تدخل بالنواب والسلاح في القضاء

تدخل بالنواب والسلاح في القضاء

باشر المرصد المدني لاستقلال القضاء وشفافيته في لبنان (المنشأ بمبادرة من المفكرة القانونية) في أيار 2014 تحرير تقرير فصلي دوريّ للاضاءة على أبرز المستجدات القضائية. وقد نظمت تقاريره من زوايا عدة: زاوية التنظيم القضائي، وزاوية الأعمال القضائية، فضلا عن مبادرات التقاضي الاستراتيجي أي اللجوء الى القضاء لتحقيق غاية حقوقية استراتيجية معينة (تكريس قاعدة معينة أو وقف ممارسة مخالفة للقانون أو لحق أساسي..). وتنشر المفكرة القانونية تباعا خمسة من هذه التقارير تشمل الفترة الممتدة من شباط 2014 حتى تموز 2015.وهذا التقرير يشكل التقرير الرابع للمرصد وهو يشمل الفترة الممتدة من 1-11-2014 حتى 28-2-2015.

وهو ينقسم الى أقسام ثلاثة، الأول نتناول فيه الاجراءات المتصلة بتنظيم القضاء والثاني نتناول فيه الأعمال القضائية قبلما نتناول الحراك داخل القضاء أو حوله أو من خلاله في قسم ثالث.
 
القسم الأول: تنظيم القضاء:

في هذا المجال، نجد عددا من الأمور، أهمها تتعلّق بمجالس العمل التحكيمية.
  
أولا: مرسومان لاستحداث غرف اضافية لمجالس العمل التحكيمية ورفع تعويضات رؤسائها وأعضائها:

بدأ العمل على مشروع زيادة عدد الغرف في مجالس العمل التحكيمية في العام 2010 في عهد وزير العمل بطرس حرب الذي قدّم الى مجلس الوزراء مشروع تعديل قانون العمل. وعلى خلفية تزايد أعداد الدعاوى الهائلة العلقة أمام المجالس العمل التحكيمية، أصدر مجلس الوزراء اللبناني بتاريخ 2-10-2014، المرسوم رقم729، القاضي باستحداث غرف فيها. وفي مقابلةأجراها المرصد مع مدير عام وزارة العمل يوسف نعوس، تم إيضاحالأسباب الكامنة وراءإصدار هذا المرسوم، والآليات التي ينبغي تنفيذها من أجل تطبيقه.
 
وبتاريخ 4 شباط 2015، صدر المرسوم رقم 1514 برفع تعويض رؤساء وأعضاء مجالس العمل التحكيمية ومفوضي الحكومة لديها من ثمانين ألف الى مئة ألف ليرة لبنانية عن كل جلسة علنيّة، على ألا يزيد عدد الجلسات المدفوعة عن خمس جلسات شهريا. وقد علّقالمرصد على هذا المرسوم.
 
القسم الثاني: الأحكام والقرارات القضائية

من أهم الأحكام القضائية الصادرة في هذه الفترة، الأحكام الآتية:
 
أولا، أوّل الاحكام تطبيقا لقانون الاتجار بالبشر:

بتاريخ 27 تشرين الثاني 2014، أصدرت محكمة جنايات بيروت حكما غيابيا بحق ثلاثة أشخاص من التابعية السورية بممارسة الاتجار بالبشر من خلال دفع أبنائهم الى التسوّل.

أما الأطفال الأربعة، فقد تم تسليمهم عملا باشارة النيابة العامة الى مركز جنح الأحداث في الكحالة ولم يتضمن الحكم أي معلومة بشأن مصيرهم فيما بعد.

وقد كان المرصد سباّقا فيالتعليق على هذا الحكم، منتقدا إياه من زوايا عدة. فلحظ أن المحكمة تعاملت مع الأفعال المحالة اليها وكأنها لا تحتمل إلا وصفا واحدا هو وصف الاتجار بالبشر. وهي بذلك، استبعدت ضمنا من دون أي تعليل امكانية اضفاء وصف مختلف عليه، وأقْصَت في الوقت نفسه من حيثياتها الأبعاد الاجتماعية لمباشرة تطبيق قانون الاتجار بالبشر وانعكاساته على المنظومة القانونية وخصوصا العقابية منها. وختمت المقال بطرح عدد من التساؤلات عن معنى استهداف قانون الاتجار بالبشر في تطبيقاته الأولى لأشخاص تتوفر فيهم عناصر التهميش من تابعية سورية وفقر وبطالة وتهجير. وأعربت عن خشية اساسية وهو أن تؤدي توجهات العمل القضائي الى تجريد قانون تجريم الاتجار بالبشر من أهدافه الأساسية، فيتحول الى أداة جديدة لمكافحة أشكال المقاومة التي قد يعتمدها البؤساء ضد نظام يهمشهم بدل أن يكون أداة جديدة تعزز حظوظ نجاحهم في مقاوماتهم تلك، بهدف التحرر من قيود الاستغلال.
 
ثانيا، حكم قضائي يقر حق عاملة منزلية بأجورها بعد 16 سنة من بدء عملها في لبنان:

صدر بتاريخ3 كانون اول 2014، حكم عن المجلس العمل التحكيمي في طرابلس برئاسة القاضي منير سليمان، ألزم صاحبة العمل بتسديد أجور مستحقة عن ثلاث سنوات عمل عائدة للعاملة في الخدمة المنزلية (المدعية)، بالإضافة الى تعويض شهر إنذار. وقد استند المجلس لهذه الغاية الى المادة 656 من قانون الموجبات والعقود، تبعاً لاستثناءعاملات المنازل من قانون العمل. أظهر المرصد من خلال التعليقعلى الحكم جوانب عدة، أبرزها الآتية:

1-  أنه يشكل إثباتاً جديداً على خطورة المخالفات المرتكبة بحق عاملات منزليات.
2-  أنه يكشف عن محدودية الحماية القضائية والقانونية للعاملة
3-  أنه يكشف عن دور سلبي لمفوض الحكومة ووزارة العمل في ضمان حقوق الأجراء
 
ثالثا: مجلس العمل التحكيمي يبت بقضية صرف تعسفي خلال مدة قصيرة:

أصدر مجلس العمل التحكيميفي بيروت حكما في 22 تموز 2014، وألزم فيه الشركة المدعى عليها بالتعويض عن صرف المدعي تعسفيّا من العمل من دون ارتكابه أي خطأ. وقد تفرّد المرصد بالتعليقعلى هذا الحكم.

وقد سلّطت المفكرة الضوء على ميزتين لهذا الحكم، الاولى، انه صدربصورة العجلة خلال مهلة لم تتخطّ الشهرين. أما الثانية فهي تتمثل في طبيعة النزاع عينه، عامل نقابي صُرف من العمل بسبب نشاطه المطلبي بوجه تمنّع الشركة التي يعمل لمصلحتها عن دفع رواتب مستحقة عن خمسة أشهر عمل.

كما اثبت المقال إمكانية مجلس العمل التحكيمي على تكريس حقوق العمال على وجه السرعة، ولا شك في أن المرسوم الصادر في تشرين الثاني 2014 بزيادة عدد غرف المجلس سوف يؤثر إيجابياً في تقصير مدة الدعاوى.
 
رابعا: التعليق على قرارمحكمة المطبوعات: قضية جان عاصي، الشتم تعبيرا عن الغضب

علق المرصد على حكم محكمة المطبوعات الصادر في بيروت بتاريخ 12 شباط 2014، بحق جان عاصي، القاضي بالحبس شهرين، وبسرعة قياسية بتهمة "التعرض لشخص رئيس الدولة والمس بكرامته". وقد استعرض المرصد وقائع القضية في مقال، مشددا على عدة نقاط أهمهاأن محكمة المطبوعات أعادت العمل بعقوبة الحبس بعدما كانت استبعدتها سابقا إلا في حالات المحاكمة الغيابية وبعض الحالات النادرة جداً.
 
القسم الثالث: حراك للقضاة، حراك حول القضاء ومن خلاله
 
في هذا المجال، سجل المرصد حدثا بالغ الأهمية:

–       تدخّل نائبان في العمل القضائي في طرابلس

بتاريخ 17-11-2014، كان قصر العدل في طرابلس على موعد مع استقواء غير اعتيادي لشخص ادُّعي عليه بالقتل العمد على القضاء. واللافت أن أداة الاستقواء المستخدمة لم تقتصر على ممارسة نفوذ واقعي معين (سلاح ومرافقون)، بل تمثلت أيضاً في استحضار نائبين لبنانيين لم يجدا حرجاً في مواكبة المدعى عليه ومرافقيه الى غرفة قاضي التحقيق الناظر في قضية القتل. وثق المرصد المدني لاستقلالية القضاء وشفافيته هذا التدخل، مطالبا باتخاذ التدابير المناسبة لردع أعمال مشابهة مستقبلاً. وقد رأى المرصد أن الحادثة ترشح عن مسّ خطير بحقوق كل شخص في لبنان بالتقاضي أمام محكمة حيادية ومستقلة وبالتمتع بمحاكمة عادلة، كما ترشح عن مس خطير باستقلالية المحامي والقاضي على حد سواء. وهيكلها حقوق وقيم مصانة في الدستور والمواثيق الدولية التي تشكل جزءاً لا يتجزأ منه.

وانطلاقاً من ذلك، يكون معنياً بهذه الحادثة كل مواطن قد يحتاج يوماً الى سلوك طريق العدالة لإحقاق حق أو الدفاع عنه، وكل محام أو قاض حريص على ممارسة دوره باستقلالية. واضافت المفكرة، أن خرق مبدأ استقلالية القضاء لم يحصل في هذه الحالة خلسةً أو بالخفاء كما درجت العادة عليه في لبنان، بل جاء سافراً جلياً في وضح النهار. بل أن أحد المتورطين الأساسيين فيه، وهو نائب، لم يجد حرجاً في الإقرار به والتعليق عليه علناً وعلى محطة تلفزيونية، منوّهاً أن ما فعله هو واجب تجاه صديق، وهو أقل ما يمكن أن يفعله تجاه من يخدم الآخرين. و تساءلت عن امكانية أن يكون هناك جهل تام من قبل هذا النائب والمتورطين معه في هذه الحادثة لمكانة استقلالية القضاء وأهميته وموضعه المركزي في نظام ديمقراطي، أو أن هذا التصرّف أتى عن سابق علم وإدراك، وتكون إذاً هنالك نيّة جليّة ليس باستعطاف القضاء أو التدخّل بأعماله أو الضغط عليه، بل في إخضاعه لقوى الأمر الواقع. وما يزيد الأمر خطورة، هو لزوم جميع السلطات المسؤولة عن حماية استقلالية القضاء وحقّ التقاضي، وفي مقدمتها مجلس القضاء الأعلى ونقابتا المحامين في طرابلس وبيروت، ومن بعدهم وزارة العدل، صمتاً مطبقاً وكأن شيئاً لم يحصل. فقد مرّ أكثر من شهرين دون أن يصدر عن أي منهم أي موقف أو بادرة ولو من باب رفع العتب أو الصوت. فكأنّ ثمة تطبيعاً للتدخل في القضاء، مهما بات خطيراً وسافراً.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، محاكمة عادلة وتعذيب ، لجوء وهجرة واتجار بالبشر ، لبنان ، حريات عامة والوصول الى المعلومات ، حقوق العمال والنقابات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني