مقدمة الملف – باسم الإنسانية؟


2024-04-09    |   

مقدمة الملف – باسم الإنسانية؟

“الالتزام بالقانون الدولي ليس عملًا خيريًا، والمجتمع الذي يتخلّى عن القانون الدولي هو مجتمع يقبل بالبربرية.” فرانشيسكا ألبانيز، المقرّرة الخاصة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، 27 آذار 2024.

فيما تهتزّ الثقة في قدرة القانون على مواجهة حرب الإبادة الجماعيّة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزّة، برز حراك قانونيّ عالميّ يسعى إلى استخدام أدوات القانون الدوليّ لفرض الإقرار بحقوق الفلسطينيّين على المنابر القضائية بهدف وقف جرائم الاحتلال ومحاسبة المسؤولين عنها. تصدّرت دول من الجنوب السياسي هذا الحراك من خلال مبادرتها باللجوء إلى محكمة العدل الدولية، في موازاة حراك تتصدرّه المنظمات الحقوقية التي لجأت إلى المحاكم الوطنية في بعض دول الشمال السياسي لوقف دعم مسؤوليها لإسرائيل، استنادًا إلى موجب جميع الدول بمنع الإبادة الجماعيّة والجرائم ضدّ الإنسانيّة.

وقد أدّى لجوء جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي إلى إطلاق أوّل محاكمة دولية لإسرائيل على خلفية ارتكابها جريمة الإبادة الجماعية التي تعدّ أخطر الجرائم في العالم وتوصف بـ “جريمة الجرائم”. فلا تجري هذه المحاكمة باسم الفلسطينيين فحسب، بل باسم الإنسانية جمعاء. وفيما شكّلت هذه المحاكمة بداية لخرق جدار إفلات إسرائيل المزمن من أيّ محاسبة دولية، يواجه أيّ تقاضٍ على الصعيد الدولي صعوبة في تنفيذ قرارات المحاكم الدولية التي تبقى، كما القانون الدولي برمتّه، رهنًا لإرادة الدول ما لم يتدخّل مجلس الأمن لفرضها. وهو ما تجلّى بوضوح في امتناع إسرائيل عن تنفيذ قراريْ مجلس الأمن ومحكمة العدل اللذين ألزماها بوقف آلة القتل (السريع والبطيء) في غزّة، كما في إبقائها على جدارها غير القانوني منتصبًا فوق أرض فلسطين لترسيخ احتلالها. وهنا، يأتي التقاضي الموازي الذي تقوده منظمات حقوقية عدّة، فلسطينية وغير فلسطينية، أمام المحاكم الوطنية في عدد من دول الشمال لتوسيع دائرة المواجهة القانونية مع إسرائيل وحلفائها، إذ أنّ هذه المحاكم تتمتّع بآليات تنفيذية على مواطنيها وفي أراضيها تكون عادة أكثر فعّالية من آليات القانون الدولي. 

بغضّ النظر عن حظوظها، فرضت هذه المبادرات على المحاكم الدولية والوطنية أن تنظر باتجاه فلسطين وتشهد على شكل حديث من أشكال إبادة الشعوب. وفي هذا الملف الذي نخصّصه لجهود ضمان حقوق الفلسطينيين أمام المنابر القضائية، نرسم خطوط هذا الحراك القانونيّ، بشقّيه الدوليّ والوطنيّ، بحثًا عن دور القانون والمحاكم في وقف الإبادة وفي تعرية جرائم الاحتلال المستمرّة والمتعددة، كما في استعادة مرجعية القانون الدولي، باسم ما تبقّى من إنسانيّتنا.

فعلى الصعيد الدولي، يراجع علي سويدان أبز التطوّرات في دعوى الإبادة المقامة من جنوب أفريقيا والتي أطلقت أوّل محاكمة دولية لإسرائيل على خلفية ارتكابها أخطر الجرائم في القانون الدولي الإنساني، ويسأل: هل نشهد اليوم التالي لزمن إفلاتها من العقاب؟

كما يتوّقف أمام دعوى الاشتراك في الإبادة التي أقامتها نيكاراغوا بوجه ألمانيا على خلفية دعمها لاسرائيل، والتي ختمت المرافعات الشفهية فيها اليوم بانتظار إصدار محكمة العدل خلال الأسابيع المقبلة قرارها حول مدى اختصاصها لفرض تدابير مؤقتة ضد ألمانيا.

كلّ ذلك في ظلّ سبات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية التي لا يجد من يتصّفح موقعها أيّ استدعاء أو مذكّرة توقيف أو ادّعاء بحق أي من قادة إسرائيل، ولا نتائج معلنة في التحقيق في القضية الفلسطينية رغم مرور ثلاث سنوات على بدئه.

كذلك سارعت دول الجنوب إلى المشاركة في قضية الرأي الاستشاري حول الاحتلال الإسرائيلي أمام محكمة العدل في شباط الماضي لتضع الإبادة في سياقها التاريخي. فتبحث نور كلزي وغيدة فرنجية في مواقف المشاركين التي أظهرت شبه إجماع على عدم قانونية هذا الاحتلال والمطالبة بضرورة إنهائه. 

ويعود مهدي العش إلى لحظة مفصلية في مقاربة القضيّة الفلسطينيّة من منظور القانون الدولي، وهي الرأي الاستشاري حول الجدار العازل في عام 2004 كونها المرّة الأولى التي تنطق فيها محكمة دوليّة “كلمة القانون” حول نكران الحقّ الفلسطيني.  

أمّا على الصعيد الوطني، فقد أطلقت منظمات حقوقية عدّة، فلسطينية وغير فلسطينية، حراكًا قانونيًا موازيًا من خلال اللجوء إلى المحاكم الوطنية في عدد من دول الشمال، فكان القضاء الهولندي أوّل من استجاب لطلب وقف تسليح إسرائيل.

وفي حين أقرّت محكمة كاليفورنيا في الولايات المتحدة بخطر الإبادة على الفلسطينيين، إلّا أنّها أبقت هذا الخطر تحت سقف السياسة من خلال اعتبار نفسها غير مختصّة للنظر في مسائل سياسية تهدف إلى فرض وقف الدعم الأميركي لإسرائيل.

نشر هذا الملف الخاص في العدد 72 من مجلة المفكرة القانونية – لبنان

للاطّلاع على فهرس الملف

لتحمل الملف بصيغة PDF

انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة لبنان ، فلسطين



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني