شورى الدولة يدوس كرامات الأشخاص المعوقين: أول مؤشر سلبي على لا ديمقراطية الصناديق

،
2021-09-03    |   

شورى الدولة يدوس كرامات الأشخاص المعوقين: أول مؤشر سلبي على لا ديمقراطية الصناديق

بتاريخ 1/4/2021، أصدر مجلس شورى الدولة قراريْن رفض من خلالهما الاعتراف بحق مواطنتين معوقتين مها شعيب وآمال الشريف بالتعويض عن الضرر الذي تعرّضتا له بسبب عدم تمكّنهما من ممارسة حقّهما بالاقتراع بكرامة أسوة بسائر المواطنين. وقد صدر هذان القراران عن الغرفة الرابعة للمجلس (برئاسة القاضي نزار الأمين وعضوية القاضيتيْن هدى الحاج وثريا الصلح)، في سياق النظر في صحة قراريْن تنصلت بموجِبهما وزارة الداخلية بتاريخ 24/12/2018 من أيّ مسؤولية تجاههما. وكانت الأولى حُرمت من حق الانتخاب بعدما رفضت أن تُحمل للاقتراع في طابق علوي، فيما اقترعت الثانية بعدما وافقت على حملها من قبل شبّان مما أشعرها بالمهانة.

وتجدر الإشارة إلى أنّ حقوق الأشخاص المعوّقين بالاقتراع كانت شهدتْ نقاشاً طويلًا في 2018 وبشكل أعم في مجمل الاستحقاقات الانتخابية منذ 2009 على خلفية عدم تجهيز مراكز الاقتراع (التي هي في غالبها مدارس رسمية) تجهيزاً يتلاءم مع حاجاتهم، وذاك خلافاً لقانون الانتخابات النيابية الصادر في 2017 ولمرسوميْن صدرا سابقاً لهذه الغاية في 2009 و2011. وترتبط هذه المسألة عموماً بحق الأشخاص المعوقين في بيئة مؤهلة وسليمة، وهو الأمر الذي وعد قانون 220/2000 بتحقيقه ضمن مهلة زمنية حددها ب 6 سنوات من دون أن يجد أي ترجمة له على أرض الواقع.

وعليه، رمتْ هاتان الدعويان إلى تحميل الدولة مسؤوليتها في ضمان تنفيذ النصوص القانونية التي التزمتْ بها من خلال آلية التقاضي الاستراتيجي أي التقاضي الذي يهدف إلى تكريس حقوق معينة أو التصدي لممارسات مخلة بهذه الحقوق انطلاقا من قضايا خاصة. إلاّ أنّ مجلس شورى الدولة أحبط بقراريْه هذا المسعى، علماً أنه استخدم حججاً تبريريّة تعكس في عمقها لامبالاة حيال كرامة الأشخاص المعوقين وبخاصة حيال التنكيل بحقهم بالمواطنة والمساواة.

وقبل المضي في تفنيد هذين القرارين، يلحظ أن المدعيّتين كانتا برّرتا دعواهما لتحميل الدولة مسؤولية ضررهما، ليس فقط بالخطأ المرتكب من سلطاتها وأجهزتها المختصة وفي مقدمتها وزارة الداخلية المسؤولة الأولى عن تنظيم الانتخابات وفق قانون الانتخابات النيابية، إنما أيضا بمبدأ المساواة أمام الأعباء العامة والذي يفترض تعويض الأشخاص عن الأضرار الجسيمة المرتكبة بحقهم بمعزل عن حصول خطأ أو عدمه.

وهذا ما سنسعى إلى تبيانه ضمن الملاحظات الآتية:

 

1- حجج لتمييع الأخطاء السافرة بحق الأشخاص المعوقين

عند التدقيق في القرارين، يتبين لنا أنّ المجلس اعتمد تعليلاً مؤدّاه نسف الادّعاء بوجود أخطاء بتجهيز مراكز الاقتراع بما يمكّن الأشخاص المعوّقين من ممارسة حقهم الانتخابي.وبإمكاننا تصنيف الحجج المستخدمة لهذه الغاية ضمن ثلاث فئات كلها لا تصمد أمام أي نقاش جدي: تجزئة الدولة ومسؤولياتها، والتذرع بالظروف الاستثنائية وعدم الاستقرار السياسي وأخيرا (وهذا الأفظع) تحميل الأشخاص المعوقين مسؤولية حرمانهم من هذا الحق.

الفئة الأولى: تجزئة الدولة ومسؤولياتها

تمّ تقديم الدّعوييْن ضدّ الدولة تبعاً لإخلال وزارة الداخلية الواضح والبيّن في تأمين حقوق الأشخاص المعوّقين في الاقتراع وفق أحكام قانون الانتخابات النيابية، وهو إخلال أقرّ به وزير الداخلية نهاد المشنوق يوم الانتخابات حين وجه اعتذاراً علنياً لكل الأشخاص المعوقين عنه وفق ما ثبت في نص الدعويين.

ورغم وضوح هذه الأخطاء، عمد مجلس شورى الدولة إلى نسف هذه المسؤولية، ليس من خلال تبيان عدم حصول أيّ خطأ في تطبيق القوانين والتعميم، بل من خلال تبرير فشل وزارة الداخلية في تطبيقها بالأخطاء المرتكبة من قبل وزارات أخرى أو أيضاً (وهو أمر أكثر غرابة) بالشروط التي وضعتْها عليها بعض المدارس الرسمية. وبذلك بدا مجلس شورى الدولة وكأنه يبرئ الدولة من مسؤوليتها بحجة أن الخطأ في تطبيق القانون معزو ليس لوزارة الداخلية (وهي إحدى وزاراتها) إنما لوزارات أخرى وتحديدا وزارتي التربية والشؤون الاجتماعية. وبذلك، قارب المجلس الدولة ليس كشخصية معنوية واحدة بل على العكس من ذلك تماماً كمجموعة من الإدارات المتشرذمة، بحيث لا تُسأل يمناها عما تفعله يسراها، وقد أبْدى المجلس بذلك انسجاماً غير مبرّر مع إحدى الممارسات الهجينة للسلطة التنفيذيّة والتي تقوم على تراشق المسؤوليّات بين إداراتها المختلفة والتي يكاد كلّ منها يمثل إقطاعاً لإحدى القوى السياسية.

وهذا ما نستشفه بوضوح من الحيثية الآتية: “بما أن الدولة تدلي بأنها لم تخطئ إذ أنّ المسؤولية لا تنحصر بوزارة الداخلية فوزارة التربية ووزارة الشؤون الاجتماعية مسؤولتان أيضاً معها في تنظيم العملية الإنتخابية”. وقد ذهب المجلس أبعد من ذلك في اتجاه تبرير عدم اتخاذ الخطوات اللّازمة لتفعيل حقوق المعوقين بغياب استراتيجية وإشراف حكوميين لهذه الغاية، وكأنه يستخدم تقاعس الحكومة كحجة لتبرير فشل وزارة الداخلية، علماً أن كلاهما جزء لا يتجزأ من السلطة التنفيذية وتالياً من الدولة.

أغرب من ذلك في مسعى تجزئة الدولة، هو ما جاء في حيثية ثالثة لجهة أن “المدارس الرسمية التي تستخدم كمراكز اقتراع قد وضعت شروطاً على وزارة الداخلية لاسترجاعها بسرعة كي لا يؤثر ذلك على العام الدراسي”. ويفهم من حيثية أخرى أن هذه المدارس منعت وزارة الداخلية من تركيب مصاعد فيها ضماناً لاستمرار الدروس.

فإذا عمد المجلس إلى تجزئة مسؤوليات الدولة على هذا الوجه، فإنه انتهى بعد ذلك إلى تبرير فشل وزارة الداخلية بالكامل في موازاة التأكيد على حسن نواياها وصدق إرادتها والتي لم تتحقق بفعل العوائق التي واجهتها والتي لا تدخل ضمن مسؤولياتها. وهذا ما نقرأه بوضوح كلّي في حيثيات أخرى وردت في القرار نفسه: “إن هذه الوزارة (وزارة الداخلية) وضعت تصوراً متكاملاً لمراكز اقتراع كبرى تكون مجهزة بشكل كامل دون القدرة إلى الوصول إلى نتيجة عملية”.. وأيضا أنها “حاولت العمل على تجهيز مركزيْ اقتراع لجعلهما مراكز اقتراع نموذجية تضمّ حوالي 1100 مركز اقتراع ولكن تبيّن أنّ المصاعد التي يجب تركيبها تتطلّب على الأقل 3 أشهر لإحضارها ويتطلب العمل على تركيب هذه المصاعد التوقف عن إعطاء الدروس”.

وما يزيد من قابلية هذا التحليل للانتقاد هو أنّ المجلس أكّد “أن وزارة الداخلية عمدت على فتح جميع الصفوف في الطوابق الأرضية إذا وجدت” من دون أن يعطي أيّة أرقام بشأن المدارس التي فتحت فيها هذه الصفوف أو أن يعطي أيّ مبرّر لتقاعس الوزارة عن تهيئة الطّوابق الأرضية في المدارس الأخرى لتكون مراكز اقتراع للأشخاص المعوقين.

وعدا عن أن هذا التحليل يخالف مبدأ وحدة الدولة، فإنه يخالف حتى مبدأ توزيع المسؤوليات بين إداراتها، وتحديدا المادة 96 من قانون 44/2017 التي تضع على عاتق وزارة الداخلية أخذ حاجات الأشخاص المعوقين بالاعتبار عند تنظيم العمليات الانتخابية وتسهيل الإجراءات التي تسمح لهم بممارسة حقهم بالاقتراع من دون عوائق. فكيف يمكن في ظل هذه المسؤولية المناطة بوزارة الداخلية أن يدلي مجلس شورى الدولة بأن لأي مدرسة رسمية أن تضع شروطاً عليها في هذا الخصوص؟

الفئة الثانية: لا مسؤولية في ظلّ الاستثناء

فضلاً عن الحجج السابقة، عمد مجلس شورى الدولة إلى نفي المسؤولية من خلال ادّعاء وجود ظروف استثنائية أو موضوعية حالت دون تفعيل حقوق الأشخاص المعوقين.

ومن اللافت أنّ أول حجج المجلس في هذا الإطار تمثلت في ادّعاء انعدام الاستقرار السياسيّ. وهذا ما نستشفه من إحدى حيثياته حيث جاء صراحة “وبما إنه ولئن كانت الإجراءات التي نصّ عليها قانونا رقم 220/2000 ورقم 44/2017 لتحقيق دمج المعوقين في الحياة السياسية والعامة لم تكتمل بعد، لأن الأمر يتعلق بالاستقرار السياسي”. ويتبدى من هذه الحيثية أنّ المجلس اعتبر أن هذا اللااستقرار السياسي إنّما يشكل عاملاً استثنائياً من شأنه تبرير تقاعس الدولة عن عدم تنفيذ هذين القانونين طوال مدة 18 سنة، من دون أن يتكبّد عناء توضيح الأسباب التي دفعتْه إلى هذا الاستنتاج.

إنّ أقل ما يمكن قوله بشأن هذه الحيثية أنّها صادمة لتعارضها التامّ مع طبيعة الحقوق المنتهكة واجتهادات المجلس الراسخة. ولا نبالغ إذا قلنا أنها تشكّل بحدّ ذاتها ازدراء موصوفا لهذه الحقوق.

وهذا ما نستخلصه من الاعتبارات الآتية:

أولا، أنّ حقّ الأشخاص المعوقين في الاقتراع أسوة بسائر المواطنين هو حقّ سياسي، تضمنه الشرعة الدولية للحقوق المدنية والسياسية وتفرض على الدول الموقّعة عليه تأمينه لجميع الأشخاص بمعزل عن قدراتها الاقتصادية. أما أن يقال أن الحكومة لم تجدْ الوقت المناسب طوال هذه الفترة لتأمينه من دون تقديم أي دليل على ذلك فهو بمثابة إعلان بازدرائِها التام لهذه الحقوق ولفئة الأشخاص المعنيين بها كما سبق بيانه. فكأنما يقال أن آخر هموم الدولة هو هذا الحق،

ثانيا، أن جلّ ما كان على الحكومة وبالأخص وزارة الداخلية أن تؤمّنه لضمان هذا الحق هو تجهيز الطوابق الأرضية أو تركيب مصاعد في المدارس ومراكز الاقتراع. وفي حين ادّعت وزارة الداخلية في جوابها أنها أعدت خطة متكاملة لهذه الغاية، فإنها برّرت فشلها بذلك (وهي مبررات تماهى معها مجلس شورى الدولة) ب “أن المصاعد التي يجب تركيبها تتطلّب على الأقلّ 3 أشهر لإحضارها ويتطلّب العمل على تركيب هذه المصاعد التوقف عن إعطاء الدروس”. بمعنى أن وزارة الداخلية لم تتذرع لا بنقص الموارد المادية ولا بوجود أيّ عائق سياسية، إنما فقط بخشيتِها من تعطيل الدروس بفعل تركيب المصاعد. وعدا عن ضعف هذه الحجة لاحتمال حصول تركيب المصاعد في الصّيف أو في فترات بعد الظهر، فإنه من البديهي أنها حجة لا تتصل لا من قريب ولا من بعيد بغياب الاستقرار السياسي، بما يدحض تماما استخدام هذه الحجة.

ثالثا، أن ادّعاء الحالة الاستثنائية المتمثلة بغياب الاستقرار السياسي لنسف الحقوق إنّما يتعارض مع الاجتهاد الراسخ لمجلس شورى الدولة والذي يخضع عموماً التذرع بالظروف الاستثنائية لتبرير تجاوز القانون أو عدم الالتزام به لرقابته. نكتفي لهذه الغاية التذكير بالقرار الصادر عن مجلس شورى الدولة في 4-2-2018 والذي رفض الأخذ بحجة “الظروف الأمنية والاقتصادية” التي تمر فيها البلاد لتمكين المديرية العامة للأمن العام من الاستيلاء على صلاحيات الحكومة في تعديل شروط دخول وإقامة السوريين في لبنان، طالما أنّ “الظروف لم ترقَ إلى سويّة تعطيل المؤسسات الدستورية كافة وإلى شلل العمل المؤسساتي بشكل يستحيل معه اتخاذ القرارات المناسبة لحل الأزمات التي يمرّ بها. فمجلس الوزراء كان لا يزال ينعقد بشكل دوري وفي مواعيده، الأمر الذي يجعل منه قادرا على اتخاذ القرار – إن شاء وضمن رسمه للسياسة العامة للبلاد – بتحديد وتقييد دخول السوريين إلى لبنان في ظل الخطر الذي يهدد البلاد من جراء وفود النازحين السوريين إلى لبنان.”

الفئة الثالثة: تحميل الضحية مسؤولية الضرر

أسوأ الحجج المُستخدمة من مجلس شورى الدولة هو تماهيه مع اللوم الذي وجّهته وزارة الداخلية للجمعيات الممثلة للأشخاص المعوقين. وهذا ما نستشفّه من تضمين القرار حجّة أخرى أثارتها وزارة الداخلية لتبرير فشلها في تأمين أماكن مجهزة وقوامها أن هذه الجمعيات رفضت “تزويدها بلوائح تتضمن أسماء ذوي الاحتياجات الخاصة تعمل على إدراج أسمائهم ضمن أقلام الاقتراع في الطوابق الأرضية لما يحمل هكذا إجراء من تعدي على الخصوصية الشخصية، المكفولة دستورياً” من دون أي تدقيق فيه. فعلى فرض صحة هذه الواقعة، فهي تشكّل حجة ضد وزارة الداخلية وليس لصالحها طالما أن الأبدى والأصحّ أن تلجأ هذه الوزارة ليس إلى الجمعيات بل إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والتي تملك هذه البيانات أكثر من أي مرجع آخر.

في الاتجاه نفسه، أشار مجلس شورى الدولة في قراره أنّه “لم يرد إلى الخط الساخن التابع لغرفة العمليات أي شكاوى من مراقبين أو ناخبين تتعلق بتعاطٍٍ خاطئ من قبل رؤساء الأقلام”. وكأنه بذلك يحمّل الأشخاص المعوقين مسؤولية عدم التشكي لنسف حصول الخطأ في عدم تجهيز مراكز الاقتراع. وهذه الحجة بدورها لا تصمد أمام أي تحليل جدي، بخاصة أن العديد منهم اعترض على ذلك ومنهم المدعيتين اللتين نشرتا شكواهما على صفحتيهما فضلا عن أن وزير الداخلية – آنذاك – نهاد المشنوق أقر بمسؤولية وزارته في هذا الخصوص.

2- إنكار أضرار الأشخاص المعوقين وأفرادها كأضرار خاصّة وجسيمة

إلى جانب مطالبة الدولة بتسديد تعويض على أساس الخطأ المرتكب منها، رأت المدّعيتان أن الدولة تبقى مسؤولة ولو لم يثبت أي خطأ بحقها، طالما أنها أخلّت بالمساواة أمام الأعباء العامة في ما يتعلق بحقهما في الإنتخاب وبسبب المعاملة القاسية واللاإنسانية التي تعرّض لها ذوو الإحتياجات الخاصّة. وقد أدلت المدعيتان في هذا الخصوص بقرار صادر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان اعتبر “أن حمل الحراس لشخص مشلول غير قادر على الحركة سوى في كرسي متحركّ في بعض تنقّلاته، بسبب غياب تأهيل السجن للأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة، يُعتبر معاملة لا إنسانية و محطّة بالكرامة بمعنى المادة 3 من المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان”، وهي المادة الموازية للمادتين 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واللذين أقرّهما لبنان.

إلا أنّ مجلس شورى الدولة ردّ هنا أيضا طلب المدعيتين. فبعدما اعتبر أنّ “الضّرر المتذرّع به ليس ضرراً خاصاً وإنّما هو ضرر في حال حصوله يطال شريحة كبيرة من المجتمع”، رأى أنه في مطلق الأحوال ليس من الأضرار الجسيمة التي تتيح تطبيق المسؤولية على أساس مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة. وهنا أيضا لا تصمد حجج المجلس أمام أي تحليل جدّي بل هي تكاد تلامس ازدراء الأشخاص المعوقين للأسباب الآتية:

  • أنّ التنكّر لضّرر المدعيتين بحجّة أنّه لا يطالهما وحدهما بل يطال جميع المعوقين إنما يؤدّي في عمقه إلى التنكّر للضّرر الذي تكبده شخص معوّق بحجة أنه ضرر يتكبّده جميع المعوقين وعمليا إلى تبرير المسّ بحقوق شخص معوّق بالمسّ بحقوق جميع المعوقين. فلا يكون لأي معوق حق التشكي من أيّ ضرر في حال ثبت أنه ضرر يعاني منه جميع المعوقين. وعليه، وبدل أن يشكل الطابع العام للضرر الذي تشكو منه المدعيتان حافزا إضافيا للمجلس لقُبول دعواهما بالنظر إلى أبعادها الاجتماعية الفائقة والمتمثلة في رفع الظلم عن نسبة واسعة من المجتمع لا تقل عن 5% من أفراده، ذهب المجلس على العكس من ذلك إلى استخدام هذه الأبعاد الاجتماعية لرد هذه الدعوى. ولا نبالغ إذا قلنا أنه بدا من خلال ذلك وكأنه يبرر التمييز ضد أشخاص معيّنين بفعل إعاقتهم وذلك خلافا للمادة 2 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والتي تمنع التمييز بين الأفراد لأي سبب ملازم لأشخاصهم.
  • في ما يتعلق بالضرر الجسيم: هنا اكتفى المجلس بإنكار جسامة الضرر من دون أي تعليل. وكأنه بذلك لا يعير أي انتباه للمهانة الشخصية التي قد يستشعرها شخص معوّق نتيجة حمله لممارسة حقه بالاقتراع وذلك على نقيض ما ذهبت إليه المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وفق ما بيناه أعلاه.

هذا فضلا عن أن المجلس لم يجد حرجاً في تشويه الوقائع لتبرئة الدولة من أي مسؤولية. وهذا ما نستشفه بوضوح من تأكيده أن المدعيتين قد مارستا فعلياً حقهما بالاقتراع في حين أن إحداهما رفضت كلياً ممارسة هذا الحق لاعتبارها أن اشتراط حملها من أجل ممارسته يشكّل مسّاً بكرامتها.

3- فرصة ضائعة لمجلس شورى الدولة

مما تقدّم، يظهر بوضوح أن مجلس شورى الدولة قد أظهر لا حساسية في قضية اجتماعية فائقة الأهمية، بحيث أبدى حماسة في تبرير فشل وزارة الداخلية (السلطة) في تجهيز مراكز الاقتراع في موازاة لامبالاة حيال حماية حقوق الأشخاص المعوقين، وهم أكثر المواطنين هشاشة، بالمساواة والكرامة. وبذلك أهدر المجلس فرصة ثمينة لتعزيز دوره في حماية المواطنين والصالح العام.

فهو أولاً أهدر فرصة لتصويب أداء الدولة في ضمان حقوق الأشخاص المعوقين بالاقتراع وبشكل أعم في ضمان حقهم ببيئة مؤهلة وسليمة ودامجة، بما يضع حدّا للاستهتار المتمادي في تنصّلها من تنفيذ قانون 220/2000 وتاليا من تفعيل الحقوق المكرسة فيه.

وهو ثانياً أهدر فرصة لضمان انتخابات حرة وديمقراطية يُتاح فيها لجميع المواطنين الاشتراك فيها من دون تمييز والأهم من دون أي شعور بالتبعية أو المهانة. وإهدار هذه الفرصة يكتسي أهمية كبيرة في ظل المناخ السياسي الحالي والرهانات المعقودة على الانتخابات القادمة عن حق أو باطل لإعادة الوصل بين السلطات ومصدرها أي الناس.

وهو ثالثاً، والأهم، أهدر فرصة في تكريس دوره كحامٍ للحقوق والحريات في مواجهة تعسف السلطة التنفيذية واستهتارها.

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، حريات ، سياسات عامة ، محاكم إدارية ، حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة ، دستور وانتخابات ، حريات عامة والوصول الى المعلومات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني