شهادة الناشط حمزة نصري: “هضم جانب موظف عمومي” باب لهضم حرياتنا جميعا


2022-02-09    |   

شهادة الناشط حمزة نصري: “هضم جانب موظف عمومي” باب لهضم حرياتنا جميعا

أصدرت محكمة الناحية بتونس العاصمة مؤخرا حكما بالسجن لمدة ثلاثة أشهر ضد الناشط الحقوقي والكويري حمزة نصري، بعد إحالته بمقتضى الفصل 125 من المجلة الجزائية، الذي ورد فيه؛ “يعاقب بالسجن مدة عام وبخطية قدرها مائة وعشرون دينار كل من يهضم جانب موظف عمومي أو شبهه بالقول أو الإشارة أو التهديد حال مباشرته لوظيفته أو بمناسبة مباشرتها”. 

اتُّهِم حمزة نصري بـ”هضم جانب موظف عمومي” إثر مشاركته في تحرك احتجاجي مُندّد بالاعتقالات العشوائية التي قامت بها قوات الأمن في الأحياء الشعبية والمناطق الداخلية في شهر جانفي سنة 2021. خلال إيقافه، اتّهمه أعوان الأمن بالإتيان بـ”حركة بذيئة” بإصبعه. وحاولوا استنطاقه دون حضور المحامين، بعد أن أوهموهم وفقه بتغيير مكان احتجازه. وكان سبقَ للناشط حمزة نصري أن تعرّض للاعتقال في 08 ديسمبر 2020 بسبب مشاركته في الاحتجاجات المناهضة لقانون “زجر الاعتداء على القوات الحاملة للسلاح” الذي يُعطي حصانة إضافية لقوات الأمن ويعزز إفلات عناصرها من العقاب. وقد وجّهت إليه عناصر الشرطة آنذاك تُهما متعلّقة بـ”إغلاق الطريق العامّ بالقوة” و”شتم الأمنيين”.

“أثناء الاحتجاز حُرِمت من زيارة الطبيب ولم أشرب الماء طيلة ثلاثة أيام”      

قال حمزة نصري للمفكرة القانونية بخصوص أطوار اعتقاله “كنت واحدا من المتظاهرين المندّدين بالاعتقالات العشوائية التي حدثتْ في جانفي 2021. يومها، عمدتْ قوّات الأمن إلى تفريق المتظاهرين والاعتداء على بعضهم. حاولتُ التدخّل لمنع الاعتداء على أحد المتظاهرين من خلال الاستظهار بصفتي الحقوقية، بوصفي نائبا لرئيس فرع الرابطة التونسية لحقوق الإنسان. حينها تدخّل أحد الأعوان وأشار على زملائه باعتقالي بسبب ما اعتبره “إشارة غير أخلاقية” ضدهم. بعدها تمّ اقتيادي الى منطقة الأمن بباب سويقة. طالبت بحقي في الاتصال بالمحامي. بعد قدوم المحامين إلى منطقة الأمن أوهموهم بأنه ستقع إحالتي إلى منطقة أمن مجاورة. ولكنهم في الحقيقة اقتادوني في سيارة الشرطة وأعادوني إلى نفس منطقة الأمن. كانت محاولة لاستنطاقي من دون حضور محامين. ولكنني رفضت ذلك. بعد استشارة النيابة العمومية تم الاحتفاظ بي لمدة 48 ساعة، ثم وقع تمديد فترة الاحتجاز”. 

وبخصوص ظروف الاحتجاز والمحاكمة لاحقا، قال حمزة نصري: “رفضوا عرضي على الطبيب. طلبت النزول في غرفة أقل اكتظاظا في مركز الاحتجاز ببوشوشة وتمت الاستجابة إلى طلبي في فترة لاحقة. طيلة ثلاثة أيام من الاعتقال، لم أشرب الماء. أطلِقَ سراحي بعدها وأحيلَ الملف على محكمة الناحية بتونس. وظلت القضية محل تأجيل. يوم 09 ديسمبر 2021 كانت الجلسة الأولى وكنت خارج تونس، كنت بالتحديد في السويد. يوم 24 جانفي 2022 تغيبت أيضا لأسباب مهنية. ويوم 31 جانفي الفارط اتصلت بي المحامية لتعلمني أنني حُوكمت بثلاث أشهر سجن نافذة. ورغم أن الحكم يعتبر غيابيا إلا أن المحكمة أصدرته بصفته حكما حضوريا. وهي محاولة لحرماني من طور من أطوار التقاضي وهو الطور الابتدائي. كنت غائبا في الجلستيْن ومن المنتظر أن يقوم المحامين بالاعتراض على الحكم في المدة القليلة القادمة”.       

“تطبيق الفصل 125 يعتبر كارثيا”

بخصوص إحالته بمقتضى الفصل 125 من المجلة الجزائية المشار إليه سابقا، يقول حمزة نصري للمفكرة: “الفصل 125 هو باب واسع لإدخال الجميع عبره إلى السجن. سواء النشطاء أو غيرهم من المُتّهمين الذين لم نسمع بهم. هذا الفصل ليس له مكان في المنظومة القانونية التونسية. وتطبيقه يُعتبر كارثيا. وعادة في قضايا هضم جانب موظف عمومي خاصة المتعلقة بأعوان الأمن لا وجود للضدّ. بمعنى أنّ الشاكي لا وجود له. علاوة على أنه فصل يحدّ من الحريات وفيه ثغرات إجرائية وعرضة لسوء الاستعمال”.

في هذا السياق، يُذكر أن منظمات حقوقية دولية ومحلية طالبت بإلغاء الفصل 125 من التشريع التونسي، إذ أوصت منظمة العفو الدولية في تقرير لها بـ “إلغاء الأحكام والنصوص التي تحظر إهانة الرموز، والمؤسسات، والموظفين العموميين وسواهم بما في ذلك الفصل 125 والفصل 57 من مرسوم سنة 2011 المتعلق بحرية وسائل الاعلام والطباعة والنشر”. 

وقد أشار تقرير سابق للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى أن “الفصل 125 من المجلة الجزائية يُعتبر من أخطر الفصول التي تُوظف لمجابهة أصحاب الحقوق وقادة التحركات الاحتجاجية، فمنذ إصدار المجلة الجزائية في 9 جويلية 1913 لم يمثّل هذا النص بتاتا موضوعا للمراجعة أو للتنقيح أو للإلغاء، ولعلّ في ذلك دلالة واضحة عـلى ارتياح السلطة واطمئنانها له كآلية لقمع كلّ نفس احتجاجي.”  وأضاف التقرير ذاته بأن “هـذا النص وَضَعه المشرّع لإفراد ممثلي السلطة بحماية خاصة وقـد تمادى فقه القضاء إلى أبعد مـن ذلك إذ وسّـع في مجال حمايـة الموظفين العمومين ومتّعهم بها حتى خــارج مباشرة عملهم وفي ذلك ضرب لقاعدة مبدئية جوهرية ألا وهي “التفسير الضيق للنصوص الجزائية”.

“منظومة الإفلات من العقاب تعود إلى النظام السابق ولم يتم تفكيكها”

أشار حمزة نصري إلى وجود استمرار لمنظومة الإفلات من العقاب التي تعود إلى عهد الأنظمة السابقة، قائلا: “بحكم عملي السابق في مركز الإصغاء والتوجيه التابع لجمعيّة دمج، لاحظت أن أقصى نجاح في القضايا المرفوعة ضد الأمنيّين هو استدعاء الشاكين من أجل سماعهم. فمنظومة الإفلات من العقاب منظومة قديمة. ولم يتم تفكيكها. القوى السياسية التي حكمت بعد الثورة لم تحاول وضع يدها في عشّ الدبابير ووزارة الداخلية تحكّمت في الجميع حكومات وأحزابا وجلادو النظام السابق لم يحاكموا. وفي العدالة الانتقالية لم ينتفع الضحايا سوى بالحديث في التلفاز. لا توجد إرادة فعلية سياسية من أجل تفكيك منظومة الإفلات من العقاب بما في ذلك من يحكم الآن. كلّ من يصل الى السلطة يحاول خطب ودّ هذه المنظومة”.  

وأضاف نصري قائلا بخصوص التحوّلات السياسيّة بعد 25 جويلية: “قضيتي تعود إلى ما قبل 25 جويلية، أي إلى فترة حكومة المشيشي وحركة النهضة التي شهدت خلالها البلاد قمعا واسعا للحركات الاحتجاجية. بعد 25 جويلية تمّ وأد الأمل والطموح الذي اجتاح الديمقراطيين والتقدميين. الرئيس سعيّد يعتقد أنه الحاكم بأمره، وهناك تخوين للمعارضين عبر تقسيم المجتمع إلى “صادقين” و”خونة”. كما أنّ الوضعية سيئة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وعلى مستوى الحريات، إذ أصبح التنظّم السياسي والتحزّب أشبه بالجريمة”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

أجهزة أمنية ، محاكم جزائية ، تشريعات وقوانين ، محاكمة عادلة وتعذيب ، مقالات ، تونس ، عدالة انتقالية ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني