صرف جماعي من “صوت بيروت إنترناشونال” ولا نيّة لدفع تعويضات


2023-12-19    |   

صرف جماعي من “صوت بيروت إنترناشونال” ولا نيّة لدفع تعويضات
من أحد اعتصامات موظفي تلفزيون المستقبل أمام بيت الوسط احتجاجًا على عدم دفع مستحقاتهم

فوجئ موظفو مؤسّسة “صوت بيروت إنترناشونال” قبل حوالي 10 أيّام برسائل عبر مجموعات الموظفين على واتساب تبلغهم بأنّه في نهاية الشهر الحالي “سيتوقّف عمل فريق المراسلين والبرامج في المنصّة” (15 موظفًا) والعمل بالموقعين الإنكليزي والفرنسي (ما يعني إيقاف عمل 8 محرّرين: 4 في الإنكليزي 4 في الفرنسي). بالإضافة إلى ذلك أُبلغ الموظفون بإيقاف جميع الالتزامات مع أعضاء فريق التحرير العربي (5 محرّرين) ريثما يُعاد التواصل مع عدد منهم لينضموا مجدّدًا إلى فريق التحرير “إذ سيكون للمنصّة انطلاقة جديدة مختلفة بداية العام 2024”.

وفي حين لم تذكر الرسائل التي وصلت إلى العاملين أيّ أسباب لتوقّف الأقسام التي يعملون فيها، يبدو أنّهم لن يحصلوا على أيّ تعويض. فالمؤسّسة المملوكة من بهاء الحريري، وحسب ما قال مصدر معنيّ في الإدارة، تعتبر نفسها غير ملزمة بالتعويض على العاملين لأنّهم متعاونون (فريلانسرز) ولم توقّع معهم عقود عمل. “لا يوجد في المؤسّسة أيّ موظف ثابت، كلّهم متعاونون ومنذ البداية كان الأمر واضحًا. التعاون مع العاملين لم يكن توظيفًا إنّما مساهمة ومساعدة لبعض الأفراد” يقول المصدر مضيفًا أنّ “معظم من يعمل مع صوت بيروت هو مرتبط بعمل آخر خارج المؤسّسة أيضًا”.

وحجّة “الفريلانسر” سبق أن استعملتها مؤسسات إعلامية لحرمان موظفين من حقوقهم، وفق منسقة تجمّع نقابة الصحافة البديلة إلسي مفرّج، في وقت يعمل هؤلاء بشروط عمل الموظفين إذ يُفرض على بعضهم دوام محدّد ومهام محدّدة مقابل بدل ثابت، الأمر الذي يُحيلنا إلى ما يعرف بـ “التوظيف المقنّع”.

و”صوت بيروت انترناشونال” هي منصة إلكترونية لبنانية تبث برامج متنوّعة عبر شبكة الإنترنت، بالإضافة إلى تغطية إخباريّة مكتوبة بلغات ثلاث (إنكليزي وعربي وفرنسي) فضلًا عن تغطية إخبارية مباشرة بالصوت والصورة على صفحة فيسبوك الخاصة بالمنصّة.

“المفكّرة” تواصلت مع عدد من العاملين في المؤسّسة من صحافيين وحتّى إداريين (سابقين وحاليين) أشاروا إلى أنّه صحيح لا يوجد أيّ عقد مكتوب يُثبت أنّهم موظفون ولكنّ الاتفاق مع عدد كبير منهم كان على أساس عمل ثابت مقطوع مقابل مبلغ مالي ثابت مقطوع أيضًا. كما أنّ بعض الموظفين كان لديهم دوام عمل محدّد وفترات يوميّة عليهم تغطيتها (شيفتات) وأنّه لم يكن مسموحًا للجميع العمل في مكان آخر. فقد تمّ الاشتراط على بعضهم عدم العمل مع أي جهة أخرى ولاسيّما بعد الانتخابات النيابيّة الأخيرة التي تغيّرت بعدها الكثير من الأمور وبدأت طريقة التعاطي تسوء كما كرّر أكثر من موظّف.

إنهاء الخدمات برسالة على واتساب

بعد وصول الرسالة الأولى من المدير التنفيذي جيري ماهر، حاول الموظفون الاستفسار عن الأمر ولكنّهم لم يلقوا أيّ جواب بداية وذلك في وقت كان يُنقل إليهم بشكل غير مباشر بأنّهم سيحصلون على راتبهم المتأخّر (حصلوا عليه اليوم الثلاثاء) ولن يحصلوا على أيّ تعويض كونهم يعملون من دون عقود عمل. “لا شيء واضحًا، بداية مورس علينا أسلوب التهديد إذ كان يصل إلينا عبر موظفين محسوبين على الإدارة أنّ لا أحد يستطيع تحصيل أيّ تعويض، أولًا لأنّ لا عقود عمل موقّعة مع المنصّة، وثانيًا لأنّ ماهر وبهاء الحريري واصلين” تقول إحدى الموظّفات. وتلفت إلى أنّ عددًا كبيرًا من الموظفين كانوا يتقاضون ومنذ ثلاث سنوات راتبًا ثابتًا مقابل عمل ثابت كأنّهم موظفون وأنّه كان حتّى يُمنع بعضهم من العمل في مكان آخر.

ويُشير موظف تمنّى علينا عدم ذكر اسمه بانتظار ما ستؤول إليه الأمور، إلى أنّه وبموازاة أسلوب الترهيب هذا يحاول القيّمون على المؤسّسة استمالة عدد من الموظفين عبر إعطائهم أو وعدهم بإعطائهم مبالغ ماديّة لا تتخطّى شهرًا إضافيًا، أو وعدهم باستمرار التعاون معهم، في محاولة لضرب صفّ الموظفين في حال فكّروا في التوجّه إلى القضاء، على حد تعبيره.

خطاب القيّمين على المؤسّسة والذي وصفه أكثر من موظف بـ “الاستعلائي وغير المبالي” تحوّل فجأة إلى أسلوب “ترغيب” بحسب الموظف، إذ أجرى ماهر قبل أيام اتصالًا جماعيًا بالموظفين، معتبرًا أنّ الرسالة التي أرسلها على مجموعة واتساب فُهمت خطأً من بعض الموظفين على أنّها إعلان عن إقفال المنصّة، وأنّه ليس هذا هو المقصود، وأنّه التعاون سيستمر مع عدد من الموظفين وما سيُصار إليه هو تقليص الموازنة فقط وليس إقفالًا كلّيًا.

مصدر معني مباشرة في الإدارة أوضح لـ “المفكرة” أيضًا أنّ الرسالة لم تصل إلى كلّ الموظفين وأنّها ليست إعلانًا بإقفال المؤسّسة التي لم يصدر عنها أي إعلان بالإقفال حتّى اللحظة، مشيرًا إلى انّ نهاية الشهر الحالي سيتم توضيح الموضوع من دون حسم أو نفي موضوع الإقفال.

ويرى عدد من الموظفين أنّ خطاب ماهر تغيّر بعدما بدأ الإعلام ينشر خبر الإقفال وإمكانيّة عدم حصول الموظفين على أيّ تعويض، وبعد أن أصدر تجمّع نقابة الصحافة البديلة بيانًا ينبّه فيه المؤسّسة من عدم إعطاء التعويضات باعتبار أنّ كونهم متعاونين (فريلانسرز) لا يعني قانونًا عدم وجوب إعطائهم تعويضات عن الصرف.

وتقول إحدى الموظفات إنّه بعد هذا الضغط وعد القيّمون على المؤسّسة الموظفين بقبض رواتبهم عن الشهر الماضي قبل الأربعاء وهذا ما حصل وراتب الشهر الحالي قبل نهايته. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّه خلال تواصلنا مع الموظفين، أكّد أحدهم أنّه تقاضى راتب الشهر الماضي وأنّه لم يشعر يومًا بغبن في المؤسّسة التي حافظت على إعطائهم رواتب بالدولار وحرصت على عدم التأخّر عليهم رغم كلّ الظروف التي مرّ بها لبنان. ويُشير هذا الموظّف إلى أنّه لم يسأل عن أي تعويض باعتباره “فريلانسر” أيّ لا تعويض له بالقانون.

وإذ يؤكد المصدر في الإدارة أنّ المؤسّسة ستدفع راتب الشهر الماضي في حال كان أحدهم لم يتقاضاه بعد وراتب الشهر الحالي لأنّها “لن تأكل حقّ أيّ عامل معها، وأنّها لطالما لم تفعل هذا الأمر منذ انطلاقتها” يشير إلى أنّه لم يسمع من أيّ من العاملين في المؤسّسة ولا من جهات رسميّة أو تقابيّة سوى التجمّع بمطالب تتعلّق بالتعويضات. فالجميع يعرف بأنّه “لا يوجد أيّ موظف في المؤسّسة لا بعقد مكتوب ولا غير مكتوب، كلّهم متعاونون والاتفاق كان واضحًا، ليس توظيفًا بل مساهمة ومساعدة، ومعظم العاملين معنا يعملون في أماكن أخرى” يقول. ويعلّق المصدر على إمكانيّة لجوء عدد من العاملين إلى القضاء لتحصيل حقوقهم بأنّه لم يسمع من أيّ منهم هذا الأمر انطلاقًا من وضوح الاتفاق معهم.

“تشحيل” الموظفين مستمر منذ سنوات  

وهذه ليست المرّة الأولى التي تصرف المؤسّسة عاملين لديها بشكل يمكن وصفه بالتعسّفي فعمليّة “تشحيل الموظفين مستمرة منذ أكثر من سنة” على حدّ قول أحد الموظفين الذي كان معنيًا مباشرة بموضوع التوظيف. ويقول هذا الموظّف إنّه في كلّ مرّة كان يرغب فيها القيّمون على المؤسّسة تخفيض الموازنة كان يتمّ صرف عاملين بلا أي تعويض حتى انخفض عدد الموظفين من حوالي 200 موظّف مع الانطلاقة العام 2019 إلى ما بين 30 و40 حاليًا.

 “لم يأخذ على حدّ علمي أيّ من المصروفين تعويضًا، بعضهم حتّى لم يحصلوا على رواتب مستحقّة لهم، وبعض العاملين تركوا المؤسّسة بسبب إيقاف برامج كانوا يقدّمونها أو يعدّونها، بشكل مفاجئ. ليس جميع من ترك تمّ صرفه، بعضهم استقال لأسباب بينها عدم إيفاء الإدارة بوعودها لهم”، يقول هذا الموظّف لـ “المفكرة”.

 يتحدّث هذا الموظّف أيضًا كما موظفون آخرون عن سوء إدارة داخل المؤسّسة وعن معاملة مجحفة بحقّ الموظفين وتحديدًا بعد الانتخابات النيابيّة الأخيرة، بدءًا من الرواتب المتدنّية وصولًا إلى عدم تقديم المؤسّسة أدنى شروط العمل من معدّات أو مكاتب “الرواتب كانت شهريّة، وتتراوح ما بين 100 دولار وترتفع إلى 250 لمن لديه دوام سبع ساعات يوميًا وإلى 375 دوام قسم  الإنكليزي (كانت 500 دولار وخفّضوها)، أمّا أعلى راتب فكان للمراسلين ولا يتجاوز 1000 دولار” تقول إحدى الموظّفات. وتشير إلى أنّ الإدارة كانت تمنع بعض الموظفين من العمل في مكان آخر وتحسم من رواتبهم المتدنّية بحجّة أنّ العمل غير كاف في بعض الأحيان.

ويلفت عدد من الموظفين إلى أنّ المؤسّسة كانت تحرص على عدم إعطاء أي ورقة تُشير إلى أنّهم يعملون لحسابها “كنّا نقبض بظرف أبيض لا يوجد عليه أيّ لوغو أو إشارة إلى المؤسّسة” يقول أحد الموظفين. ويضيف: “حتّى أنّهم كانوا يمتنعون عن إعطائنا أيّ مستند نحتاجه لمعاملة مصرفية أو للتقديم على تأشيرة سفر”.

إحدى الموظفات التي قدّمت استقالتها قبل فترة تروي لـ “المفكرة” أنّ الوضع تغيّر بعد الانتخابات النيابيّة الأخيرة إذ بدأت تظهر ملامح أزمة ماليّة في المؤسّسة “راتبي كان متدنيًا مقارنة بالموقع الذي كنت أشغله، وبعد الانتخابات تفاجأت وأنا أقبض راتبي بخفضه من دون إبلاغي، فقدّمت استقالتي، الأمور بدأت تسوء بشكل تدريجيّ بعد الانتخابات، ولكنّها كانت جيّدة بداية” تقول.

بالإضافة إلى الرواتب المتدنّية، يؤكّد أكثر من موظّف أنّ لا مكاتب للموظفين “هناك مكتب في وسط البلد خصّصه الحريري لنا ولكنّ جيري ماهر لم يفتحه لنا، كنّا نعمل من منازلنا” تقول موظّفة. وتضيف أنّ المؤسّسة أمّنت عند انطلاقها فقط مايكروفونات ومثبتات للهواتف OSMO-MOBILE من نوعيّة رديئة. “الموظفون اشتروا معدّاتهم بأنفسهم ولم يعوّض على من كسر هاتفه الذي يستعمله للتصوير أثناء التغطيات منها التغطيّة أثناء انتفاضة 17 من تشرين، وحتى من يغطّون جنوبًا لم يؤمّن لهم أيّ مستلزمات حماية فعليّة”.

وعند سؤال المصدر المعني عن عدم وجود مكاتب اعتبر أنّ هذا الأمر يؤكّد ما يقوله عن “عدم وجود موظفين بل متعاونين يفضّلون العمل من منازلهم”.

توظيف مقنّع

يوضح نقيب محرري الصحافة اللبنانيّة جوزيف القصيفي أنّه والنقابة ليس لديهما معطيات واضحة تسمح بتكوين فكرة دقيقة عمّا يحصل في “صوت بيروت”، إذ لم يتواصل معه أو مع النقابة أحد أو يطلب الدعم والمساندة. ولكنّ موقف النقابة والذي ينطبق على أيّ مؤسّسة واضح وهو ضدّ إغلاق أيّ مؤسّسة إعلاميّة وفي حال اضطرارها لذلك لأسباب قاهرة يجب دفع كلّ ما يتوجّب عليها للعاملين فيها من صحافيين ومصوّرين وتقنيّين أو أي عامل.

ويؤكّد القصيفي أنّه يقف إلى جانب العاملين في “صوت بيروت” وأنّ النقابة جاهزة لتقديم أيّ دعم ومساعدة في أيّ إجراء يقرّر الموظفون الإقدام عليه لحفظ حقوقهم.     

من جهتها ترى مفرّج أنّ قضيّة الموظفين في “صوت بيروت” شبيهة بقضيّة العديد أو القسم الأكبر  من الأشخاص العاملين في المؤسسات الإعلاميّة في لبنان. إذ بات عدد من هذه المؤسّسات يتهرّب من توقيع عقود عمل ويفضّل الاعتماد على متعاونين، للتنصّل من واجباته تجاههم ولاسيّما المالية. هذا مع العلم أنّ معظم هؤلاء المتعاونين يعملون بشروط عمل تنسحب عادة على الموظفين منها دوام محدّد من قبل، ومهام ثابتة ما يُحيلنا إلى ما يُمكن تسميته توظيفًا مقنّعًا.

وتُشير مفرّج في حديث مع “المفكرة” إلى أنّ هذا التوظيف المقنّع من المفترض أن يحثّ السلطات المختصّة سواء وزارة العمل أو الضمان الاجتماعي للتحرّك حماية لحقوق الموظفين من جهة ولتحصيل أموال خزينة الدولة وصندوق الضمان. فعبر هذا التوظيف المقنّع يتمّ التهرّب من دفع الضرائب ومراكمة أرباح إضافيّة للمؤسّسات عبر الالتفاف على القانون.

وتحثّ مفرّج الإعلاميين على ضرورة معرفة حقوقهم والدفاع عنها، مبديًة استعداد تجمّع النقابة تقديم الدعم القانوني كما فعلت مع إعلاميين آخرين سواء عبر التفاوض مع مؤسّساتهم أو رفع الدعاوى.

وكان التجمّع حضّ “الموظفين على المطالبة بكامل حقوقهم ومستحقّاتهم الوظيفية، ومنها تعويضات نهاية الخدمة والإنذار المسبق والصرف التعسّفي، لاسيّما أنّ المؤسسة خالفت الفقرة “واو” من المادة 50 من قانون العمل اللبناني”. ونبّه “إدارة المؤسّسة من التحجّج بأنّ لا عقود موقّعة مع العاملين أو أنّ خدماتهم تخضع لرابط التعاقد الحر freelance، لما في ذلك من محاولة التفاف على القانون ومن توظيف مقنّع” معتبرة  “ذلك بمثابة إخبار لدى السلطات المختصّة بين وزارة العمل ووزارة الإعلام وصندوق الضمان الاجتماعي”.

كما وضع التجمّع “إمكانيّاته القانونية الحقوقية في تصرّف الموظفين سواء من باب تقديم المشورة القانونية أو من باب الدعم لتقديم أي شكوى قضائية”.

وليس بعيدًا يُمكن اعتبار ما يحصل مع موظفي “صوت بيروت” لا يخرج عن الموجات المتتالية من الصرف الجماعي من مؤسّسات إعلامية متفرقة، منها صحف البيرق والنهار والمستقبل والبلد والحياة واللواء؛ ومؤسسات إعلام مرئي منها المؤسسة اللبنانية للإرسال وتلفزيون المستقبل. ما يُعيد طرح مسألة حماية حقوق العاملين في الإعلام ولاسيّما في المؤسّسات التي يتحكّم فيها المال السياسي.

وفي هذا الإطار ترى مفرّج أنّه لا بدّ من السؤال عن الأطر التي تُمنح على أساسها الرّخص لإنشاء مواقع إلكترونيّة تتحوّل في ما بعد إلى منصات تُعرض عليها برامج تلفزيونيّة، ولاسيّما أنّ هناك مؤسّسات إعلاميّة “تفرّخ فجأة” لأهداف تسويقيّة انتخابيّة سياسيّة خالصة بعيدة عن أهداف وشروط المؤسّسات الإعلاميّة، مضيفة أنّ هذه الأمور يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في قانون الإعلام الجديد.

عقد العمل الشفوي هو عقد عمل أيضًا

يتخوّف الموظفون من أن تُعلن المؤسّسة إقفالها بسبب الإفلاس أي ما قد يُعتبر سببًا قاهرًا في القانون فتضيع حقوقهم، ولاسيّما أنّهم يعتبرون أنّهم ضحيّة الخلافات بين الحريري وماهر على خلفيّة سوء إدارة وهدر أموال.

المحامي في المفكرة القانونيّة كريم نمّور يرى أنّ الاعتماد على موضوع “القوّة القاهرة” ليس بهذه البساطة في القانون، إذ إنّ الفقرة “واو” من المادة 50 من قانون العمل والتي أعطت لصاحب العمل الحقّ في إنهاء بعض أو كل عقود العمل الجارية في المؤسسة إذا اقتضت قوّة قاهرة أو ظروف اقتصادية أو فنية هذا الإنهاء، اشترطت أيضًا على صاحب العمل أن يُبلغ وزارة العمل رغبته في إنهاء تلك العقود قبل شهر من تنفيذها. كما اشترطت عليه أيضًا أن يتشاور مع الوزارة لوضع برنامج نهائي لذلك الإنهاء، يراعي أقدمية العمّال في المؤسّسة واختصاصهم وأعمارهم ووضعهم العائلي والاجتماعي والوسائل اللازمة لإعادة استخدامهم.

ويُضيف نمّور أنّه إذا تخلّف صاحب العمل عن إبلاغ وزارة العمل برغبته في إنهاء عقود العمل وقام بتنفيذ هذا الإنهاء، يُعتبر قراره هذا مسندًا إلى سبب غير مقبول، ما يجعل الصرف تعسفيًّا.

ويُشير نمّور إلى أنّ الشروط المنصوص عليها في المادة “واو” من قانون العمل هي شروط شكلية جوهرية وفق ما أكّدته دراسة أجرتها “المفكرة” سنة 2019 حول أحكام مجالس العمل التحكيمية في بيروت وجبل لبنان سنة 2018. وأظهرت الدراسة تشديد هذه المجالس على الطابع “الجوهري” لهذه الشروط، فإعلان إفلاس صاحب العمل “لا يعفيه عن التعويض على الأجير عن فسخ عقد عمله وعن مهلة الإنذار طالما أنّه لم يتقيّد بشرط الفقرة “واو” من المادة 50″ .

ويُضيف نمّور أنّ الأمر لا يتعلّق فقط بإبلاغ وزارة العمل والتشاور معها، إذ إنّه في المضمون يُعطي دورًا لوزارة العمل التي يقع على عاتقها التأكّد والتصديق على الرواية القانونية لصاحب العمل (الإفلاس) مانعة إياه من استغلال قوّته للانفراد في القرار. ففي حال لم توافق وزارة العمل على برنامج صاحب العمل لإنهاء بعض عقود العمل لديه لم وعدم التوصّل مع الوزارة إلى اتفاق حول الوسائل اللازمة لإعادة استخدام الأجراء المصروفين من الخدمة، لا يحقّ لصاحب العمل أن يضع عملية الصرف قيد التنفيذ وإلّا فإنّه يُخالف الفقرة “واو” من المادة 50 المذكورة، وبالتالي يكون الصّرف مستندًا إلى سبب غير صحيح ومن قبيل التجاوز أو الإساءة في استعمال حقّ الفسخ.

ويُشار إلى أنّ مؤسّسة “صوت بيروت” لم تبلّغ وزارة العمل نيّتها إنهاء عقود عمل العاملين لديها، حسب مصدر مطّلع داخلها لأنّ “لا موظفين لديها” على حدّ تعبيره. أمّا في ما خصّ إمكانيّة تحجّج أيّ مؤسّسة بعدم وجود عقود عمل مكتوبة، فيوضح نمّور أنّ هذا الأمر لا يُغي فرضيّة وجود عقد عمل تُطبّق عليه البنود المنصوص عليها في قانون العمل وفي الفقرة “أ” من المادة 50 لجهة التعويض.

ويلفت نمّور إلى أنّه يمكن للموظفين اللجوء إلى مجلس العمل التحكيمي لتقديم شكوى في مهلة شهر من تاريخ آخر يوم عمل.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مؤسسات إعلامية ، لبنان ، مقالات ، حقوق العمال والنقابات ، إعلام



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني