تسعة أشهر على تفجير المرفأ و”بعدنا بالمربّع الأول”


2021-05-05    |   

تسعة أشهر على تفجير المرفأ و”بعدنا بالمربّع الأول”
تسعة أشهر مضت على "فاجعة" تفجير مرفأ بيروت

تسعة أشهر مضت على “فاجعة” تفجير مرفأ بيروت في الرابع من آب. مرّت الأعياد تباعاً من عيد الميلاد، عيد رأس السنة، وصولاً إلى عيد الأم وعيد الفصح. وها هو عيد الفطر على الأبواب. أيام ثقيلة تمرّ على أهالي ضحايا التفجير، لم ينجح الوقت في التخفيف من وطأة الفراق. 

“لا تزال الحياة صعبة جداً من دون الأحباب، لم أستطع أن أعتاد على غيابه، فالمنزل من دونه موحش جداً”، تقول يسرى أبو صالح، والدة الشهيد إبراهيم أمين. حالها كحال أهالي الشهداء الذين نفذوا أمس الثلاثاء وقفة تذكارية كما في الرابع من كل شهر أمام بوّابة المرفأ التي تحمل الرقم ثلاثة. 

كان المشهد مؤلماً في مسرح “الجريمة” حيث تجمّع عشرات الأهالي يحملون صور ضحاياهم. لم تفارق الدمعة عيون الكبير والصغير منهم. وعند الساعة السادسة وسبع دقائق، بتوقيت التفجير، وقف الأهالي جنباً إلى جنب ليضيئوا الشموع أمام صور الشهداء. بعضهم لم يتمالك نفسه في هذه اللحظات المؤثرة فأجهش بالبكاء، بعضهم رفع يديه إلى السماء ليطلب الرحمة، فيما البعض الآخر كان شارداً كما لو أنّه يحاور فقيده خيالاً غير آبه بضجيج الجموع المتراصّة.

ما الذي تغيّر منذ تسعة أشهر؟

جميع الأهالي يجمعون على أنّهم خلال الأشهر التسعة التي مضت، ورغم تحرّكاتهم المستمرّة، لا يزالون في المربّع الأوّل فيما يستمرّ المعنيّون بتجاهل قضيّتهم وتهميش حقوقهم وحقوق ضحاياهم.  

“ما الذي تغيّر منذ تسعة أشهر؟”، تسأل ماريان فودوليان رئيسة “جمعية أهالي ضحايا تفجير بيروت” وشقيقة الضحية غايا فودوليان. وتجيب أنّه بعد كلّ هذه المدة “لم يتلقّ أهالي الضحايا تعزية أو اعتذاراً من أي مسؤول سياسي”. ولا تزال الحقيقة مبهمة بشأن نيترات الأمونيوم: “من الذي أحضرها؟ من استفاد منها؟ ومن الذي فجّرها؟”. كما تذكّر فودوليان بالمطلب “العصيّ على التنفيذ”، وهو تكريس 4 آب يوم حداد وطني وإقامة نصب تذكاري لأرواح الشهداء.  

تقف ريما الزاهد شقيقة الشهيد أمين الزاهد وسط الأهالي. تبدو عليها ملامح الغضب. ترتدي سترة أخيها التي “تليق به كثيراً” والتي كان يرتديها أثناء عمله. “أمين كان قبطان سفينة عائلة بأكملها وحرمونا منه”، تقول. تشارك ريما في كلّ نشاط ينفّذه ذوو الضحايا لتنتزع حق شقيقها في محاسبة المسؤولين عن التفجير. تتأسّف ريما لأنّ “شيئاً لم يتغيّر منذ وفاة شقيقها الذي قضى ظلماً”. وتؤكد: “صحيح أنّنا لا نزال في نقطة الصفر في ما يخص التحقيقات في جريمة تفجير المرفأ لكنّ حماسنا لن يخفّ ولن نتعب”.

حطيط: “عتبي على الشعب اللبناني قبل السياسيين”

وجّه إبراهيم حطيّط، شقيق الشهيد ثروت حطيط والناطق الرسمي باسم الأهالي خطابا محتداً إلى اللبنانيين الذين لا يقفون إلى جانبهم في قضيتهم “الوطنية”. وقال: “أيّها اللبنانيون القابعون في زوايا الطائفية والسياسية والحزبية ألا تشعرون بتأنيب الضمير أو بالخجل أمام أكثر من سبعة آلاف شهيد وجريح ودمار نصف العاصمة بيروت؟ لمَ تبخلون علينا بإضاءة شمعة على أرواح ضحايانا؟”. وعاتب حطيط الشعب اللبناني قبل السياسيين لأنّه “كان ولا زال الرهان عليهم لنصرة قضيتنا”. أما السياسيون “فلا أمل يرجى منهم لإنصافنا”، بحسب حطيط الذي اتّهمهم “بالتسبّب بمجزرة 4 آب حتى يثبت العكس”. كما طالبهم “بكفّ اليد عن القضاء لأنّ قضيّتنا ليست للتسييس ولا وللتمييع”.

وفي رسالة إلى قاضي التحقيق العدلي في قضية تفجير المرفأ طارق بيطار، الذي منحه الأهالي الثقة “بسبب تاريخه النزيه وعدم خضوعه للسياسيين”، قال حطيط: “صبرنا كل هذه المدة نظراً لحجم الملف وتشعباته ولعلمنا بأنّك استلمت قضية أشبه بالانتحارية في ظلّ سلطة سياسية فاسدة ومجرمة. لكن، صبرنا قد نفذ”. هنا يتعجّب حطيط من إخلاءات السبيل لعدد من المتهمين في قضية التفجير من دون أن يصاحبها توقيفات لآخرين. فيسأل حطيط بيطار: “عندما تبيّن معك براءة البعض خلال دراستك لملف التفجير أليس من الطبيعي أن تلحظ تورّط البعض الآخر؟”. وما زاد الطين بلّة هو شعور الأهالي “بغياب الوعي لدى النيابة العامّة التمييزية التي تلعب دور الدفاع عن بعض المتهمين بدلاً من الادعاء عليهم”، ما يعتبره حطيط: “حماية سياسية”. 

ورغم هذا الموقف، لا يزال الأهالي متمسّكين بالثقة بعدالة بيطار ومؤمنين بقدرته على إنصافهم. فجددوا طلبهم: “اضرب بيد من حديد لترضي ضميرك وتدخل التاريخ، وسنكون جندك على الأرض نزلزلها بمن تستدعيه فلا  يحضر أو يتحصن بطائفته أو حزبه”، بحسب حطيط.

وفي ختام حديثه جاء حطيط بابن شقيقه الشهيد ثروت الذي ولد بعد خمسة أشهر من وفاة والده. رفعه لتتمكّن عدسات الكاميرات وعيون الواقفين من التقاط المشهد. وتوجّه إلى المعنيين بالسؤال: “بأي ذنب يولد هذا الطفل من دون أب؟ أتعتقدون أننا سنسامحكم؟”.

أهالي الضحايا محمّلون بالمأساة

“عندما أنزل إلى المرفأ تتكرّر مأساتي وكأنني أعايش كارثة التفجير من جديد”، تقول شقيقة جو أندون. وتشكر ربها أنّه بعد أربعة أيام من التفجير تمكّنت من استلام جثة شقيقها الثلاثيني كما هي من دون الحاجة إلى جمع أشلائه. “بعدني مصدومة”، لم تعِ هذه السيدة إلى الآن كيف حدثت هذه الكارثة ولماذا. 

زيارة المرفأ للمرة الأولى بعد التفجير كانت “صعبة جداً” على رندة غزيّل، والدة الشهيد محمد علاء الدين دمج التي حضرت الوقفة إكراماً لذكرى ابنها. “لا أثق بالطبقة السياسية ولا بالقضاء”، تقول. تعود بها الذاكرة إلى ما قبل التفجير عندما كان محمد يشكو لها عمله “المتعب وذي الأجر الزهيد” في نقل البضائع في المرفأ. “ابني يحمل شهادة في الهندسة لكن عندما يئس من إيجاد وظيفة تليق بشهادته عمل في المرفأ رغماً عنه”، تروي رندة الندم الذي يعتريها لأنها “أقنعت ابنها أن يواصل عمله الذي لا يحبّه ريثما يجد عملاً آخر”.  

إلى جانبها تقف رانيا ضغيم، زوجة الشهيد محمد ضغيم التي تشارك في كل تحرّك لذوي الضحايا. تجدها في كلّ مرة بصحبة أحد أولادها. أمس، كانت برفقة ابنتها لميس التي رغم صغر سنّها جاءت لتطالب “بحق والدها”. خلافاً للعديد من الأهالي الذين يهابون زيارة المرفأ، تأنس رانيا في زيارة موقع الحادثة لأنها “تشعر أنّها تقدم شيئاً ولو بسيطاً كرمى لذكرى زوجها عندما تسعى لمعاقبة المجرمين”.

يحمل حسن بظاظة، شقيق الشهيدة ملاك بظاظة بيمناه صورة شقيقته وبيسراه لافتة كتب عليها: “أين أصبحت نتائج التحقيقات؟”. جاء ليقول: “لم ننسَ”، علماً أنّ إيمانه ضعيف ببلوغ الحقيقة. فلا يعوّل حسن على المنظومة السياسية ولا على القضاء اللذين “يعملان جاهدين لمحو هذه الجريمة من الذاكرة الجماعية”. لا يتمكّن حسن من النوم منذ حادثة التفجير لأنّ مشهد شقيقته التي زهقت روحها وروح زوجها بينما كانا في مقهى في الجميزة مصادفة لا يفارقه في كل ليلة. وقبل أن تتحقق العدالة “من الصعب أن أنام”، يجزم.

جمعية أهالي الضحايا بلا “علم وخبر”

في حديث إلى “المفكرة” أفاد حطيط أنّ “جمعية أهالي ضحايا تفجير بيروت” التي أعلن الأهالي عن تأسيسها قبل شهرين  لا تزال تواجه العراقيل في ما يخصّ الحصول على “العلم والخبر”، متّهماً بعض الوزراء أنهم “عم يوقفولنا على الكلمة”. ومن الذرائع التي وضعها المعنيون لحجب “العلم والخبر” عن الجمعية، وفق حطيط، تسمية الجمعية ما حدث في الرابع من آب “تفجيراً” بدلاً من “انفجار”. يعزو حطيط هذه الذرائع إلى “خوفهم من أن يصير للأهالي جمعية بصفة رسمية”. ويشير حطيط إلى أنه “لا يرضى أن يقف الأهالي في طوابير للحصول على المساعدات من الأمم المتحدة أو من الجمعيات. وأعطى حطيط المعنيين مهلة أسبوع بعد أن ذللت الجمعية “الحجج الواهية” مهدداً بعدها بالتصعيد إذا لم يحصلوا على مطلبهم.   

وكانت فودوليان قد ذكّرت خلال الكلمة التي ألقتها بأهمية الجمعية في “تحقيق العدالة لكلّ ضحية سقطت، وتخليد ذكراهم في المجتمع اللبناني وفي العالم، ومساعدة ذوي الضحايا على شتى الأصعدة”. ودعت الجرحى وكل أهالي الضحايا إلى الانضمام للجمعية والتواصل معهم عبر أرقام الهاتف الموجودة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.

انشر المقال

متوفر من خلال:

دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، قضاء ، مجزرة المرفأ ، أجهزة أمنية ، محاكم جزائية ، البرلمان ، أحزاب سياسية ، قرارات قضائية ، استقلال القضاء ، لبنان ، حراكات اجتماعية ، عدالة انتقالية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني