بطاقة تعريف عن قضاء الهرمل


2021-07-19    |   

بطاقة تعريف عن قضاء الهرمل
في شتاء الهرمل (تصوير كامل جابر)

لمحة تاريخية عن المنطقة

تركت الحضارات التي تعاقبت على الهرمل وقضائها عدداً من الصروح الأثرية أبرزها: قاموع الهرمل عند مدخل المدينة، وقناة زنوبيا التي سمّيت تيمّناً بملكة تدمر التي جرّت مياه نهر العاصي إلى مملكتها، ولوحة نبوخذ نصّر (الثاني) في صريفا في وادي الشربين، ودير مار مارون وقصر البنات على نهر العاصي.

وفي حين شكّلت الهرمل في الحقبة العثمانية جزءاً من ولاية الشام، كانت محلّ صراع ثلاثي قام بين العثمانيين وإمارة الحرافشة (1520-1866) وإمارة فخرالدين الثاني، حيث كان الأخيران (الحرافشة وفخرالدين) “مقاطعجية” عند العثمانين”[1]، مع محاولات للتمتّع بما أمكن من استقلالية وحيّز يصغُر ويكبر وفقاً لوتيرة العلاقة مع السلطنة. ولاحقاً، تقرّر ضمّ الهرمل إلى متصرفية جبل لبنان[2].

وفي حين باتت الهرمل جزءاً من لبنان الكبير منذ إعلانه في ظلّ الانتداب الفرنسي، انتظر سكّان الجرود إلى ما بعد الاستقلال، وتحديداً دفء العلاقة مع عهد الرئيس فؤاد شهاب ليرفعوا العلم اللبناني على جبالهم. تلك العلاقة، أسس لها شهاب عندما كان قائداً للجيش برفضه قمع عشائر الجرد الغربي مطالباً الدولة اللبنانية بمقاربتهم بالإنماء قبل الأمن.

ديمغرافيا الهرمل

تقدّر الكثافة السكانية في الهرمل بـ66 شخصاً في الكيلومتر المربّع الواحد، وهي نسبة الكثافة الأقل في لبنان[3] بعد قضاء بشري.

وفي حين لا يوجد إحصاء رسمي دقيق لسكّان القضاء، قدّر عدد من الدّراسات الحديثة[4] عدد سكّان الهرمل بـ30 ألف و500 نسمة. ويلحظ أنّ عدد ناخبي منطقة الهرمل (مدينة وجرود وبلدات وقرى) بلغ في انتخابات 2018، 65 ألف نسمة، اقترع منهم نحو 35 ألفاً في الاستحقاق عينه. وبانتظار إحصاء دقيق، يفسّر حالياً الفارق بين عدد السكّان التقديري وعدد الناخبين بأنّه عائد إلى نسب النزوح المرتفعة في القضاء التي تلامس 47,6%[5] وهي أعلى نسبة نزوح في لبنان وفق أرقام الإحصاء المركزي. وللمقارنة، تبلغ نسبة النزوح وطنياً 32.4% وهي 13.6% في كسروان و10.6% في المتن، و24.5% في عكار، وفق مسح الأحوال المعيشية والقوى العاملة لإدارة الإحصاء المركزي 2018-2019. ولم تحظَ جرود الهرمل بتقدير خاص بها لمعدّل النزوح منها، حيث تمّ دمجها مع كامل قضاء الهرمل، بما يغيّب نسبة نزوح أهلها المرتفعة والتي تلامس 100% في بعض الأحيان. وبيّنت الجولة الميدانية التي قامت بها “المفكرة” في أعالي القضاء تحوّل بعض القرى والمراحات والأودية إلى أطلال نتيجة نزوح أهلها عنها نهائياً بسبب الإهمال وعدم توفّر المياه والطرقات المعبّدة والمدارس وحتى الكهرباء، ومنها على سبيل المثال مزرعة الفقيه في وادي الكرم وكذلك وادي بنيت.

وتتميّز التركيبة السكّانية للمنطقة بحضور لافت للنسيج العشائري حيث يبلغ عديد مقترعي قرى القضاء التي تسكنها العشائر مع عدد قليل من العائلات نحو 35 ألف ناخب من أصل 65 ألفاً. كما ينتمي السكّان في غالبيتهم الكبرى إلى الطائفة الشيعية.

وبفعل تشكيل الأنشطة غير القانونية جزءاً مهمّاً من اقتصاد الهرمل من زراعة حشيشة الكيف وترويج المخدّرات وتجارتها والتهريب عبر الحدود وغيرها، نشأت فئة جديدة من السكان هم الطفّار أي الخارجين عن القانون لأسباب مقبولة على سلّم قيم المنطقة. وفي حين يصعب إحصاء هؤلاء، تشير المعطيات إلى وجود أكثر من 20 ألف مذكّرة توقيف وبحث وتحرّ بحق أشخاص من قضاء الهرمل.

جغرافية الهرمل: بين القرنة السوداء ونهر العاصي

يمتدّ قضاء الهرمل على مساحة 731 كيلومتراً مربّعاً، أي 6.9% من مساحة البلاد، ينحدر من القرنة السوداء، أعلى قمّة في لبنان (3080 متراً)، متمدّداً نحو السهل لينبسط على ضفاف نهر العاصي، ويكمل باتّجاه الشمال الشرقي حيث خاتمة الحدود مع سوريا. هناك تتشارك الهرمل مع سوريا أراضي عدد من القرى اللبنانية أهمّها القصر وحوش السيّد علي، وهناك نحو 23 قرية سورية معظم سكّانها من الهرمل ومنطقتها منها مطربا التي سمّي المعبر الحدودي غير الرّسمي على اسمها.

وهرباً من قيظ الصيف حيث تلامس الحرارة أحياناً 40 درجة مئوية في السهل، يصعد القضاء غرباً ليتّصل بقضاءي عكّار والضنّية عبر سلسلة من الجبال المكتنزة بالسنديان والبلّوط واللزّاب والشوح والأرز. هذا التنوّع في الارتفاعات من 600 متر في وادي العاصي إلى 2500 متر في بعض الجبال على الحدود العكّارية ومع جبل المكمل، يفرض تنوّعاً مناخيّاً ما بين شبه الصحراوي الجاف في الهرمل وسهلها حيث لا تتعدّى الهطولات المطرية 250 ميليمتراً في السنة، والمناخ المعتدل في الأودية (400 إلى 600 ميليمتر) إلى البارد والمثلج شتاء في الأعالي (1000 ميليمتر). موقع يجعل من القضاء أحد أحواض جبل المكمل الجوفية فينفجر متدفّقاً عبر 11 نبعاً إضافة إلى نهر العاصي، أبرزها نبع الحور في مرجحين ونبع رأس المال المصدر الأساسي لمياه الشفّة في الهرمل-المدينة، يليه ينابيع بديتا والريسي والأحد عشرية والنهرية والهوة وعين أم شرف والشواغير.

الهرمل من الأعلى (تصوير كامل جابر)

قضاء الهرمل إدارياً والمراكز الرسمية

بموجب القانون 522 الصادر بتاريخ 16 تموز 2003، بات قضاء الهرمل رسمياً قضاءً مستقلّاً في محافظة بعلبك – الهرمل بعدما كان جزءاً من قضاء بعلبك. إلّا أنّ سكّانه انتظروا 11 عاماً لتنفيذ القانون وتعيين محافظ للمنطقة (بشير خضر) في 2 أيار 2014. وقد تمّ تدشين سرايا الهرمل في 2006، ونقل إليها مركز القائمقامية الذي كان في شقّة مستأجرة وكذلك المحكمة التي هي عبارة عن قاضٍ منفرد كان يداوم سابقاً في شقة مستأجرة أيضاً.

ويتكوّن قضاء الهرمل إدارياً من تسع بلديات تضمّ 33 بلدة، يتراوح حجم مجالسها بين 21 عضواً (الهرمل المدينة) و9 أعضاء (مزرعة سجد). وتتوزّع هذه البلديات على جرد عشيرة جعفر (بلدية جوار الحشيش وفيسان) وجرد عشيرة ناصرالدين (الشربين ومزرعة سجد) إضافة إلى بلدية الكواخ وبلدية القصر-سهلات المي (على الحدود مع سوريا)، وبلدية الشواغير على كتف نهر العاصي. أمّا بلدية الخرايب المحسوبة على قضاء الهرمل فهي أقرب إلى بلدة العين في المنطقة الفاصلة بين الهرمل وبعلبك ولكنّها محتسبة عقارياً ضمن قضاء الهرمل. وتجتمع كلّ هذه البلديات في اتّحاد واحد هو اتّحاد بلديات الهرمل.

ويوجد في القضاء ثكنة صغيرة للجيش اللبناني موروثة من الحقبة العثمانية يسمّيها أهل المنطقة بـ”القشلة” وهي تعني الثكنة باللغة التركية، ومخفرا درك، الأوّل في الهرمل المدينة وآخر في بلدة القصر الحدودية، ومراكز للأمن العام وأمن الدولة ومخابرات الجيش. وقد اتّخذ مؤخراً قرار إنشاء غرفة للسجلّ العدلي في السرايا (لم تنفّذ بعد). والأمر نفسه بالنسبة للدائرة التربوية الخاصّة بالقضاء. ولا تتمتّع دائرتا الضمان الاجتماعي وتعاونيّة موظفي الدولة اللتين استحدثتا مؤخراً بأكثر من صلاحية استقبال الطلبات والمساعدات المرضية وإرسالها إلى مقرّيهما الرئيسيين في بيروت من دون البتّ فيها، أي أنّهما بلا صلاحيات إدارية.

خدمات عامّة

تبقى الخدمات العامّة في المنطقة في حدّها الأدنى، حيث ما برحت الهرمل تنتظر حصّتها من “الإنماء المتوازن”.

ولم تتحسّن الطريق الرئيسية من زحلة نحو الهرمل، وتحديداً بين رياق ومدخل مدينة بعلبك إلّا بعد عدوان 2006، فيما بقيت الطريق من بعلبك إلى الهرمل على حالها من السوء وعدم الإضاءة والحفر، كما في داخل الهرمل المدينة. وتُصنّف معظم الطرقات من الهرمل إلى بلدات وقرى القضاء وجروده محفّرة وضيّقة وبعضها غير صالح إلّا للسيارات الرباعية الدفع. وثمّة طريقان آخران الأوّل يربط الهرمل بالضنّية والثاني بعكّار.

لا يوجد في القضاء شبكات للصّرف الصحي إلّا في الهرمل-المدينة ولكن تقتصر نسبة المنازل الموصولة إلى الشبكة على 40% من عدد الوحدات السكنية فيها. وهناك مشروع لمد شبكة صرف صحّي في بلدة القصر الحدودية ولكن لم ينفّذ بعد. ويذهب الصرف الصحي في بقية القضاء إلى حفر لا يوجد رقابة فعلية عليها للحؤول دون تلويثها المياه الجوفية وتحوّلها إلى آبار مفقودة القعر.

على صعيد المؤسّسات التربوية، يوجد في الهرمل 23 مدرسة رسمية يتعلّم فيها 7514 تلميذاً وتلميذة. تتوزّع هذه المدارس على 14 مدرسة رسمية في قرى القضاء منها 4 مدارس تكميلية وثانوية واحدة (في بلدة القصر الحدودية) والباقي ابتدائي، يقصدها 2289 تلميذاً بينهم 183 في المرحلة الثانوية. ولا يوجد في الهرمل أي خدمات جامعية.

حتى العام 2006، بقيت الهرمل من دون مستشفى حكومي، حيث اقتصر حضور الدولة الطبّي طوال 66 عاماً بعد الاستقلال على مستشفى ريفي هو أشبه بمستوصف، بلا غرفة عمليات ولا حتى مختبرات للتحاليل الطبيّة. ووفق إدارة الإحصاء المركزي (2018-2019) سجّلت المنية والضنية والهرمل أدنى المستويات من حيث التغطية الصحّية بنسبة 38.9% للهرمل و 37.3% للمنية والضنية، بينما سجّلت كسروان (77.8%) وجبيل (91.9%) أعلى نسبة، في مقابل 55.6% للمستوى الوطني.

في حين شملت تغطية شبكة الكهرباء معظم المجمّعات المأهولة في الهرمل (بعضها انتظر حتى 2020)، فإنّ المنطقة تشهد تقنيناً قاسياً يصل إلى نحو 20 ساعة يومياً في ظلّ تمنّع أصحاب المولّدات عن تشغيلها بسبب أزمة المحروقات في لبنان ومع ارتفاع وتيرة تهريب المازوت إلى سوريا.

أخيراً، تعاني الهرمل من عدم وصول المياه إلى نصف السكان على الأقل رغم الينابيع الـ11 التي ذكرناها سالفاً.

الوضع الاقتصادي

توثّق دراسة الإحصاء المركزي (2018-2019)[6] أنّ دخل 54% من القوى العاملة في بعلبك الهرمل لا يزيد عن مليون و200 ألف ليرة لبنانية، علما أنّ 26% من بين هؤلاء يقلّ دخلهم عن 650 ألف ليرة. وتعود هذه الأرقام إلى ما قبل الأزمة الاقتصادية التي تفجّرت في لبنان في الربع الأخير من 2019، وأدّت إلى خسارة نحو 60% من اللبنانيين وظائفهم وأشغالهم، معطوفة على أزمة كورونا التي فاقمت الأوضاع.

يقوم جزء هام من اقتصاد المنطقة على النشاطات غير الشرعية، وبخاصة التهريب غير الشرعي وزراعة حشيشة الكيف والإتّجار بها والكسارات والمقالع. وفي إثر فشل القوى السياسية الممثلة في مجلس النواب في التوصّل إلى تسوية لإقرار قانون عفو عام، حاولت القوى السياسية “تبييض” صفحتها تجاه حرمان بعلبك الهرمل فأقرّت قانون تشريع زراعة القنّب في نيسان 2020 من دون دراسة الجدوى الاقتصادية للقانون ومردود الزراعة على المزارعين أهل الأرض، ولم يوضع القانون قيّد التنفيذ حتى اليوم.

وإلى جانب هذه الأنشطة غير الشرعية التي يصعب رصدها أو معرفة حجمها، تشير خلاصات المسح الاجتماعي السريع لمجلس الإنماء والإعمار ما بين 2002 و2008 للمنطقة، بأنّ الزراعة والرعي يشكّلان المصدر الأساسي للدخل. وتشير دراسة لمنظمة الغذاء العالمي “فاو” في 1996 إلى أنّ مساحة الأراضي القابلة للزراعة تبلغ 56535 هكتاراً لم يكن يُزرع منها فعلياً سوى 11194 هكتاراً، أي ما نسبته 20% منها. ويومها خلُصت “فاو” إلى وجود حاجة وإمكانات لزيادة المساحات الزراعية والمراعي.

وإلى جانب هذه النشاطات التقليدية، نشهد تنامي نشاطات اقتصادية كمزارع الأسماك التي نشطت ابتداء من من التسعينيّات والسياحة البيئية التي نشطت ابتداءً من 2000 وتعاني مذّاك من تردّي الوضع الأمني وبخاصّة بعد الحرب السورية. في المقابل، لا يوجد مصنع واحد في كلّ قضاء الهرمل يشغّل أكثر من 4 أشخاص.

ومن مصادر الدخل الأخرى، الرواتب والتعويضات التي يسدّدها حزب الله لعدد من المتفرّغين في صفوفه أو كمّ من العائلات وبخاصّة عائلات شهدائه. وتتمتّع هذه الفئة من أبناء القضاء باستقرار مالي واقتصادي تعزّز مع انهيار الليرة حيث يتلقّون رواتبهم بالدولار، أو الورقة الخضراء، كما يشيرون إليه. ولم يعد سراً الكلام عن رخاء يتمتّع به هؤلاء، مع من يمارسون التجارة الحدودية أيضاً، في ظلّ الأزمة التي تخنق بقية أبناء المنطقة.

 

نُشر هذا المقال في العدد 1 من “ملف” المفكرة القانونية | الهرمل

 

  1. الدكتور فؤاد خليل: “الحرافشة إمارة المساومة”، دار الفارابي، سنة 1996.
  2. شادية علاء الدين: الإدارة العثمانية في مدينة طرابلس الشام، 1840 – 1914، دار مكتبة الإيمان، طرابلس – لبنان، 2011.
  3. الموقع الرسمي لبلدية الهرمل، ودراسة الإحصاء المركزي 2018-2019.
  4. مسح القوى العاملة والأحوال المعيشية للأسر في لبنان (الإحصاء المركزي) للعام 2018-2019
  5. مسح القوى العاملة والأحوال المعيشية للأسر في لبنان (الإحصاء المركزي) للعام 2018-2019
  6. المسح الشامل للقوى العاملة والأوضاع المعيشية للأسر في لبنان 2018-2019
انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة ، بيئة ومدينة ، سياسات عامة ، فئات مهمشة ، مجلة لبنان ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، بيئة وتنظيم مدني وسكن ، الحق في الصحة والتعليم ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني