تحرّكات غاضبة للمحامين التونسيين بعد تعنيف زميلتهم في مركز أمن


2020-08-14    |   

تحرّكات غاضبة للمحامين التونسيين بعد تعنيف زميلتهم في مركز أمن
الصورة منقولة عن صفحة الهيئة الوطنية للمحامين على فيسبوك

وقفة احتجاجية بالعباءة السوداء أمام المحكمة الابتدائية بتونس يوم 11 أوت 2020، مقاطعة الحضور أمام باحث البداية والضابطة العدلية، دعوات لمساءلة وزير الداخلية بالبرلمان، بيانات شديدة اللهجة منددة بواقعة العنف من جميع الأطراف المتداخلة، وضغط ميداني وإعلامي. هكذا عبر المحامون عن احتجاجهم ورفضهم لواقعة الاعتداء الجسدي الذي طال المحامية نسرين قرناح يوم 4 أوت 2020 من قبل رئيس مركز الأمن بالمروج الخامس بمحافظة بن عروس. اعتداء أثار موجة من واسعة من ردود الأفعال ولم يقتصر على دوائر المحاماة فحسب. كما أنه سلّط الضوء على الاعتداءات المتكررة التي تطال المحامين من قبل أعوان الأمن، والتي تمتد لعقود ولم تتوقف حتّى بعد 14 جانفي 2011.

 

الإعتداء على المحامية نسرين قرناح؛ القطرة التي أفاضت الكأس

ليس التعنيف الذي طال المحامية نسرين قرناح الأول من نوعه، إلاّ أنه القطرة التي أفاضت الكأس ودفعت المحامين للانتفاض ووقف تكرار هذه الممارسات.

ترجع واقعة الاعتداء العنيف إلى يوم 4 أوت 2020. كعادتها وكعادة سائر المحامين قدمت نسرين قرداح إعلام نيابة في مركز الأمن بالمروج الخامس في إطار عملها مع أحد حرفائها، إلا أن التعامل الأمني لم يكن كالمعتاد. حيث لاحظت قرناح عدم احترام إجراءات السماع أمام باحث البداية، لتحتج وتطالب أعوان الأمن بتطبيق القانون، وهو ما أثار حفيظة رئيس المركز الذي دخل في جدال معها، ليرتفع منسوب التوتر تدريجيا ويتحول إلى تعنيف داخل إحدى القاعات المغلقة بمركز الأمن. وراء الباب الموصد. وبحسب بيان الهيئة الوطنية للمحامين، تعرّضت المحامية للضرب على الرأس وتمّ دفعها على الجدار وافتكاك هاتفها الجوال وأغراضها الشخصية علاوة على الشتم المتواصل. تعنيف ظل متواصلا إلى أن تدخل أحد الأعوان لافتكاكها من يد رئيس المركز ونقلها لاحقا إلى مستشفى الحروق ببن عروس لتلقي العلاج اللازم أين قضت ليلتها.

لم تمرّ الحادثة من دون متابعة، حيث تدخلت النيابة العمومية التي استجابت لشكاية المحامية نسرين قرناح وأحالتها على فرقة الحرس الوطني بالعونية لإجراء الأبحاث. كما وقع الاتصال بكل من وزير العدل والداخلية وتم الإذن بفتح بحث على مستوى تفقدية الامن الوطني واتخاذ الاجراءات التي تقتضيها الحالة.

قطاع المحاماة ينتفض

ردّة فعل المحامين لم تتوقف عند مكتب النيابة العمومية، حيث أعلنت الهيئة الوطنية للمحامين عقب اجتماع طارئ لمجلسها يوم 7 أوت 2020 عن مقاطعتها الحضور أمام الباحث الابتدائي والضابطة العدلية لمدة 15 يوما بداية من يوم السبت 08 أوت، ردا على هذه الحادثة، ومحذّرة من أن “كل مخالفة لهذا الإجراء يعتبر خطأ تأديبيا يستوجب إحالة المحامي على عدم المباشرة والمؤاخذة القانونية”. كما دعا مجلس الهيئة رؤساء ومجالس الفروع الجهوية للمحامين، إلى تنظيم وقفات احتجاجية، بالمحاكم الإبتدائية، يوم الثلاثاء 11 أوت الجاري، بالإضافة إلى دعوة المحامين إلى وقفة احتجاجية وطنية أمام وزارة الداخلية، سيتم تحديد موعدها لاحقا. هذا وتمت المطالبة بضرورة محاسبة المسؤولين عن هذه الحادثة وإعادة الإعتبار للمحامية المعتدى عليها.

في هذا السياق، اعتبر إبراهيم بودربالة عميد الهيئة الوطنية للمحامين خلال تصريح للمفكرة القانونية بأن هذا الاعتداء يمثل قمة الهمجية التي لا يمكن القبول بها في بلادنا اليوم، فالعنف مرفوض مهما كانت التبريرات، خاصة أن علاقة المحامين بالمؤسسة الأمنية تظل طيبة وجيدة في أغلب الأحيان. ليضيف؛ نحن نقدر أن هذه الممارسة تعتبر شاذة في نهاية الأمر ولا تمثل سوى سلوك فردي لا يعكس مطلقا سياسة وزارة الداخلية ولكن رغم ذلك فهي تشكل خطرا واضحا على المؤسسات المجتمعية، بما من شأنه تقويض المضامين الديمقراطية والمواطنية التي طالما نادى بها الشعب التونسي.

كما أكد بودربالة على ضرورة التضامن مع الزملاء المحامين والدفاع عنهم من أجل تكريس دولة القانون والمؤسسات ونشر ثقافة حقوق الإنسان. مشدّدا على أن هذا التحرك الاحتجاجي سيظل قائما طالما لم يقع رد الاعتبار للمحامية المعتدى عليها أولا ولجموع المحامين إضافة إلى محاسبة المسؤولين عن هذا الاعتداء السافر.

في نفس السياق، اعتبرت الجمعية التونسيّة للمحامين الشبان التي في بيان لها يوم 4 أوت الجاري أن هذه الحادثة تشكّل منعرجا خطيرا وعودة إلى مربع الدكتاتورية ودولة البوليس كما دعت وكيل الجمهورية بالمحكمة الإبتدائية ببن عروس إلى تحمل مسؤوليته وإحالة المعتدين على القضاء. لتعلن في بيان لاحق بتاريخ 05 من نفس الشهر، تكليف وفد من الهيئة المديرة للجمعية بتقديم شكاية ضد المعتدين لدى التفقدية العامة للأمن. كما تمت الدعوة إلى إعتصام مفتوح بمقر المحكمة الإبتدائية ببن عروس إلى حين اتخاذ القرارات والإجراءات الكفيلة بوضع حد نهائي لمثل هذه الممارسات، وتوجيه نداء إلى كافة المنظمات الوطنية والجمعيات الحقوقية وناشطي المجتمع المدني وسائر القوى الحية إلى المشاركة في الإعتصام المذكور.

وتعليقا على واقعة الإعتداء، اعتبر بسام الطريفي عضو جمعية المحامين الشبان ونائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع على حقوق الإنسان في تصريحه للمفكرة القانونية أن هذا الحادث يتنزل في سياق وجود بعض أعوان الأمن الذين ما يزالون غير مدركين بعد أن المحامي يمثل العدالة ويدافع عن الحقوق والحريات شأنه شأن القاضي. مضيفا أن ما حدث مع نسرين قرناح هو باختصار جريمة ترتكب في حق الدفاع.

 

المحامون ضحايا العصا الغليظة للأمن

رغم العمل المشترك بين المحامين وأعوان الأمن خلال تقديم الشكاوى والحضور أمام باحث البداية والضابطة العدلية إلا أن هذا لم يفضِ إلى بناء علاقة عمل متكاملة، بل مثل في كل مرة مصدر توتر، خاصة أن حالات الإعتداء لاتزال متواصلة منذ 2011. ويفسّر المحامي ونائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسام الطريفي استمرار هذه الاعتداءات بأنها ترجع إلى خلل منهجي في تفكير بعض أعوان الأمن الذين يظنون بأن المحامي هو عدوهم لأنه يعمل من أجل الإفراج عن الأشخاص الذين يوقفهم الأمن. لذلك لابد على وزارة الداخلية أن تعمل على إعادة تكوين أعوانها وتدريبهم على كيفية التعاطي مع المحامين وتأطيرهم أكثر لفهم طريقة التعامل الأمثل معنا.

التعنيف الذي طال المحامية نسرين قرناح مثل حلقة في سلسلة من الاعتداءات المتواترة التي طالت عشرات المحامين خلال السنوات الأخيرة، حيث أكد الطريفي للمفكرة بأنها تحصل تقريبا بصفة يومية وفي أماكن مختلفة. وكانت أبرز وآخر الاعتداءات تلك التي طالت المحامي عبد الناصر العويني الذي نشر تدوينة يوم 2 جوان 2020 توجّه بها إلى وزير الداخلية أكد أن عناصر أمنية بالزي المدني قامت بمحاصرة منزله بواسطة سيارتين إداريتين واغلاق الشارع المؤدي إلیه واختطاف منوبه وليد زروق الذي كان متواجدا معه.

في نفس الإطار كذلك، تعرضت هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي خلال شهر سبتمبر 2019 إلى الاعتداء بالعنف من قبل الوحدات الأمنية التي اقتحمت مقر اعتصام المحامين بالمحكمة الابتدائية بتونس لفض الاعتصام.  وهو ما أدى إلى تنفيذ المحامين “ليوم غضب” وطني تضمن وقفات احتجاجية بالزي الرسمي بقصر العدالة بتونس وبكافة المحاكم التونسية، تحت شعار “لا للاعتداء على المحاماة، حق الدفاع ضمانة أساسيّة لاستقلال القضاء”.

وأمام تواصل حوادث الإعتداء، أعلنت الجمعية التونسية للمحامين الشبان في بلاغ لها يوم 5 أوت 2020 أنها قررت هذه المرّة التوجه نحو السلطة التشريعية. إذ قامت بإيداع مطلب بمجلس نواب الشعب في عقد جلسة مسائلة لوزير الداخلية بخصوص كل الانتهاكات والاعتداءات الممنهجة الواقعة ضد المحامين من طرف قوات الأمن بمختلف أسلاكهم وتمكين ممثلين عن الجمعية من الحضور والاجتماع برؤساء الكتل واللجان لبسط الحقائق ذات الصلة وعرضها عليهم مفصلة.

لم يكن قطاع المحاماة وحده ضحية العنف البوليسي، إذ طالت الانتهاكات مختلف القطاعات المهنية طيلة السنوات الفارطة. فقد وثقت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين في تقريرها السنوي عشرات الاعتداءات التي تعرض لها الصحفيون من قبل قوات الأمن. كما تتالت بيانات الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان منددة بالعنف الذي تمارسه قوات الأمن على التحركات الاحتجاجية خلال العقد المنصرم. حوادث تؤكد أن العنف ما يزال نهج عمل في الأجهزة الأمنية وأنّه لا يستثني قطاعا أو فئة.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، أجهزة أمنية ، تونس ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني