تعميم جديد حول المادة 47: ضمان حقوق الدفاع بالقطّارة


2023-08-24    |   

تعميم جديد حول المادة 47: ضمان حقوق الدفاع بالقطّارة
رسم رائد شرف

بتاريخ 22/08/2023، أصدر النائب العام التمييزي غسان عويدات تعميماً جديداً يتعلّق بأصول تطبيق المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تمّ تعديلها في العام 2020 لتعزيز الضمانات الأساسية لحقوق الدفاع في مرحلة التحقيقات الأوّلية. توّجه التعميم رقم 167/ص/2023 إلى كافّة النيابات العامّة (الاستئنافية والمالية والعسكرية) والأجهزة العسكرية والأمنية (الجيش، الأمن الداخلي، الأمن العام، أمن الدولة، والجمارك)، وتضمّن أمورا عدة أبرزها  “عدم الحاجة إلى أخذ إذن مسبق من النيابة العامة في كل الملفات والدعاوى من دون استثناء عند حضور المحامي لحضور التحقيق”.

وإلى ذلك، تضمّن التعميم بنودا ثلاثة أخرى:

  1. التذكير بوجوب تطبيق الضمانات الأساسية المنصوص عنها في المادة 47 “قبل المباشرة بأي استماع أو استجواب لأي مشتبه به أو مشكو منه أو مدعى عليه أو موقوف”، 
  2. الإجازة بتعليق لوحات تتضمّن نصّ المادة 47 الجديد بعد تعديلها بموجب القانون رقم 191/2020 في مراكز التحقيق كافّة من قبل “لجنة متابعة تطبيق المادة 47” في نقابة المحامين في بيروت،
  3. الإعلام بأنه “سوف يتم تجهيز وإنشاء مركز نموذجي لتسجيل التّحقيقات بالصوت والصورة في أحد مراكز التحقيق المختارة من قبل نقابة المحامين في بيروت”.

يشكّل هذا التعميم الثاني من نوعه الصادر عن النيابة العامّة التمييزية حول أصول تطبيق المادة 47 منذ تعديلها في العام 2020 بعد التعميم رقم 42/ص/2021 الصادر في تاريخ 11/03/2021 والذي علّق فيه النائب العام التمييزي موجباً قانونياً ب “تصوير إجراءات الاستجواب بالصوت والصورة” في موازاة مطالبة النيابات العامة كافة ب “التشدّد في إعمال رقابتهم على أعمال الضابطة العدلية” في معرض إشرافهم على التحقيقات لناحية التطبيق السليم للمادة 47  و”التأكد من قيام موظفي الضابطة العدلية باحترام حقوق المشتبه فيهم”. 

إن هذا التعميم يستوجب الملاحظات التالية:

  1. التذكير بالقانون ووضع حدّ لممارسة مقيّدة لحق الدفاع 

عدا عن أن التعميم ذكّّر بضرورة تطبيق ضمانات الدفاع المنصوص عليها فيها قبل المباشرة بالاستماع للمشتبه فيهم، فإنه  أجاز لنقابة المحامين في بيروت بتعليق لوحات تتضمّن نصّ المادة 47 الجديد في مراكز التحقيق كافّة، وهو ما يُساهم في نشر المعرفة القانونية بحقوق الدفاع خلال مرحلة التحقيقات الأوّلية للمشتبه فيهم كما ولعناصر الضابطة العدلية، إذ لا تزال معظم مراكز التحقيق تنشر اللوحات التي تتضمّن النصّ القديم.

إلا أن أهمية التعميم تكمن في البند الثاني منه الذي جاء لوضع حدّ لممارسة شائعة في مراكز التحقيق، كانت قد أضاءت عليها “المفكّرة” في دراسة سابقة لها، حيث لا تسمح بعض هذه المراكز للمحامي بحضور التحقيقات مع المشتبه فيه تلقائياً لدى وصوله إلى المركز، بل تشترط الحصول على موافقة مسبقة وصريحة من النيابة العامّة. وقد فتحت هذه الممارسة الخاطئة قانوناً الباب للاستنسابيّة والمماطلة في تمكين المحامين من تأدية مهامهم، لا سيّما خلال فترات اعتكاف القضاة، في حين أن القانون لا يمنح النيابة العامة صلاحية منع المحامي من الحضور التحقيقات، مما يؤكّد عدم ضرورة الموافقة المسبقة.

وعليه، أوضح التعميم عدم الحاجة لأخذ إذن مسبق من النيابة العامّة لحضور المحامي التحقيقات، وتالياً وجوب تعامل المحققين مع حق المشتبه فيه في الاستعانة بمحام كحق مضمون وتلقائي لا يستوجب أي موافقة مسبقة من أي جهة.

  1. التطبيع مع تعليق تسجيل التحقيقات بالصوت والصورة

أشار التعميم إلى أنّه “سوف يتم تجهيز وإنشاء مركز نموذجي لتسجيل التحقيقات بالصوت والصورة في أحد مراكز التحقيق المختارة من قبل نقابة المحامين في بيروت”، وهو بند لم يُفهم الهدف منه طالما أنّه لم يتم تحديد المركز أو حتّى الجهاز التابع له.

وفي هذا الإطار، يُذكر أنّ تعديل المادة 47 في العام 2020 كان قد فرض على الضابطة العدلية تصوير إجراءات الاستجواب بالصوت والصورة بدءاً من لحظة تلاوة حقوق المشتبه فيه على أن تُرفَق التسجيلات بمحضر التحقيقات الأولية تحت طائلة بطلان المحضر. إلاّ أنّ النائب العام التمييزي علّق تطبيق هذا الموجب القانوني “لحين قيام الدولة اللبنانية بصرف الاعتمادات اللازمة لتأمين التجهيزات التقنية لذلك”، وذلك بموجب التعميم السابق رقم 42/ص/2021 كما سبق ذكره. وفيما لا تشكّل تعاميم النيابة العامة سنداً قانونياً لوقف تنفيذ نصوص صادرة عن مجلس النوّاب، إلّا أنّ أيّاً من الجهات المعنية لم تتخذ خطوات تنفيذية من أجل تمكين الضابطة العدلية من تنفيذ هذا الموجب لغاية اليوم، مما عطّل إلزامية التسجيل بالرغم من أهميته لضمان حسن تنفيذ المادة 47 وعدم تعرّض المشتبه فيهم لأي تجاوزات أو تعسّف.

من هذه الزاوية، يأتي التعميم بمثابة تدبير محدود وغير واضح ومؤشّراً آخر على التطبيع مع مخالفة القانون في هذا الخصوص.

  1. خطوات غير كافية لضمان حسن تطبيق المادة 47

أخيراً، تجدر الإشارة إلى أنّ هذا التعميم معطوفاً على التعميم السابق لا يشكّلان خطوات تنفيذية كافية لتوضيح آليات تطبيق المادة 47 بعد تعديلها أو لإعطاء التعليمات اللازمة للنيابات العامة وللضابطة العدلية.

في المقابل، لا تزال نقابة المحامين في بيروت تتقاعس لغاية اليوم في تفعيل خدمة الاستعانة مجاناً بمحام مُكلّف من قبل النقابة بشكل كافً، بخاصّة لجهة تفعيل خط ساخن لتلقّي طلبات تكليف المحامين وتعميمه على الأجهزة الأمنية والعسكرية كما فعلت نقابة المحامين في طرابلس منذ حزيران 2022، إذ خلا التعميم من أيّ توضحيات في هذا المجال. كما لا تزال النقابة تعتمد بشكل أساسيّ على “لجنة متابعة تطبيق المادة 47” التي أشار إليها التعميم، خلافاً لتوّجه نقابة طرابلس بإدخال هذه الخدمة ضمن مهام “مركز المعونة القضائية والمساعدة القانونية”. وكان نقيب المحامين في بيروت ناضر كاسبار قد أعاد تشكيل هذه اللجنة في 19/6/2023 بعد أن قرر في 30/5/2023 حلّ اللجنة السابقة  في خطوة استباقية لاستقالة جماعية لثمانية من أعضائها اعتراضاً على أداء مجلس النقابة.

وكانت دراسة المفكّرة في العام 2022 قد أوصت بضرورة مواكبة الإصلاح القانوني من خلال إصدار النيابة العامّة التمييزية تعميماً يهدف إلى تفسير المادة 47 بخاصّة لجهة توضيح آلية الاستعانة مجاناً بمحام مكلف من قِبل نقابة المحامين، كما وبإنشاء آلية تنسيق دائمة بين الجهات المعنية بمرفق العدالة الجزائية لضمان حسن تطبيق المادة 47 بهدف تحويل مراكز التحقيق إلى مراكز عدالة شفافة تعزز ثقة الناس بعدالة المرفق. كذلك أوصت الدراسة نقابتي المحامين بإقرار خطّة عمل واضحة تهدف إلى ضمان تنفيذ خدمة المساعدة القانونية المجانية للمشتبه فيهم خلال مرحلة التحقيقات الأوّلية، والعمل على إدراج هذه الخدمة ضمن مهام مراكز المعونة القضائية في النقابتين بالتعاون مع وزارة العدل وسائر مقدِّمي الخدمات القانونية من الجامعات ومنظمات المجتمع المدني على نحو يدعم المقيمين في لبنان والمحامين على حد سواء.

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، المرصد القضائي ، قرارات قضائية ، تشريعات وقوانين ، لبنان ، مقالات ، محاكمة عادلة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني