سلامة ينفث دخانه الأسود في العدلية


2023-03-22    |   

سلامة ينفث دخانه الأسود في العدلية
رسم علي نجدي

يُتوقع أن يعود الوفد القضائي الأوروبي الذي يُحقق في شبهات اختلاس وتبييض أموال بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وآخرين إلى لبنان، مرّة ثالثة خلال الأشهر المقبلة بهدف استكمال تحقيقاته عبر الاستماع إلى شقيقه رجا سلامة ومساعدته ماريان الحويك. وكان الوفد برئاسة قاضية التحقيق الفرنسية أود بوريزي Aude Burezi استمعت يومي الخميس والجمعة الماضيين 16 و17 آذار، إلى رياض سلامة الذي حضر بدون محام، بحضور رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة اسكندر ممثلة الدولة اللبنانية، وذلك بصفة “مستمع إليه” بدلًا من مشتبه فيه كما كان قد ورد في الاستنابة القضائية الأوروبية. وأعلمت القاضية الفرنسية سلامة أنّها بصدد توجيه استدعاء رسمي عبر الأصول القانونية للاستماع إليه في باريس. 

وبالاستماع إلى رياض سلامة يكون الوفد القضائي الأوروبي قد أنهى المرحلة الثانية من تحقيقاته منذ قدومه إلى لبنان في كانون الثاني 2023 حيث استمع إلى شهادات ثلاثة نوّاب سابقين لحاكم مصرف لبنان، إضافة إلى مدراء في المصرف ومصرفيين لبنانيين ومدقق حسابات على مدى خمسة أيّام بإشراف مباشر من النيابة العامّة التمييزية اللبنانية. وكانت الأخيرة قالت في بيان في 20 كانون الثاني الماضي إنّ القضاء اللبناني نفّذ طلبات المساعدة القضائية التي وجهتها إليه فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ ضمن الأطر الدبلوماسية في قضايا تحقيق في تحويلات مالية جرت في تلك الدول وإنّ القاضية إميلي ميرنا كلاس ترأست جلسات الاستماع إلى الشهود. 

وتحقّق الدول الأوروبية في شبهات استخدام شركة “فوري” FORRY ASSOCIATES LTD من قبل الشقيقين رياض ورجا سلامة وماريان الحويك في اختلاس وتبييض الأموال. ويشتبه الأوروبيون بأنّ الشقيقين سلامة اختلسا نحو 300 مليون دولار بين 2002 و2015 من المصرف المركزي واستثمرا هذه الأموال في أوروبا. ويشكّك المحققون الأوروبيون في صحّة العقد بين المصرف المركزي وشركة “فوري” المسجّلة في جزر العذراء. 

ملاحقة سلامة في أوروبا وكذلك في لبنان

تنتهي ولاية سلامة (72 عاماً)، للدورة السادسة في حاكمية مصرف لبنان في حزيران المقبل وبذلك يكون قد ختم ثلاثين عامًا كاملة في هذا المنصب. ويحافظ سلامة على منصبه على الرغم من تعدّد التحقيقات القضائية الأوروبية في حقّه والتي بدأت في العام 2020، بالإضافة إلى الادّعاء عليه في لبنان  بالتوازي مع التحقيقات الأوروبية. إذ في تاريخ 23/2/2023 ادّعى المحامي العام الاستئنافي في بيروت رجا حاموش على الثلاثي سلامة ورجا وماريان وكلّ من يظهره التحقيق في جرائم تبييض الأموال والاختلاس والتهرّب الضريبي والتزوير. وكانت التحقيقات في هذه القضية قد بدأت لدى النيابة العامة التمييزية بعد ورود مراسلة من النيابة العامة الاتّحادية السويسرية في أواخر 2020 تتعلّق بتحويلات ارتبطت باسميْ الأخوين سلامة ورشحتْ عن شبهة باكتسابِهما منافع غير مشروعة من مصرف لبنان تصل إلى أكثر من 300 مليون دولار أميركي. وتبعًا لادّعاء حاموش، أحيلت الدعوى إلى قاضي التحقيق الأوّل في بيروت بالإنابة شربل أبو سمرا. 

وكان ائتلاف استقلال القضاء قد رحّب بالادعاء على سلامة المنتظر منذ أمد إلّا أنّه طالب بنقل القضية إلى قاضي تحقيق آخر كون أبو سمرا “سجّل في السنوات الأخيرة توجهًا واضحًا لتسهيل إفلات أصحاب النفوذ من العقاب في العديد من القضايا” ومنها قضية الإثراء غير المشروع في حقّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والشكوى المقدّمة ضدّ وزيريْ الاتّصالات محمد شقير وجمال الجرّاح وآخرين في فضيحة إيجار وشراء مبنى تاتش في وسط بيروت. هذا بالإضافة إلى “أنّ القاضي أبو سمرا غير متخصّص وأنه يبلغ سنّ التقاعد خلال أشهر”. كذلك حذّر الائتلاف من محاولات تعطيل التحقيق اللبناني أسوة بقضايا أخرى ومن استخدام التحقيق اللبناني لمحاولة تعطيل التعاون الدولي مع تحقيق السلطات القضائية الأوروبية.

وإذ حدد أبو سمرا جلسة التحقيق الأولى لسلامة في 15 آذار، عاد وأرجأها إلى ما بعد انتهاء جلسات استماع الوفد القضائي الأوروبي إليه من دون أن يحدد موعدًا جديدًا، وذلك بالرغم من الترابط الواضح بين التحقيقات اللبنانية والأوروبية. 

وجاءت أبرز الخطوات في هذا الإطار من قبل هيئة القضايا في وزارة العدل برئاسة القاضية هيلانة اسكندر  ممثلّة الدولة اللبنانية التي انضمّت في 15 آذار 2023 رسميًا إلى هذه الدعوى المقامة من قبل النيابة العامة في بيروت واتخذت صفة الادعاء الشخصي بحق الثلاثي أمام قاضي التحقيق الأول شربل أبو سمرا، بجرائم “الرشوة والتزوير واستعمال المزوّر وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع والتهرّب الضريبي”. وطلبت هيئة القضايا “توقيفهم وحجز أملاكهم العقارية وتجميد حساباتهم المصرفية وحسابات أزواجهم وأولادهم القاصرين لمنعهم من التصرّف بها، حفاظًا على حقوق الدولة اللبنانية”. 

بالإضافة إلى ذلك، أكد مصدر قضائي موثوق لـ “المفكرة” أنّ هيئة القضايا اتخذت صفة الادعاء الشخصي عن الدولة اللبنانية في التحقيق الفرنسي أيضًا الأسبوع الفائت، وأنّها طلبت الاستعانة بالمعونة القضائية من نقابة المحامين في باريس، علمًا أنّ وزارة المالية لا تزال تمتنع عن تأمين الأموال اللازمة لتغطية تكاليف توكيل محام عن الدولة اللبنانية في الخارج. 

“مستمع إليه” لا “مشتبه به”

ثلاثة أيّام انشغلت فيها العدلية بسلامة، أولًا كان الوفد القضائي الأوروبي بانتظاره يوم الأربعاء في 15 آذار في قاعة تابعة لمجلس شورى الدولة  تم تجهيزها خصيصًا للاستماع إليه في الطابق الخامس في قصر العدل. وكُلّف القاضي شربل أبو سمرا بتنفيذ الاستنابة القضائيّة كونه المسؤول عن التحقيق اللبناني، فقرّر الاستماع إلى سلامة بصفة “مستمع إليه” على خلاف ما طلبه الوفد الأوروبي بالاستماع إليه كمشتبه فيه. وبحسب المعلومات فإنّ أبو سمرا اتخذ هذا القرار بناء على مذكرة سلّمها وكيل سلامة له يوم الثلاثاء اعتبر فيها أنّ استدعاءه للاستجواب في تحقيقات أوروبية يعدّ انتهاكًا لسيادة القضاء اللبناني والاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد. وأحال أبو سمرا المذكرة إلى المحامي العام في النيابة العامّة التمييزية حيث أعادها القاضي غسّان خوري إليه طالبًا منه اتخاذ القرار الذي يراه مناسبًا. وقد اعتبر أبو سمرا أنّ الاستنابة القضائية الأوروبية لا تتعارض مع القانون والسيادة اللبنانية.  

كذلك تحفّظ سلامة عن حضور القاضية اسكندر جلسة الاستماع إليه معتبرًا أنّها خصم، فيما اعتبر القاضي أبو سمرا أنّ حضورها لا يُشكّل انتهاكًا للقوانين، بخاصّة أنّها انضمت إلى الدعويين في الملف اللبناني والفرنسي، وفقاً لما يؤكده المصدر نفسه. 

وبعد أن حصل سلامة على ضمانة مثوله كـ “مستمع إليه” لا كمشتبه فيه، مثُل يومَي الخميس 16 والجمعة 17 آذار أمام الوفد القضائي الأوروبي في قصر العدل في بيروت وسط إجراءات أمنية استثنائية. وصل سلامة الخميس عند الساعة العاشرة والنصف صباحًا إلى قصر العدل وبدأت جلسة الاستماع التي حضرتها القاضية هيلانة اسكندر والوفد القضائي الأوروبي ممثلًا بقاضية التحقيق في باريس أود بوريزي، وممثل عن السفارة الألمانيّة ومعهم قضاة معاونون ومساعدون قضائيون. استمرّت جلسة الاستماع لسلامة لنحو ست ساعات وانتهت عند الساعة الرابعة والنصف. خرج سلامة من قصر العدل ليعود في اليوم التالي عند التاسعة صباحًا لحضور جلسة ثانية انتهت قرابة الساعة 12:30 ظهراً. وأكدّت المعلومات أنّ الوفد الأوروبي تمكّن عبر القاضي أبو سمرا في الجلستين من طرح كافة الأسئلة التي تم تحضيرها لطرحها على سلامة وهي نحو مئتي سؤال، 100 في كلّ جلسة. وغادر الوفد لبنان صباح السبت على أن يعود في موعد لاحق للاستماع إلى رجا سلامة وماريان الحويك، ومن المتوّقع أن تحصل المرحلة الثالثة من التحقيقات في نيسان أو أيّار المقبل. 

يوم الجمعة، ومباشرة بعد خروجه من الجلسة أعلن سلامة في بيان أنّ حضوره كان “احترامًا منّي للقانون والقضاة”. وعزا الادعاء عليه إلى “سوء نية وتعطّش للادعاء علي” وذلك من خلال “حملة إعلامية مستمرة تبنتها وسائل إعلام وتجمعات مدنية”. وأضاف أنّه أكد خلال الجلسة على “الأدلة والوثائق التي كان قد تقدّم بها إلى القضاء في لبنان والخارج مع شرحٍ دقيق لها”. وشرح أنّه “يتبيّن من هذه الوثائق والكشوفات أنّ المبالغ الدائنة في حساب المقاصّة المفتوح لدى مصرف لبنان والذي حولت منه عمولات إلى “فوري”، كانت قد سددت من أطراف أخرى ولم يدخل إلى هذا الحساب أي مال من مصرف لبنان ولم يكن هذا الحساب مكشوفًا في أي لحظة”. وأضاف “يتبيّن من هذه الكشوفات أنّ حسابي الشخصي في مصرف لبنان غير مرتبط بالحسابات التي تودع فيها الأموال العائدة إلى المصرف ولم تحوّل إلى حسابي أموال من مصرف لبنان، وأنّ التحاويل إلى الخارج الخاصة بي، ومهما بلغت مصدرها حسابي الشخصي”.

وأوضح أنّه تحفّظ عن حضور رئيسة هيئة القضايا القاضية هيلانة اسكندر “لأنها خصم وقد تدخّلت في الدعوى اللبنانية ضدّي، وتحفّظي ناتج عن الإخلال بمبدأ المساواة بين الفرقاء”.

إجراءات استثنائية لمشتبه فيه باختلاس الملايين

وكان سلامة يدخل ويخرج من قصر العدل بشكل سرّي، وعمل فريقه الأمني بجهد لإبعاده عن وسائل الإعلام اللبنانية والدوليّة التي تمركزت على مداخل قصر العدل لمتابعة القضية. 

واختلفت الإجراءات التي اتخذت لأجل سلامة عن أي جلسة تحقيق عادية من ناحية الحماية الأمنية. إذ تواجد عدد من العناصر التابعين لجهازي أمن الدولة والقوّة الضاربة وشعبة المعلومات باللباس المدني. وتولّى هؤلاء حراسة القاعة التي يجري فيها الاستماع لسلامة ومنع أي أحد من الوصول إلى محيطها. ومنع العناصر الأمنيّة الصحافيين من إلقاء نظرة على الغرفة أو المرور بجانبها. وقام عدد منهم بإشاعة معلومات مغلوطة أمام الصحافيين بهدف حثّهم على الخروج أو لتفادي نشر معلومات حول مجريات الجلستين، مثل إعلام الصحافيين بانتهاء الجلسة بينما كانت لا تزال مستمرة. وحصل تلاسن أكثر من مرّة بين الصحافيين والأمنيين الّذين ضاقوا ذرعًا بأسئلة الصحافيين المتكررة فاستخدموا الصراخ معهم وأمروهم بالابتعاد عن القاعة مستخدمين عبارات “اطلعوا لبرّا” و”ما بدي شوف حدا هون”. 

وفيما نشرت وسائل إعلام أنّ سلامة دخن السيجار خلال الجلستين، نفى مصدر قضائي صحّة المعلومة مشيرًا إلى أنّ جلسة الخميس توقفت مرتين لأخذ استراحتين وسمح لسلامة بالخروج من القاعة أثناءهما، وبالتالي قد يكون دخّن السيجار في الاستراحة وليس في الجلسة. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، المرصد القضائي ، أحزاب سياسية ، مصارف ، قرارات قضائية ، لبنان ، مقالات ، محاكمة عادلة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني