ترسّبات العبودية في تونس: إرث الألقاب الثقيل ومعضلة الهوية السوداء التونسية


2023-11-10    |   

ترسّبات العبودية في تونس: إرث الألقاب الثقيل ومعضلة الهوية السوداء التونسية
رسم عثمان سالمي

افتتح الناشط والكاتب الإفريقي-التركي مصطفى أولباك كتابه “كينيا – كريت – إسطنبول: سيرة ذاتية لعائلة من العبيد”[1] والذي صدر في 2006 بالجملة الآتية: “عانى الجيل الأول، وأنكر الجيل الثاني، والآن يتساءل الجيل الثالث”. كان للجملة وقع كبير على الأفارقة الأتراك من مدينة أزمير خاصة حين بدأوا بمعية أولباك كرئيس “جمعية الثقافة والتضامن الإفريقية” في استكشاف جذور أجدادهم المستعبدين من شرق إفريقيا خلال الحقبة العثمانية والذين اعتنقوا الإسلام واتخذوا أسماء وألقابًا تركية. في 2004 كتبت عفات مصباح مقالا في مجلة جون أفريك عنوانه “أن تكون أسودَ في تونس”[2] وهو يعدّ أول مقال كسر حاجز الصمت عن الأقليّة السوداء التونسية ومعاناتها مع عنصرية اللون. بعد 2011، بدأ السّود التونسيون في التنظيم والتعبئة للتعريف بأنفسهم وبالصعوبات التي يتعرّضون لها ونادوا بالتمتع بحقوق أكثر شأنهم شأن المواطنين البيض في التعليم والمشاركة في الحياة العامة خاصة السياسة. البعض منهم أرادوا أن تتصالح تونس مع هويتها الأفريقية، بينما عمل سود تونسيون آخرون على استرداد حقوقهم وهوياتهم الأصلية من خلال العدالة الانتقالية. مثلما حصل للأفارقة الأتراك الذين فقدوا هوياتهم الأفريقية، أراد النشطاء السود التونسيين تسليط الضوء على التابوه العرقي الذي جعل السود مواطنين منسيين حتى صاروا خارج الصيرورة التاريخية في البلاد مهمشين في مربع جغرافي محدود: الجنوب التونسي. في ظل تحول ديموقراطي متعثر، وجدت العدالة الانتقالية تحدّيات جمّة في إنصاف ضحايا الاستبداد وبقي السود على هامش هذه العملية أمام سياسة الإنكار العامة والمطبقة لقضية التمييز العنصري على أساس اللون.

كيف قبرت الهوية السوداء التونسية؟

عندما ألغت الإيالة التونسية خلال حكم المشير أحمد باشا باي العبودية في 1846، ثارت مدن وقرى الجنوب التونسي على هذا القرار وكادت أن تقوم حرب أهلية ضد حكم البايات. ومن سخرية القدر أن الثائر علي بن غذاهم كان بين هؤلاء الذين رفضوا قرار الإلغاء. وعند انتصاب “الحماية الفرنسية” في 1881، تم إصدار القرار الثاني لإلغاء العبودية في 1890 ولكن تواصلت العبودية تحت أشكال عدّة كنظام الخماسة وتحوّل العبد الأسود إلى “وصيف”. فماذا حدث للعتقاء الجدد؟ أضاع الكثير منهم لغات أجدادهم وحتى هوياتهم السودانية (نسبة الى بلاد السودان التاريخية التي تضم ممالك خانم وبورنو ومالي).

ما حدث للسود التونسيين لا يختلف عن الأفارقة الأتراك الذين تم جلبهم كعبيد إلى الأناضول خاصة في مدينة إزمير الساحليّة من شرق أفريقيا خاصة زنجبار في كينيا والذين تم صهرهم في المجتمع التركي وماتت لغتهم. كما تمّ تطبيق قانون الألقاب الذي سنّه مصطفى كمال أتاتورك عليهم مع إعطائهم هويات جديدة. اتّبع بورقيبة منهج أتاتورك وقام بحملة تهذيب للألقاب التي استثنَتْ السود التونسيين وتركت أغلبهم يحمل ألقابًا تشير إلى ماضي استعبادهم الأليم. فمثلما تجد لقب “زنجي” لدى بعض العائلات الأفريقية التركية، يكاد يتفرّد لقب شوشان بالسود التونسيين والذي يشير إلى وضع العبد الأسود الذي تم عتقه. لكن تجد أيضا ألقابًا لسود تونسيين تؤكد مرتبتهم الوضيعة كعتيق فلان (بن يدر، الدغري، الزايري الخ)، وهو تقليد في جزيرة جربة خصوصا عندما دأبت العائلات الغنية والتي كانت تتاجر في العبيد على إطلاق ألقاب ذات دلالة عبودية على العتقاء من العبيد حتى يظلوا في مرتبة التابع لهم حتى الموت. خصّصت عالمة الإناسة والأستاذة بجامعة منوبة الدكتورة إيناس مراد دالي رسالة الدكتوراة لموضوع مصير العبيد السود في تونس بعد عتقهم[3]، وبيّنت تحوّل علاقاتهم بأسيادهم السابقين من عبيد لهم إلى تبع، تتسم علاقتهم العمودية غير المتكافئة بالولاء. اشتغلت دالي على حالة السود التونسيين في قابس وأصولهم المستعبدة، وتطرقت إلى مصطلح “الولاء” بعد إلغاء الرقّ والعبودية، الذي يرمز لعلاقة تبقي السود في منزلة الدونية من دون أية فرصة للعتق النهائي من نير العبودية الرمزية.

القطع مع الماضي العبودي: الهوية الطرابلسية للسود التونسيين

إبان الثورة التونسية في 2011، برز حراك للسود التونسيين ينادون فيه بالمساواة مع البيض التونسيين وإنهاء كل مظاهر العنصرية المسلّطة عليهم سواء كانت من أفراد أو من الدولة من خلال الالتماس الممنهج لهم منذ الاستقلال. لئن اتّسم الجيل الأول بعد إلغاء الرقّ من السود التونسيين بالتعايش مع الأمر الواقع، فإن الجيل الثاني رفض الماضي العبودي. لكن الجيل الثالث صار ينادي بضرورة إعادة الاعتبار للتاريخ المنسي لأجدادهم ويعمل في موازاة ذلك على النبش في ذاكرة الماضي المنسي والمدفون. هكذا أعاد الكاتب مصطفى أولباك رئيس حراك الأفارقة الأتراك كتابة قصة عائلته التي تمّ اقتلاعها من كينيا ليتمّ استعبادها في جزيرة كريت اليونانية ومن ثم في مدينة أزمير[1]. وثمة أوجه تشابه عديدة بين الأفارقة الأتراك والسود التونسيين لجهة بحثهم المتواصل عن أصولهم الأفريقية.

تساءلت مراد دالي في مقال أكاديمي في 2021 عن حقّ السّود التونسيين في تاريخ يخصّهم بالذّات، وقد عنونت مقالها: “هل للسود التونسيين الحق في تاريخ خاص بهم؟”[4]. ذلك التاريخ الغامض الذي ضاعتْ الكثير من تفاصيله المعقّدة واشتبكتْ قصص المستعبدين والعتقاء في تونس الآبقين (الهاربين) والمهاجرين السود من ليبيا وتمّ صهرهم في تونس كبقايا العبيد، حيث تمّ إجبارهم على اتخاذ ألقاب المؤجرين لهم[5].

احتجّ العديد من السود التونسيين على هذا الضيم التاريخي وكأنه حكم عليهم مرتين: مرّة بالنفي من بلدانهم الأصلية ومرّة ثانية بالنسيان والنكران من دولتهم التي عمّقت من عزلتهم وغربتهم دون هوية متجذرة شأنهم شأن الموريسكيين والعثمانيين والإيطاليين والمالطيين واليونانيين وغيرهم من المهاجرين الذين أنصفهم التاريخ وجعلوا من قصص تهجيرهم من بلادهم في الأندلس والأناضول مصدرا للفخر والاعتزاز بتغلّبهم على محنة النفي والتهجير وأصبحوا مواطنين درجة اولى وشغلوا أعلى المناصب في الدولة التونسية، على غرار الرئيس التونسي الراحل الباجي قايد السبسي حفيد مملوك من سردينيا الإيطالية. أقصي الأسود التونسي من كتابة تاريخه وحتى من المساهمة في كتابة ولو صفحة واحدة من تاريخ تونس المتعدد الأعراق والديانات والملل. فكما تمّ قبر هوياتهم الغرب-أفريقية ومن منطقة الساحل الأفريقي، منعوا من الاحتفالات الرسمية بعاداتهم وتقاليدهم غداة الاستقلال في عهد بورقيبة لأنها تتنافى مع قيم الحداثة التونسية.

ولطالما تبجح التونسيون بأن بلدهم سبق الولايات المتحدة الأمريكية في إلغاء الرق، لكن يتناسى أغلبهم أن المجتمع والدولة التونسيين رفضا القطع مع الماضي العبودي من خلال الألقاب التي تحطّ من كرامة العديد من السود والنكات والأمثال العنصرية وغيرها من أشكال التبعية.

وبالعودة إلى بحث دالي، نلحظ أنها تغوص في الذكرى المنسية لهؤلاء المواطنين اللامرئيين والذين ليسوا كما يشاع عن جلّهم أنّهم نتيجة لتجارة الرقّ من إفريقيا جنوب الصحراء. وهي تعزو هذا الإجحاف التاريخي إلى عملية النسيان لهجرة السود كمهاجرين طوعيين إلى تونس، حيث كشفت اللثام عن تاريخ الخماسة السود من التونسيين والذين وإن بدوا أحسن مرتبة من العبد، فإنّ وضعيّتهم كرست حالة التبعية للسود، خصوصا من تقطعت بهم السبل لما هاجروا من طرابلس هربا من الاستعباد أو من حروب قبلية ليجدوا أنفسهم شبه مستعبدين عند أسياد جدد من مالكي الأراضي. خلال زيارتي لثلاث ولايات تونسية ذات غالبية سوداء وهي قبلي وقابس ومدنين في جويلية 2023، أجمع أغلب من حاورتهم (المبحوثين) وتحدثت معهم أنّ أصولهم ليست من العبيد بل أن أجدادهم أتوا إلى تونس من طرابلس الإيالة كمهاجرين اقتصاديين في القرن التاسع عشر. تعزو بعض المراجع التاريخية للهجرة الطرابلسية إلى تونس أن العديد من السود استقروا في منطقة قفصة واشتغلوا في مناجم الفسفاط بينما هاجر الآخرون إلى مدن الجنوب الشرقي التونسي حيث اشتغلوا كخماسة في مزارع لمالكي الأراضي البيض في قابس وجرجيس ومدنين، بينما توجهت مجموعة أخرى إلى مدن الساحل والشمال الشرقي وكذلك إلى تونس العاصمة[6].

لم يسعف الحظ الكثير منهم خصوصا من المناطق الحدودية مع ليبيا، إذ وجدوا أنفسهم في حالة استرقاق جديدة من مالكي الأراضي البيض الذين اشتغلوا عندهم وأجبروهم على اعتناق ألقابهم. ذلك حال علي الوريمي من جرجيس، الذي عاش جدّه ومات وهو يكافح لاسترداد لقب عائلته الليبي، لأن مشغّله الأبيض أجبره على اتخاذ لقبه. مثال من بين قصص عديدة لسود تونسيين كتبت عليهم حتمية التبعية للسيّد الأبيض حتى الممات، وجرّدوا من هوياتهم الأصلية ليبقوا في حالة ولاء تام للسيد الأبيض حفاظا على العلاقة العمودية بين المستعبد والسيّد حتى بعد إلغاء العبودية. ويمثل الولاء العمود الفقري لهذه العلاقة غير المتكافئة.

قصص كفاح سود تونسيين لتغيير ألقابهم ودور العدالة الانتقالية

عندما قدّمت منظمة “منامتي” سنة 2016 إلى هيئة الحقيقة والكرامة ملفًا حول الانتهاكات لحقوق الإنسان ضدّ السود في تونس المرتكبة من طرف بعض أجهزة الدولة وموظفيها، كانت لهذه الخطوة رمزية تاريخية ولو محدودة في الإطار الزمني وعُدّت سابقة في تونس والوطن العربي عموما في أنها فككت تابوها اجتماعيا وهو التمييز المؤسساتي ضدّ السود التونسيين منذ الاستقلال ووضعت دولة الاستقلال أمام مسؤوليتها التاريخية عن انتهاكات ممنهجة ضد فئة من مواطنيها. حسب رئيسة المنظمة السيدة سعدية مصباح، قُدِّمَتْ عشرات المطالب من قبل مواطنين سود تونسيين لتغيير ألقاب ذات دلالة عبودية للمحاكم التونسية. وتبقى قضية حمدان دالي من جزيرة جربة قصة النجاح الوحيدة لتغلّب أسود تونسي على البيروقراطية التونسية المتكلسة من الجانب القضائي في تغيير الألقاب ذات الدلالات المهينة والتي تعود إلى ستينات القرن الماضي التي أرساها الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة. ففي 2020 حكمت المحكمة الابتدائية بمدنين لصالح حمدان عتيق دالي بتغيير لقب عائلته إلى دالي وذلك استنادا إلى القانون 50-2018 المناهض لجميع أنواع التمييز العنصري.

ليست حالة حمدان دالي الوحيدة في تاريخ مطالب تغيير الألقاب ذات الدلالة العبودية للسود التونسيين بل تمّ توثيق حالات قبلها في بداية القرن العشرين والتي ذكرتها مراد دالي في سياق الفترة الاستعمارية وأولها عام 1927 عندما تقدّم السيد بوثلجة بن سعد الرقيق سنة 1925 بمطلب لتغيير اسمه بهدف اجتناب اللُبْس وحتى يضمن توريث اسمه لذريته من بعده. أما الحالة الثانية فتعود لشوشان بن سعد الورداني، الذي تقدم بطلب للسلطات الفرنسية مستغلا تجنيسه كفرنسي ليصبح اسمه الجديد الورداني شوشان[6].

بعد 2011 ، قدّم العشرات من السود التونسيين مطالب للمحاكم التونسية لتغيير ألقابهم ولم يبت في جلّها عدا قضية حمدان دالي ومواطن آخر هو كمال الزايري، الذي مكّنته المحكمة هو الآخر من التخلّص من لقب عتيق. أحد الأسباب لفشل الدعاوى الأخرى هو خلو ألقابهم المراد تغييرها مما يبيّن صفة العبودية أو يحمل أية دلالة عنصرية، على غرار “عتيق”. وهذه مثلا حالة علي الوريمي الذي قدّم طلبه لمحكمة مدنين مشفوعا بقرائن من حجة لهوية جدّه من منطقة جبل نفوسة في الغرب الليبي والتي تدل على لقبه الليبي الأصلي.[7]

 حتمية التبعية: شوشان من المهد إلى اللحد

 يعتبر لقب شوشان لقبا شائعا يحمله السود التونسيون وهو يعني “الأسود الذي ينتمي للجيل الثاني ممن تم عتقهم بعد إلغاء الرق”. ولسخرية الأقدار يوجد الكثير من البيض التونسيين من يحمل لقب شوشان أيضا ولا يعرف إن كان لديهم أصول سوداء أو من عتقاء العبيد السود.

تختلف صفة شوشان في قبلي فهي تعني الأسود وقد تم إفراغها من صفة الدونية وتطلق على الشخص الأسود أو أي شخص من أصول سوداء بما فيهم المختلطين عرقيا أو الشركاويين كما يطلقون عليهم في الجنوب التونسي[8]. بعد إلغاء العبودية رسميا في 1846، وجد العتقاء السود أنفسهم بلا مأوى أو عمل فاضطر من كان منهم في المناطق الريفية في الجنوب التونسي إلى البقاء مع أسيادهم السابقين كـ “وصفان” أي عبيد المنازل. وشيئا فشيئا ظهر نظام عبودية جديد يقوم على ولاء العتقاء السود لأسيادهم السابقين وهي علاقة أفقية فوقية ذات طابع أبوي تجعل من السيد الجديد “الأبيض” الراعي للأسود المحرر حديثا فيعطيه لقبه مع إضافة مصطلح “عتيق” أو “شواشين” ويشير هذا المصطلح الأخير إلى العتقاء الجدد حتى يميزوا أنفسهم عن العبيد. بصفة عامة يبقى الزواج المختلط بين “البيض” والسود، شبه محرم وإن وجدت زيجات فتعتبر حالات شاذّة[9].

تُعَرِّفُ جونوفياف بيدوشا [10] “الشواشين” على أنهم ينتمون إلى الطبقة الاجتماعية التي تتوسط “الأحرار” و”العبيد”. بينما “الوصيف” هو أقل مرتبة من الشوشان ويعني “العبد”. حسب دراستها لمدينة قبلي [11]. حتى ثمانينات القرن العشرين، اشتغل الشوشان تحت أمرة السيد “الحر” كخمّاس وبقي مرتبطا به ارتباطا عضويا وتوارثت عائلة الشوشان ذلك الشغل وأصبحت كلها في خدمة السيد “الحر” [11]. بدأت الأمور تتغير بعد الثمانينات عندما هاجر العديد من السود المحررين إلى فرنسا خاصة أو نزحوا إلى المدن التونسية الكبرى وارتقوا في السلم الاجتماعي مما مكّنهم من شراء الأراضي التي كانوا يعملون فيها كخماسة [12].

 لكن بقي الكثير من الشواشين خماسة لدى الأسياد “الأحرار” في مناطق عديدة في الجنوب التونسي خاصة في جربة وقابس. فتجد عائلات غنية من الجنوب التونسي والتي امتهنت التجارة خاصة تحمل معها شواشينها إلى العاصمة منذ الصبى وتشغّلهم في محلاتها (كالحلويات والمثلجات) حتى الشيخوخة [13]. تعود جذور هذه التبعية الاجتماعية والاقتصادية للكثير من السود التونسيين إلى تاريخ إلغاء العبودية عندما وجد أغلب العتقاء أنفسهم خصوصا في المناطق الحضرية كالعاصمة مشردين بلا مأوى أو شغل في حالة خصاصة شديدة مما انتهى الأمر بالعديد منهم إلى العمل كباعة متجولين ولاعبي آلات موسيقية كالقمبري المستعمل في موسيقى السطمبالي. كما انتهى المطاف بالنسبة لبعض النساء المحررات السوداوات إلى العمل في الدعارة كسبا للقمة العيش بسبب رفض أغلب العائلات التونسية من الطبقة المتوسطة تشغيلهن [9] [14].

لم يمثل إلغاء العبودية الرسمي ثورة اجتماعية في حياة السود التونسيين، بل بقي إجراء شكليا ذا صبغة قانونية تم اختزاله في مجرد وثيقة رسمية في أرشيف الدولة التونسية وبقي السود التونسيين في أسفل السلم الاجتماعي. لقد مثلت ثورة 2010-2011 بداية لانتشار الوعي لدى شريحة كبرى من السود التونسيين سواء الذين كانوا من أصول مستعبدة أو سكان أصليين من السود (خصوصا من منطقة الجنوب الغربي [15] في واحة نفزاوة التاريخية ومجتمعها الهجين عرقيا الذي يضم مجموعات سكانية من أصول عربية وسوداء تونسية أصلية خاصة) أو مهاجرين من ليبيا بضرورة تغيير واقع التهميش الممنهج على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. ويبقى السؤال عن دور العدالة الانتقالية في تونس بعد الثورة في إنصاف ضحايا التمييز العنصري والتغييب من السردية الرسمية ومحاولات البعض منهم التخلص من رواسب العبودية التي بقيت ملتصقة بهم من خلال ألقاب أسيادهم السابقين أو مشغليهم في بلد لا تزال قوانينه غير متسقة مع تغيير العقليات، وعدم تصالحه مع التاريخ المتشابك بتفاصيله المعقدة بخصوص قدوم السود إلى تونس. فسرديّة الاستعباد والاسترقاق للعبيد من بلاد السودان التاريخية طغت على السردية الشفوية وقبرت المستندات والوثائق الرسمية من الأرشيف التونسي والفرنسي والعثماني عن الأصول المختلفة للسود التونسيين خصوصا في القرنين التاسع عشر والعشرين.

نشر هذا المقال ضمن الملف الخاص في العدد 27 من مجلة المفكرة القانونية – تونس

للاطلاع على العدد كاملا، إضغطوا هنا


[1] Olpak, Mustafa (2006), Biographie d’une famille d’esclave: Kenya, Crète, Istanbul; Paris: Librairie Özgül.

[2] Mosbah, Affet,  “Être noir en Tunisie”, Jeune Afrique, 12 July 2004.

[3] Mrad-Dali, Inès (2009), Identités multiples et multitudes d’histoires : les « Noirs tunisiens » de 1846 à aujourd’hui, Thèse de doctorat en Anthropologie sociale et ethnologie, EHESS Paris, Sous la direction de Jocelyne Dakhlia.
[4] Mrad-Dali, Inès (2020), Migration and the construction of minority identities in Tunisia from the end of the nineteenth century: The case of black Tunisians of ‘Tripolitanian’ origin, Civilisations; Revue internationale d’anthropologie et de sciences humaines, 68-2019. December 1, 2019.

[5] أحفاد العتقاء في تونس” : من العبودية إلى الولاء، فرانس 24، 28 ماي 2019.

[6] Mrad-Dali, Inès (2021), “Les noirs tunisiens ont ils droit à leur propre histoire?”, September 22, 2021, Heinrich, Böll Stiftung, Tunisia.

[7] حوار الوريمي مع كاتبة المقال في أفريل 2017

[8] مها عبد الحميد، آمال الفرجي ومطاع أمين الواعر (2017) “العنصرية بين المأتى والمجتمع واللون: تقارير حول تمثلات العنصرية لدى المتساكنين السود في تونس”؛ تونس: نرفانا.

[9] مارتا سكاليوني (2019)، التحرر بالغناء والموسيقى: إرث ذوي البشرة السوداء المر في تونس؛ موقع ” قنطرة” ، ترجمة: يسرى مرعي؛ 23 يناير.

[10] Bédoucha, Geneviève, (1984), “Un noir destin: travail, status, rapports de dépendance dans une oasis du sud tunisien”, in Cartier, M., ed., Le Travail et ses representations, éditions des archives contemporaines, pp. 77-122.

[11] Bédoucha, Geneviève (1987), L’eau, l’amie du Puissant. Une communauté oasienne du Sud-Tunisien, Gordon and Breach Science Publishers.

[12] Botte, Roger (2010), Esclavages et abolitions en terres d’islam: Tunisie, Arabie Saoudite, Maroc, Mauritanie, Soudan, Brussels: André Versaille.

[13] حوار مع باحثة تونسية في العلوم السياسية، جويلية 2023

[14] Largueche, Dalenda, et Largueche, Abdelhamid, “Marginales En Terre d’Islam”, (Tunis: Ceres Productions, 1992), 29–33,

[15] Jankowsky, Richard C. (2010) “Stambeli: Music, Trance, and Alterity in Tunisia” (Chicago: University of Chicago Press.

انشر المقال

متوفر من خلال:

الحق في الحياة ، لجوء وهجرة واتجار بالبشر ، مقالات ، تونس ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، مجلة تونس



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني