عاصمة قضاء أم قرية فقيرة؟ الهرمل البعيدة عن عين الوطن وقلبه


2021-07-26    |   

عاصمة قضاء أم قرية فقيرة؟ الهرمل البعيدة عن عين الوطن وقلبه
الأبواب القديمة لبيوت الحجر والطين في الهرمل (تصوير كامل جابر)

قبل 23 عاماً أقمت حفل زفافي على ضفاف نهر العاصي ودعوت إليه أصدقائي من بيروت بعضهم لم يسبق أن زار الهرمل. بدأت الاتصالات تنهال عليّ بدءاً من الساعة 12 ظهراً: “وصلنا ع منطقة ما فيها حدا، وين هيدي الهرمل؟ لوين آخدتينا؟”. وكان معهم كلّ الحق حيث أنّ هرملنا تقع في أقاصي البلاد جغرافياً وإنمائياً. 

عندما تدخل الحيّز الجغرافي لبعلبك الهرمل تتغيّر الطبيعة الجغرافية والمناخية شيئاً فشيئاً. فالمنطقة المفتوحة على البادية السورية تكتسب مناخاً شبه صحراوي، فتنبسط الأرض على جانبي الطريق ذهبية جافّة، فيما تلتحف بعض القرى سفح السلسلة الغربية وكأنّها تتلطّى طمعاً ببعض الاخضرار ومياه الينابيع. فراغ أغبر تكسره منازل البلدات المتشكّلة حول الطريق متّصلة بعضها ببعض في معظم الأحيان إلى أن تصل إلى منعطف بلدة رأس بعلبك. من هناك تلوح الهرمل ولكنها تبقى بعيداً 18 كيلومتراً، بقعة سكنيّة يكسر إسمنتها بعض اخضرار نجا من تمدّد عمراني شرس أكل بساتينها التي طالما اشتهرت بها.  

من بعيد، تبدو الهرمل نائية وحيدة. ولكنّ الهرمل ليست فقط تربة ومناخاً وصخوراً ونهراً غزيراً عاصياً، و11 نبعاً يتدفّق في أرجائها. والهرمل ليست فقط عاصمة قضاء، ولا مدينة مفتوحة على سوريا وأهلها، ولا تلك المدينة التي تتركّز في سفح سلسلة جبال لبنان الغربية حيث تضمّ جرود البقاع الشمالي مع بعض عشائره. الهرمل هي كلّ هذا معطوفاً على مئة ألف مواطن تُركوا هناك بعيداً عن عين الوطن وقلبه، لينزح 50% على الأقل من بينهم، وفق إدارة الإحصاء المركزي 2018-2019. فالبُعد يصعّب مشوارهم في الحياة من صرخة الطفل منهم عند الولادة، مروراً بخطواته الأولى نحو مدارسها المتعثّر بعضها، إلى الجامعة التي تبعد 150 كيلومتراً، وصولاً إلى الحق في خدمة صحية جيدة وفي أمن لا ينفصل عن التنمية، وبدورها لا تنفصل عنه.   

مدينة الشهداء

بعد رأس بعلبك بنحو كيلومترين يتركّز حاجز للجيش اللبناني عند نقطة “المحطّة” – نسبة إلى محطة القطار القديمة التي ما زال مبناها قائماً – فيما تواطأ اللواء الراحل غازي كنعان في عزّ سطوة السوريين في لبنان مع أحد نافذي المنطقة لفك “سكّة التران” وبيعها. هناك عُلّقت لافتتان الأولى تشير إلى الطريق الدولية نحو القاع وسوريا، والثانية ترشد القادمين للانعطاف يساراً نحو الهرمل. القاع، جارة الهرمل وأقرب القرى القابعة في سفح السلسلة الشرقية على الحدود مع سوريا إليها (حوالي 7 كيلومترات) هي أقرب إلى الهرمل بنحو 55 كليومتراً منها إلى بعلبك، ومع ذلك أتبعتها الحسابات الانتخابية الطائفية مع رأس بعلبك والفاكهة والجديدة إلى قضاء بعلبك، ليُحتسب سكانها من الطائفة المسيحية قوّة مؤثّرة مع ناخبي دير الأحمر وعيناتا وشليفا والمقدم وغيرها من قرى قضاء بعلبك، فيُمنحوا نائبين ولا يضيعوا في الغالبية الشيعية في قضاء الهرمل.   

مع الانعطاف نحو الهرمل، ترسم لوحات الإضاءة الشمسية المعلّقة على العواميد شكلاً هندسياً يشبه رفّ الطيور الكبيرة فاردة أجنحتها مع كل موسم هجرة. للأسف، لم يبقَ من مشروع إضاءة مدخل الهرمل الموحش للقادمين الغرباء، وخصوصاً ليلاً، سوى الأعمدة المطفأة ولوحات تخزين الطاقة الشمسية لتحويلها إلى كهرباء. قبل نحو عشر سنوات أشاع القيّمون على المشروع الذي نُفّذ في عهد وزير الأشغال الأسبق غازي العريضي، أنّ مصابيح الأعمدة (أي اللمبات) قد سرقت ولذا لم يعد بالإمكان إنارة مدخل الهرمل برغم مئات آلاف الدولارات التي دفعت على المشروع. المهندس بومدين الساحلي الذي دأب على مراقبة مشاريع المنطقة ضمن لجنة من المهندسين المهتمّين بإنماء القضاء وعاصمته الهرمل، يؤكّد أن فساداً اعترى صرف المال وأدّى إلى خلل تقني عطّل الإضاءة وليس صحيحاً أنّ السبب هو السرقة: “بس لأنّه الناس بتصدّق أنه في سرقات فوق فاستسهلوا رمي المسؤولية على الناس”. هذا لا ينفي أنّ بعض البطاريات والمصابيح اختفت عندما لم يعد هناك جدوى للأعمدة الجميلة سوى أن تؤنس المدخل الذي ينساب وحيداً نحو وادي العاصي عابراً على كتف نبعه الأول عين الزرقا.  

من مدخل الهرمل تستقبل القادمين إلى المدينة بعض الشجيرات وأحواض الورد المعتنى بها، وهو مشروع تفتخر به بلدية الهرمل أشد افتخار، كون المدخل بقي صحراء قاحلة إلى أن نفّذت تشجيره قبل نحو 15 سنة. وفعلاً نجح في كسر التصحّر المترامي الأطراف لشرق المدينة.

عند مدخل القاموع، وهو من الآثار الشهيرة في الهرمل، يرتفع قوس نصر نفّذه اتحاد بلديات القضاء ويرأسه عادة رئيس بلدية الهرمل. يتحدّث بعض المهندسين عن فساد اعترى إنشاء هذا القوس، عدا عن أنّ كثراً يرون أنّ المال الذي خُصّص له كان يمكن استثماره في أمور تشكّل أولوية لمنطقة محرومة كما الهرمل. يتحدّث أهل المدينة أنّه جرى تلزيم القوس بـ51 مليون ليرة في المرّة الأولى، لكن ما لبثوا أن ألغوا المناقصة ولزّموه بـ95 مليون ليرة، ثم اكتشفوا أنّ أعمدة الدعم لا تكفي لحمله فخصّصوا 50 مليون ليرة إضافية لتدعيمها.

تحت القاموع تبدو إحدى البحيرات الزراعية التي كان القصد من إنشائها تجميع مياه الشتاء لاستخدامها في الري شاهدة على هدر الأموال على شحّها. البحيرة فارغة فيما تخربت منشآتها في دليل حسّي على مشاريع التنفيعات التي انتشرت في أعوام سابقة عبر برك مائية زراعية مماثلة سواء في السهل أم في الجرد. 

بعد قوس النصر بنحو مئة متر، تدلّ اللوحة إلى جانب الطريق قرب مستشفى الهرمل الحكومي الذي افتتح في 2006 وأدى اختلاف الثنائي الشيعي الذي يمثل المدينة (حزب الله وحركة أمل)، على تحاصص مجلس الإدارة رئيساً وأعضاء، إلى تأخير وضعه في خدمة الناس 6 سنوات. 63 عاماً من حرمان الهرمل وقضائها من مستشفى حكومي بعد الاستقلال لم يشكّل حافزاً للقوى السياسية للتعالي عن المصالح الضيقة لصالح المواطنين. 

من المستشفى الحكومي نرولاً نحو وادي العاصي يستقبلك حاجز ثان للجيش اللبناني هو نفسه الذي استهدفه أحد التفجيرات الثلاث التي هزّت بالهرمل إبان تواجد مسلحي تنظيمي داعش والنصرة في جرود عرسال ورأس بعلبك والقاع والقلمون السوري. هناك استشهد الملازم الأول الياس الخوري، ابن بلدة الفاكهة ومعه الجندي حمزة الفيتروني من الهرمل اللذين نقل أنّهما تمسكا بالسيارة المفخخة التي كانت تقصد الهرمل فاضطر سائقها إلى تفجيرها بهما، فافتديا المدينة وأهلها. وبرغم مطالبة العديد من أبناء المدينة بتسمية الشارع باسمهما وفاء لتضحيتهما،  لم تستجِبْ بلدية الهرمل حتى الآن لذلك.

بعد جسر العاصي بأمتار تظهر تباعاً صور شهداء حزب الله الذين سقطوا مع المقاومة جنوباً على الحدود مع فلسطين المحتلة. عدد الصور يفوق عديد الأشجار ليمنح الهرمل لقبها “مدينة الشهداء”. مدينة الشهداء الذين سقطوا أيضاً خلال الحرب الأهلية وفي صفوف المقاومة الوطنية في الجنوب والبقاع الغربي وخلال اجتياح 1982 في بيروت. 

أحد الأحياء القديمة في المهرمل (تصوير كامل جابر)

عاصمة قضاء أشبه بقرية

برغم نسبة النزوح العالية التي تجعل الهرمل تنزف أبناءها نحو أحزمة البؤس في العاصمة والضاحية بنسبة تقارب 50% كمدينة وليس كقضاء، إلاّ أنّ التطور العمراني الذي شهدته في السنوات الثلاثين الماضية كبير. بناء غير منظّم، أنشئ معظمه بلا ترخيص بنسبة تلامس 97% وفق معطيات إدارة الإحصاء المركزي. تكاد منازل الهرمل أن تصل إلى العاصي من مدخلها حيث تضاءلت المسافة بينهما إلى نحو مائتي متر بعدما كانت سابقاً لا تقلّ عن كيلومتر ونصف الكيلومتر. اتصلت المدينة بالمناطق المجاورة لها سواء من الشرق بقرية الشواغير المتركّزة على كتف العاصي، وكذلك بقرى المنصورة والبويضة والقصر على الحدود السورية شمالاً، فيما صعدت أحياؤها في الدورة والمُرحَين الشمالي والجنوبي لتلامس مداخل الأودية لناحية الجرود. أما جنوباً فقد توسّعت باتجاه وادي الكرم مشكّلة حي رأس المال الذي حمل اسم النبع الرئيسي الذي يغذّيها بمياه الشفة وأهم ينابيعها الـ11 بعد ينابيع العاصي.  

أعلنت الدولة اللبنانية بعلبك الهرمل محافظة مستقلّة عن البقاع بموجب القانون 522 في 16 تموز 2003. واستبشر الهرمليون خيراً بإعلان مدينتهم عاصمة للقضاء الذي يحمل اسمها، بما يستلزم ذلك من إنشاء دوائر خدماتية أساسية بعد أن كانوا يسافرون إلى زحلة مسافة 90 كيلومتراً لإنجاز أوراقهم في نواح عدة، بخاصّة وأنّ القضاء يضم 33 بلدة يسكنها مع الهرمل نحو 100 ألف مواطن. إلّا أنّ الدولة انتظرت 11 عاماً حتى تباشر تنفيذ القانون، فعيّنت محافظاً لها (بشير خضر) في 2 أيار 2014، بعد أن تمّ تدشين سرايا الهرمل في 2006. وفي حين أنشئ قلم لقاضٍ منفرد في الهرمل منذ الستينيّات تمّ نقله لاحقاً من شقة مستأجرة إلى السرايا الحكومية بعد تدشينها، إلّا أنّ أحداً من أهل الهرمل لم يرَ القاضي المعيّن فيها منذ ما قبل كورونا. ويؤكد نائب رئيس بلدية الهرمل عصام بليبل أنّ البلدية رفعت كتاباً إلى وزارة العدل تبلغها فيه بعدم حضور القاضي إلى محكمته في الهرمل ولكن “من دون أي نتيجة، يعني ما صار شي بناء على كتبنا”، بحسب بليبل. ولذا تُختصر محكمة الهرمل اليوم بكومة من المستندات والملفات التي لا يلمسها أحد “حتى أوقات بيسألوا القاضي إذا بينزّلوا له الملفات ع بيروت فبقلّهم مشغول”، وفق ما يؤكد أحد محامي الهرمل. 

تمّ مؤخراً إقرار غرفة للسجل العدلي في السرايا ولكن اختلاف الثنائي الشيعي على التوظيفات داخلها أجّل تنفيذها. وعليه، ما زال أهل الهرمل والقضاء يقصدون بعلبك للحصول على سجل عدلي. 

وكذلك حصل مع استحداث دائرة تربوية خاصة بالقضاء لتسهيل إنجاز المعاملات التربوية للتلامذة والمدارس التي تحصل في بعلبك. وبرغم اللافتات التي رفعت في الهرمل شاكرة فلاناً وعلّاناً وهذا الحزب وذاك على استحداث الدائرة التربوية التي لم توضع قيد التشغيل، حالت الحسابات الحزبية هي الأخرى دون قيامها فعلياً. أما استحداث دائرة للضمان ودائرة لتعاونية موظفي الدولة فقد اقتصر دورهما على استقبال الطلبات من دون البتّ بها، أي أنهما بلا صلاحيات إدارية. ولذا على المواطنين والموظفين أن ينتظروا إرسال البريد إلى بعلبك وعودته لتسيير أمورهم. 

مدينة مختلطة أم كانتونات عائلات وعشائر

تكاد الهرمل أن تكون المدينة الوحيدة في لبنان التي تضمّ سجلات قيودها لبنانيين يعيشون في بلد آخر ليس بسبب نزوحهم أو اغترابهم إليه، بل لأن سايكس- بيكو، الاتفاقية التي فصلت لبنان وسوريا إلى دولتين، قطعت أجزاءً من قضاء الهرمل وألحقتها بسوريا، فصارتْ قرى لبنانية داخل الحدود السورية، لا يقلّ عديدها عن نحو 15 بلدة ينتخب أهلها في الهرمل المدينة، وفي قضائها وخصوصاً في القصر وحوش السيد علي والشواغير.

وللهرمل ميزة ترتبط بنسيجها العشائري حيث تتركّز العشائر تاريخياً في الجرود التي لا يشاركها أحد في ملكيّتها، اللّهم إلّا بعض العائلات الصغيرة التي لا تغيّر في موازين القوى المسيطرة على كل منطقة. وتتخذ كّل منها جرداً يسمّى باسمها “جرد آل علوه”، “جرد آل ناصر الدين” إلخ.. وحين نزلت العشائر من سلسلة جبال لبنان الغربية قبل نحو ستين عاماً ونيّف، لم تتوزّع بشكل كبير داخل المدينة وإنّما اتخذت لنفسها مناطق خاصّة باتت بمثابة امتداد جغرافي لمناطق نفوذها، حيث لا يشاركها أحد في السيطرة على طرقاتها التي تربط جرد كلّ منها بمنطقة تمركزها في المدينة. ومع أنّنا نجد ناخبين من عشائر السلسلة الغربية كآل ناصرالدين ودندش وعلوه وآل جعفر (ولو بنسبة أقل) في الهرمل الإدارية نفسها، وتحديداً في أحيائها الرئيسية: الحارة والوقف وبديتا، حيث يقارب عددهم ثلث الناخبين البالغين نحو 30 ألف ناخب في المدينة نفسها. إلّا أنّ تموضع هذه العشائر الأساسي كمقترعين وملاك أراضٍ، يبقى في أقلام اقتراع الأودية التي كانت تعجّ بهم كسكّان قبل أن ينزحوا إلى المدينة. 

وبالإضافة إلى العائلات المتحدّرة من العشائر، نجد عائلات الهرمل، وخصوصاً الأساسية منها والتي تفوق العائلات الصغيرة عدداً، تتوزع الأحياء بصبغة عامة لهذا الحي أو ذاك، ففي حي الحارة وامتداداً نحو ساحة السبيل مثلاً تتمركز عائلات طه والساحلي وصقر (تمتد الأخيرة نحو حي المُرح)، ونجد ثقل عائلتي محفوظ وشاهين في حي الضيعة والبيادر. ولكن هذه الحال شهدت اختراقات توسّعت مع الوقت وخصوصاً مع تمدّد الهرمل وإنباتها أحياء مستجدّة مختلطة سكنتها الأجيال الجديدة التي كانت تحتاج للبناء بعيداً عن بيت العائلة الأم. وبقي سكن العشائر حتى في الأحياء المختلطة محكوماً بقرب الأخيرة من كانتون هذه العشيرة أو تلك. ففي حال كان الحي المختلط قريباً من منطقة نفوذ عشيرة ما، فإنّ أبناءها يسكنون فيه مع عائلات الهرمل من غير العشائر، فيما أنّ أبناء العشائر الأخرى يتجنّبونه بشكل عام فيما بعض الاستثناءات القليلة لأشخاص يغرّدون خارج سرب المفاهيم التي تحكم موازين القوى بين العشائر. 

المدينة ومساحاتها المشتركة

ليست التركيبة السكنية والديموغرافية الموزّعة حسب العشائر والعائلات التي تحكم الهرمل وحدها التي غيّبت مساحات التلاقي في المدينة فقط. فالهرمل البلدة نمت وتطوّرت لتصير مدينة من دون أي تنظيم مدني ولا حتى تراخيص لإنشاء نحو 97% من بيوتها، وهي تخلو اليوم من الحدائق العامة التي يمكن أن تشكل متنفساً لقاطنيها، فكانت أزقة الأحياء مثلا هي ملاعب أطفالها، إضافة إلى بعض العقارات غير المبنية التي تتحول إلى ملاعب ترابية لكرة القدم. 

وللهرمل ساحتها الرئيسية، هي ساحة السبيل وفيها سوقها الرئيسي الذي يمتد شمالاً حتى آخر منطقة الدورة. وفيها أيضاً موقف للحافلات عبر السنين، وكانت شاهدة منذ القدم ولغاية اليوم على مغادرة أبناء المدينة نحو العاصمة وعلى النزوح الكثيف من المنطقة. وتخلو الساحة من المقاهي، ويقتصر وجود المطاعم فيها على مطعم فول لا يتسع لأكثر من ثلاث طاولات كحد أقصى ومحلات سندويشات. قبل سنوات، افتتح مطعم فول آخر أكبر بقليل من الأول، فيما صمد مقهى يتيم مخصص للرجال للعب ورق الشدة. وفي آخر شارع ساحة السبيل، وتحديداً في بداية منطقة السرايا الحكومية افتتح مقهى لشخص من عشيرة علوه، شكّل ملتقى متواضعاً لجزء من شبان وشابات المدينة. وتعرّض هذا المقهى في أوائل نيسان 2021 خلال إشكال عشائري لإطلاق نار أصاب قارورة الغاز داخله ممّا أدى إلى انفجارها واحتراقه بالكامل.  

ولكن ساحة السبيل التي بقيت ساحة الهرمل الوحيدة لسنوات طويلة قبل أن تنشأ مؤخراً ساحة السرايا الجديدة التي اتّخذ منها ناشطو حراك الهرمل أثناء ثورة 17 تشرين مركزاً لاعتصامهم. لم تكن يوماً مكاناً آمناً كمساحة مشتركة بسبب المشاكل ذات الطابع العشائري التي غالباً ما تكون مسرحها. وكثيرة هي جرائم القتل سواء العمد أو العشوائي التي حصلت فيها، عدا عن إطلاق النار، والقذائف مؤخراً في خلال تشييع أبناء العشائر وخصوصاً الوجهاء من بينهم. 

ويوجد في الهرمل تاريخياً مساحة خضراء واحدة هي منشيّة الوقف التي كانت مقصد أبناء الهرمل قبل الثمانينيّات حين كانت ملكاً بلدياً قبل أن “يضمنّها” المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى لأحد أبناء عشائر المنطقة، لمدة 99 عاماً، ففقدت وظيفتها الأساس فعلياً. ومؤخّراً، رفعت بلدية الهرمل دعوى قضائية لدى قضاء العجلة كونها مالكة أرض الوقف لاستعادتها ولكنّها تعجز لغاية اليوم عن ذلك، وهي تحاول حل الموضوع “حبّياً”. وفي أواخر 2019 حصل تطوّر إيجابي في قضية منشية الوقف حيث قامت جمعية أجنبية بالتعاون مع اليونيسف وفي إطار دعم المجتمع المضيف للنازحين، بتركيب ألعاب للأطفال فيها وتحويل “مرجتها” إلى ملعب لكرة القدم مع تركيز ثلاث طاولات للـ”بيك نيك”. ولكن حتى اليوم، وربما بسبب كورونا، لا نجد إقبالاً من أبناء المدينة عليها، وما زال ضامنها من آل عوّاد يسكن فيها ويفتح دكاناً يبيع فيه مشروبات غازية وعصائر وبعض “النقرشات” للرواد في حال أتوا. 

ورغم وقوع الهرمل على ضفاف العاصي وإن فصلتها عنه نحو 3 كيلومترات كحد أقصى، إلّا أنّ العلاقة مع النهر لم تتحوّل إلى ملتقى جماعي إلّا في الأفراح التي درج تنظيمها في مطاعم العاصي في العشرين سنة الأخيرة. فالعلاقة مع النهر ما زالت فردية وعائلية، والأهم أنّ النهر ليس سوى مقصداً لتناول الطعام في مرافقه السياحية، والاختلاط مع من يقصده من خارج الهرمل.  

وقد حاولت جمعيات ولجان أهلية تحريك الركود في الأنشطة الثقافية والأدبية والفنية ومعها الاجتماعية في المدينة، وهي محاولات نشطت في فترة زمنية محدّدة لتنطفئ أو تخمد بعدها. ففي أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، تجمّع عدد من ناشطي الهرمل من مستقلّين وفاعلين في أحزاب تقدّمية ليشكلوا لجنة أهلية لإنماء المدينة وتمكّنوا من إنشاء مبنى لمركز ثقافي يحتوي على مكتبة عامّة. ولكن المبنى بقي بلا مكتبة مجهزة، واقتصر دوره على  مع بعض الأنشطة المحدودة كالندوات. 

وعرفت الهرمل في النصف الثاني من الثمانينيات رابطة شباب الهرمل التي ضمّت في أوجها نحو 60 شاباً وشابة، وفق أحد مؤسّسيها حسن شاهين. وعبر أنشطتها الثقافية، نظمت الرابطة مهرجانات شعرية أبرزها للشاعر أحمد فؤاد نجم وهو حدث لم تشهدْ مثله الهرمل من قبل، بالإضافة الى أمسيات شعرية للشعراء ممدوح عدوان وشوقي بغدادي وشوقي بزيع. وأقامت معارض رسم لكلّ من الفنانين أبي ذر الغفاري وناجي العلي. وبما أنّ الهرمل لم تعرف السينما، حدّدت الرابطة يوماً في الأسبوع لعرض أفلام سينمائية مختارة، يعقبها نقاش بين الحضور. وعرفت الهرمل للمرّة الأولى مع الرابطة تشكيل فريقي كرة طائرة للشبّان وآخر للشابات نافسا على مستوى منطقة البقاع. وقد أصدرت الرابطة نشرة فصلية للإبداع في البقاع الشمالي، نجد العدد الثاني منها في 1992 مخصّصاً لذكرى المفكر مهدي عامل. ولكن الرابطة انتهت مع مغادرة معظم كوادرها للدراسة والعمل في الخارج أو في بيروت.    

في أواخر النصف الثاني من الثمانينيات أيضاً، تشكلت لجنة العمل الثقافي في الهرمل (تأسّست في ما بعد كجمعية تحمل اسم منتدى التراث والثقافة)، وتمكّنت من إنشاء مكتبة عامّة والإفادة من قاعة المسرح في المبنى الذي شيّدته اللجنة الأهلية في أوائل الثمانينيات. وعملت اللجنة، وفق إحدى مؤسّساتها زينب شمس، على جمع الكتب من منازل أهل الهرمل “كل حدا تبرع لنا من بيته بشوية كتب” مما شكل نواة لمكتبة فُتحت لعامة الناس وشكلت ملتقى لتلامذة المدارس في الهرمل خصوصا مع اعتماد المنهجية الجديدة في 1998 وإدخال الأبحاث كجزء من العملية التربوية التطبيقية. فتحولت المكتبة العامة إلى مكان لتلاقي جميع طلاب المدارس، وقام أعضاء لجنة العمل الثقافي بكتابة نصوص مسرحية وإخراجها ليؤدّيها التلامذة، كما نظّموا دورات تقوية للمحتاجين من بينهم. وإذ استردّت بلدية الهرمل بعد ذلك المكتبة العامة من اللجنة، . نجح منتدى الثقافة والتراث من الحصول على تمويل وبناء مركز مع مسرح للأنشطة ومكتبة عامة واستمر بتنظيم الأنشطة الثقافية  للبنانيين واللاجئين من سوريين وعراقيين في الهرمل، ولكنه اليوم مقفل بسبب كورونا ويعاني من أزمة تمويل قد تعيق استمراره كواحة في ظل حاجة الهرمل إلى مساحات تفاعلية مشتركة. 

 أحياء الهرمل

حي الحارة 

يعتبر حي الحارة أكبر أحياء الهرمل وأقدمها إذ ما زال يضمّ بعض المنازل الترابية والحجرية القديمة التي تدلّ على الطابع القروي الفقير الذي طبع المدينة لسنوات طويلة. ما زال الحيّ الذي يتفرّع من ساحة السبيل مكتظّاً وعبارة عن كتلة من الإسمنت حيث تتمتّع منازل قليلة بواحة صغيرة أمامها، فيما تشقّه طريق ضيّقة متعرّجة لا تتّسع لسيّارتين في معظم الأماكن. 

يبلغ عدد ناخبي حي الحارة نحو 10200 ناخب (كانوا 9 آلاف في 2018)، وفق أحد مخاتيرها الستّة بسّام طه. تسكن الحي معظم العائلات الهرملية الكبيرة تتصدّرها عائلة صقر (1300 ناخب).  

يقول المختار طه إنّ الهرمل توسّعت من حي الحارة بالأساس الذي يمتدّ من محطّة وقود آل العميري على زاوية سرايا الهرمل الحكومية إلى “مهنيّة” الهرمل على الحدود مع حي المنصورة شمالاً، ويتمدّد داخل الهرمل نحو حي الضيعة على مدخل حارة عشيرة آل حمادة مقابل ضريح رئيس مجلس النواب الراحل صبري حمادة، ثم ينعطف نحو حدود حي التلّ في أطراف الهرمل لناحية بلدة الشواغير على كتف العاصي. وعليه يضمّ حي الحارة ساحة السبيل، الدورة، وجزء من المرح الشمالي، والكعيدية.     

حي الوقف

يكتسب حي الوقف اسمه من الوقف، وهو المنشية أو الحديقة  اليتيمة في الهرمل  والتي ذكرناها أعلاه. وفيه المقبرة الأساسية للمدينة، إضافة إلى مقبرة آل حمادة الذين خصّوا وجهاءهم بأضرحة مقبّبة، وهي غير المقبرة التي تضمّ ضريح صبري حمادة ونجله الوزير الأسبق الراحل ماجد حمادة. 

ويضمّ حي الوقف أيضاً جزءاً من المرح الجنوبي حيث تتركّز عشيرة آل علوه، وحيّيْ البيادر والمعالي. يقول أحد مخاتيره الخمسة زين ناصر الدين إنّه من أكثر أحياء الهرمل اختلاطاً إذ يبلغ عدد ناخبيه من العشائر (علوه، ناصر الدين وحمادة وشمص) نحو ثلث المقترعين البالغ عددهم نحو  12 ألف ناخب.

حي بديتا

يمتاز حي بديتا عن حيَّي الحارة والوقف كون معظم ناخبيه الـ7700 يسكنون خارجه، إذ لم يبق فيه سوى 2000 ناخب، بينما توزّع البقية على من نزحوا من الهرمل قبل أكثر من 30 سنة، إضافة إلى من يسكنون بالأساس في قرى سوريّة. يقول أحد مخاتير حي بديتا سليمان شمص إنّ الحرمان وقلّة فرص العمل والعلم هجّرت ناخبيه. وفي بديتا أيضاً ينتخب نحو 2500 شخصاً من العشائر وتحديداً شمص ودندش وعواد وعلام. وهناك ضيع قائمة بذاتها مثل الخرايب والمعيصرة ووادي العس والزيرة ينتخب أهلها في حي بديتا، بينما أملاكهم وكل حياتهم خارج الهرمل. تتركّز بديتا على أعلى تلال الهرمل ثم تتوسّع جنوباً لتضم مناطق العسري والإيرانية، ثم تتدرّج نحو الهرمل فتشمل حيي الضيعة والبيادر. 

حزب الله يسيطر على البلدية وسط تنامي الأصوات المعترضة

كما كلّ لبنان، شهدت الهرمل الانتخابات البلدية الأولى بعد الحرب في 1998. يومها تنافست لائحتان الأولى من العائلات والأحزاب، بما فيها حركة أمل، والثانية من حزب الله فازت كاملة. في الدورات التي تلت دورة 1998 ولغاية الانتخابات الأخيرة في 2016، صارت اللائحة الفائزة مكوّنة في غالبيتها من حزب الله بالتحالف مع حركة أمل، إضافة إلى عضو لحزب البعث وأحياناً عضو ثان للحزب السوري القومي. وكانت هذه اللائحة تفوز بفارق أصوات كبير عن اللائحة أو اللوائح المنافسة وحتى على المرشحين المستقلين. ومن اللوائح المنافسة في انتخابات 2016 لائحة “معاً” التي تجمّع لتشكيلها ناشطات وناشطون من الهرمل في محاولة للانتفاض على هذا الواقع، ونالت ثلث أصوات المقترعين، فيما فازت لائحة حزب الله بالثلثين. 

من بين أعضاء اللائحة زينب شمس وفداء الساحلي الأولى (زينب) معلّمة مدرسة، فيما تحمل فداء إجازة في إدارة الأعمال والتسويق. سبق لزينب أن خاضت الإنتخابات البلدية لـ3 دورات متتالية قبل تجربتها مع “معاً”. كانت في كلّ مرة تضع برنامجاً انتخابياً للإنماء والعمل البلدي الشفاف والسليم وتدور على الأحياء لتخبر الناس عن أهمية التغيير وعن حقوقهم البديهية. تضحك وهي تخبر “المفكرة” عن ذلك وتقول “كانوا يقولوا لي هالحكي حلو بس مش بوقته، بدنا ننتخب لايحة الحزب والحركة لأنه بدنا نوظف أولادنا”. ترى أنّ المواطن يعرف كل شيء “بس محتاج للوظيفة ولكرتونة الإعاشة وللمئة دولار أيام ما كان في دولارات”. 

تسأل زينب عن دور الجمعيات والأحزاب في توعية المواطن، لتجيب نفسها: “الأحزاب فسُدت لأنها ملحقة، والجمعيات مثلها تماماً”. 

ترى فداء بدورها أنّ الزبائنية دائمة ولا تنبت في وقت الانتخابات فقط: “غير الدين، حيث هناك متديّنون، يمسكون الناس بالمستشفيات، وبالخدمات التي هي حقوقهم، وبالجامعة اللبنانية وكأنه ليس من حق الشباب أن يدخلوا إلى الجامعة الوطنية، أو عن طريق وظيفة”. تتذكر كيف اتهموها أنّها ضد المقاومة لأنّها ترشحت، لتؤكّد أنّ المنافسة في الانتخابات البلدية ليست على أساس المشروع أو البرنامج الانتخابي أو الكفاءة، بل هل أنت مع الحزب أم مستقلّة؟ وللدلالة على مستوى المحاسبة تشير إلى أنّ البعض وصل به الأمر أن طلب منها أن تتوقّف عن الخروج برفقة كلبها لأنّ البعض يعتبر الكلب نجساً، وأسماها بعض خصومها بـ”أم كلاب”. 

تتذكر زينب أيضاً أنّ جارتها طلبت منها أن تشطب لها أحد أسماء لائحة الحزب والحركة وتضع اسمها مكانه. هنا استنفرت إحدى مندوبات لائحة أحزاب السلطة وقالت لها “ييييه يا حاجة أنتي ما بتحبي الحسين؟”. عندها قالت لها زينب “وشو خص الحسين بالانتخابات البلدية؟: غابت جارة زينب قليلاً ثم غافلت مندوبة اللائحة المنافسة وطلبت منها أن تضع اسمها “ما بدي رد عليهم، حطّي لي إسمك”. سيدة أخرى أخبرت أعضاء لائحة “معاً” أنّ مندوبة اللائحة المنافسة قالت لها “إذا بتنتخبي اللايحة المرشحة ضد الحزب بتروح حجّتك”، أي أنّ حجّتها تبطُل.

بلدية بموازنة تشغيلية

يبدأ نائب رئيس البلدية الحالية عصام بليبل جردة حساب العمل الإنمائي لبلدية الهرمل منذ 2010، “ما لحقّنا نبلش نشتغل إلّا وبدأت الحرب السورية وشحّت الموارد”. ولكن ألم تكن البلديات السابقة من خطّكم السياسي والحزبي؟ نسأله، فيعترف أنّ الحكم استمرارية “بس رح إحكي عن ولايتنا، حيث توالى قدوم النازحين السوريين ليصلوا إلى نحو 10 آلاف ساكن جديد في الهرمل ممّا شكّل ضغطاً على الصرف الصحي والكهرباء والمياه”. وعندما نذكّره أنّ الهرمل تعاني من عدم وصول المياه إلى نصف السكّان على الأقلّ، كما أنّ 60% من المنازل غير موصولة إلى شبكة الصرف الصحي، يقول إنّ ذلك يعود إلى التوسّع المستمر للمدينة باتجاه بديتا والعسري جنوباً، وبلدة القصر شمالاً وكذلك نحو الوديان من ناحية الغرب وبلدة الشواغير ونهر العاصي باتجاه الشرق “يعني مش عم نلحّق نلاقي تمويل لنلحّق على 9000 وحدة سكنية هي تعداد منازل الهرمل، مثلاً كنّا بحاجة لـ20 ألف متر من الأنابيب لشبكة المياه تمّ تأمينها من مجلس الإنماء والإعمار، عادت المدينة وتوسّعت وصرنا بحاجة إلى 10 آلاف متر من جديد”. ويضيف بليبل إلى عمل البلدية “تفريغ الجور الصحّية” للمنازل غير الموصولة إلى شبكة الصرف: “نحن بصدد إنشاء محطّة تكرير بتمويل من الاتحاد الأوروبي وستخدم 40% من المنازل الموصولة إلى الشبكة، ولازم نعمل محطّات تكرير صغيرة في مناطق مختلفة من الهرمل”. من هذه المحطّات الصغيرة، كانت البلدية تخطّط لمحطّة في وادي الجوز قبل حي الإيرانية حيث يسلّط السكان هناك مجارير منازلهم إلى ساقية نبع الإحدى عشرية التي تستعمل في ري بساتينها “بس الناس ما قبلوا وتوقف المشروع”، كما يقول. أمّا محطّة تكرير الصّرف الصحّي لحي راس المال فوق النبع الأساسي الذي يغذّي المدينة فتتعرّضت لـ”سرقة كابل الكهرباء وتتوقّف إلى حين تمديد كابل جديد”، وتستعمل مياهها للري أيضاً.  

تذهب موازنة بلدية الهرمل البالغة مليارين و700 مليون ليرة سنوياً، وفق بليبل، للتشغيل “كل يوم عنّا مصاريف بـ4 ملايين ليرة بين أجرة عمّال ومحروقات وصيانة”. ومع ذلك وصل البلدية من مستحقّاتها 800 مليون ليرة في “عزّ كورونا، ونصف موازنة 2018 في شهر تموز 2020، فيما “لم يدفعوا لنا نصف موازنة 2018 وموازنتَي 2019 و2020 والعام الحالي 2021”. 

ويردّ بليبل الظلمة التي تعمّ معظم طرقات الهرمل إلى غلاء الأسعار “من 2010 ولغاية اليوم وضعنا 6000 جهاز إنارة، لكننا غير قادرين على تغيير ما يتعطّل منها لأنّ كل مصباح يكلّف مع تجهيزاته 50 دولاراً”.  وعندما نسأله عن مشاريع المسلخ ومعمل علف السمك اللذين أقفلا ونادي أجيال الذي يضمّ ملعباً رياضياً،  يقول إنّ هذه مشاريع جرى تمويلها من منظمات دولية وليس من البلدية وإنّ إقفال المسلخ ومعمل العلف يعودان إلى أنّ معظم الجزّارين فضلوا الذبح في مسالخ خاصة وكذلك فضّل مربّو الأسماك شراء العلف من شركات تستلم منهم إنتاجهم من السمك أو تبيعهم أحشاء الدواجن الذي هو أوفر لهم. وأشار إلى أنّ هناك تمويلاً من بلديات فرنسية لاستكمال بناء نادي أجيال الذي بوشر بتشييده في 2002،  وتوقّف يومها بسبب عدم توفّر المال. 

مدينة الينابيع.. عطشى

يوجد في الهرمل ينابيع عدّة منها رأس المال، بديتا، الريسي، الإحدى عشرية، النهرية، الهوة، عين أم شرف والشواغير. يعتبر نبع رأس المال من أغزر ينابيع الهرمل، وساعد تفجّره في أعلاها في اعتماده لتغذيتها بمياه الشفة. وبرغم بدء العمل على الحقوق المكتسبة من نبع رأس المال منذ 1965، إلاّ أنّ مياهه لا تصل إلى كامل منازل الهرمل التي يعتمد جزء كبير من أهلها على الآبار الجوفية فيما يسدّ الجزء الآخر حاجته من المياه بالصهاريج. توضح فاتن علّام التي نفذت إضراباً عن الطعام أمام بلدية الهرمل ومن ثم السرايا في 21 آب 2017 احتجاجاً على الانقطاع الدائم للمياه عن معظم أحياء الهرمل ومن ضمنها حي المعالي الذي تسكنه أنّ “هناك إهمال وفساد في تنفيذ مشروع مدّ الهرمل بالمياه”. وتضيف أنّ مجلس الوزراء أقرّ قبل نحو 3 أعوام مبلغ 7 ملايين دولار لاستكمال شبكة المياه في الهرمل أضيفت إلى 20 مليون دولار سبق صرفها على مشاريع مياه أيضاً: “أين هي هذه الأموال؟”، تسأل.

 يتحدّث الناشط محمد علّوه بدوره عن أكثر من 20 تجمّعاً للبيوت لا تصلها مياه الهرمل “عدا عن التلوّث”، ليسأل عن المسؤول عن تلزيم وبناء ومراقبة إنشاء 3 خزانات مياه فوق نبع رأس المال لضخّ حاجة الهرمل وسكّانها منها. وكيف تسلّمت بلدية الهرمل هذه الخزانات وهي ترشح المياه ولا تخزّنها. ويلفت إلى أنّه تمّت صيانة أحد هذه الخزانات بدفع أموال إضافية فيما تبيّن أنّ عطلاً كبيراً أصاب الخزّانين الآخرين ولذا لا يمكن إصلاحهما.  

نائب رئيس بلدية الهرمل عصام بليبل يعترف خلال ردّه على استيضاح “المفكرة” عن الأمر، بالعطب الذي يعتري الخزانات ليؤكّد أنّ البلدية أصلحت أحدها، وأنّ المتعهّد هو المسؤول عن هذا الخلل. وعندما نسأله لماذا لم تراقب البلدية تنفيذ مشروع بهذه الحيوية للمدينة، يؤكّد أنّ البلدية فعلت ما بوسعها “بس المتعهّد قوي وما حدا بيقدر له”. 

مخاتير الهرمل: “آخ يا هرمل”

يشكو جزءٌ من مخاتير الأحياء الثلاثة تهميشهم في المدينة وخصوصاً في علاقتهم مع البلدية: “يعني إذا مش محسوب ع أحد أحزاب السلطة ما بيستشيروك بشي”، كما يقول أكثر من مختار. يرى هؤلاء أنّهم يمثلون الأحياء وأنّ المواطنين انتخبوهم ليطرحوا مشاكلهم ومطالب أحيائهم مع البلدية: “بعد الانتخابات البلدية والاختيارية بـ15 يوم وعدونا باجتماع شهري للتشاور والوقوف على قضايا الأحياء التي نمثّلها”، كما يقول أحد المخاتير، ليضيف: “اجتمعنا مرّة وحدة وبعدين خلص التشاور”. هذا الكلام يوافق عليه أكثر من مختار، فيما يؤكّد بعضهم أنّ البلدية تتشاور في أمور الأحياء مع روابط حزب الله فيها، كون البلدية محسوبة على الحزب “يعني حزب ببعضهم، بينما لا يتمّ التشاور مع المخاتير من غير المحسوبين على الحزب”. 

يتنهّد مختار الوقف زين ناصر الدين حين تسأله عن الإنماء في الهرمل ويختم تنهيدته بـ”آخ يا هرمل”. ويضيف: “نحن الدولة اللبنانية مهمشتنا وهاملتنا وحارمتنا، كلّ مؤسّسات الدولة مسيّسة والهرمل مغيّبة”. ينطلق من 33 ألف ناخب اقترعوا في دورة 2018 أي نحو 40%، ليسأل عن بقية المواطنين “الباقي ما إله رأي؟ المعتكف عن الانتخاب كمان عنده موقف”. يقول إنّ الهرمليين لا يعرفون شيئاً عن حصّتهم من الإنماء، وإنّ القوى السياسية تتعامل مع الناخبين كما في كلّ المناطق “بتضحك عليهم. نوابنا بيقولوا الدولة لا تخدم الهرمل، فإمّا هم متواطئون مع الدولة، أو عليهم أن يعطوا الهرمل حصّتها من الإنماء”. يقول ناصر الدين إنّ البلدية وطوال 5 سنوات هي مدة ولايته الاختيارية “ما شاورتني بأي شيء يتعلق بحاجات الناس وأوضاعهم ومشاكلهم وكيف يمكن أن نعالجها”. حتى في المساعدات، كما يقول “لا يأخذون بالأسماء التي نقترحها”.   

كلام ناصرالدين نفسه يردّده المختار سليمان شمص والمختار باسم طه لناحية حصّة الهرمل الإنمائية وحاجات سكان أحيائهم الثلاثة التي تتكوّن منها المدينة. 

“آخ ع الهرمل”، أيضاً تخرج مع تنهيدة من فم المختار بسام طه، ليصف إنماءها بـ”التعتير، الهرمل لاحقها ظلم كبير”. يرى أنّ مدينته “ضحّت وقدّمت كلّ ما طُلب منها، وفيها ناس تعلّمت، ولم تقصّر ولكن السياسيين هم الذين قصّروا معها”. والهرمل “محرومة من زمان، ونحن تأمّلنا خيراً بالطبقة التي جاءت من 1992 ولغاية اليوم والخير لم يأتِ بعد”. لا نسمع، وفق طه “سوى الوعود وإن شاء لله خير، واليوم وصلنا إلى التفليس والوباء وناطرين الله يفرجها”. يعتقد المختار طه أنّ كلّ المشاريع “بتتلزّق تلزيق. نحن منحكي بالفساد عَ صعيد لبنان بس الفساد له رأس وله ذنب، وما زال الفساد موجود بالروس الكبيرة يعني موجود بالدناب”. يقول إنّ ما لدينا من مؤسّسات رسمية في الهرمل هي “تنفيعات أكتر ممّا هي دوائر حكومية فعّالة، وهناك دوائر تعجّ بالموظّفين من دون أن يكون لديهم أشغال فعلية”. نردّ على شكاوى المختار بتذكيره بحصول الثنائي الشيعي على غالبية أصوات الناخبين (28 ألف صوت من 33 ألف مقترع)، فيجيب “مزبوط، فمع كل المساوئ، في مطرح من المطارح لي كاسر لنا ضهرنا هي الدماء والشهداء والناس يلّي ضحّت، حتى لو  يتمّ استثمار هذه الدماء والتضحيات في المكان الغلط وصرفها بالمكان الغلط. بس نحن بالهرمل بعدنا عم نتصرّف إنّه ما بدنا نعرّيهم ولا ننكسر أمام الأعداء”. 

 

نُشر هذا المقال في العدد 1 من “ملف” المفكرة القانونية | الهرمل

انشر المقال

متوفر من خلال:

بيئة ومدينة ، سياسات عامة ، مجلة لبنان ، لبنان ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، بيئة وتنظيم مدني وسكن ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني