ترحيل المعارضين البحريين انتهاك صارخ لاتفاقية مناهضة التعذيب


2021-12-20    |   

ترحيل المعارضين البحريين انتهاك صارخ لاتفاقية مناهضة التعذيب

في الوقت الذي يعتبر فيه لبنان طرفا في اتفاقية مناهضة التعذيب، قرّرت وزارة الداخلية ترحيل معارضين بحرنيين في خطوة تنتهك مبدأ عدم الإعادة القسرية، وتنطلق من استياء عبّرت عنه دولة البحرين على خلفيّة عقد جمعية “الوفاق الوطني الإسلامية” المعارضة للنظام البحريني مؤتمرا في بيروت يوم السبت الماضي.

وبينما ينقسم اللبنانيون بين معارض ومؤيد لهذه الخطوة انطلاقا من خلفيات سياسية، يعتبر قرار الترحيل الذي طلبت وزارة الداخلية من الأمن العام تنفيذه انتهاكا صارخا لاتفاقية مناهضة التعذيب التي عطّلت صلاحية أي جهاز أمني بالترحيل ولاسيّما أنّ ترحيل هؤلاء المعارضين يعني تعريضهم لمخاطر تصل إلى حد الموت 

استياء بحريني وكتاب إلى الأمن العام 

وكان وزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي وجّهة يوم الأربعاء 15 كانون الثاني كتابا إلى المديرية العامة للأمن العام طالبا اتخاذ كل الإجراءات والتدابير الآيلة إلى ترحيل أعضاء جمعية الوفاق البحرينية من غير اللبنانيين إلى خارج لبنان “وذلك نظرا لما سببه انعقاد المؤتمر الصحافي الذي عقدته الجمعية من إساءة إلى علاقة لبنان بمملكة البحرين ومن ضرر بمصالح الدولة اللبنانية” كما ورد في البيان.

وجاء كتاب وزير الداخلية والبلديات بعد يومين من استنكار وزارة الخارجية البحرينية استضافة بيروت المؤتمر الصحافي الذي وصفته الخارجية البحرينية بمؤتمر “لعناصر معادية ومصنفة بدعم ورعاية الإرهاب، لغرض بث وترويج مزاعم وإدعاءات مسيئة ومغرضة ضد مملكة البحرين”.

وأعلنت وزارة الخارجية البحرينية في بيان لها أنه “تم تقديم احتجاج شديد اللهجة، إلى الحكومة اللبنانية، بشأن هذه الاستضافة غير المقبولة إطلاقًا، والتي تعد انتهاكًا صارخًا لمبادئ احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، بما يخالف المواثيق الدولية وميثاق جامعة الدول العربية” موضحة أنّه تم إرسال مذكرة احتجاج رسمية إلى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بهذا الخصوص، تتضمن استنكار مملكة البحرين لهذه الخطوة غير الودية من الجانب اللبناني”.

ودعت وزارة الخارجية الحكومة اللبنانية إلى ضرورة منع مثل هذه الممارسات المستهجنة التي تستهدف الإساءة إلى مملكة البحرين، وتتنافى مع أبسط الأعراف الدبلوماسية ولا تنسجم مع العلاقات الأخوية التي تربط بين الشعبين الشقيقين.

واستنادا إلى كتاب الخارجية البحرينية وجّه رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، عبر وزارة العدل، كتابا الى النيابة العامة التمييزية لاجراء التحقيقات الفورية وإتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن عقد المؤتمر الصحافي.

وجاء في نص الكتاب “في ضوء كتاب وزارة الخارجية في مملكة البحرين المتضمن إحتجاجا رسميا على عقد مؤتمر صحافي في بيروت تضمن إساءات إلى المملكة، وإنطلاقا من حرص لبنان على علاقاته الخارجية لا سيما مع الدول العربية الشقيقة، وبشكل خاص مع دول مجلس التعاون الخليجي، ومنع أي تطاول أو تعرض أو تعكير لصفو هذه العلاقات، ووجوب إتخاذ المقتضى تجاه كل تصرف أو عمل يسيء إليها بأي شكل من الأشكال، وإستنادا إلى نصوص قانون العقوبات لا سيما الكتاب الثاني، الباب الأول، النبذة الرابعة (المادة /288/ وما يليها منه) المتعلقة بالجرائم الماسة بالقانون الدولي، نطلب إليكم إجراء التحقيقات الفورية بالخصوص المعروض وإتخاذ الإجراءات المناسبة وفق القوانين المرعية الإجراء”.

وتنص المادة 288  بأنّه يعاقب بالاعتقال الموقت، من خرق التدابير التي اتخذتها الدولة للمحافظة على حيادها في الحرب، ومن أقدم على أعمال أو كتابات أو خطب لم تجزها الحكومة فعرض لبنان لخطر أعمال عدائية  أو عكس صلاته بدولة أجنبية او عرض اللبنانيين لاعمال ثأرية تقع عليهم أو على أموالهم.

انتهاكا لمبدأ عدم الإعادة القسرية

اعتبرت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان أنّ إدراك الحكومة اللبنانية المحتمل لنقل أعضاء الجمعية قسراً إلى مملكة البحرين، أو قبولها الضمني به، إنما يشكل انتهاكاً جسيماً لمبدأ عدم الإعادة القسرية وأنّ “اتفاقية مناهضة التعذيب، والتي يعد لبنان طرفاً فيها، تحظر صراحةً تسليم الأفراد إلى دول يوجد فيها أسباب جوهرية بأنهم قد يواجهون خطر التعرض للتعذيب”  داعية الحكومة اللبنانية إلى الامتثال الكامل لمندرجات هذه الاتفاقية وبروتوكولها الاختياري.

وفي الإطار يشير مصدر في الهيئة إلى أنّ اتفاقية مناهضة التعذيب عطّلت أي صلاحية استنسابية أعطاها القانون لأي جهاز أمني ومن بيه طبعا الأمن العام بترحيل أي شخص عملا بمبدأ الإعادة القسريّة.

ويلفت المصدر في حديث مع “المفكرة” إلى أنّ ترحيل المعارضين البحريين يترتّب عليه التزامات قانونيّة وأخرى تتعلّق بصورته في الالتزام بالاتفاقيات الدولية كما أنّه حصل ويحصل على مساعدات مشروطة للأجهزة الأمنية لإنفاذ القانون وفي حال نخالفته قد يخسر هذه المساعدات.

حياة المعارضين في خطر 

يعتبر رئيس منتدى البحرين لحقوق الإنسان باقر درويش أنّ ترحيل المعارضين البحرينيين من لبنان يعني حتما تعريض حياتهم للخطر، فالمعارضون السياسيون الذين سبقوا وسلّموا إلى البحرين تحولوا جميعهم إلى ضحايا تعذيب وسوء معاملة ولم يخضع أحد منهم لمحاكمة عادلة. ويذكّر درويش في حديث مع “المفكرة القانونية” وعلى سبيل المثال لا الحصر، بالمعارض محمد سهوان الذي سلمته إحدى الدول الخليجية إلى البحرين ليتعرض بعد تسليمه إلى إجراءات تعسفية في القضاء وداخل السجن إلى أن توفي بعد حرمانه من العلاج، ولاسيّما أنّه كان يعاني من تداعيات صحية ترتبط بإصابته في إحدى التظاهرات بنحو 80 شظية من سلاح الخرطوش المعروف بـ “شوزن”.

وانطلاقا من هذا الواقع يؤكد درويش أنّ المنتدى ومنذ اللحظة الأولى للحديث عن ترحيل المعارضين يتواصل مع المؤسسات الحقوقية الدولية مضيفا أنّ هذه المؤسسات تتابع عن كثب كافة الإجراءات التي لجأت إليها السلطات اللبنانية بضغط من السلطات البحرينية، وأنّ هناك اهتماما واضحا من قبل المنظمات التابعة للأمم المتحدة بهذه القضية ولاسيّما أنّ تسليم ناشطين ولاجئين تعترف الأمم المتحدة بأنهم ضحايا للانتقام السياسي ومطاردين، هي مسألة مخالفة للاتفاقيات الدولية ولا يمكن أن تقبل بها أجهزة الأمم المتحدة المعنية ومنها على سبيل المثال المفوضية السامية لحقوق الإنسان ومفوضية اللاجئين.

ويلفت درويش إلى أنّ من المعارضين البحرينيين المطألوب ترحيلهم أشخاصا يقيمون في لبنان منذ العام 2011 ومنهم من أتى بعد ذلك ومنهم من وصل مؤخرا خصيصا لحضور المؤتمر مشيرا إلى أنّ منهم من يحمل صفة لاجئ في بلد أوروبي ومنهم من يقيم بطريقة شرعية في لبنان.  

ويشير درويش إلى الواقع الذي يعيشه المعارضون داخل البحرين مشيرا إلى  أنّ أكثر من 1500 معارض سياسي يقبعون حاليا في السجون البحرينية في ظروف صعبة جدا، وأنّه منذ العام 2011 حتى اليوم تمّ توثيق أكثر من 20 ألف حالة اعتقال تعسفي موضحا أنّ العمل السياسي والحقوقي ممنوع في البحرين وأنّه  منذ العام 2016 وجهاز الأمن الوطني يعمل على كتم أنفاس المجتمع المدني من خلال تجريم التواصل الديبلوماسي للناشطين في الداخل وعبر حملات الترهيب والابتزاز والاعتقال وحلّ المؤسسات المعارضة منها جمعية “الوفاق” التي تم حلها في العام 2016 بعد اعتقال أمينها العام.  

 ويضيف درويش أنّ المعارضين في البحرين يتعرضون لانتهاكات متنوعة منها التعذيب والاختفاء القسري والمحاكمات غير العادلة بما فيها استخدام القضاء العسكري والاحتجاز التعسفي واحتكار الاعلام واضطهاد سياسي وطائفي على اساس العرق والدين وكلّ ذلك في وقت يمنع فيه المقررون الأمميون الخاصون بالتعذيب من زيارة البحرين رغم محاولتهم مرات عدة.

انشر المقال

متوفر من خلال:

حريات ، مساواة ، منظمات دولية ، اختفاء قسري ، حرية التعبير ، لجوء وهجرة واتجار بالبشر ، لبنان ، مقالات ، بلدان عربية أخرى



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني