍ عام إلى وجود إضراباتٍ عائليّةٍ (كالعنف المنزليّ والطلاق) تنعكس سلباً على التلاميذ وتصرّفاتهم في المدارس (حالاتٌ عدّة معاينة في تقرير AFD وفي التقرير المشترك لمجلس الإنماء والإعمار والبنك الدوليّ).
في عمل الأطفال:
بالإضافة إلى الإتفاقية العالميّة لحقوق الطفل السابق ذكرها وللقوانين اللبنانيّة، صدّق لبنان مجموعةً من البروتوكولات والإتفاقات الأخرى المتعلّقة بعمل الأطفال، مثل إتفاقية مناهضة التعذيب، وإتفاقية العمل الدولية رقم 182، وإتفاقية العمل الدوليّة رقم 138، والتوصية رقم 164، كما مجموعة إتفاقاتٍ عربيّة[13]. إلا أنّ واقع عمل الأطفال لا سيما في الفيحاء لا يُظهر إحتراماً لهذه الإتفاقات والقوانين (إشارة إلى أنّ لبنان لا يزال غير موقّعٍ على عددٍ من البروتوكالات الأخرى)[14].
في حين أنّ نسبة العمالة لدى الأطفال دون سنّ 18 عاماً هي 13% في لبنان (20.7% لدى الذكور و4.9% لدى الإناث) بحسب دراسة International Poverty Center السابق ذكرها، تضمّ الفيحاء 3/1 من مجمل الأطفال العاملين في لبنان (بحسب دراسة Harmandayan[15] وتقرير AFD ص.51). تعود الأسباب إلى سوء نوعيّة التعليم، والظروف المدرسيّة الصعبة، وأحياناً عدم التشجيع العائليّ و”إلزاميّة” العمل لمساعدة العائلة. فقد أظهرت دراسة “أمل الأطفال” أنّ غالبيّة الأطفال العاملين في التبانة ينتمون لعائلاتٍ يبلغ راتب ربّ الأسرة فيها أقل من 000 500 ل.ل. شهرياً.
كذلك، تضيف مشكلة إرتفاع نسبة الولادات من عمالة الأطفال. فمتوسط حجم الأسرة في الفيحاء يبلغ عموماً 5.2 مقابل 4.23 في لبنان (CAS وأطلس لبنان)[16]. لكنّ حجم الأسر يرتفع أكثر في الأحياء الفقيرة، حيث ينظر بعض الأهل لأولادهم باعتبارهم مصادر دخلٍ مرتقبة. وعبّر عددٌ من العائلات الفقيرة في دراسة AFD (ص.51-52) عن نظرتهم للطفل كـ: “هبة من الله”، مساعد في العمل، وضامن لشيخوخة الأهل. ولا يعود هذا الفكر فقط إلى ثقل بعض التقاليد الإجتماعيّة الموروثة، بل يعود بالدرجة الأولى إلى غياب شبكات الأمان الإجتماعيّ والتغطية الصحيّة وضمان الشيخوخة.
وتزيد المشكلة خطورةً عند التدقيق في أعمار عدد من أولاد الفيحاء وساعات عملهم وطبيعته، فأكثر من ثلث الأطفال العاملين بدأوا عملهم بين 7 و9 سنوات، وأكثر من نصفهم بين 10 و12 سنة؛ و36.8% منهم يعملون بين 8 و10 ساعات يومياً و63.2% يعملون بين 11 و13 ساعة يومياً (دراسة “أمل الأولاد”)[17]. أيضاً، أكثر من 50% من الأطفال العاملين يعطون كامل رواتبهم لأهلهم ولا يحتفظون لأنفسهم بشيء. وهؤلاء الأطفال يعملون في سوق الخضار في التبانة، وميكانيك السيارات في البداوي، وفرز النفايات لتجميع الكرتون والبلاستيك في نواحي المدينة (دراسة PNUD)[18]. المسألة تتجاوز الحقّ بالعلم ومحاربة عمل الأطفال ومخالفة القوانين، إذ تصل إلى مشاكل صحيّة وأمراض مؤذية تصيب هؤلاء الأطفال.
نتيجة هذه الظروف، ينتشر شعور الإنغلاق بين مراهقي الأحياء الفقيرة وشبابها، وهو شعورٌ مرتبطٌ بقلّة خروجهم من أحياء الفيحاء نحو مناطق أخرى بفعل الظروف الإقتصاديّة التي يعانون منها. أما داخل المدينة فيفتقدون إلى المساحات الخضراء والنوادي الثقافيّة والرياضيّة والكشفيّة والترفيهيّة، ما يؤدّي إلى مشكلةٍ هامّة إذ يتحوّل التلفاز والمقاهي إلى مصدرَي الترفيه الأساسيّين. ويتمظهر العنف بوجود “شلل” مراهقين تنشر الخوف بين الأهالي في الليل؛ وقد حصلت سابقاً سرقات لأحجارٍ أثريةٍ بشكلٍ متكررٍ في المدينة القديمة على سبيل المثال (شهدت هذه السلوكيّات تراجعاً بعد انتشار الجيش). بالإضافة إلى ما ذكر، يعتمد عددٌ من مراهقي المدينة سلوكياتٍ خطرة، كتعاطي المخدرات أو بعض المواد اللاصقة الأرخص ثمناً من المخدرات (كالغراء وبعض أنواع المعجون) بالإضافة إلى الدخان والكحول (ذُكرت حالات سابقة ضمن تقرير للبنك الدولي)[19].
بالخلاصة، تُظهر جملة أرقام وحالات المقال واقعاً عانى ويعاني منه مراهقو الفيحاء وشبابها لناحية التعليم والأميّة والبطالة والفقر؛ واقعٌ ينعكس حتماً على خياراتهم الإجتماعيّة و”العقائديّة”. وليست جولات الإشتباك السابقة سوى وجه من وجوهه. ويستلزم الواقع معالجات عميقة عبر سياسات بنويّة، تربويّة، صحيّة، وإجتماعيّة، وليس مجرّد إنفاقٍ وتوظيفٍ مرحليّين ومتغيّرين وفق الظروف السياسيّة. وأيّاً كان النقد الموجّه للسلطة السياسيّة والمؤسسات العامّة المقصّرة بحقّ الفيحاء، يبقى وجود الدولة ومؤسّساتها التنمويّة (وليس فقط الأمنيّة) ضروريّاً ومطلوباً (لا سيما في التعليم والصحّة). إذ لا بد من إستيعاب الحالات الواردة في المقال والتي أصبح جزء كبير منها ضمن الفئة الناشطة إقتصاديّاً population active في المدينة (إما في حالة عمل وإما في حالة بطالة). وإذا كان الإستثمار العام الجديد بحاجة لفترة أطول للتخطيط والتنفيذ، فالعديد من الإستثمارات العامة القائمة حالياً ليس بحالة تشغيلٍ كاملٍ، وهي بحاجةٍ لتشغيل أفضل بالتزامن مع العديد من الإجراءات الماليّة والضريبيّة المحفّزة للقطاع الخاص لكي يؤدي دوره الإستثماريّ. ومن المشاريع الهامّة القابلة للتفعيل، يمكن ذكر المعرض الدوليّ، ومصفاة النفط، ومنطقة البحصاص الصناعيّة، وخطّ نقل البضائع، والملعب الأولمبيّ (بالإضافة إلى المنطقة الإقتصاديّة الخاصّة التي يُعمل عليها والتي لا تكتمل فيها شروط العمل العادلة[20]). ما يخلق فرصاً توظيفيّة ويجذب إستثماراتٍ جانبيّةٍ مرافقةٍ لهذه المشاريع، كقطاعات النقل والخدمات الصغيرة على أنواعها، لا سيما إذا ترافقت مع تشجيع عمليات “القروض الصغيرة” (microcredit) (التي يمكن أن تساهم في إطلاق عددٍ من الصناعات الصغيرة والحرف، وفي تعزيز الموجود منها في طرابلس كالصابون والشمع والخياطة والحديد والزجاج)، وبمواكبةٍ إجتماعيّةٍ وتدريبيّةٍ من الجمعيّات الأهليّة والشبابيّة والنسائيّة.
ختاماً، وأبعد من واقع الفيحاء الداخليّ، لا بدّ أيضاً من التفكير مليّاً بدور طرابلس الإقتصاديّ المستقبليّ الهام جداً إقليميّاً؛ إذ مع تطوير البنية التحتيّة في الصناعة والنقل والإتصالات، ومع الإعفاءات الضريبيّة (على رسوم الترخيص والضرائب على المنتجات المعدّة للتصدير وغيرها)، يمكن لطرابلس المساهمة جديّاً في عملية إعادة الإعمار في سوريا مستقبلاً (إذا حافظت على إستقرارها الأمني بعد الهدوء في سوريا). ولعلّ هذا الواقع المقبل يعين طرابلس على إستعادة دورها القديم الذي لطلما أدّته كعاصمةٍ إقليميّةٍ منذ زمن المماليك وحتى منتصف القرن التاسع عشر.
نشر هذا المقال في العدد 46 من مجلة المفكرة القانونية
[1] لا تشمل جميع الأرقام العامّة في المقال القلمون؛ كلّ رقم في الإحصاءات العامّة كما في تلك المركزّة على الأحياء الفقيرة يأتي مرفقاً بتحديد لنطاقه المكانيّ (القضاء، الإتحاد، المدينة أو الحيّ) ولتاريخ الدراسة.
[2] من الأحياء الفقيرة في طرابلس نذكر التبانة (لا سيما محلة بعل الدقور والحارة البرانيّة والكواع)، السويقة، أسواق النوري، وأسواق باب الحديد؛ في البداوي، نذكر وادي النحلة؛ وفي المينا، نذكر أسواق المينا ترب المسلمين، أسواق المينا ترب المسيحيين، والمساكن الشعبيّة.
[3] دراسة الوكالة أُعدّت تحت إدارة كاترين لو توماس وفريق عملٍ من خمسة باحثين ومساهمة برونو دوويلي.
[4] Maha Kayal, L’eau en société, étude réalisée pour CORAIL, 2007
[5] International Poverty Center غير معرّف باللغة العربية، مركزه في البرازيل ويعمل بالتعاون مع المعهد البرازيلي للأبحاث الإقتصادية التطبيقية IPEA و برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP.
[6] LAITHY Heba, ABOU ISMAIL Khalil, HAMDAN Kamal, Poverty, “Growth and Income Distribution in Lebanon”, International Poverty Center, study no 13, 2008
[7] الدراسة تأخذ بعين الإعتبار رأساً واحداً لكلّ عائلة لكنها لا تحدّد إن كان الأب أو الأم (ص.13-14).
[8] Tripoli Environment and Development Observatory, TEDO, rapport no 28, august 2008
[9] Al-Fayhaa Knowledge Transfer Center, “AFSDS 2020: Al-Fayhaa Sustainable Development Strategy Plan Review”, Presented by Mousbah Rajab, 2015
[10] تسجل الإناث معدّلات نجاح أكثر من الذكور بسبب منعهنّ من قبل الأهالي من تمضية أوقاتهن خارج المنزل.
[11] عاطف عطيّة ومها كيّال، طرابلس من الداخل، دار مختارات، بيروت، 2006.
[12] “البحث الإجتماعيّ السريع: طرابلس”، مشروع التنمية المجتمعيّة المنفّذ من قبل مجلس الإنماء والإعمار والمموّل من البنك الدوليّ 2002-2008.
[13] للمزيد العودة إلى دراسة “الخطة الوطنية لحقوق الإنسان” الصادرة عن لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب بالتعاون مع الUNDP عام 2008.
[14] البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل المتعلق بإجراء تقديم البلاغات مثلاً.
[15] HARMANDAYAN, Diran, Preliminary Brief for the Preparation of a Sustainable Development Strategy for the Al‐Fayhâ’a Union of Municipalities (Tripoli, Al‐Mina and Baddawi), 2004.
[16] The National Survey of Households Living Conditions, 2007, CAS
إيريك فرداي، غالب فاعور وسيباستيان فيلو، أطلس لبنان (الفصل الثالث: السكّان والإسكان)، ترجمة محمد الدبيات، نور خربطلي، وسلمى العظمى، Presses de l’ifpo et CNRS Liban, Beyrouth, Liban, 2012
[17] رغم صغر العينة لكنّ أرقامها معبّرة وتعكس واقعاً.
[18] PNUD, Al Tebbané, mai 2008 (dans AFD, p.52).
[19] CDR, World Bank, Resettlement action plan for Khan el Askar, Tripoli, phase 1, juin 2002, update in 2011.
[20] لناحية قانونَيَ العمل والضمان الإجتماعيّ.