رامي فنج: نحو ولادة كتلة تغييرية برلمانية من قيم ثورة 17 تشرين


2022-05-25    |   

رامي فنج: نحو ولادة كتلة تغييرية برلمانية من قيم ثورة 17 تشرين

“الثورة انتقلت إلى مرحلة التغيير من الداخل”، بهذه العبارة يختصر نائب طرابلس الجديد الدكتور رامي فنج وصول مرشحين تغيريين إلى الندوة البرلمانية. وفنج شخصياً برز في ساحات ثورة 17 تشرين ووقف إلى جانب المنتفضين في “عروسة الثورة” طرابلس، وقد أنصفه النفس التغييري في انتخابات 15 أيار 2022 عن لائحة “انتفض للسيادة والعدالة” بعد نيله 5014 صوتاً تفضيلياً في لبنان والاغتراب، ليكون الفائز الوحيد من لائحة ضمت 10 مرشحين من أصل 11 مقعدا في دائرة الشمال الثانية (طرابلس المنية الضنية)، حيث خلت من مرشح عن المقعد الأرثوذكسي.

لأسبابٍ مختلفة، شكّل فوز رامي فنج مفاجأة لكثير من اللبنانيين والطرابلسيين. فنجاحه جاء على حساب النائب فيصل كرامي الوريث التقليدي لعائلة كرامي التي تتصدر المشهد السياسي الطرابلسي منذ 8 عقود، كما وفي مقابل لائحة “للناس” التي دعمها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي عزف شخصياً عن المشاركة في الانتخابات النيابية. فنائب طرابلس الجديد، جاء ثمرةً لتقدم الجو التغييري في عاصمة الشمال، فهو لا ينتمي إلى مدرسة الوراثة العائلية السياسية، كما أنّه ليس من أركان تحالف المال والسلطة، ولم يسبق له أن كان ضمن قائمة الأسماء التي اشتهرت بالترشح المتكرر إلى عضوية مجلس النواب خلال العقود الأخيرة من الزمن. لذلك فهو يصنّف نفسه بأنّه “ناشط سيادي لا ينتمي لأي حزب ومستقل في قراره السياسي”، ولكنه لا يخفي إمكانية التعاون في المجلس مع كتل نيابية تدور في فلك ما وصفه “الخط السياسي -السيادي اللبناني” وذلك لتمرير ملفّات ظرفية. 

رامي فنج الطبيب

رامي فنج طبيب أسنان طرابلسي من مواليد 1965، ينتمي إلى عائلة طرابلسية محافظة ترعرع في أحياء طرابلس حيث تلقّى دروسه الابتدائية، المتوسطة والثانوية في مدرستي الفرير، وثانوية روضة الفيحاء، قبل أن يلتحق بكلية طب الأسنان في الجامعة اللبنانية. بعد تخرّجه، سافر إلى فرنسا حيث تخصّص بتقويم الأسنان في جامعة مونبيليه.

مارس فنج مهنته لمدة عامين في فرنسا، إلّا أنّه عام 1995، قرر العودة بشكل نهائي إلى طرابلس. وهو حالياً متأهّل من السيدة علا جنيد وهي أستاذة للغة الفرنسية، وأب لشابين من زواجٍ أول: سامي المغترب في كندا، ومازن الذي يكمل دراسته في طرابلس. 

طوال 30 عاماً، نشط رامي فنج في مجال العمل الإنساني والإغاثي، وإدارة الكوارث. فقد بدأ العمل الإغاثي باكراً في سن 16 سنة، حيث كان متطوّعاً في الإسعاف إبان الاجتياح الإسرائيلي سنة 1982، وانضمّ بعدها إلى الصليب الأحمر اللبناني كمسعف في مركز 101 سبيرز في نهاية الحرب الأهلية اللبنانية. فبرأيه “كانت مهمة الشباب رفض حمل السلاح، وتضميد جراح المواطنين ضمن مدينة بيروت، وإغاثة من كانوا ضحايا للسلطة والميليشيات المتقاتلة”.  

كما أدى دوراً إغاثياً وطبياً إلى جانب جمعيات أهلية إبان حقبة أحداث طرابلس والصدام الأهلي بين منطقتيْ جبل محسن وباب التبانة بين 2008 و2017، كذلك قدّم الدعم الصحّي والإنساني للاجئين السوريين إلى منطقة البقاع، متمسّكاً بشعار “فوق الذات”، و”إلى ما وراء الواجب”.

رامي فنج الثائر

شكلت انتفاضة 17 تشرين محطة مفصلية في العمل العام والنضال المجتمعي للطبيب رامي فنج، وساهمت تلك المرحلة في بروز هويته كناشط اجتماعي على الصعيد الوطني. يؤكّد فنج وقوفه إلى جانب الثورة، ويلفت إلى أنّه كان حاضراً في ساحات عروسة الثورة – اللقب الذي اشتهرت به طرابلس- منذ اليوم الأول، ويروي حادثة استدعائه إلى مخفر التل في 17 شباط لسؤاله عن تقديم طعام للناس في شوارع طرابلس، لافتاً أنه ردّ بالإيجاب وأنه قام بذلك بعد استئذان الجيش اللبناني الذي كشف على محتويات الوجبات. ويعود بالذاكرة إلى أجواء الاستجواب، مضيفاً أنه “في تاريخ طرابلس لم يستدعَ أحد لسؤاله عن تقديم طعام كهبة”، و”الغاية من ذلك كانت التطويع من قبل الدولة العميقة التي تود منع المواطن من رفع صوته أو مساعدة شقيقه في لبنان، حيث يفترض بالمواطن الموت من الجوع، والمعاناة بصمت من الانهيار المالي والسياسي”.

الطبيب فنج بعد خروجه من المخفر

رامي فنج  والتغيير

لم تفاجئ فنج الأصوات المرتفعة التي نالها ولائحته مقارنة بالتقديرات السابقة للمعركة، ذلك أنّ “انتفض” قدمت نفساً طرابلسياً تغييرياً، ولمست حجم التأييد بين الشباب، كما أنّها اشتغلت وفق آليات جديدة لجذب المترددين والشباب عن طريق التواصل المباشر. كما أنّ نتائج انتخابات المغتربين في الخارج أعطته فكرة عمّا يمكن أن تكون عليه انتخابات المقيمين. ويلفت إلى أنّ النجاح يعود إلى “تحفيز مجموعة من الأكثرية الصامتة، بالإضافة إلى عنصر الشباب بين 21 و 25 سنة الذين يرفضون فكرة الزعيم الأبدي، والحزب غير القابل للتطوّر إلى ما لانهاية”، إلى جانب المغترب اللبناني الحر الذي دفعته السلطة الفاسدة إلى الهجرة”، وهذا ما أكدته النتائج وعمليات فرز صناديق الاغتراب.

وينتقد عمل الماكينات الانتخابية للوائح السلطة التي “تعتقد أنه لا وجود على الساحة السياسية إلّا لأتباع الأحزاب، ولا يقتنعون بأنّ هناك ناخباً جديداً ومختلفاً، كما أنّهم يستمرّون بالعمل وفق آليات تقليدية” تقوم على جذب المفاتيح الانتخابية، وتوزيع المال السياسي والخدمات.

تمكّن فنج من حجز مقعد له على حساب فيصل كرامي الذي ينتمي إلى واحدة من العائلات الأسياسية التقليدية في طرابلس التي توارثت “الزعامة” طوال 3 أجيال. كما أنه جاء ليمثل الخط الثالث في عاصمة الشمال بعيداً عن الاستقطاب السياسي الحاد داخل البلاد. يُقرّ فنج بوجود مسؤولية كبيرة على كاهله وكاهل التغييريين. فالفوز في الانتخابات النيابية لم يكن هدفاً بحد ذاته، وإنما الغاية هي مواصلة الخدمة الإنسانية والعمل الاجتماعي مقترنة بعمل تشريعي تحت قبّة البرلمان. ويعد بالمحافظة على نمط الحياة البسيطة التي يعيشها هو وأسرته، كـ “مواطن عادي يعيش من دخله اليومي”، بعيداً عن الألقاب والشكليات.   

رامي فنج المشرّع

بدأ فنج قبل سنوات بتنمية معرفته في مجال العلوم السياسية والقانونية. وفي سبيل ذلك تلقى مجموعة من الدروس الخاصة في هذا المجال على يد بعض الخبراء. ويشير إلى أنّ “هناك صداقة ناشئة بينه وبين الدستور اللبناني من أجل معرفة آليات التشريع في البرلمان اللبناني” وفق الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب.

كما يتطرق إلى حزمة من القوانين التي يعتبرها “أساسية” وسيعمل عليها، فإلى جانب الموقف السياسي السيادي، الذي ينطلق منه كأحد مؤسسي “التجمّع من أجل السيادة” في لبنان الذي يضم مجموعة من الناشطين السياسيين، سيصبّ النائب الجديد جهده على الجانب المعيشي والتسرّب المدرسي، وكذلك “إقرار اللامركزية الإدارية لتحرير البلديات”، وإنماء طرابلس من خلال تفعيل المرافق العامة منها معرض رشيد كرامي.  

وعلى المستوى اللبناني العام، ستأتي الصحة ضمن الأولويات لأنه من غير المقبول ترك الناس يموتون على أبواب المستشفيات، بالإضافة إلى إقرار التشريعات المناسبة لوقف الانهيار المالي والاقتصادي، وإقرار مشاريع التغطية الصحية وضمان الشيخوخة، مشيراً إلى وجود دراسات ومشاريع أعدّتها مجموعة من الخبراء لأنّه يرى أنّ “الثورة يجب أن يكون لديها آليات عمل ومنهجيات علمية لدراسة الملفات وسبل إقرارها”.

يرى فنج أنّ “الثورة انتقلت إلى مرحلة التغيير من الداخل”، ويطمح إلى أن تتشكّل “كتلة تغييرية” في مجلس النواب إذ يراها المجال الطبيعي الذي ينتمي إليه من أجل العمل المشترك على كافة الأراضي اللبنانية. ورداً على سؤال يتعلق بانتخاب رئيس مجلس النواب، وتسمية رئيس للحكومة، يقول إن “القوى التغييرية لن تعمل على إعادة إنتاج السلطة الفاشلة الفاسدة بكل مكوناتها في لبنان”. وحول إمكانية تسميته لرئاسة الحكومة الجديدة، يعتبر أنّ “المشروع السياسي أكبر من الأسماء، والأولوية هي للقيام بالواجبات داخل مجلس النواب من أجل خدمة الوطن”.

التحالفات تفرضها الملفات

أفرزت نتائج الانتخابات مجلساً نيابياً غير نهائي المعالم، فليس هناك أكثرية واضحة، ممّا يفتح الباب أمام تحالفات واتفاقات ظرفية لتمرير بعض الملفات والمحطات المؤسساتية، من دون نفي إمكانية التعطيل الدائم بسبب تراجع الحيّز المشترك بين الكتل الطائفية والسياسية.

يعتقد فنج أنّ الكتلة التغييرية التي يأمل أن تتشكّل، ستكون من أكبر الكتل المتماسكة ضمن المجلس النيابي الجديد، متحدثاً عن “مشهدية لبنانية ليس لها مثيل”، وعن تقاطعات ممكنة مع بعض الكتل النيابية التي تدور في فلك الخط السياسي -السيادي اللبناني. وعن إمكانية إنشاء كتلة نيابية طرابلسية تحديداً بعد لقائه ببعض نواب المدينة الجدد كالنائب المنتخب كريم كبارة، يرحّب فنج بـ “الزيارة الكريمة التي قام بها النائب كريم كبارة في اليوم الأول بعد الانتخابات”، مشيراً إلى أن “خياراته السياسية ثابتة، والأولوية هي للمبادئ الثورية”، ومعبراً عن استعداده للتعاون مع النواب المنتخبين لخدمة مصالح طرابلس الإنمائية وانتشالها من الجحيم، وحماية أمنها وأرزاقها، إلى جانب احترام قيمها وأديانها.

كما يتطرّق إلى أولوية المشكلة البيئية في طرابلس الناتجة عن “جبل العار” بالإشارة إلى مطمر النفايات في منطقة المحجر الصحي في الميناء، ورفض طرح المحارق واعتماد الحلول النظيفة ومنخفضة الكلفة. وبالتالي لا بد من التعاون من أجل استنهاض المدينة من الواقع المأساوي، داعياً إلى جهد إنمائي جماعي في المدينة، وترك التجاذبات السياسية خارجاً، لأنّ التاريخ الطرابلسي حافل بالتعطيل المتبادل وتصفية الحسابات الشخصية داخل المؤسسات، والبلدية خير شاهد على ذلك، وقدمت صورة عن فشل السياسيين في خدمة المدينة. فبعد الانتخابات البلدية في 2016، ونجاح مجلس بلدي غير متجانس سياسياً، تحوّل إلى ساحة للتنافس بين ساسة المدينة، وصولاً إلى مرحلة التعطيل التام.

انشر المقال

متوفر من خلال:

بيئة ومدينة ، البرلمان ، لبنان ، مقالات ، دستور وانتخابات ، حراكات اجتماعية ، الحق في الصحة والتعليم ، انتفاضة 17 تشرين



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني