حلقة جديدة من مسلسل المحكمة الجعفرية والحضانة: حين تعاقب الأمومة


2018-11-05    |   

حلقة جديدة من مسلسل المحكمة الجعفرية والحضانة: حين تعاقب الأمومة

أمهات يُسجنّ لأنهن أمهات. هذا ما نستنتجه كلما صدرت قرارات قضائية تقوم على تغليب “حقوق” الرجل على حقوق الأمهات ومصالح الأولاد. هذه المرة، صدر القرار عن دائرة التنفيذ في جويا – جنوب لبنان بسجن ريتا شقير لثلاثة أشهر، والتهمة أنها لم تُقنع ابنها (ذات الخمس سنوات) بالذهاب مع والده، وهو الذي يصاب بحالة بكاء هستيريا كلما حاول الوالد أخذه.

طفل يمتنع عن الذهاب مع والد فتسجن الأم

حاولت مأمورة التنفيذ في جويا تسليم آدم البالغ من العمر 5 سنوات لوالده مرتين. إلا أن الطفل كان يرفض ويطلب البقاء مع أمه ريتا شقير. بعد ذلك، قام والد الطفل بتقديم 6 شكاوى ضد الوالدة متهماً إياها بالتمنع عن تنفيذ قرار المحكمة الجعفرية. وهذا القرار يلزم الوالد بأن “يسلم الطفل لأمه 24 ساعة أسبوعياً”، وهو قرار مؤقت ريثما يتم البت بالقرار النهائي في دعوى حضانة رفعتها ريتا ضد طليقها.

لذا صدر قرار عن دائرة التنفيذ في جويا بتاريخ 31 تشرين الأول 2018 بأن تُسجن الأم ثلاثة أشهر. والتهمة هي أن الأخيرة لم تُقنع ابنها، بأن يذهب مع والده. وهي ليست المرة الوحيدة التي تُسجن فيها الأمهات في دعاوى الحضانة، ففاطمة حمزة سُجنت في تشرين الثاني من عام 2016، ولم تخرج حينها إلا تحت الضغط الشعبي ومناشدات جمعيات غير حكومية والذي أعقبه تدخل من رئيس المجلس النيابي نبيه بري. هذا بالإضافة إلى عشرات النساء اللواتي جابهن امكانية التوقيف في حال أعرضن عن تنفيذ قرارات شرعية قلما تولي اهتماما لمصلحة الطفل.

قضية ريتا تعود إلى آذار عام 2017، حين خرجت إلى الإعلام معلنة أن قاضي الأمور المستعجلة في النبطية أصدر حكماً يسمح لها بمشاهدة ابنها آدم لثلاث ساعات أسبوعياً. وجاء قرار العجلة، في الوقت الذي كانت ريتا قد رفعت دعوى حضانة أمام المحكمة الجعفرية بعد قيام طليقها بمنعها عن رؤية ابنها لنحو ثلاثة أشهر. لم تبتّ المحكمة الجعفرية في قرار نهائي لتحديد أحقية حضانة الطفل لأحد الوالدين بما يتناسب مع مصلحته آنذاك، فجرى إصدار قرار مؤقت عن المحكمة الجعفرية في 13 أيار 2017 يقضي “بإلزام الوالد تسليم الطفل لأمه 24 ساعة أسبوعياً إلى حين البت بالقرار النهائي”. خلال تنفيذ القرار المؤقت والذي يقع على الوالد تنفيذه، استلمت الأم الطفل لكنه امتنع عن العودة إلى والده، وكانت تصيبه هستيريا بكاء شديدة في كل مرة يأتي الوالد لأخذه. هذا ما ترويه ريتا شقير للمفكرة وهي التي سرعان ما توارت عن الأنظار هي وابنها آدم لحظة علمها بقرار دائرة التنفيذ في جويا.

وفقا لقرار دائرة التنفيذ، فإنه بتاريخ 29 تشرين الأول 2018 ورد استنابة من دائرة تنفيذ في تبنين لإنفاذ القرار الصادر عن المحكمة الجعفرية لناحية “إلزام المنفذ عليها (أي ريتا) برد الطفل إلى والده”. لذا اعتبر القرار أن “إدلاء الوالدة بأنها لا تمانع تسليم الطفل إلى الوالد، ومن ثم لجوءها إلى رفض الطفل الذهاب مع والده للتمنع عن التنفيذ، يؤكد أنها ممتنعة عن تسليم الطفل، لا سيما وأنه يبلغ من العمر 5 سنوات فقط بالتالي فإن من واجبها إفهامه وتوعيته وإرشاده بالذهاب مع والده”. بالتالي اعتبر القرار أن الأم “مسؤولة عن رفض الطفل، لا سيما وأنه لم يتبين أن المنفذ (أي الوالد) قد ألحق الضرر أو الأذى بابنه”. وفي مرحلة أخرى اعتبر القرار” … أن الطفل القاصر لا يكون واعياً ومدركاً لأقواله”.  كذا ورأى القرار أن ادلاءات المنفذ عليها أي الأم عن الاتفاقات الدولية التي ترعى حقوق الطفل … بالرغم من جديتها.. فهي تخرج عن اختصاص هذه المحكمة، لا سيما أن الدعوى الأساس معروضة أمام المحاكم الجعفرية…”. وبذلك، أكدت دائرة التنفيذ أنها معنية بتنفيذ الأحكام الشرعية، بغض النظر عن فحواها، وتحديدا عن مدى توافقها مع النظام العام.

لذا، جاء في القرار، سنداً للمادة 899 من قانون المحاكمات المدنية حبس المنفذ عليها ثلاثة أشهر لتمنعها عن إنفاذ الحكم الشرعي رقم 18/2017 الصادر عن المحكمة الجعفرية في تبنين تاريخ 13 أيار 2017.

مصلحة الطفل غائبة عن قرار المحكمة الجعفرية

تعيش ريتا في الوقت الراهن بحالة قلق، لا تفتح هاتفها إلا عندما تتأكد من الشخص الذي يتصل بها. ومع ذلك، تؤكد استمرارها بنضالها آبية تنفيذ القرارات التي لن تكون لمصلحة ابنها آدم. وتجد ريتا أن الحضانة يجب أن تكون معها هي وليس مع الوالد لعدة أسباب أساسية منها: أولاً أن “الوالد لا يعيش في الجنوب حيث يعيش ابنه، ويعمل في بيروت، فيما سيسكن آدم مع جده لوالده وعمته في حالة إنفاذ قرار الحضانة. بالتالي فإن الوالد الذي يأتي إلى الجنوب نهاري السبت والأحد، سيقوم باقتسام رؤية الطفل في هذين اليومين مع الوالدة. لذا، فإنه فعلياً الطفل لن يعيش آدم مع والده”. وهنا يُلحظ تمنع المحكمة عن النظر في مسألة أن الطفل بهذه الحالة يكون خسر وجود كلا الوالدين معه في ظل غياب والده لـ 5 أيام في الأسبوع.

 ثانياً، تتمسك ريتا باتفاقية حقوق الطفل التي وقع عليها لبنان، والتي تُلزم القضاء بأن يأخذ مصلحة الطفل الفضلى في قراراه. وأخيراً، تلفت ريتا إلى أن عدم رغبة آدم الذهاب مع والده هو بالأمر الواضح، وإن إجباره سيؤدي إلى التأثير على نفسيته. وهنا تؤكد، “أنا أنفذ رغبة إبني ولن أسمح بأن تجري الأمور بعكس ما يبتغي”.

من ناحية أخرى، يشرح وكيل ريتا المحامي نجيب فرحات بأن قرار الـ 24 ساعة الصادر عن المحكمة الجعفرية، هو قرار ملزم للوالد، وليس الأم. لذا، لا يمكن تحميل الأم مسؤولية فيه، وإن كان الطفل يمتنع عن الذهاب مع والده فإنه من المستغرب أن يقوم رئيس دائرة التنفيذ بإضافة موجبات على الأم، وهي الموجبات المتعلقة بإقناع الطفل الذهاب مع الوالد. ومن هذه الناحية، يشدد فرحات على أن “الطفل يعاني من حالة نفسية صعبة، الأمر الذي يعزز ضرورة عدم القيام بأي إجراء يؤثر على علاقته بوالدته”. بالتالي، أصبح من غير القانوني سجن الأم وفق فرحات. ويضيف هذا الأخير إنه من “غير المنطقي تسليم الطفل إن كان لا يريد العودة الى والده”. لذا، يؤكد فرحات أنه تم الاعتراض على القرار فتريث القاضي بالتراجع عن قرار الحبس وتم تحديد جلسة نهار الأربعاء القادم، وأمهل الطرف الثاني مهلة ثلاثة أيام للرد على الاستئناف”.

المحكمة الجعفرية تتريث لإصدار الحكم النهائي

قضية ريتا مع القضاء لها اعتبارات أخرى، فالمحكمة الجعفرية التي أصدرت القرار الـ 24 ساعة سماح للأم برؤية ابنها بشكل المؤقت، تأبى عن إصدار قرار الحضانة النهائي، لا سيما وأن أكثر من قاض تنحّوا عن هذا الملف، بحسب تأكيد ريتا. تقول ريتا “أنا أكدت مراراً أنه لو أن المحكمة الجعفرية حرمتني من حضانة ولدي فإنني لن أنفذ القرار”. وتعتبر ريتا أنه وبسبب إعلانها هذا، كذا وبسبب تحول قضيتها إلى قضية رأي عام بالإضافة إلى ما يتضمنه الملف من معطيات تقضي بحقها في الحضانة، فإن “المحكمة الجعفرية تتريث في إعطائها إصدار القرار لأن ذلك سيؤثر على عمل هذه المحاكم الجعفرية وتشريعاتها في المستقبل”.

ريتا التي واجهت في صغرها الحرمان من أمها بعد طلاق والديها، تقول إنها تعرف تماماً ما يعني ابتعاد الطفل عن والدته. وتقول إن “قاعدة أن الحضانة للرجل لا تهمها، فلا ثقة بالمحكمة التي لا تعطي مصلحة الطفل أولوية”. وتعلق ريتا على تنحي القضاة عن النظر في قضيتها بالقول إن “القضاء العدلي والجعفري معاً هما غير مستقلين، ودائماً ما تدخل الاعتبارات السياسية في قضايا الأحوال الشخصية”. ولا تستبعد ريتا أن “تكون جهات سياسية تتدخل في هذه القضايا لتشتري ولاء العائلات وتكسب أصواتهم في الانتخابات”.  كذا، وتناشد ريتا “السلطة التشريعية أن تسن القوانين التي تتلاءم مع التشريعات الدولية التي وقع عليها لبنان، ومنها اتفاقية حقوق الطفل”. لذا، فإن المحاكم الشرعية بشكلها الحالي وفقا لريتا “تحتاج لإصلاحات عدة، لأنها تدفع العديد من المسلمين إلى اختيار الزواج المدني بديلاً عن الزواج الديني، وتؤدي إلى كره الدين واللجوء إلى أديان أخرى أو الإلحاد”.

الحضانة حصراً للرجل: ماذا عن الاستثناءات؟

لطالما عانت الامهات أمام المحاكم الجعفرية في قضايا الحضانة. فالقاعدة الأساسية هي أن للأم الحق بحضانة الصبي حتى سن العامين والفتاة حتى السبع سنوات، إلا أنها ليست قاعدة ثابتة وعليها الكثير من الاستثناءات بحسب المحامي فرحات. وهو يلفت إلى أنه تختلف أحكام الحضانة لما يخص مصلحة الطفل، إذ أن القاضي يمنح الحضانة للأم وفقاً لظروف كل حالة. وعليه يعتبر فرحات أنه في الدعوى الراهنة يحق للأم أن تحوز على حضانة ابنها بسبب الوضع النفسي الذي يعاني منه الطفل والتأثيرات التي يواجهها في كل مرة يحاول الوالد أخذه. كذا ولسبب رئيس قوامه أن الطفل لا يعيش مع والده بل مع جدته، بينما الوالد يعمل ويعيش في بيروت ويأتي إلى الجنوب نهاري السبت والأحد.

يلفت فرحات إلى أن سبب تكرر هذا النوع من الحالات أمام المحكمة الجعفرية يعود لمفاهيمها الضيقة حيث “نادراً ما نشهد تنبها لمصلحة الطفل، إذ يتم تغليب مصلحة الرجل بشكل أساسي على مصلحة الطفل وحق الأم”. لذا، يرى فرحات أنه على المحكمة أن تعمل على اجتهادات جديدة، خاصة أن الأحكام التي تصدر لا تقترن بقانون مكتوب. وعليه، فإنه في ملفات متشابهة تصدر أحكام مختلفة عن بعضها، وأحياناً تكون صادرة عن ذات القاضي. وفي اتجاه مواز، فإن المحكمة الجعفرية التي تصدر أحكامها بناء على فتاوى دينية، فهي تلتزم ببعض المرات بأجزاء من الفتاوى.

 لذا، يجد فرحات أنه من الضروري عدم ترك الموضوع للمحكمة الجعفرية وللسلطات الدينية وحدها للبت في هذه الاجتهادات، ويسأل أن يتدخل المشرع لتحسين عمل المحاكم الجعفرية خصوصاً وأن لبنان موقع على مواثيق دولية لا تزال المحاكم تتعارض مع موادها، علماً أن الاتفاقيات الدولية أعلى من القانون المحلي”.

انشر المقال



متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني