توجه نحو رفع رسم إنتساب محامي طرابلس إلى 15 مليون ليرة؟ مهنة المحاماة حكرا لطبقة الأغنياء


2020-01-24    |   

توجه نحو رفع رسم إنتساب محامي طرابلس إلى 15 مليون ليرة؟ مهنة المحاماة حكرا لطبقة الأغنياء

في ظل الأزمة المالية والإقتصادية التي تمر في لبنان وتدهور الأوضاع المعيشية، يبدو أن خريجي كليات الحقوق في الشمال الطامحين للعمل بمهنة المحاماة في مأزق، فنقابة المحامين في طرابلس تتجه نحو تعديل رسم الإنتساب إلى النقابة وجعله 15 مليون ليرة لبنانية. وذلك عبر رفع الرسم الى سبعة ملايين ونصف والباقي سيدفعه طالب الإنتساب كتغطية للتأمين الصحي عن ثلاث سنوات تدرج. وتأتي هذه الخطوة بحسب ما أوضح مجلس النقابة كإجراء لمعالجة المشكلة المالية في النقابة. وتعليقا على هذه الخطوة نبدي الملاحظات التالية:

أولا، أن مهنة المحاماة كما عرفتها المادة الأولى من قانون تنظيم مهنة المحاماة تهدف الى تحقيق رسالة العدالة. وبحسب المادة 2، تساهم المحاماة في تنفيذ الخدمة العامة والمهمة المنوطة بالمحامي تسمح له بممارسة سلطة إقامة الدعوى أو المدافعة فيها، وتوجب عليه تقديم جميع ما هو لازم للقيام بهذه المهمة. وهذه السلطة كما الواجب هما وجه الخدمة العامة التي يساهم المحامي في تنفيذها، وذلك على إعتبار أنه لا يقوم بمهامه بصفة شخصية، بل يمارسها لمصلحة الغير تمثيلا لموكله وهذا هو الطابع الخاص لسلطته. وكما هو معلوم لا يحق لمحام أن يمارس المحاماة أي هذه الخدمة العامة إذا لم يكن مسجلا في إحدى النقابتين أي في بيروت أو طرابلس واللتين تتمتعان بالشخصية المعنوية.

وبحسب المادة الأولى من نظامها الداخلي، فإن نقابة المحامين في طرابلس نقابة مستقلة، تمارس نشاطها لتحقيق الخدمة العامة المنوطة بها قانونا بالدفاع عن الحق والعدالة. وكون الإنتساب الى نقابة المحامين هو ممر إلزامي لمن يريد ممارسة مهنة المحاماة وتنفيذ هذه الخدمة العامة، يقتضي مراعاة هذا الطابع العام عند فرض شروط جديدة للإنتساب للنقابة. والسؤال الذي يطرح هل تحديد رسم الإنتساب ب 15 مليون ليرة لبنانية يتوافق مع الطابع العام للنقابة ويراعي حق كل صاحب كفاءة بالإنتساب الى النقابة بمعزل عن وضعه الإجتماعي وثروته ومدى غناه وفقره، سيما أن المادة 2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تعتبر لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات دونما تمييز بسبب الأصل الإجتماعي أو الثروة أو أي وضع آخر؟ وقد ورد في مقدمة الدستور اللبناني أن لبنان عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقد تجلى مبدأ المساواة في مقدمة الدستور وفي المادتين 7 و 95 فاللبنانيون متساوون في موقعهم إزاء القانون وهذا يعني أن لا تمييز بينهم لأي سبب ولا سيما بسبب الوضع الإجتماعي.

وبمقتضى البند الثالث من المادة 59 من قانون تنظيم مهنة المحاماة يعود لمجلس النقابة تحديد رسم القيد وتعديله واستيفاؤه، وإن كانت سلطة تعديل رسم الإنتساب تعود لمجلس النقابة حصرا. ولكن من خلال روح النص تتوقف هذه الصلاحية على شرط الأخذ بعين الإعتبار الطابع العام للنقابة وبكونها نقابة مهنية ويحق لكل من يستوفي الشروط العلمية الدخول اليها بمعزل عن وضعه الإجتماعي. إضافة لمراعاة المبادئ القانونية العامة وخاصة مبدأ المساواة وقواعد العدالة والإنصاف والتي هي مصدر من مصادر التشريع والتي بحسب المادة 4 من قانون أصول المحاكمات المدنية يلجأ اليها القاضي لإصدار حكمه عند إنتفاء النص، والمبادئ القانونية تستخلص من النظام القانوني نفسه دون حاجة للنص عليها في أية قاعدة قانونية، حيث كرست محكمة التمييز بتاريخ 10/2/1987 هذه الوسيلة فقضت:

” إن القانون الوضعي لا يتألف فقط من النصوص القانونية الصريحة الواردة في التشريع ولكن من مجموع المبادئ العامة المستخلصة إما من مضمون هذه النصوص وإما من القواعد العامة التي يقوم عليها النظام القانوني نفسه.”

أما بالنسبة للإنصاف فهو تعبير عن مفهوم العدالة الطبيعية في تقدير ما هو مستحق لكل شخص وإنه يخفف من قساوة الأحكام القانونية العامة والمجردة أو يعالج صمتها، ويكرس ضربا من تدخل القانون الطبيعي في مجال القانون الوضعي.

وبالنتيجة وإن كان لمجلس النقابة تعديل رسم القيد بحسب المادة 59 من قانون تنظيم مهنة المحاماة فهذا يبقى ضمن المقصد العام للقانون وبطريقة تكفل العدالة الإجتماعية مراعية المبادئ العامة للقانون. لذلك لا يمكن مقاربة البند الثالث من المادة 59 بإنكماش وعن طريق تفسير ضيق وبمعزل عن كل المبادئ الواردة في الدستور والمعاهدات الدولية ومن دون مراعاة مبدأ عدم التمييز بسبب الوضع الإجتماعي أو الثروة. فتعديل رسم الإنتساب للنقابة يكون ضمن المعقول وضمن قدرة الخريج الجامعي العادي والذي يفترض أنه لم يدخل بعد الى سوق العمل ومن غيرالطبيعي وغير القانوني وغير العادل أن يرتبط دخوله مهنة المحاماة بتكبيده مبلغ 15 مليون ليرة لبنانية، وبالتالي حصر الدخول إلى مهنة المحاماة بطبقة إجتماعية معينة تملك الثروة، وحرمان العديد ممن يمتلكون الكفاءة من ممارسة مهنة الدفاع عن الحقوق. لكل هذه الأسباب نتمنى عدم السير بهذا القرار من نقابة المحامين في طرابلس.

  • عن هذا الأمر، يراجع لطفا:

المبادرة المصرية تحصل على حكم بوقف زيادة رسوم قيد المحامين حديثي التخرج

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، حقوق العمال والنقابات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني