سهل عكار وحيدًا في مواجهة الفيضان: الخسائر تطال 60% من المنازل والحقول والمواشي


2024-01-17    |   

سهل عكار وحيدًا في مواجهة الفيضان: الخسائر تطال 60% من المنازل والحقول والمواشي
سهل عكار يغرق ومعه مزروعاته

يقف أبو أحمد بين أثاث تالف في قلب منزله الكائن وسط بلدة السماقية في سهل عكار ويعيد تمثيل ما كان عليه حاله لحظة اجتياح الفيضان المنطقة صباح السبت 13 كانون الثاني 2023. إذ فيما كان أهالي البلدة يخلون منازلهم نحو الأسطح مع وصول فيضان النهر الشمالي الكبير إليهم، سبح أبو أحمد عكسهم مع تيار المياه إلى داخل البيت “وصلت ع الخزانة حملت دوا الضغط والسكري وفاتوا ورايّ شباب الحي وطلعوني من جوا”. نسأل أبو أحمد الذي شارف على إنهاء عقده السابع من العمر كيف يخاطر بحياته من أجل علبتي دواء؟ “معك حق تستغربي لأنه كان ممكن إغرق ويجرفني التيار، بس إذا ما أخذت دوايي بموت كمان، وحقه 14 مليون ليرة، من وين بجيب مصاري لاشتري دوا؟”، يقول الرجل وهو يعصر الفرشات الغارقة في الوحل والماء على أسرّة غرفة نومه، فيما نجد براد المطبخ وبعض الأواني وقد حملها الجرف المائي إلى مدخل غرفة الجلوس.

وأبو أحمد هو صاحب بيت من نحو 200 بيت لسكان السماقية وحدها، ومعها عشر مخيمات للاجئين السوريين في البلدة عينها، أغرقها فيضان سهل عكار الذي حمل إليه المنخفض الجوي الأخير الذي امتد من الأربعاء 10 كانون الثاني ولغاية الاثنين الماضي نحو 40% من هطولات المعدل العام في البلاد البالغ 424 ملليمتر. فقد استقبلت عكار وحدها أكثر من 175 مليمترا من الهطولات في 5 أيام دفعة واحدة بغزارة كبيرة ودفعة واحدة، كما يؤكد رئيس قسم التقديرات السطحية في مصلحة الأرصاد الجوية في مطار بيروت محمد كنج للمفكرة القانونية.

ولم يتأتَ الفيضان من الهطولات وحدها، وفق كنج، حيث لم تستوعبها التربة دفعة واحدة فلفظت الفائض عن قدرة امتصاصها إلى الخنادق بين الحقول، بل فاضت معها أنهار عكار، وخصوصا النهر الشمالي الكبير الذي يتفجر في أعالي وادي خالد على الحدود اللبنانية السورية هادرا نحو مصبه في البحر في بلدة العريضة، ولاقاه نهر الأسطوان الذي يخترق سهل عكار في رحلته من أعالي جرود عكار العتيقة نحو  مصبه في البحر في بلدة الشيخ زناد، ثم ساندهما (ساند الأسطوان والكبير) نهر عرقا، وإن بكميات أقل، وهو يقطع القليعات نحو مصبه في قبة شمرا في المتوسط.

وعليه تحوّل نحو 60% على الأقل من سهل عكار، بما فيه بلدات حكر الضاهري والسماقية وتلبيبة والشيخ زناد والعريضة والكنيّسة والمسعودية وتلمعيان، إلى بحيرة هائجة تتقاذفها التيارات المائية الجارفة، ولم يبق ظاهرا فيها سوى الطوابق العليا من المنازل، ورؤوس البيوت الأرضية من بينها، بعدما غطت المياه ارتفاع مترين من الطوابق السفلية، واجتاحت طرقات الإسفلت مدمرة العبّارات المائية سواء تلك التي تصل الحقول بالطرقات أو التي تغطي بعض الخنادق لتسهّل وصول المزارعين إلى أراضيهم، عدا عن الانهيارات في الطرقات التي تصل البلدات ببعضها البعض، وأكبرها انهيار جزء من الطريق بين بلدتي السماقية والعريضة. كل ذلك والأهالي يهرعون بأطفالهم نحو أسطح المنازل ليراقبوا بالعين المجردة غضب الطبيعة وتلف جنى عمرهم سواء في بيوتهم ومواسمهم الزراعية كما في قطعان المواشي والآليات السيارة والزراعية، وهم يدركون أنهم طالما تركوا، وعلى مدى سنوات طويلة من تكرار الفيضانات وحدهم، من دون اتخاذ السلطات أي إجراءات وقائية لمنع كوارث مماثلة، وأقلها تعزيل مجاري الأنهر وقنوات مياه الري التي تقطع سهل عكار بالطول والعرض وتشكل مجار جاهزة لتدفق مياه الأنهر باتجاه القرى والحقول.

من خسائر المنازل في السماقية

اللواء خير: تضرر أكثر من 60% من سهل عكار

ومع المنازل، يقدر الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد الخير في اتصال مع المفكرة أن الأضرار الزراعية والإنشائية طالت أكثر من 60% من السهل، وذلك إثر جولته التفقدية للمنطقة بعد الفيضان. وأكد الخير أنه وضع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في جو ما تعانيه المنطقة ووعده الأخير بعرض الأمر على مجلس الوزراء لأخذ القرار المناسب. وأشار الخير إلى أن لجنة ستُشكل بالتنسيق مع الجيش اللبناني للكشف على الأضرار في حال أقرّت الحكومة مبدأ التعويض على الناس وأمنت الأموال اللازمة لذلك. ورأى أن اللجنة تحتاج إلى شهر على الأقل لمسح الأضرار وتوثيقها “يا ريت بقدر عوض ع الناس من اليوم، بس علينا انتظار الآليات الرسمية لذلك، وقرار مجلس الوزراء وتأمين المال”، يختم حديثه.  

من جهتها، أفادت فرق وزارة الزراعة في مصلحة عكار أن ارتفاع مياه الفيضان إلى متر على الأقل في بعض قرى السهل أدى إلى تلف نسبة كبيرة من المزروعات مثل الحشائش والجزر والبطاطا، وكذلك الزراعات داخل الخيم الزراعية حيث تضرر في سهل البقيعة في وادي خالد وحدها نحو 200 خيمة زراعية. وفي بيان أصدرته وزارة الزراعة بناء على تقرير فرقها، أكدت أن الأضرار لحقت بالزراعات الشتوية ومنها نحو ألفي دونم من زراعات القمح والشعير، وأن البندورة والفريز نالت حصة كبيرة من التلف أيضاً، وتراوحت الأضرار ما بين اختناق وانجراف وردم للمزروعات ومن بينها بذار البطاطا المزروعة مؤخرا حيث يتعفن ما لم تجرفه المياه منها، مع صعوبة تصريف المياه من الحقول وخصوصا المنخفضة منها، والتي تحولت إلى بحيرات ما زالت ماثلة أمام الأعين. وأكدت الوزارة أن المياه غمرت عددا كبيرا من قرى السهل مما أدى إلى أضرار في الدواجن والمواشي وخصوصا رؤوس الأغنام والماعز.

وفيما يؤكد الرئيس السابق لبلدية السماقية المهندس بلال شمعة أن العناية الإلهية تدخلت لعدم وقوع ضحايا بشرية نتيجة هذا الفيضان غير المسبوق في سهل عكار، برغم تكرار وقوعه في كل عام تقريباً، يكشف للمفكرة أن البلدية وأهالي البلدة بدأوا بإخلاء مخيمات اللاجئين بآليات التراكتور والبيك آب قبل وصول المياه إلى خيمهم “وإلا كنا سنكون أمام مأساة حقيقية في صفوف الأطفال والعائلات السورية، حيث يسكن نحو 1750 شخصا من هؤلاء في الخيم التي ارتفع فيها منسوب المياه عن متر ونصف المتر على الأقل”. ومع السوريين يرفع شمعة الصوت ليتحدث عن خسائر لا تعد ولا تحصى في نحو 200 منزل لأهالي البلدة أتلف الفيضان معظم أثاثها، ومعها نحو 350 هكتار من حقول ومزروعات، إضافة إلى نفوق رؤوس ماشية وتعطل آليات زراعية أغرقها الجرف المائي “لازم يعوضوا ع الناس لتقدر توقف ع إجريها”، يناشد شمعة الحكومة عبر المفكرة.

وفي السماقية، لم يقبل المزارع عبد الرزاق شقرا رمي خواريف أغنامه النافقة وهي مولودة حديثا بعيدا عن منزله “ما بدي ادفنهم، هودي رزقي وعيشتي ومعيشتي مع عيلتي، بدي خليهم لتجي الدولة وتشوف شحاري بركي بتعوض عليي”. ومع وصول فريق عمل المفكرة ، يُسرع شقرا نحو حديقة منزله ليحمل ثلاثة خواريف صغيرة نافقة لا يزيد عمرها عن 3 أشهر ويضعها بالقرب من أمها النافقة بعدما قذفها تيار المياه إلى عتبة البيت “بدي خليهم هون، هيدا تعبي ما إلي قلب أدفنه” مؤكدا أنه خسر 35 رأس غنم “هن كل ما أملكه”.

لم تقتصر خسائر شقرا على المواشي، فها هي زوجته بالكاد تقف على قدميها بعدما قذفتها المياه لتصدم بحائط غرفتها. تستند السيدة الستينية إلى الحائط لكي تدلنا إلى برادها الذي عطلته الوحول بعدما تغلغلت فيه مع المياه، وإلى كنباتها التي كانت زوجة ابنها البكر تعمل على غسلها بنبريش مياه غزير “نمنا عند إبني بالطابق التاني لأنه بيتنا خرب”، تقول الحاجة مقهورة “يا بنتي تعب هالحياة ما بيخلص، مصيبة ورا مصيبة”.

المزارع شقرا وخرافه النافقة

فيديوهات صادمة توثق الفيضان

في السماقية، كما في العريضة وتلبيبة والشيخ زناد والكنيسة وحكر الضاهري وجزء من المسعودية وتلمعيان، يهرع الناس إلى فتح هواتفهم وعرض الصور والأشرطة المصورة (الفيديوهات) كدلائل حسية على ما عايشوه. تخبر الفيديوهات عن هول الكارثة وساعات الرعب التي عاشها سكان عكار “إنه تسونامي”، كما يسميه مسعود اللهباوي من بلدة الشيخ زناد وهو يعرض فيديو لرجل من بلدته يسبح في أحد مجاري المياه بعدما ربطه عناصر الدفاع المدني بحبل وسحبوه إلى الجهة الأكثر أمانا من البلدة “ما عدنا عرفنا النهر وين، صار كل السهل بحر، صرنا بحرين، واحد جايينا من فوق عبر فيضان النهر وواحد من تحت”، في إشارة إلى وقوع بلدة الشيخ زناد على البحر مباشرة “اتصلت المي ببعضها، طلعت من السواريط (كما يسمي أهالي السهل خنادق المياه)، ومن الأنهار ونزلت من السما وهجمت علينا”، يقول وهو يلهث وكأنه يعيش الفيضان من جديد عندما يتحدث عنه.

من الشيخ زناد إلى تلبيبة، تعقد سعيدة الضناوي داير فستانها على أوراكها فوق بنطالها وهي تقول “ما حدا كان معنا، ما حدا شاف شو صار فينا، ما حدا عرف إنه رجعنا من الموت، إنه كان ممكن ما يلاقونا إلا تحت الوحل أو بالبحر”. لم تخلع سعيدة ملابسها المغطاة بالوحل منذ يومين “نشفوا تيابي عليي، كل تيابنا صاروا وحل وما في مي نضيفة لنغسل، ما في كهربا، ما في أكل راحت كل مونتنا،  شي جرفته المي وشي خرب من الوحل ونحن كنا محاصرين، حتى حليب للاولاد ما عندي، البقرة نشّفت لأنها ما عم ترعى وما عم تاكل، يمكن نشّف حليبها من قوة الفيضان “. تسكت سعيدة ليس لأن حكايتها تنتهي هنا، بل لأنها تعبت من الألم الذي يعتصر قلبها وأوقفها عن الكلام، خصوصا وأنها تخاف أن يكون كل ما قالته “متل فسي طيور”، كما عبرت، أي بلا أي أثر أو جدوى “ما حدا عمره عوض علينا، بس هالفيضان غير كل مرة، عنا خيمة فريز عم نعيش منها، ما ترك فيها الفيضان شي”، تختم بأسى وهي تعتذر لاستكمال تنظيف بيتها “بركي فينا ننام لو ع البلاط، تعبنا، والاولاد تعبوا كتير ومرضوا”. 

إنهيار الطريق بين السماقية والعريضة

سلطة لا تنظف الأنهر ولا تعوض على الناس

في الكنيّسة، جارة تلبيبة، لا تسمع سوى صوت مضخات المياه التي ركزها المزارعون في أراضيهم في محاولة لتجفيفها والتقليل من اختناق مزروعاتهم وتلفها. يقول عماد خضر، أحد كبار مزارعي البلدة، للمفكرة، أن الفيضان اجتاح نحو 200 هكتار من أراضيها المزروعة بطاطا وقرنبيط وبروكولي وخس وبطاطا، وكل الحشائش من بقدونس وخس ونعنع وروكا وكزبرة وبصل أخضر وبصل يابس وبندورة وخيار وفريز في الخيم الزراعية. ووصلت المياه إلى ارتفاع متر إلى مترين فوق الزرع واجتاحت المياه 90% من بيوت البلدة مع أثاثها. ويخبر خضر عبر فيديو مسجّل عن عمليات إجلاء نفذها الدفاع المدني لأطفال ونساء وعائلات من جهة المسعودية نحو الكنيّسة عبر زوارق مطاطية “الناس خافت كتير، وما كنا عم نسمع إلا صراخ الأطفال والحمدالله ما سقط خسائر بشرية، الرزق الله بيعوض عليه، بس موت حدا من أفراد العائلات كتير قاسي ع الناس”.

يعمل خضر في الزراعة منذ ربع قرن “ورثت المهنة عن أبي الذي ورثها عن جدي”، لكنه يتذكر أن أخر تعويض تلقاه المزارعون عن خسائر الفيضان المتكرر سنويا حصل قبل أكثر من 15 سنة “نحن هون بسهل عكار متل محافظتنا ل إسمها المحافظة المنسية والمتروكة”. يقول أن الدولة لم تعمل على تعزيل الأنهر منذ سنوات طويلة “نضفت الهيئة العليا للإغاثة ع الخفيف من شي سبع سنين، لكن نهري الكبير والأسطوان يعجان بالأعشاب والشجيرات المائية في قلب مجريهما، فكيف بدها تمشي المي؟، عدا عن النفايات والمجارير المرمية كلها فيهما”.

أما مسح الأضرار فلا يعني أن الدولة ستدفع تعويضات “هيانا كل سنة منشوف الجيش والهيئة العليا للإغاثة بيجوا بيمسحوا أضرار وما منشوف تعويضات”. أمس جاء اللواء محمد خير وتفقد المنطقة “مشكورا، وقال لنا إذا ما عطيونا مصاري وأقرت الحكومة التعويضات ما منقدر ندفع، لو معي مصاري بيدفع لكم اليوم قبل بكرا”.

وضرر الكنيّسة يأتيها من نهر الأسطوان بالدرجة الأولى، وهو يشقها من النصف في جريانه نحو الشيخ زناد حيث مصبه في النهر. والكنيّسة، مثلها مثل البلدات المنخفضة في سهل عكار والقريبة إلى البحر، لا تستفيد من خير الأسطوان “بيسقوا منه أراضي البلدات من منبعه بعكار العتيقة وصولاً إلى تلعباس وتلمعيان بالسهل، بينما يجف قبل أن يصل إلينا في أسفل السهل”. لكنه، وحين يفيض فإنه يترك الأعالي ويخص أسفل السهل بتياراته الجارفة التي ما أن تلتقي بفيضان النهر الكبير حتى تغرق البلدات الثمانية المتاخمة للنهرين معا، وما بينهما.

ليس بعيدا عن منزل خضر، يضع عبد الفتاح علي شاكيش مؤنة منزله على جدار مصطبة داره “دفعنا دم قلبنا لنمون للشتي، وهياه الشتي أخذ كل المونة”، يقول شاكيش وهو يدعونا إلى داخل منزله الذي أتلفه الفيضان “خرب كل شي وعم ننام عند بيت عمي بالطابق التاني”، يقول وهو يسألنا “يعني رح تعوض الدولة ع الناس أو متل كل مرّة؟”.

بالقرب من شاكيش، يقضي المزارع محمود الصمد وقته يجول بين 80 ألف متر مربع من الأراضي التي ضمنها (استأجرها) وزرعها هذا العام، وهو يخبط كفاً بكف. هنا أتلف الفيضان 7 طن من بذار البطاطا “وحق كل طن بدار أجنبي 1200 دولار أميركي، هنا قلعت المياه حقول البصل التي كلفتني ألفي دولار، وهنا غمرت الوحول والنفايات التي حملها معه الفيضان من الأنهار حقول البروكولي والقرنبيط والفريز…..وهنا، هنا.. يقول الصمد ثم يسكت “ليش عم خبركم؟ شو رح تعملولي؟ ما رح استفيد شي، هيدا غير كلفة الفلاحة والأسمدة وأجرة العمال، و8000 دولار ضمان الأرض”، يقول وقد تذكر أننا لسنا فريق كشف على الأضرار، وأن حديثه معنا لن يأتيه بنتائج مباشرة مرجوة. يتركنا الصمد ويعود إلى تشغيل مضخة المياه على أرضه العائمة تحت بركة مياه كبيرة “الله معكن، صارلي تلات ايام بدفع مازوت وبشغل طرمبة المي لنشّف أرضي وما عم تنشف”.

في العريضة التي يزنرها النهر الكبير من جهة حدودها مع سوريا، لم تقتصر الأضرار على 25 منزلا كان سكانها يعتبرون من المحظوظين لأنهم يتمتعون بإطلالة جميلة على النهر الكبير شمالا من جهة سوريا وعلى البحر حيث تستلقي بلدتهم شرقا. عندما فاض النهر تعامل معهم “الكبير” على قاعدة “الأقربون أولى بالمعروف” ليجتاح منازلهم دفعة واحدة، ومعها بعض مراكب الصيادين التي كانت راسية في حرمه بالقرب من مصبه في البحر.

يعتبر رئيس جمعية صيادي العريضة محمد عبلة في حديث مع المفكرة أن أهل البلدة نجوا من الموت لأن صديق أحد الصيادين هاتفه من وادي خالد التي تعلو العريضة وينبع منها النهر الكبير وأخبرهم ببدء الفيضان. حمل أهالي المنازل المتاخمة للنهر أطفالهم وهربوا بهم نحو عمق البلدة، وصاروا ينادون في طريقهم على سكان المنازل الأخرى “اطلعوا ع السطوح النهر طالع علينا”.

يؤكد عبلة أن أضرار العريضة كبيرة لأنها لم تعان من فيضان النهر الكبير فقط، بل أتاها نهر الأسطوان من الغرب حيث يشكل حدودها مع السماقية والشيخ زناد “اختفى السهل، ما عدنا نعرف مجرى النهر من السواريط (الخنادق) كله ماشي بقوة جارفة”. ويؤكد أن المياه اجتاحت نحو 500 هكتار هي كل أراضي العريضة “ما يحكونا عن دونمات، معظم السهل البالغة مساحته 18 ألف هكتار غرق مع مزروعاته، يجوا يكشفوا ويعوضوا ع الناس”. ومن بين هؤلاء “الناس” 25 عائلة اجتاحت المياه منازلها “وساكنين عند جيرانهم بالضيعة، بس لأمتى بتقدر الناس تتحمل عائلات ببيوتها؟”، يختم عبلة.  

مختار حكر الضاهري علي عزيز العلي

سوريا تحمي ناسها ولبنان لا يفعل

في حكر الضاهري، البلدة التي تجاور النهر الكبير وتقع معظم أراضيها (375 هكتارا) بعد ضفته الشمالية في سوريا، يقف مختار البلدة علي عزيز العلي ووجهه نحو سوريا حيث تقع معظم أراضيه الزراعية، بينما بنى منزله في جزء القرية اللبناني. يمد العلي يده نحو سوريا ويشير إلى الساتر الترابي الذي بنته الجارة الحدودية على ضفة النهر الكبير من جهتها “يرتفع هذا الساتر عشرة أمتار عن مجرى النهر وبعرض 15 مترا، يعني ولا نقطة من الفيضان بتفوت ع سوريا”. هنا في الجهة الجنوبية للنهر، أي من ناحية لبنان، لم تكلف السلطات المعنية نفسها تعزيل النهر الكبير ولا الأسطوان ولا أي من أنهار عكار الأربعة، وليس فقط ببناء ساتر ترابي يرد مصاب الفيضان السنوي الدوري عن ناس الأرض وأهلها ومزروعاتهم “لو التعويضات لدفعوها منذ سنوات طويلة من زمان بنوا فيها ساتر كانوا وفروا ع حالهم تعويضات إضافية ومصايب ع الناس وخسائر” يقول المختار مستغربا كيفية إدارة الأمور في هذه البلاد “كل بيوت حكر الضاهري فات عليها النهر وخرب رزق الناس وأغراضها والناس عم تصرخ وما حدا عم يسمعها”. مع أراضيها في لبنان، اشترى أهالي حكر الضاهري أراضي من السماقية وتلبيبة وغيرهما “عنا شي 100 هكتار مزروعة كلها بالجهة اللبناني وهذه جرفها الفيضان”. وفي فيديو وثق فيه وضع منزله الواقع على النهر مباشرة نشاهد المياه خلال الفيضان وهي تجتاح عتبة بيته رغم ارتفاعها نحو متر عن الأرض “هون كلنا منعمر بيوتنا أعلى من الأرض تحسبا لتاريخنا مع الفيضانات، ومع هيك ما منقدر نحميها من الفيضان”، ثم يكمل “يا عمي الدولة تحمي المواطن، المواطن ما بيقدر يحمي حاله، بس نحن ما حدا بيفكر فينا، متروكين هون نواجه مصيرنا وحدنا”. 

في حكر الضاهري كما في العريضة والسماقية وباقي القرى يحمل الأهالي هم أطفالهم بعدما أخرج الفيضان أفاعي الأنهر البرمائية وراحت تدخل المنازل وتسعى بين الحقول وعلى الطرقات “مبارح طلعت لي حية من تحت المجلى، ضليت صرخ حتى التموا الناس عليي، وبعده قلبي عم يرجف من وقتها”، تخبر بسمة العلي من العريضة وهي تؤكد أنها تسكن حاليا عند أهلها “قلت له لزوجي ما برجع ع البيت قبل ما يرش سم الأفاعي”.

لقراءة الجزء الثاني من التحقيق، إضغطوا هنا

من طوفان السهل
المزروعات التالفة
انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، فئات مهمشة ، لبنان ، مقالات ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، بيئة وتنظيم مدني وسكن



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني