أمس، أعلنت هيئة القضايا بصفتها ممثلة عن الدولة اللبنانية عن تقدّمها بدعوى ضدّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورفاقه لارتكابه جرائم عدة، منها جرائم اختلاس المال العام وإثراء غير مشروع وتزوير وتهرّب ضريبي وتبييض أموال. وقد قدمت الهيئة بمبادرة من رئيستها القاضية هيلانة اسكندر دعواها أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة شربل أبي سمرا، تبعا للادعاء العام المقدم من النيابة العامة ضد هؤلاء، طالبة توقيف المدعى عليهم والحجز على أموالهم فضلا عن إبلاغ هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان بواسطة النيابة العامة في بيروت. هذه الدعوى بالغة الأهمية تستدعي الملاحظات الآتية:
أولا، نهج جديد لهيئة القضايا
إن هيئة القضايا تحرّكت من تلقاء نفسها أي من دون انتظار ورود طلب صريح إليها بالتحرّك من وزير المالية، وهو وزير الوصاية عن مصرف لبنان. وقد حصل ذلك بعد ورود طلبات عدّة إلى الهيئة من مراجع قضائيّة أوروبيّة عدّة، ولزوم وزارة المالية الصمت في شأن الموقف الواجب اتخاذه في هذا المضمار رغم مراجعتها مرات عدة من قبلها. وفيما كانت الهيئة تنتظر عادة موافقة الوزارة المعنية لمباشرة الدعوى، فإنها انتهجت هذه المرة نهجا مختلفا قوامه وضع وزارة المالية أمام مسؤوليتها في إبداء الرأي على أن تعتبر لزومها الصمت بمثابة موافقة ضمنية على ضرورة اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية مصالح الدولة. وتكون الهيئة قد عززت بفعل نهجها هذا دورها في وضع المراجع الحكومية المعنية أمام مسؤولياتها في الدفاع عن الصالح العام على أن تتولى هي القيام بذلك في حال أيّ تقاعس منها في هذا المضمار. ومؤدّى هذا النهج الجديد هو تحرير الهيئة من هيمنة القوى السياسية الحاكمة إلى حدّ كبير وتعزيز قدرتها في الدفاع عن الدولة ومصالحها وتاليا في حماية الشرعية والمال العامّ. وعليه، يُنتظر أن تصطدم الهيئة تبعا لنهجها الجديد بممانعة القوى السياسية التي ما لبثت تجهد لإحكام سطوتها الكاملة على القضاء والإدارة العامة في اتجاه تكريس ما جاز تسميته “الشمولية السياسية”. وقد لاحتْ معالم هذا التوجّه في بعض الأخبار الإعلامية المغلوطة التي تنكر على الهيئة إمكانية قيامها بادّعاء من دون ورود تعليمات صريحة إليها من الوزارة المعنية أو أيضا في المواقف المنددة بنهج الهيئة والتي صدرت عن عدد من القضاة المحسوبين على جهات سياسية في غرف ما تزال مغلقة حتى الآن.
ثانيا، إنها الدعوى الأولى لاسترداد الأموال المنهوبة
إن هيئة القضايا قدّمت بذلك أول دعوى لاسترداد أموال منهوبة على صلة بالأزمة المالية، وهو أمر ضروري لإعادة بعض التوازن المالي في ظلّ ضخامة الخسائر المالية المسجلة والانهيار الناجم عنها. ويؤمل تاليا أن يشكل ادّعاء الهيئة فاتحة لدعاوى تقدّم ضدّ مسؤولين آخرين استسهلوا الادّعاء على أملاك الدولة وأموالها في حقبات مختلفة، مع التذكير أن قانون الإثراء غير المشروع الجديد يعتبر صراحة أن جرم الإثراء غير المشروع لا يمرّ عليه الزمن. كما يؤمل أن تُستَتبع خطوة هيئة القضايا بإجراءات أخرى مؤداها تقديم طلبات رسمية أمام الهيئات القضائية لاسترداد الأموال المنهوبة العائدة لسلامة ورفاقه (وبعضها محجوز) والتي تمّ تحويلها إلى الخارج.
ثالثا، ضرورة كفّ يد سلامة فورا
تبعا للادّعاء المذكور، أصبحنا أمام حالة استثنائية في التاريخ الحديث، قوامُها استمرار شخص مُدّعى عليه باختلاس أموال عامّة في التحكّم بما تبقّى من أموال عامة، واستمرار مدعى عليه بتبييض أموال في رئاسة هيئة التحقيق الخاصة التي تتحقق من عمليات تبييض الأموال. وعليه، تقتضي مصلحة الدولة أن يعاجل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى دعوتها إلى جلسة فورية لعزل سلامة أو على الأقل لكف يده عن أي مسؤولية في مصرف لبنان بانتظار انتهاء محاكمته. من شأن أيّ إهمال أوتأخّر منه في هذا الخصوص أن يعرّض مسؤوليته الشخصية عن أي ضرر قد يلمّ بالدولة اللبنانية من جراء ذلك. فلنراقب.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.