بعد شهرين من توقف العدليّات: نادي القضاة يؤكد تعذّر العمل وليس الاعتكاف


2022-09-23    |   

بعد شهرين من توقف العدليّات: نادي القضاة يؤكد تعذّر العمل وليس الاعتكاف

أعلن نادي قضاة لبنان أمس الخميس أنّه لا يوجد قرار اعتكاف عن العمل إنّما غالبية القضاة في حالة توقّف قسري عن العمل بسبب استحالة الوصول إلى العمل نتيجة أحوالهم المادية والظروف المزرية في قصور العدل. ودعا القضاة الشعب اللبناني إلى مؤازرتهم في مطالبهم كون المتضرّر الأساسي من الإهمال الذي تتعرّض له السلطة القضائية هو المواطن.

واليوم الجمعة قرّرت الجمعية العمومية للقضاة مواصلة التوقّف عن العمل بانتظار المزيد من التشاور، وذلك نظراً لأنّ مطالب القضاة لم تتحقق لناحية قانون استقلالية القضاء أو تحسين ظروف العمل في قصور العدل أو أوضاع القضاة. وعلمت “المفكرة” أنه خلال أسبوع سيتم التصويت مجدداً على مسألة مواصلة الاعتكاف من عدمه، ولكن حتى الآن تبدو الغالبية الساحقة مع الاستمرار بالاعتكاف الشامل.

جاء ذلك خلال لقاء عقده النادي ظهر أمس الخميس في 22 أيلول في نادي الصحافة تحت عنوان “للوقوف على واقع القضاة” يأتي بعد نحو شهرين من توقّف 450 قاضياً عن العمل في مختلف المحافظات. تحدث في اللقاء رئيس النادي القاضي فيصل مكّي وثلاثة من أعضائه هم القضاة حسن حمدان، محمد فوّاز وعضو الهيئة الإداريّة للنادي القاضي جوزيف تامر وجرى بحضور عدد من القضاة والمحامين والإعلاميين.

وعرض القضاة الواقع الذي يعملون في ظلّه والذي قسمه القاضي مكّي إلى شقّين: أولاً أماكن العمل التي على القاضي التوجّه إليها كلّ يوم والمتمثلة بقصور العدل، عارضاً صوراً تُظهر مأساة هذه الأبنية وبناها التحتية، والشق الثاني الواقع المعنوي المتمثل بغياب الاستقلالية والتعرض الدائم لعرقلة عمل القضاة.

وأظهرت الصور التي عرضها مكّي أوضاع قصور العدل حيث مئات الملفّات مكدّسة والنوافذ مكسّرة والزجاج والأبواب مخلّعة والنظافة معدومة في الأروقة حيث تنتشر النفايات وفي الحمامات وحيث الكهرباء مقطوعة والمياه أيضاً. حتى أنّ بعض الصور أظهرت وجود جرذان في الغرف ويين الملفات.

ويلفت مكي إلى أنّ الأمور لم تكن أفضل بكثير في السابق إذ كان القضاة يدفعون من أموالهم الخاصّة لتأمين بعض الاحتياجات الناقصة مثل الأوراق والمحابر وخدمات التنظيف، أمّا اليوم فلم يعد راتب القاضي يسدّ احتياجاته الشخصية. ويضيف أنّ رواتب القضاة تتراوح بين ثلاثة ملايين ونصف المليون ليرة، وثمانية ملايين “والواقع أنّه لا يوجد من يتمكن من العيش بهذا الراتب”.

وبرر القاضي مكّي استمرار بعض القضاة بمزاولة عملهم، بأنّ ظروفهم تختلف عن سواهم، معتبراً ذلك دليلاً على “أنّنا لسنا باعتكاف إنّما بحالة توقف عن العمل لعدم القدرة على أداء المهام”.

ورفض القضاة التعليق على ما تمّ تداوله إعلامياً في الآونة الأخيرة حيال توقيعهم على عريضة في وزارة العدل على أن تُرفع إلى مصرف لبنان لمطالبته بدفع رواتبهم على سعر صرف 8000 ليرة للدولار، مكتفين بالقول بأن ثمة محاولات عدة لتحسين ظروفهم الماليّة والتي قد تثمر أو لا تثمر.

وقد شدّد القضاة على رفض تحميل القضاء مسؤولية ما يجب أن تسأل عنه السلطة السياسية أو المسؤولون المعينون منها من دون تميله لعموم القضاة. واعتبر القاضي مكّي أنّ تحميل المسؤوليّة للقضاء عموما يؤدّي إلى تبرئة المسؤول الحقيقي عن الوضع في البلد. ودعا الشعب اللبناني إلى وضع يده بيد القضاة للوصول إلى “إقرار قانون استقلاليّة القضاء، ورفع الحصانات بالمسائل الداخلة ضمن ملفات معيّنة، ورفع السريّة المصرفيّة، وتفعيل التفتيش القضائي كما التنقية الذاتيّة، كما إلغاء النظام الطائفي واستعادة الثقة في القضاء وإلّا كلنا نغرق معاً”.

لقاء للرد على الاتهامات

جاء هذا اللقاء بحسب القاضي مكّي للرد على كل ما يُقال حول القضاء ولكسر الصمت أمام كل الاتهامات التي تطال السلطة القضائية: “نحن أمام حملة ممنهجة تتعرّض لها السلطة القضائية بهدف ضربها وقد انجرّ إليها بعض المواطنين، وهي لا تضرّ سوى البلد، فوجب الظهور أمام الإعلام الذي يفتح هواءه لأشخاص يتناولون السلطة القضائية فيما لا يوجد من يرد على كل المعلومات المغلوطة التي تنتشر وتعمم، حول القضاء وتشوّه صورته”. وأكد مكّي أنّ “اللقاء اليوم يؤيّده معظم القضاة وليس فقط المنضوين في النادي وأنّ القضاة جاهزون للرد على أسئلة الصحافيين وخاصّة الأسئلة الشائعة حول عمل القضاة”.

وتحدث القاضي محمد فوّاز عن الضمانات التي “تُسمى بشكل شائع امتيازات”. وشرح أنّ “القاضي ليس أفضل من غيره، وحين تحدّث الدستور عن الضمانات لم تكن لتحويل القاضي لسليل برجوازية أو إقطاع إنما هي ضمانات ليعمل بالشكل الصحيح”. والمستفيد من هذه الضمانات بحسب تعبيره “هو المواطن الذي يريد أن يكون مطمئناً تجاه القاضي الذي ينظر بملفه”. وأشار إلى أنّ الضمانات ليست سوى الراتب والضمان الصحّي والمستحقات التعليميّة وليست مواكبة أمنيّة أو سيارات فاخرة ولا هي إعفاءات جمركيّة ولا محروقات. ولفت إلى أنّه يُمنع على القاضي العمل بأي وظيفة أخرى غير التعليم، فالقضاء هي مهنته التي يمتهنها ويعتاش منها من دون أن يكون له أي راتب آخر.

ولفت إلى أنّ كلفة الانهيار الاقتصادي عالية على القضاء فقد بدأ النزف بين القضاة بدءاً من استقالة عدد من القضاة وآخرين أخذوا إجازات غير مدفوعة، محذراً من أنّ استمرار الوضع على ما هو عليه يجعل من الصعب أن يرغب أحد الدخول إلى القضاء فلا يوجد من يُريد العمل تحت هذه الظروف. 

من جهته، ردّ عضو الهيئة الإداريّة في نادي قضاة لبنان القاضي جوزيف تامر على سؤال “أين القضاة” في سياق الحديث عن محاربة الفساد، بالقول إنّ “عدد القضاة لا يتعدى 600 قاض، ومن بين هؤلاء عدد ضئيل منهم في مراكز محدودة معنيّة بقضايا الفساد”. وتابع أنّ “جزءاً من هؤلاء القضاة لا يعملون بالشكل المطلوب وآخرين يحاولون العمل في ظل وجود عقبات كثيرة، فلا يُمكن تحميل جميع القضاة مسؤوليّة تقاعس أحد القضاة”. وبهذه المناسبة ذكّر القاضي فوّاز بأهميّة “تفعيل التفتيش القضائي وإلّا فإنّ التعميم على القضاة يضرب ثقة المواطن بالقضاء”. وشدد على أنّ أغلب القضاة هم موضع ثقة مذكراً بجزء من إنجازات القضاة في ما يتعلّق بملفات المودعين، كما واستمراريّة عمل القضاة خلال جائحة كورونا.

بدوره، ردّ القاضي حسن حمدان عن بعض الأسئلة الشائعة، قائلاً إنّ “البعض يسأل لماذا لا ينتفض القضاة وكأنّ هناك حالة تراخي، ولماذا لا يوجد أي فاسد في السجن؟”. وشرح أنّ ثمة مسائل عدة تحكمها المسؤولية السياسية وليس المسؤولية القانونية، مشيراً إلى أنّ “الحصانات تُعدّ عقبة أساسيّة أمام الملاحقات، حيث يوجد رزمة ضخمة من هذه الحصانات، والحلول تعود لمجلس النوّاب وليس القضاء”. وأضاف: “الملاحقة القانونيّة المتاحة للقضاة نجدها في بعض المراكز (القضائية) الحساسة، حيث يتداخل القضاء مع السياسية”. كما أكّد حمدان أن صلاحية القضاء هي في تحديد المسؤوليات القانونية وليس تغيير النظام، مشيراً إلى أنّه “خلال الانتخابات اقترح بعض القضاة أن يمتنع القضاء عن مراقبة لجان القيد لكننا وصلنا إلى نتيجة أنّ ذلك يعد تدخلاً بالعمل السياسي فيما نحن ننادي بفصل السلطات، وتركنا الخيار للمواطن”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، قضاء ، مقالات ، المرصد القضائي ، المهن القانونية ، محاكم عسكرية ، محاكم دينية ، محاكم إدارية ، محاكم مدنية ، محاكم جزائية ، محاكم دستورية ، مصارف ، استقلال القضاء



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني