الدولة تضحك على الموظفين بـ10 دولارات والمصارف تتحايل لقضمها


2021-12-28    |   

الدولة تضحك على الموظفين بـ10 دولارات والمصارف تتحايل لقضمها

“الفرق كلّه من التعميم ما بيطلع زيادة عشر دولارات على معاشنا، حق كيلو لحمة.. لشو هالذلّ” بهذه الجملة عبّر أحد عناصر القوى الأمنية عن غضبه من مشهد طوابير الموظفين الذين حاولوا قبض رواتبهم بحسب تعميم مصرف لبنان رقم 161 الذي يسمح للموظفين بـقبض رواتبهم بالدولار على سعر منصة “صيرفة” أي 22,400 ليرة لبنانية للدولار الواحد ليعودوا بدورهم لصرف الدولارات في السوق السوداء على سعر 27 ألف ليرة. وهذا يعطيهم مبلغاً إضافياً ضئيلاً لا يتعدّى 300 ألف ليرة لدى غالبيّتهم، ما جعل كلمة “ذل” مشتركة في تصريحات معظم من تحدثت إليهم “المفكرة القانونية” للتعبير عن رأيهم بالتعميم. 

ولعلّ أقسى ما في التعميم أنّه كشف الساتر عن حقيقةٍ يتناساها الجميع، وهي أنّ قوّة عمل الموظف اللبناني العادي باتت تعادل 100 دولار أميركي وأحياناً كثيرة أقلّ من ذلك. 

والمفارقة أنّه وعلى الرغم من قبول أكثرية الموظفين للوقوف لساعاتٍ أمام أبواب المصارف لقبض رواتبهم بموجب التعميم، تحايلت بعض البنوك على التعميم ولم تدفع للموظفين مستحقاتهم كاملة بالدولار. وقد جمعت “المفكرة” ما تيسّر من شهاداتٍ موظفين وموظفات حرموا من الاستفادة من هذا التعميم بسبب استنسابية المصارف، في حين قرر آخرون المواجهة والاعتراض على عدم تطبيق التعميم وكانت النتيجة تهديدهم بالضرب. 

ردود الفعل بين القبول على مضض ورفض الذلّ

ورغم ضآلة المبلغ الذي يحصّله الموظف من التعميم ونظراً لضيق الحال، تهافت العديد من الموظفين من جنود وضباط وعناصر أمن، وممرضين وممرضات، ومعلمين ومعلمات، وموظفي إدارات ومدراء وأساتذة جامعة لقبض معاشاتهم بالدولار. وقد انتشرت فيديوهات لطوابير الناس في المصارف وأمامها ولإشكالات كثيرة حصلت في أماكن مختلفة نتيجة رفض المصارف تسديد كامل المبلغ بالدولار بحجج مختلفة بينها نفاذ حصة المصرف من الدولارات المحوّلة من مصرف لبنان أو لتجاوز قيمة الراتب سقف السحب اليومي.

وفي المقابل امتنع كثر عن الوقوف في الطابور واكتفوا بسحب الرواتب بالليرة من الصّراف الآلي كالمعتاد، لأنّه “ما بدي إياها هالزيادة إذا بدّي أوقف هالوقفة، أكثر من هيك ذلّ ما كان في”، حسب أحلام التي فضّلت سحب راتبها كالمعتاد من الصراّف الآلي. كذلك هو حال محمد الذي رفض أن يعرّضه أحد لموقف ذليل “صراحة لا سحبت ولا بدّي إسحب وفشر حدا يذلّني كرمال 300 ألف ليرة”. 

في المقابل، اعتبر أيمن أنّ الحياة في لبنان باتت مليئة بالذل والمسألة لا تتوقف على “طابور” المصرف الذي تعود بفائدة ولو ضئيلة عليه وعلى عائلته “400 ألف ليرة بيعبّوا السيارة بنزين وبضهّرهم شوي على العيد”. 

المصارف تخذل الموظفين

وكالعادة لم توفّر المصارف المناسبة لتخذل عملاءها، وتتحايل على التعاميم لسرقة فتات يومهم، موظفون مواطنون باتت أحلامهم توفير بعض الليرات لشراء لعبة لأطفالهم أو تأمين طبخة دسمة في موسم الأعياد ولكن حتى هذه الأحلام باتت كثيرة عليهم من منظار المصارف. فما كاد الموظف يفرح بحصوله على زودةٍ  على ضآلتها على راتبه حتى قامت المصارف بقضمها بنسبٍ متفاوتة وحجج مختلفة، من دون أي توضيحٍ للموظف العميل عن أسباب حرمانه من الاستفادة من التعميم بشكلٍ كلّي أو جزئي.

يقول مروان، اسم مستعار الذي يعمل كأستاذ مدرسة إنه وقف لثلاث ساعات أمام أحد فروع المصارف، وعندما جاء دوره رفض الموظف دفع راتبه الذي بلغ حوالي 130 دولار، بل أصرّ على دفع 100 دولار والبقية بالليرة اللبنانية على سعر 1500 ليرة لبنانية. “يعني 30 دولار بيعملولي مبلغ 600 ألف ليرة إذا قبضتهم بحسب التعميم، البنك بدّو يعطيني إياهم على سعر 1500 ييطلعوا 45 ألف ليرة!”. يؤكّد مروان أنّه لولا أنّ التعميم صدر خلال موسم الأعياد وحاجته لجلب هدايا لأولاده لما عرّض نفسه لكلّ هذا الذلّ. ويقول إنّه رفض اجتزاء أيّ مبلغٍ من راتبه وأصرّ على قبضه كاملاً بالدولار، ما أدّى إلى تلاسنٍ وصل حدّ تهديده بالضرب والطرد من المصرف. اليوم لا يزال مروان ينتظر قراراً من إدارة المصرف بقبض مستحقاته كاملةً بالدولار. 

وفي حين أنّ التعميم لم يحصر حق الاستفادة منه بموظفي القطاع العام بل شمل جميع الموظفين والأجراء في القطاع الخاص أيضاً الذين يتقاضون رواتب بالليرة اللبنانية، إلّا أنّ استنسابية بعض المصارف وصلت حدّ امتناعها عن دفع رواتب عملائها من الموظفين في القطاع الخاص بالدولار بموجب التعميم. فربيعة مثلاً تيشر إلى أنّها وزوجها موظفان في القطاع الخاص وفي حين طبّق المصرف الذي يتعامل معه زوجها التعميم ودفع راتبه بالدولار، رفض المصرف التي تتعامل معه تطبيق التعميم  بحجّة أنّه لا ينطبق سوى على موظفي القطاع العام. 

من جهة ثانية واجه المواطنون في مناطق الأطراف العديد من المشاكل بسبب قلّة المصارف وعدد الفروع، ما جعل عدد حسابات الرواتب الموطّنة مرتفعاً جداً نسبة لعدد المصارف القليل، الأمر الذي أدى إلى ازدحامٍ كبير للموظفين أمام أبواب المصارف، وامتناع كثر على الذهاب للاستفادة والوقوف في صف الانتظار لساعات للحصول على مبلغ لا يكفي ثمن وصوله إلى فرع البنك. 

المصارف تستغلّ مواد التعميم للتحايل عليه

يشرح عماد صائغ من “المفكرة القانونية” أنّه على الرغم من أنّ التعميم ملزم للمصارف إلّا أنّ هذه الأخيرة لا توفّر فرصة لإيجاد طرق للتحايل والتهرّب من تطبيقه. ففي المادة الأولى تمّ تحدد السحوبات “ضمن المبلغ المتبقّي من السقف المحدّد لكلّ مصرف للشهر الجاري”، من هنا تستعمل المصارف هذه الجملة حجّة للتهرّب من الدفع لبعض الموظفين أو لتحديد قيمة الدفع. “فيهم يقولوا إنّه نحن سقفنا خلص لهيدا الشهر”. أما المادة الثانية منه فتفتح أيضاً باب الاستنسابية وهي تنصّ على أنّ عمليات السحوبات وغيرها تتمّ “وفقاً للحدود المعتمدة لتنفيذ هذه العمليات لدى المصرف المعني”، ما يبرّر الحجة التي تعتمدها المصارف بدفع جزء من الرواتب بالدولار والباقي بالليرة اللبنانية. يشرح صائغ أنّ المصارف حدّدت، على سبيل المثال، سقف عمليات السحب لديها بثلاث ملايين ليرة، لذا هي تدفع للموظف بالدولار ما قيمته ثلاثة ملايين أما بقية المبلغ إماّ أنها تمتنع عن تسديده وتحوله للشهر المقبل، أو تقترح عليه دفعه بالليرة اللبنانية على سعر صرف 1500 ليرة لبنانية. 

واعتبر صائغ أنّ لا إيجابية لهذا القرار سوى أنّه يسمح للمستفيدين من قبض رواتب أعلى بقليل من قيمتها المعتادة، في حين أنّ آثاره السلبية ستنعكس فيما بعد من خلال تبديد ما تبقى من دولارات في خزينة الدولة بلا دراسة أو جدوى.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مؤسسات عامة ، قطاع خاص ، مصارف ، لبنان ، مقالات ، حقوق العمال والنقابات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني