جدوى اللّجوء للقضاء الإداري لتعزيز عمل الجمعيات في الأردن


2023-08-21    |   

جدوى اللّجوء للقضاء الإداري لتعزيز عمل الجمعيات في الأردن
رسم: رائد شرف

أصبحت عبارة الفضاء المدني المتقلص (Shrinking Civic Space) الأكثر شيوعا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خاصة فيما يتعلق بالمساحة المتاحة للجمعيات لممارسة أنشطتها؛ إذ يتم التضيق على عملها من خلال التشريعات التي يفترض أنها تنظم الحق بالتجمع السلمي ومجموعة من الممارسات الإدارية التي تفرض قيودا وعقبات متعددة تجعل من الحقوق المتاحة بنصوص قانونية عديمة الجدوى، وبما أنها تخرج عن رقابة القضاء الإداري في أغلب الأحيان، من الصعب الاعتراض عليها.

في الأردن، يتميز قانون الجمعيات الأردني رقم 51 لسنة 2008 بكونه يتبع نظام التسجيل، ويمنح الإدارة العامة العديد من الصلاحيات التقديرية المتعلقة بعمل الجمعيات بالإضافة إلى الرقابة على أعمالها وتحديد نشاطها، كما أنها ملزمة بالإعلام عن اجتماعات الهيئة العامة حتى يتسنّى  لكل من الوزير المختص وأمين سجل الجمعيات تسمية ممثل عنه للحضور، إلا أن أبرز هذه القرارات التي تؤثر على عمل الجمعيات قرار الموافقة على تسجيل الجمعية والذي يصدر عن مجلس إدارة سجل الجمعيات[1]، وتصدر هذه الموافقة من مجلس الوزراء لبعض أنواع الجمعيات مثل تلك التي يكون بين الأعضاء المؤسسين للجمعية شخص اعتباري أو شخص غير أردني، وكذلك قرار الموافقة على التمويل الأجنبي الذي يصدر عن مجلس الوزراء مهما تدنّت قيمة هذا التمويل.

وبما أن النصوص المعنية لم تلزم الإدارة العامة ببيان أسباب القرار، أصبحت هذه الصلاحيات تندرج ضمن الصلاحيات التقديرية وبالتالي يجوز للإدارة العامة الموافقة والرفض دون بيان الأسباب متسلحة بقرينة سلامة القرار الإداري وأن ممارسة الصلاحية التقديرية محمولة على قرينة الصحة والسلامة، ما لم يُثبت ذو الشأن أنه صدر عن بواعث شخصية أو بقصد الكيد والانتقام، أو أنه صدر مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة أو مخالفة القانون.

وفي سابقة فريدة من نوعها قررت المحكمة الإدارية بخصوص قرار صادر عن مجلس الوزراء برفض تسجيل جمعية أن سلطة مجلس الوزراء في تسجيل الجمعيات ليست سلطة تقديرية وانما هي سلطة مقيدة بنصوص آمرة لا يجوز تجاوزها أو تخطيها، فيكون القرار الصادر عن مجلس الوزراء برفض طلب الجهة المستدعية دون بيان الأسباب لا يكفي لإضفاء صفة المشروعية على هذا القرار إذ لا بدّ من بيان السبب أو الاسباب التي شكلت هذه القناعة لدى الجهة مصدرة القرار لتمكين المحكمة من بسط رقابتها على مشروعية القرار مما يجعل هذا القرار مشوباً بعيب عدم المشروعية ومستوجب الإلغاء[2]. لكن المحكمة الإدارية العليا لم تؤيّد هذا الاجتهاد حيث جاء في قرارها أن المستفاد من هذا النص أن لمجلس الوزراء سلطة تقديرية في الموافقة على التسجيل باعتباره أعلى سلطة إدارية في الدولة من أجل تسيير مرافقها على أكمل وجه من دون أن يكون ملزماً ببيان السبب وأن هذه السلطة ليست تحكمية لا حدود لها بل نجد حدّها في حدود المشروعية والصالح العام والقرار الإداري يولد ومعه قرينة سلامته وصحته وأن الطاعن بالقرار عليه إثبات العكس .وأنه من المسلم به فقهاً وقضاءً أن كل قرار يصدر عن الإدارة يعد أنه قام على أسباب صحيحة ومستهدفة المصلحة العامة ما لم يثبت العكس[3].

وبالرغم من اجتهاد المحكمة الإدارية العليا، نجد أن المحكمة الإدارية تمسكت باجتهادها السابق في قضية أخرى شبيهة بالقضية السابقة حيث قررت أنه طالما أن مجلس الوزراء لم يُبين سبب رفض تسجيل الجمعية الأجنبية، فإن القرار المشكو قد خرج عن إطار المشروعية إلى إطار غير المشروعية الأمر الذي يستوجب إلغاء القرار الطعين[4]، إلا أن هذا القرار صدر قبل صدور قرار المحكمة الإدارية العليا المشار إليه أعلاه.

ودون الخوض في تفاصيل القرارين، نخلص لنتيجة أن موقف المحكمة الإدارية يعتمد على أن اكتمال شروط التسجيل الواردة في القانون يوجب بالضرورة تسجيلها، إلا أن المحكمة الإدارية العليا ترى أنه حتى لو توفرت شرط التسجيل هناك سلطة للإدارة العامة بالموافقة أو الرفض من دون بيان الأسباب.

قرينة الأسباب الصحيحة والمصلحة العامة تظهر أكثر وضوحا في قرارات المحكمة الإدارية الخاصة بالطعن في قرارات رفض التمويل. وللتوضيح تنص المادة 17/ج/1 من قانون الجمعيات الأردني “اذا رغبت الجمعية بالحصول على تبرّع أو تمويل من شخص غير أردني، فعليها إشعار مجلس الوزراء بذلك وعلى أن يبيّن الإشعار مصدر هذا التبرع أو التمويل ومقداره وطريقة استلامه والغاية التي سينفق عليها وأي شروط خاصة به، وفي حال عدم صدور قرار بالرفض عن مجلس الوزراء خلال مدة ثلاثين يوما من تاريخ استلامه الإشعار، فيعتبر التبرع أو التمويل موافقا عليه حكما”. واعتمادا على ما تقدم، قررت المحكمة الإداريّة “أن النص لم يضع قيدا على سلطة مجلس الوزراء برفض التبرّع، وبما أن مجلس الوزراء هو أعلى سلطة إدارية في الدولة وهي الجهة المشرفة على المرافق العامة وبالتالي فهي الجهة الأقدر على اتخاذ القرار الملائم الذي يحقق المصلحة العامة وسلطته في ذلك تقديرية لا يقيده فيها إلا حسن استعمالها وابتعادها عن  البواعث الشخصية والانتقامية وهو ما لم تثبته المستدعية؛ وبما ان القرار الإداري يصدر مصحوبا بقرينة السلامة وأن على من يدعي العكس إثبات ذلك وبما أن المستدعية لم تقدّم أيّ بيّنة تثبت أن القرار المطعون فيه صدر على غير ما تقتضيه المصلحة العامة فإن القرار يكون سليما ومتفقا وصحيح القانون مما يقتضي رد الدعوى”[5]

وفي ظل غياب تمويل للجمعيات من القطاع الخاص، خاصة وأن التشريعات الضريبية لا تدعم ذلك، تعتمد هذه الجمعيات على التمويل الأجنبي في ممارسة أنشطتها، وبالتالي فإن عملها يقترن بموافقة مجلس الوزراء.

وتشير بعض التقارير إلى أن رفض التمويل لبعض الجمعيات أصبح عائقا أمام عملها[6]، كما من الممكن أن تكون وسيلة للضغط عليها خاصة إذا عرف عنها أو عن القائمين على إدارتها انتقاد الحكومة.

ورفض التمويل ليس التحدي الوحيد بخصوص الحصول على التمويل، فالإجراءات الإدارية عند تقديم الطلب تستمر لشهور طويلة، الأمر الذي يؤثر على الأنشطة المنوي القيام بها أو يجعل هذه الأنشطة عديمة الجدوى، كما حصل مؤخرا لبعض الجمعيات التي حصلت على منحة لتقديم إفادات خطية حول حالة حقوق الإنسان في الأردن لمجلس حقوق الانسان في الأمم المتحدة ضمن آلية الاستعراض الدوري؛ إذ انتهت مدة تقديم هذه الإفادات دون أن يصدر قرار بهذه المنح.

وتحاول بعض الجمعيات الاحتجاج بما جاء في المادة 17/ج/1 بوجود موافقة ضمنية حيث جاء “وفي حال عدم صدور قرار بالرفض عن مجلس الوزراء خلال مدة ثلاثين يوما من تاريخ استلامه الإشعار، فيعتبر التبرع أو التمويل موافقا عليه حكما”، إلا أن المحكمة الإدارية قضت بأن هذه المدة تبدأ من تاريخ وصول الطلب إلى مجلس الوزراء، وليس من تاريخ تقديم الطلب[7] علما بأن طلب الموافقة على التمويل لا يقدم مباشرة إلى مجلس الوزراء، بل من خلال سجلّ الجمعيات وفترة دراسة ومراجعة الطلب غير مشمولة بمدة الثلاثين يوما المذكورة في المادة.

في الوقت الذي تسعى الحكومة إلى مزيد من الشفافية، نجد أن القرارات الإدارية المتعلقة بالحقوق والحريات تفتقر إليها، مع العلم أنه بحسب المعايير الدولية المصادق عليها من قبل الأردن يتوجب على الإدارة العامة بيان سبب القيد وأن يتمّ ربطه بالضرورة لأسباب تتعلق بالأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم، وهو أمر لم يتمّ إثارته كدفع أمام المحاكم الإدارية حتى الآن. وفيما يتعلق بالممارسات الإدارية التي تعيق عمل الجمعيات من دون أن تكون خاضعة للطعن أمام القضاء يمكن توجيه شكوى لهيئة النزاهة ومكافحة الفساد، إلا أنه لا توجد معلومات حول لجوء الجمعيات للهيئة بهذا الخصوص.

يعطي قانون الجمعيات الأردني الإدارة العامة مجموعة من الصلاحيات للحد من حريّة الجمعيات مثل الموافقة على تسجيل التمويل الأجنبي، وهي قرارات تعتمد على الصلاحيات التقديرية من دون بيان الأسباب، الأمر الذي يجعل آلية الطعن فيها أمرا غير مجدٍ أمام القضاء الإداري.


[1] يتولى رئاسة مجلس إدارة السجل وزير التنمية الاجتماعية وعضوية كل من أمين السجل، ممثل عن وزارة الداخلية، ممثل عن وزارة الثقافة، ممثل عن وزارة السياحة والاثار، ممثل عن وزارة البيئة، ممثل عن وزارة التنمية السياسية و اربعة اشخاص من ذوي الخبرة في مجال قطاع العمل الخيري او التطوعي يعينهم مجلس الوزراء بناء على تنسيب وزير التنمية الاجتماعية لمدة سنتين

[2]  قرار المحكمة الإدارية رقم 415/2019، صدر بتاريخ 14 أيلول 2020.

[3]  قرار المحكمة الإدارية العليا رقم 320 لسنة 2020، صدر بتاريخ 26 كانون ثاني 2021.

[4] قرار المحكمة الإدارية رقم 187/2021، صدر بتاريخ 29 أيلول 2021

[5]  قرار المحكمة الإدارية رقم 294/2016، صدر بتاريخ 14 كانون أول 2016.

[6] US Department of State, 2022 Country Reports on Human Rights Practices: Jordan [https://www.state.gov/reports/2022-country-reports-on-human-rights-practices/jordan/]. “NGOs continued to claim officials reviewing the foreign fund transfers applied arbitrary criteria to delay or reject their fund transfer applications, effectively shutting down several NGOs.  Some NGOs reported that unexplained, months-long delays in the decision process continued and there was no formal process to appeal nontransparent decisions”. See also 2021 Civil Society Organization Sustainability Index for the Middle East and North Africa, 10th edition, December 2022.

[7]  قرار المحكمة الإدارية رقم 283/2016، صدر بتاريخ 14 كانون اول 2016، حيث جاء في القرار “وتجد المحكمة ان النص المذكور قد بيّن بانه إذا لم يصدر القرار خلال ثلاثين يوما من تاريخ اشعار مجلس الوزراء فانه يعتبر الطلب موافق عليه حكما. وبالتالي فان حساب المدة المذكورة يتم احتسابها اعتبارا من تاريخ اشعار مجلس الوزراء بذلك وحيث تجد المحكمة من خلال كتاب رئيس الوزراء ان الاشعار ورده من خلال كتاب وزارة التنمية رقم (س ج / 17/ 1179) تاريخ 10/ 4/ 2016 واصدر قراره في الجلسة المنعقدة بتاريخ 17/ 4/ 2016 فانه يكون قد اصدر قراره خلال المدة المبينة في المادة (17/ ج/ 1) وبالتالي فان ما تزعمه المستدعية من ان  مجلس الوزراء اصدر قراره بعد مرور المدة ليصار للقول بأن الموافقة تمت حكما هو في غير محله ومخالف لواقع البينات المقدمة”

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، محاكم إدارية ، قرارات قضائية ، تشريعات وقوانين ، مقالات ، الأردن



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني