ترشيح القاضي منصف الكشو لرئاسة محكمة التعقيب: حدثٌ ديمقراطيّ في زمنٍ ليس كذلك


2021-09-11    |   

ترشيح القاضي منصف الكشو لرئاسة محكمة التعقيب: حدثٌ ديمقراطيّ في زمنٍ ليس كذلك

مساء يوم 08-09-2021، أعلن مجلس القضاء العدلي “ترشيح القاضي منصف الكشو لخطة الرئيس الأول لمحكمة التعقيب”. وقد أسند المجلس قراره على معايير الأقدمية في القضاء والخطّة والتخصّص، وبعد التناظر بين المترشّحين الذين قُبلت ملفّاتهم شكلا، وبعدما كان اطّلع على ملفّاتهم الواردة “من الإدارة العامة للمصالح العدلية ومن التفقديّة العامّة لوزارة العدل. ويُنتظر تاليا عملا بأحكام الفصل 42 من القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء أن ينظر في هذا الترشيح وأن يوجه رئيسه في حال المصادقة عليه مراسلة بذلك لرئيس الجمهورية الذي يختص حسب منطوق الفصل 106 من الدستور بإصدار أمر التعيين وفق نظام “الترشيح الحصري”.

ويبدو هذا الحدث مهما لما فيه من ممارسة ديمقراطية تفتقدها تونس هذه الأيام ولا يعلم موقف الرئيس سعيد الذي بات يحتكر كل السلطات السياسية منها. كما أنه من الضروري وتونس تستعد لاستقبال كبير قضاة جديد التنبه لأهمية إرساء مؤسسات تمنع الانحراف بالسلطة وبالتالي تقي القضاء من تكرار ما كان من تجربة سابقة مست بالثقة العامة فيه.

 

انتخاب المرشّح لرئاسة محكمة التعقيب حدثٌ ديمقراطي.. في انتظار موقف سعيد

تجمع كل البيانات والتقارير الصادرة داخل تونس وعنها على أنّ هامش الممارسة الديمقراطية تراجع فيها بشكل كبير بعد اتخاذ رئيس الجمهورية قيس سعيد قرار اعتماد الإجراءات الاستثنائية بتاريخ 25-07-2021 وانفراده بممارسة السلطة السياسية. وعليه، يشكّل انتخابُ مجلس القضاء العدليّ للكشو على رأس محكمة التعقيب من بين 14 مرشحا توفّرت فيهم الشروط القانونيّة لذلك انطلاقا من معايير موضوعية،  مؤشّراً على استمراريّة الممارسة الديمقراطية بالبلاد وعلى أنّ السلطة القضائية ما زالت حتّى الآن على الأقل في مأمن من ظاهرة حكم الفرد ولا زالت تقاوم دفاعا عن استقلاليتها المؤسساتية.

وهذا البعد الرمزيّ لحدث كان يمكن أن يعدّ ممارسة اعتيادية لولا الطارئ السياسي لا ينفي أن عرض ملف الترشيح على الرئيس سعيد سيكون مناسبةً لتبيان موقفه منه.

 

سعيد: أيّ تأويل وأيّ موقف من الترشيح؟

فيما تعلق بتعيينات القضاة، يُميّز النظام الدستوري التونسي بين إدارة المسار المهني لعموم القضاة والذي يسند فيه صلاحية القرار لمجلس القضاء ويفرض على رئيس الجمهورية إصدار رأي مطابق فيه من جهة وبين التعيين في الخطط القضائية الكبرى ومنها رئاسة محكمة التعقيب والتي يفرض أن يرشّح المجلس من يتولّاها وأن يكون للرئيس بعد التّشاور مع رئيس الحكومة صلاحية التعيين فيها من بين المرشحين.  وفي إطار الترشيح الحصريّ ذاك، أدّت الممارسة السّابقة والتي تُعدّ من السّوابق الدّستورية لعدم تعدُّد الترشُّحات وأن يقبل رئيسا الجمهورية والحكومة اعتماد اسم من يترشّح لشغل الخطة السامية الشاغرة من دون نقاش.

يفترض بالتالي وبالنظر لتعدّد ما تمّ من تسميات في خطط قضائية سامية من رؤساء تونس المتعاقبين وما كان منهم جميعا من احترام لاستقلالية القرار المؤسساتي القضائي ألا يثير ما سيكون من نظر من سعيد في ملف ترشيح الكشو إشكالية. إلا أنّ ما عرف عن الرئيس من استعمال لتأويل النصوص الدستورية في اتجاهات توسّع صلاحيته وتفرض استيلاءه على اختصاص غيره من مؤسسات الدولة يثير مخاوف مشروعة من تغيير في الممارسة المعتمدة، وهي مخاوف قد تبدّدها أو تؤكّدها الأيام القادمة.

 

دمقرطة رئاسة محكمة التعقيب استحقاق ينتظر من كبير القضاة الجديد

اتهم الرئيس السابق لمحكمة التعقيب الطيب راشد باستعمال نفوذه وسلطته للتلاعب بتعيين القضايا وتركيبة الدوائر القضائية بغاية استصدار أحكام مخطّط لها سلفا وتخدم جهات يواليها. وكان ذلك سببا في تنحيته من خطته وإيقافه عن العمل وإحالته للمحاكمة. ويكون من المهم التنبه هنا إلى أن السلطة المطلقة التي كان يتمتع بها كانت المدخل للانحرافات التي يشتبه قيامه بها. انطلاقا من تلك التجربة وفي سياق تطوير ممارسات تبقى وتحمي المؤسسات بقطع النظر عن أسماء الأفراد الذين يتحملون مسؤولية إدارتها، يؤمل من الكشو إن تمّت تسميته كبيرا لقضاة تونس أن يبادر لتصور آليات لإدارة ديمقراطية لمحكمة القانون تحقق ما هو مطلوب من شفافية في عملها وتمنع كل حديث عن استبداد فيها.

انشر المقال

متوفر من خلال:

استقلال القضاء ، مقالات ، تونس



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني