تراجع عن مبدأ التنظيم الذاتي للصحافة في المغرب؟جدل حول اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون الصحافة


2023-07-26    |   

تراجع عن مبدأ التنظيم الذاتي للصحافة في المغرب؟جدل حول اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون الصحافة
رسم عثمان سلمي

مع قرب تصديق البرلمان المغربي، بشكل نهائي، على مقتضى قانوني يُجيز للحكومة تعيين لجنة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة. عوض المجلس المنتخب. يتزايد الجدل بشأن هذه الخطوة بين من يرى فيها “سطواً” على حرية التعبير والتنظيم الذاتي للقطاع. ومن يعتبرها وسيلة تسدّ الفراغ الذي يعرفه تدبير المجلس في أفق تعديل القانون المنظم للمهنة.

الجدل، انطلق العام الماضي، مع انتهاء ولاية المجلس الوطني للصحافة من دون تنظيم انتخابات لتجديد أعضائه، ما دفع الحكومة إلى إصدار مرسوم يُمدد ولاية المجلس الحالي، عاماً آخر، إلى غاية أكتوبر القادم. قبل أن يتفاقم الجدل مع تصديق الحكومة، هذه المرة، على مشروع قانون يقضي باعتماد لجنة مؤقتة لتسيير شؤون القطاع، ومُضي البرلمان قدماً في اعتماده.

مجلس للتدبير الذاتي انطلاقا من دستور 2011 

يُذكر أن المجلس الوطني للصحافة، هي مؤسسة مُنتخبة، تُدبر شؤون قطاع الصحافة الوطنية في المغرب وهو يستمدّ شرعيته من دستور 2011 الذي شدد على ضمان حرية الصحافة وعدم تقييدها بأيّ شكل من أشكال الرقابة القبلية. ناهيك عن كونه مُنبثقا عن انتخابات بين المهنيين، سواء صحافيين أو ناشرين وأرباب المؤسسات الصحفية المهنية. ويُناط بالمجلس، وفقاً للقانون 19.13 المنظم للمجلس الوطني للصحافة، تنظيم المهنة، والحرص على احترام أخلاقياتها، مع منحه السلطة التأديبية في حالة تجاوز القانون، وتمكينه من حل النزاعات والخلافات المهنية المحالة عليه، إلى جانب منحه الصفة الاستشارية بشأن القوانين المتعلقة بقطاع الصحافة. وكان القانون وضع أن ثُلثي أعضاء المجلس الواحد والعشرين، هُم أشخاص منتخبون من طرف الصحفيين، وهم ينتخبون مناصفة من قبل الصحفيين المهنيين وناشري الصحف أي أرباب المؤسسات الإعلامية. أما الأعضاء الآخرون (وهم 7) فيعينون من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية والمجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية وجمعية هيئات المحامين بالمغرب واتّحاد كتاب المغرب فضلا عن ناشر سابق تعينه هيئة الناشرين الأكثر تمثيلية، وصحافي شرفي تعينه نقابة الصحافيين الأكثر تمثيلية.

ويتكون المجلس من خمسة لجان، وهي لجنة أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية، والتي تسهر على احترام ميثاق أخلاقيات المهنة الذي يضعه المجلس، بالإضافة إلى مدى تطبيق قانون الصحافة والنشر رقم 88.13 وقانون الصحفيين المهنيين رقم 89.13. ولجنة بطاقة الصحافة، التي تختصّ في منح البطائق المهنية للصحفيين، أو تجديدها، والحرص على ملاءمتها للشروط المنصوص عليها في القانونين السالفين.

أما لجنة التكوين والدراسات والتعاون فمهمّتها تتمثل في إعداد مختلف التقارير والدراسات الموضوعاتية ذات الصلة في قطاع الصحافة، وبتهيئة الآراء الاستشارية التي تطلب من المجلس، كما تتولى مهام برامج التكوين الموجهة للصحفيين.

رابع لجان المجلس، تختصّ في التحكيم وحلّ النزاعات، خاصة نزاعات الشغل التي تنشأ بين الصحفيين والمؤسسات المُشتغلين ضمنها، الخاضعين لاختصاصات المجلس.

أما اللجنة الأخيرة، فتختصّ في تأهيل المنشأة الصحفية، وتأهيل القطاع على جميع المستويات القانوني منها والاقتصادي والإداري وأيضاً المالي والمهني. ودراسة سبل تجاوز الإكراهات والتحديات التي يواجهها القطاع بشكل عام، والمقاولات الصحفية بشكل أخص، بما يدعم ويطور الوضع المهني والمادي للصحفيين.

استبدال الانتخاب بالتمديد والتعيين 

بداية الجدل، كانت مع قرب انتهاء المجلس الوطني الحالي، إذ بدأ الترقب يسود في الأوساط الإعلامية، بشأن تنظيم الانتخابات المهنية، التي ستُفرز هياكل جديدة تقود المرحلة المقبلة من تدبير هذه المؤسسة المهنية. ليكون النقاش في البداية عن الجهة التي من شأنها الدعوة لهذه الانتخابات، المجلس أو القطاع الحكومي المكلف بالاتصال. لينبثق نقاش ثانٍ حول ضرورة تعديل القانون المنظم للمجلس وانتخاباته، وتجاوز النقائص الموجودة فيه.

إلا أن هذا الجدل سيحتدم، في سبتمبر من العام الماضي، حينما تدخلت الحكومة وأصدرت مرسوماً بمثابة قانون يقضي بتمديد ولاية المجلس الحالي مدة ستة أشهر، بحجّة ضمان حسن سير القطاع، خاصّة فيما يتعلق بمنح البطائق المهنية للصحفيين، والسهر على التقيد بميثاق أخلاقيات المهنة والأنظمة المتعلقة بمزاولتها.

ستة أشهر بعد هذا القرار الحكومي، لم تُنظم الانتخابات المهنية، بل زادت الحكومة من مستويات الجدل بمُصادقتها في أحد مجالسها على مشروع قانون تُعين بموجبه ولا تنتخب، هيئة مؤقتة لتدبير شؤون قطاع الصحافة، مدة انتدابها عامان كاملان منذ تعيين أعضائها، ما لم يتم إجراء انتخابات جديدة للمجلس في هذه الفترة.

هذا الإجراء القانوني، وإن وجد صدى إيجابياً لدى بعض الهيئات المهنية، إلا أنه وجد انتقادات لاذعة في صفوف أخرى، وهي الانتقادات التي تجاوزت الصحافيين لتصل إلى أحزاب ومنظمات حقوقية. إلا أن مُعارضي هذا المقتضى القانوني، لم ينجحوا في توقيف مسطرة المُصادقة البرلمانية عليه، أو على الأقل فرض تعديلات تحقق مكاسب لصالح موقفهم، إذ تمت المُصادقة على المشروع من طرف مجلس النواب، الغرفة الأولى للبرلمان المغربي، ثم صادق عليه مجلس النواب، الغرفة الثانية من البرلمان المغربي، على الرغم من معارضة النقابات العمالية المُمثلة في المجلس. ليُحال من جديد على الغرفة الأولى، التي يُتوقع أن تعتمده خلال افتتاح السنة التشريعية القادمة، ثم يُصبح نافذاً بعد نشره في الجريدة الرسمية.

وقد برّرت الحكومة في شخص وزيرها المُكلف بقطاع التواصل المهدي بنسعيد، تمديد مدة انتداب أعضاء المجلس، ومعه أيضاً اعتمادها مشروع قانون اللجنة المؤقتة المثير للجدل، برغبتها في تجاوز حالة “الفراغ القانوني” الذي يعاني منه المجلس الوطني للصحافة، والذي نتج عنه، بحسب الوزير، تأخر في إجراء الانتخابات المهنية المُجددة لهياكله.

بالنسبة للحكومة، التحدي اليوم، هو مواجهة هذا الفراغ وعدم توقيف مصالح القطاع والصحفيين أيضاً، خاصة على مستوى البطائق المهنية ومختلف ما يختص به المجلس من شؤونهم. وذلك في مقابل قيام اللجنة المؤقتة باستقبال مقترحات وتصورات التعديلات بشأن المجلس من طرف المهنيين ومنظماتهم، ليتم في إطار هذه اللجنة، مناقشة تعديلات القانون على المستوى الداخلي للمجلس بكُلّ “استقلالية”. في حين سيقتصر دور الحكومة على مواكبة هذه العملية، والحرص على إنهاء هذا النقاش قبل انقضاء مدة سنتين ليتمكن بعد ذلك المجلس الوطني من أداء مهامه بشكل طبيعي، بعد تنظيم الانتخابات في ظلّ القانون الجديد.

بين رافض منتقد ومُؤيد مُرحب..

لا يوجد إجماع بين الصحفيين بشأن الموقف الحكومي. إذ انقسم القطاع بين من يدعم الموقف الحكومي، بل ويُدافع عنه. مُقابل تيار آخر رفض الإجراءات الحكومية منذ تمديد مدة انتداب المجلس وصولاً إلى إصدار مشروع قانون اللجنة المؤقتة، واصفاً ذلك بالإجراء “غير الدستوري” و”التراجع الخطير” عن حرية الصحافة واستقلالها في البلاد.

بالمقابل، رحّبت الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين، التي تضم عدداً من ناشري الصُحف المغربية، سواء ورقية أو إلكترونية، بالخُطوة الحكومية ودافعت عنها، على غرار النقابة الوطنية للصحافة المغربية، وهيئات أخرى. وقد وصفت الجمعية مُنتقدي هذا القانون بـ”الراغبين بفرملة مشروع إصلاح القطاع”. موضحة في بيان سابق أن حملات مُعارضة هذا القانون قد بلغت “مستوى من السعار”. فيما وصفت الأصوات المُعارضة لهذا “الإصلاح” بـ”النشاز”. واعتبر ادريس شحتـان، رئيس الجمعية أن “تشكيل لجنة مؤقتة في هذا الوقت بالتحديد، هو “ضمان للسير العادي لقطاعي الصحافة والنشر”، في أفق “إيجاد حل للإشكالات التي يعرفها المجلس الوطني للصحافة على مستوى انتخابات هياكله”. وأكد لـ”المفكرة القانونية” أن الحكومة الماضية لم تمنح للمجلس الهامش الكافي للتحرك أكثر من أجل إنقاذ المشهد الإعلامي المغربي، وبالتالي فالخطوة التي أقدمت عليها الحكومة الحالية، بالنسبة إليه هي “تدارك للوضع السابق”.

في المقابل، توجه فيدرالية الناشرين، ومعها أحزاب وهيئات أخرى، انتقادات شديدة اللهجة للخطوة الحكومية، فهي في وجهة نظرهم “ضرب لاستقلالية الصحافة في البلاد”، ومعها “الديمقراطية داخل الهيئات المهنية”. عضو المكتب التنفيذي للفيدرالية المغربية لناشري الصحف، محمد لغروس، اعتبر أن اعتماد اللجنة المؤقتة، هو بمثابة “وأد” لتجربة فتية في التنظيم الذاتي لمهنة الصحافة، مشدداً على أن “الجريمة تطورت لدرجة التمثيل بالجثة”. وقد انتقد الخُطوة الحكومية، مؤكدا لـ”المفكرة القانونية” أن الأصل بالنقاش هو سبل الارتقاء بالممارسة الصحفية في البلاد، والنهوض بالأوضاع الاجتماعية للصحفيين.

انشر المقال

متوفر من خلال:

حريات ، مؤسسات إعلامية ، تشريعات وقوانين ، حرية التعبير ، مقالات ، المغرب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني