رئيسة جمعية أوفياء لشهداء الثورة للمفكرة القانونية: لهذه الأسباب نرفض مرسوم فداء


2022-04-25    |   

رئيسة جمعية أوفياء لشهداء الثورة للمفكرة القانونية: لهذه الأسباب نرفض مرسوم فداء

بتاريخ 09-04-2022، و في إطار احتفالية عيد الشهداء، أصدر الرئيس قيس سعيد المرسوم عدد 20 لسنة 2022 المتعلّق بإنشاء “مؤسسة فداء للإحاطة بضحايا الاعتداءات الإرهابية من العسكريين وأعوان قوات الأمن الداخلي والديوانة وبأولي الحق من شهداء الثورة وجرحاها”. وقد عدّه دليل وفاء منه بعهد قطعه على نفسه لفائدة الشهداء والجرحى. موقف رحّب به عدد من المتابعين لكنه اصطدم بمعارضة وازنة من جمعية “أوفياء لشهداء وجرحى الثورة” التي تعدّ أهم من يمثّل هذه الفئة وهي الجهة التي كان لها دور كبير طيلة المدة الفائتة في الدفاع عن حقوقهم وقضيتهم. أهمية هذا الموقف الذي لم يجد المكان الذي يستحقه في وسائل الإعلام الرسميّ والندوات الحوارية، دفعت المفكرة لحوار لمياء الفرحاني رئيسة جمعية أوفياء لسؤالها عنه بحثا عن فهم أفضل له.

المفكرة القانونية: مرسوم فداء شمل شهداء وجرحى الثورة بدا إيفاء من الرئيس سعيّد بوعده حين كان مرشّحا لرئاسة الجمهورية واستجابة منه للتحركات الاحتجاجية التي خاضها الجرحى وأسر الشهداء وآخرها اعتصامهم طلبا لمرسوم خاص بهم. ولكن أنت وجمعية أوفياء التي تمثّلينها رفضتم هذا المكسب حتى قبل الإعلان عنه. ما هو أساس هذا الموقف والدافع إليه؟

لمياء الفرحاني: لأننا أوفياء للقيم التي ضحّى لأجلها الشهداء والجرحى ولأننا نتمسك دوما بقيمة الدولة الديموقراطية ونرفض أيّ مسّ بها. لذلك رفضنا مسار 25 جويلية وقلنا بكل وضوح أنه لا يمكن أن يكون بحال من الأحوال في علاقة مع قيم الثورة وأن استعمال ملف شهداء وجرحى الثورة في هذا المسار لا يفيد قضيتنا. وبالتالي كان موقفنا المبدئي رفض المرسوم شكلا أي من دون الحاجة للنظر في أحكامه ومن دون اهتمام بما يقال أنه سيوفره من مكتسبات. ونحن نتمسك بمسار العدالة الانتقالية ونعتبر أنه السبيل لتحقيق العدالة التي نطمح إليها.

المفكرة: كما تعلمين، المرسوم يميز بين جرجى الثورة وشهدائها الذين يخصهم بالمزايا وسائر ضحابا فترة الديكتاتورية الذن لا ذكر لهم فيه. ما هو موقفك من هذا التمييز؟

الفرحاني: كما أسلفت من شاركوا في الثورة وضحوا لأجلها لم تكن غايتهم مكاسب خاصة لهم بل كان هدفهم خدمة بلدهم والقطع مع الاستبداد والفساد والانتقال إلى نظام ديمقراطي. وعليه، نحن اخترنا منذ البداية أن نكون جزءا من كلّ، ونرفض تاليا أي معاملة خصوصية لنا أو تمييز ضدّ أي من ضحايا الاستبداد من مختلف ألوانهم السياسية لجهة الحقيقة وردّ الاعتبار وجبر الضرر. ولذا كنا في الشارع يوم 14 جانفي 2022 وتعرضنا لاعتداءات الأمن وتم إيقاف عدد من أخوة جرحى الثورة بتهم ملفقة. تلك الواقعة تؤكد صواب موقفنا وتقيم الدليل على أن الاستحقاق الذي لا يجب أن نقبل التضحية به هو تونس الديموقراطية.

المفكرة: موقفكم هذا يبدو للبعض تسييسا للملفّ ويتعارض مع مواقف آخرين من أسر الشهداء وجرحى الثورة؟

الفرحاني: نحن كعائلات شهداء ثورة وجرحى ثورة نشكل عنوانا لحراك ناضل من أجل إرساء العدالة الانتقالية وعمل  قدر جهده  على إنجاحها. نشعر بالمسؤولة أمام عموم الشعب التونسي في الدفاع عن قيم ومبادئ تتجاوز علاقات شخصية أو منافع فئوية وتنتصر لتونس الديموقراطية التي ضحّى الشهداء من أجلها. ما يعتبره البعض تهمة تسيّس نظنّه شرفا لنا، فنحن كنّا وما زلنا وسنبقى في صفوف المدافعين عن القضية التي ضحّى لأجلها من سقطوا في الثورة أي معركة الدفاع عن تونس ديموقراطية تعددية تنتصر للحريات والحقوق. وعموما، حتّى من عارضوا موقفنا في البداية، نلاحظ أنهم باتوا في وضع محرج بعد ان خيّب مرسوم الرئيس آمالهم ولم يكن منصفا لقضيتهم وربما سيغيرون قريبا تبعا لذلك مواقفهم.

المفكرة: لماذا تعدّون المرسوم غير منصف؟

الفرحاني: المرسوم لم يهتم بالمسائل الرمزية الاعتبارية التي يجب أن تلتزم الدولة بتحقيقها في إطار تكريم الضحايا والجرحى وردّ الاعتبار. فقد تعلّقت أحكامه بما سماها المنافع والامتيازات وهذا مسيء لأسر الشهداء والجرحى ولا يستجيب لمطالبهم. علاوة على كونه ربط الاستفادة من ذلك بعدم مباشرة المعني لنشاط مهنيّ. وإذا عرفنا أنّ أغلب جرحى الثورة وأولي الحق من أسر الشهداء يشتغلون، فإنه لن يستفيد من أحكامه في جانبه المادّي ذاك إلا قلّة منهم.

لقد كان المرسوم موجّها أساسا لشهداء وجرحى المؤسسة الأمنية والعسكرية وأضيف إليه شهداء الثورة وجرحاها شكليا وبشكل يسيئ لهم من دون أن يوفّر أيّ مكتسبات. وهو علاوة على هذا يؤدي لجعل الحقوق المعترف بها سواء لشهداء وجرحى الثورة أو للأمنيين والعسكريين موضوعا للاستغلال السياسي.

المفكرة: كيف يمكن للمرسوم أن يشكل مادة للاستغلال السياسي، طالما أنه وضع قواعد واضحة فيما يتعلق بالحقوق؟

الفرحاني: قراءة نص المرسوم توحي بأن القواعد التي يرسيها واضحة، لكن التحليل الموضوعي لأحكامه يكشف عكس ذلك تماما. فمؤسسة فداء التي ينشئها هي حسب الفصل الثالث منه “مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية القانونية والاستقلالية الإدارية والمالية” ولكنها “تخضع “حسب ذات المرجع “لإشراف مؤسسة رئاسة الجمهورية” التي ستضبط تركيبتها ونظام عملها بأمر تصدره لاحقا. يستفاد من هذا أنها مؤسسة عمومية تابعة للرئيس بالكامل. ونعتقد هنا أن كثرة تعهداتها المالية في مقابل غياب كل تصور لتوفيرها سيفرض لاحقا على القائمين عليها ترتيب أولويات بين المستحقين وهذا سيكون حتما مدخلا للتمييز بين من سيعجّلون تمتيعه بها ومن سيؤجّلون له ذلك. وهنا تكون الخشية حقيقية أن يكون المعيار في ذلك الموقف من 25 جويلية ودرجة الاندفاع في الدفاع عن مشروع الرئيس. وهذا إن تحقق سيكون مدخلا للتسييس الذي نبهت له وحذرت منه.

المفكرة: نفهم من حديثك هذا أنك تتوقعين عجز فداء عن الإيفاء بتعهداتها المالية لكل الشهداء والجرحى؟

الفرحاني: مؤكد. رغم أن موضوع المؤسسة المستحدثة بموجب المرسوم سيكون صرف امتيازات ومنافع مالية، فإنه لم يتعرض في أيّ من فصوله لكيفية تمويلها ولم يبيّن هل سيكون ذلك من موازنتها أو من موازنة رئاسة الجمهورية. وفي ظلّ وضعية المالية العمومية الحالية والتوازنات المالية المختلة للصناديق الاجتماعية، أتوقع أن تخصص الدولة تمويلات لا تفي بالكامل بحاجيات المؤسسة وهذا سيؤدي للتمييز الذي ذكرته بين المستحقّين. للأسف، الرئيس أصرّ على فرض مشروعه من دون أي دراسة موضوعية لسبل إنجاحه واستدامته.   

المفكرة: ينيط المرسوم بمؤسسة فداء مهمة اتّخاذ الإجراءات الكفيلة بردّ الاعتبار. ألا يحقق ذلك انتظاراتكم؟

الفرحاني: هذا تراجع كبير عن المرسوم 97 لسنة 2011، الذي خصص 5 فصول من بابه الأول لهذا الاستحقاق وعن القانون الأساسي للعدالة الانتقالية، الذي فصّل بابا كاملا منه للخطوات التي يجب اتخاذها لحفظ الذاكرة وردّ الاعتبار. كنا نأمل أن يبادر الرئيس إلى تقديم اعتذار علنيّ لكل ضحايا الاستبداد كما يفرض عليه القانون، لا ان يفرض هو علينا نصا قانونيا جديدا لم يشارك في كتابته من لهم المصلحة والخبرة وقد يؤدي إلى تنازع بين القوانين يطيح بكل ما سبق من مكتسبات.

المفكرة: هل تتوقعين أن يثير مرسوم فداء إشكاليات تطبيقية ومنها التنازع بينه وبين العدالة الانتقالية؟

الفرحاني: المرسوم لم يتعرض بتاتا للقانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013 المتعلق بالعدالة الانتقالية رغم كون ذاك القانون يعتبر الشهداء والجرحى من “ضحايا الاستبداد” ورغم أن عمل هيئة الحقيقة والكرامة تعلق في جانب هام منه بهم. أيضا نلاحظ أنه – أي مرسوم الرئيس – نص على أن أحكام المرسوم عدد 97  لسنة 2011[1] تظلّ سارية فيما لا يتعارض مع أحكامه من دون أن يبيّن نطاق التعارض ومجاله وهو ما يؤدي حتما لصعوبات تنفيذية. أظن هنا أن المرسوم سيثير إشكاليات أكثر مما سيقدّم حلولا خصوصا فيما تعلق بمآل مقررات جبر الضرر التي أسندتها هيئة الحقيقة والكرامة لأولي الحق من أسر الشهداء وللجرحى.

المفكرة: هل يعني هذا انكم في أوفياء لن تنخرطوا في مسار مؤسسة فداء؟

الفرحاني: مؤكد. نحن كما أسلفت ننخرط فقط في مسار بناء تونس الديموقراطية ونعتبر أن فداء ليست إلا فاصلا سينتهي سريعا للفشل لكونه ورد في سياق لم يحترم تطور ثقافة العدالة الانتقالية بما فيه فكرة تكامل المسارات. نحن كما قلت في البداية أوفياء للثورة وقيمها ومتمسكون بالديموقراطية ولا نقايضها بأيّ مقابل احتراما لذكرى الشهداء ولتضحيات الجرحى وكل شعبنا.


[1] مرسوم عدد 97 لسنة 2011 مؤرخ في 24 أكتوبر 2011 يتعلق بالتعويض لشهداء ثورة الحرية والكرامة : 17 ديسمبر 2010 – 14 جانفي 2011 ومصابيها 
انشر المقال

متوفر من خلال:

حركات اجتماعية ، مرسوم ، حرية التعبير ، حرية التجمّع والتنظيم ، مقالات ، تونس ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني