ساعات مصيرية في حياة 6 سوريين في لبنان


2021-09-07    |   

ساعات مصيرية في حياة 6 سوريين في لبنان
رسم رائد شرف

يعيش 6 مواطنين سوريين اعتقلتهم مخابرات الجيش اللبناني أمام السفارة السورية وسلّمتهم إلى جهاز الأمن العام بتهمة الدخول خلسة إلى البلاد (وفق بيان للجيش في 28 آب)، ساعات مصيرية. فقد هدّد الأمن العام بترحيلهم إلى سوريا خلال 24 ساعة إن لم يؤمّنوا تأشيرة إلى بلد ثالث، وفق المحامي محمد صبلوح أحد وكلاء الستّة. ويوضح صبلوح أنّه “تلقّى اتّصالاً من جهاز الأمن العام اللبناني الذي طالبه بتأمين جوازات سفر للشبان الموقوفين، وتأشيرات دخول إلى السودان أو أي وجهة أخرى ممكنة”، متحدثاً عن “مهلة 24 ساعة تعجيزية لتنفيذ طلبات الأمن العام”.

لذلك يعيش هؤلاء الشبان حالة من الرعب والخوف من قرار ترحيلهم أو إعادتهم القسرية إلى سوريا، لأنّ ذلك يعني أنّ حياتهم ستكون في خطر، وسيكونون عرضة لجريمة التعذيب بحسب صبلوح. ويتساءل الأخير عن سبب الإصرار على قرار الترحيل، فيما يقع على عاتق السلطات الجزائية اللبنانية محاكمة هؤلاء على أراضيها في حال التثبت من دخولهم خلسة إلى البلاد. لذلك يطالب بحمايتهم إلى حين تأمين حق الدفاع وظروف المحاكمة العادلة.

الموقوفون الستّة

ينتمي 5 من الموقوفين إلى منطقة درعا التي تتعرّض في الوقت الراهن لحصار وهجمات من قبل قوات النظام السوري، وهم ت. ح. (35 عاماً)، م. و. (30 عاماً)، م. ع. ا. (26 عاماً)، ا. ش. (30 عاماً)، أ. ع. (24 عاماً)، أما الموقوف السادس فهو ع. ق. (27 عاماً). وفي اتّصال مع أحد أقارب الموقوف ع. ق.، يشير إلى أنّه “بعد يومين من دخوله إلى لبنان، توجّه إلى السفارة السورية في بعبدا للحصول على جواز السفر، وبعد خروجه من داخلها تمّ توقيفه عند بوّابة السفارة”، ويضيف أنّ الشاب كان يخطّط للذهاب إلى مصر بعد أن استحصل على تأشيرة، معلّلاً دخوله إلى لبنان خلسة بأنّه مطلوب للخدمة العسكرية في الجيش النظامي.

يجهل أهالي الموقوفين مصيرهم، ويتشاطرون الخوف مع الوكلاء القانونيين والجمعيات الحقوقية لأنّ تنفيذ قرار الترحيل إلى سوريا، سيؤدّي إلى خطر حقيقي على حياة هؤلاء الشبّان.

ويروي المحامي محمد صبلوح أنّ 4 من الموقوفين الستّة (بينهم ت. ح.)، تلقّوا اتّصالاً من السفارة السورية من أجل التوجّه إليها للحصول على جوازات سفرهم، وقبل 50 متراً من بلوغهم بابها، تم اعتقال الشبان وتغطية عيونهم. ويضيف “تمّ التحقيق معهم من أشخاص يتحدّثون اللهجة السورية”، لافتاً إلى أنّه “بعد حصول الضجة الإعلامية حول اعتقالهم، تم تسليمهم إلى الجيش اللبناني”.

والاثنان الآخران أوقفا بعد خروجهما من السفارة، وتمّ تسليمهما إلى الجيش الذي أصدر بياناً أشار فيه إلى توقيف الشبّان الستّة بسبب الدخول خلسة إلى لبنان، وتسليمهم إلى الأمن العام.

بعد نقلهم إلى عهدة الأمن العام، “توجّه المحامون إلى مكان توقيفهم، وطالبوا بتطبيق المادة 47 من أصول المحاكمات الجزائية التي تكفل حقّ المحامي الوكيل حضور التحقيقات الأوّلية مع موكّله والتي تجريها الضابطة العدلية من الأجهزة الأمنية، إلّا أنّ الجهة الأمنية تحفّظت على ذلك بحجّة توقيفهم لدى معلومات الأمن العام،  ورفضت إعطاءهم أي معلومات حول سبب التوقيف والتهمة” حسب صبلوح. ويؤكد الأخير أنّه “خلال لقاء الشبّان لإتمام التوكيلات القانونية، كانوا في حالة خوف شديد من احتمال تسليمهم إلى النظام السوري، وكانوا يبكون”. ويشير صبلوح إلى أنّ 5 من الموقوفين أفادوا بعدم تعرّضهم إلى الضرب، “وحده ت. ح. تحدّث عن تعرّضه للضرب والتعذيب لدى جهة لا يعرفها لأنّ عيناه كانتا مغطّاة”.

شكوى أمام النيابة العامّة التمييزية

يتحدّث صبلوح عن متابعة حثيثة لأوضاع الموقوفين لدى الأمن العام، ودفعه إلى ذلك “انقضاء مدّة التوقيف التي يمكن أن تصل إلى 4 أيام بحدّها الأقصى وفق المادة 32 من أصول المحاكمات الجزائية”. وبعد مضي 8 أيام على التوقيف لدى الأمن العام تقدّم المحامي صبلوح بادّعاء لدى النائب العام التمييزي غسان عويدات بتاريخ 2 أيلول 2021.

ادّعى الفريق القانوني بجرم “اعتقال تعسّفي وإخفاء قسري وحجز حرية من دون أي مسوغ قانوني، ومخالفة المادة 47 من قانون اصول المحاكمات الجزائية وقرائن على جرائم تعذيب”. وعبّر المدعون عن خوفهم من تسليم الشبّان إلى النظام السوري وبالتالي مخالفة المادة الثالثة من اتفاقية مناهضة التعذيب. كما طالبوا بـ “فتح تحقيق للكشف عن مصير الشباب، وتكليف طبيب شرعي للكشف عليهم فوراً، والادّعاء على المرتكبين والجهاز الأمني بجرائم مخالفة القانون والتعذيب، والتأكيد على عدم ترحيلهم أو تسليمهم للنظام السوري”.

قرار الأمن العام والتوجّه مجدداً إلى النيابة العامّة

في انتظار موقف النيابة العامّة التمييزية، فوجئ الفريق القانوني باتّصال من الأمن العام نهار الأحد 5 أيلول، يمنحهم 24 ساعة لتأمين جوازات سفر للموقوفين من السفارة السورية، وأذونات سفر من أجل ترحيلهم من لبنان، وإلّا سيتمّ إعادتهم إلى بلادهم. ولمواجهة هذا القرار تحرّك الفريق القانوني في اتّجاهين، الأوّل قانوني من خلال تقديم طلب إلى النيابة العامّة التمييزية صباح الإثنين 6 أيلول 2021، من أجل “إصدار قرار بوقف تنفيذ قرار ترحيل الشبّان السوريين الستّة، لمخالفته اتفاقية مناهضة التعذيب والاتفاقيات الدولية”، مذكّراً بالشكوى التي تقدّم بها الوكلاء إلى النيابة العامّة التمييزية بتاريخ 2 أيلول 2021. وأشار الطلب إلى “أنّ الجهة المستدعية أي الشبان – وقعت ضحية خدعة جهّزت لها السفارة السورية في لبنان حيث اتّصلت بالبعض منهم وطلبت منهم القدوم لاستلام جواز السفر وعلى بعد 50 متراً من السفارة تم توقيفهم”.

واستند الطلب إلى المادة الثالثة من اتفاقية مناهضة التعذيب التي تشدّد على أنّه “لا يجوز لأيّة دولة طرف أن تطرد أي شخص أو أن تعيده (أن ترده) أو أن تسلّمه إلى دولة أخرى، إذا توافرت لديها أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للضرب والتعذيب”.

ويتساءل المحامي صبلوح عن سبب الإصرار على قرار الترحيل، فيما يقع على عاتق السلطات الجزائية اللبنانية  حماية هؤلاء على أراضيها ومحاكمتهم في حال التثبت من دخولهم خلسة إلى البلاد. لذلك يطالب بحمايتهم إلى حين تأمين حق الدفاع وظروف المحاكمة العادلة.

الاتجاه الثاني، كان نحو السفارات الأوروبية في بيروت التي وجّه إليها الفريق القانوني بالتعاون مع جمعية “وصول”، ومنظمة “ألف”، ومركز “سيدار” لحقوق الإنسان، بياناً لكي تحثّ السلطات اللبنانية على التراجع عن قرار ترحيل السوريين لما فيه من مسّ بحقوق الإنسان. وبالتوازي، يتمّ توثيق مخالفات لبنان لتقديم شكوى لدى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

و”في حال إصرار السلطات اللبنانية على ترحيلهم وهو ما يعتبر انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان، سيزور الفريق القانوني الشبّان داخل مراكز توقيفهم، ليستحصل على إيصالات الجوازات، من أجل استئخار قرار الترحيل ريثما يتمّ تأمين حجز إلى دولة ما”.

مواقف جمعيات حقوقية  

أثار القرار حفيظة المنظمات الحقوقية، حيث عبّرت منظمة العفو الدولية عن رفضها ترحيل ست لاجئين سوريين اعتقلوا الأسبوع الفائت، وحثّت على “الإفراج عنهم أو توجيه تهم إليهم بإرتكاب جرم معترف به”. وشددت المنظمة على أنّه “لا يجوز إعادة أي شخص إلى بلد يتعرض فيه لخطر فعلي بالإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وقد يشكل ترحيل هؤلاء الرجال انتهاكاً خطيراً للإلتزامات الدولية للبنان”، مذكرةً بأن لبنان “بدأ بترحيل اللاجئين السوريين عقب قرار إتخذه المجلس الأعلى للدفاع في 13 مايو 2019”.

كذلك اعتبرت “المفكرة” قرار الترحيل إعادة قسرية ومن شأنه تعريضهم للخطر نظراً لاستمرار جرائم الإخفاء القسري والاحتجاز التعسّفي والتعذيب في مناطق سورية، لا سيّما درعا التي يتحدّر منها 5 من الموقوفين. والقرار مخالف بشكل صريح للمادة 3 من اتفاقية مناهضة التعذيب التي التزم بها لبنان.

وأكّدت “المفكرة” على  الأمن العام والمجلس الأعلى للدفاع بإصدار قرارات الترحيل بما أنّ القانون يحصر هذه الصلاحية بالمحاكم، ويفرض مثول الموقوفين أمام القضاء لمنحهم إمكانية  قبل إصدار أي قرار بإخراجهم من لبنان. لذلك طلبت “المفكرة” من المدير العام للأمن العام والنائب العام التمييزي وقف قرار الترحيل فوراً وإطلاق سراح الموقوفين وإلّا إحالتهم للمحاكمة أمام القاضي المنفرد الجزائي.

الجذور غير القانونية لقرار الترحيل

تعود جذور قرار الأمن العام الحالي إلى  قرارين رسميين الأوّل المجلس الأعلى للدفاع بتاريخ 15 نيسان 2019 والثاني للمدير العام للأمن العام بتاريخ 13 أيار 2019 قضى بترحيل جميع المواطنين السوريين الداخلين إلى لبنان خلسة بعد تاريخ 24/4/2019. واعتُبر ذلك خروجاً على ما التزمت به الدولة اللبنانية منذ 2012 لجهة عدم الترحيل القسري إلى سوريا. ودفع  8 منظّمات حقوقية هي “المفكرة القانونية”، “رواد الحقوق”، “ألف”، “المركز اللبناني لحقوق الإنسان”، “أمم للتوثيق والأبحاث”، “دعم لبنان”، “منظمة تبادل الإعلام الاجتماعي”، “المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين”، إلى إصدار بيان طالبت فيه السلطات اللبنانية بـ “ضمان حق الدفاع ضدّ الترحيل القسري للقادمين من سوريا إلى لبنان”.

وأكدت المنظمات بأنّ “مجمل الأحكام التي ترعى دخول وإقامة السوريين في لبنان اليوم هي أحكام غير قانونية، تبعاً لتقاعس الدولة عن تنفيذ قرار مجلس شورى الدولة (2018) الذي أبطل القرارات الصادر عن المديرية العامة للأمن العام في بداية 2015 التعلّقة بتعديل شروط دخول وإقامة السوريين في لبنان”. كما أنّ قرار المجلس الاعلى والأمن العام مخالفان للدستور والقوانين اللبنانية والالتزامات الدولية، لأنّهما يجيزان إصدار وتنفيذ قرارات ترحيل من قبل سلطات غير مختصّة وبموجب أصول موجزة من دون التثبت من عدم تعرض المواطنين السوريين لأي خطر على حياتهم وحريتهم في سوريا”. لذلك جاءت المطالبة بإلغاء القرارين، وتنفيذ قرار مجلس الشورى لعام 2018، بالإضافة إلى تحمّل السلطات اللبنانية مسؤولية وضع سياسة عامّة ترعى لجوء المواطنين من سوريا إلى لبنان بما يتوافق مع الدستور والقوانين اللبنانية وإلتزامات لبنان الإنسانية والدولية.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لجوء وهجرة واتجار بالبشر ، قضايا ، لبنان ، تحقيقات ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، أطراف معنية ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، أجهزة أمنية ، احتجاز وتعذيب ، محاكم جزائية ، أنواع القرار ، قرارات قضائية ، قرارات إدارية ، اختفاء قسري ، محاكمة عادلة وتعذيب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني