انطلاق المحاكمة في تفجير التليل: طريق العدالة شاقة على الأهالي وكذلك الطريق إلى بيروت


2023-02-10    |   

انطلاق المحاكمة في تفجير التليل: طريق العدالة شاقة على الأهالي وكذلك الطريق إلى بيروت

الرحلة من عكار إلى بيروت شاقّة على أهالي ضحايا تفجير خزّان الوقود في التليل الذي وقع في 15 آب 2021. ولكنهم رغم ذلك خاضوها صباح اليوم لحضور جلسة المجلس العدلي الثانية في هذه القضية. ولم يكن تأجيل الجلسة مرّة أخرى سوى عبئاً إضافياً على صدورهم، إذ تقرر ذلك إمهالاً لبعض المدّعين لتوكيل محام ولإبلاغ مدّعية بالحضور، وحدد رئيس المجلس القاضي سهيل عبّود 31 آذار 2023 تاريخاً للجلسة الثالثة.

وخلال وقفة نفذوها أمام قصر العدل قبل انعقاد الجلسة، عبّر جزء من الأهالي عن رغبتهم في رؤية “كبار المتورطين في التفجير وراء القضبان رفضاً لتحميل كامل المسؤولية على صغار المتورطين”. فهؤلاء يعتبرون أنّ المدعى عليهم الثمانية هم أدوات عند أشخاص كبار ونافذين. وعلى لافتات بيضاء كتبوا شعاراتهم التي تُمثل مواقفهم ومطالبهم: “تفجير التليل، حبس الصغار وترك الكبار”، و”نريد محاكمة عادلة ولا نريد المتاجرة بالقضية”، وعلى لافتة أخرى “سلطة التهريب أوصلتنا إلى هنا”. وكتب على لافتة أخرى: “تفجير 15 آب: الحقيقة بدها عدالة”.

وكان 36 شخصاً قتلوا وجرح أكثر من ثمانين شخصاً، إثر تفجير خزّان للوقود صادره الجيش اللبناني واحتشد حوله مئات الأشخاص خلال فترة شهدت انقطاع المحروقات في لبنان بسبب الاحتكارات. واللافت أنّ القرار الاتهامي الذي أصدره المحقق العدلي علي عراجي في 15 آب 2022، حيّد المؤسسة العسكرية من المسؤولية، ووجّه الاتهام إلى ثمانية أشخاص بينهم 4 موقوفين متهمين بجنايات و4 أظناء مدّعى عليهم بجنح. وتدرجت الجرائم المدّعى بها من الجنايات المتصلة بالأعمال الإرهابية والقتل العمد والقتل من غير قصد، إلى جنح التهرّب الضريبي وأعمال الاحتكار وتبييض الأموال وحيازة الأسلحة. وكان بعض المدّعين قد طالبوا بتوسيع التحقيقات لجهة الاستماع إلى ضباط في الجيش اللبناني، وقد تم الاستماع إلى هؤلاء من دون الادعاء عليهم. ونقل أحد المتابعين لهذا الملف لـ “المفكرة” أنّ “ضغوطات مورست على الأهالي كي لا يوجهوا المطالب ناحية ضباط في الجيش”، كما “يُحرج البعض منهم لأنّ مُعظم أبنائهم وأقاربهم عناصر في المؤسسة العسكريّة”. 

وقائع الجلسة

انعقدت جلسة اليوم في قاعة محكمة التمييز برئاسة رئيس المجلس القاضي سهيل عبّود إلى جانب الأعضاء عفيف حكيم، جمال الحجار، جان مارك عويس ومايا ماجد، وممثل النيابة العامّة التمييزية القاضي عماد قبلان. وهي الجلسة الثانية بعدما انعقدت الأولى في تاريخ 13 كانون الثاني وأرجئت لتعذّر التبليغات.

وغصّت قاعة المحكمة بالحاضرين في القاعة، من بينهم ورثة الضحايا والجرحى المدّعين مع وكلائهم فيما حضر 7 آخرون من دون محامين، وكان نقيب المحامين السابق في طرابلس محمد المراد قد اعتزل عن تمثيل بعض منهم فيما اتخذ آخرون قراراً بعزله، وأبلغهم القاضي عبّود عدم جواز حضور الجلسة من دون وكيل قانوني فطلبوا منه إمهالهم لتوكيل محامين. وغابت عن الجلسة راغدة الشيخ، وهي وريثة أحد الضحايا. وشرح القاضي عبّود وجوب إعادة إبلاغها طالباً من الأهالي الّذين يعرفونها تسهيل الأمر عبر منح قلم المحكمة عنوان سكنها.

وحضر المتهمون الموقوفون الأربعة مع وكلائهم، وهم ريشار جورج ابراهيم وكيله المحامي صخر الهاشم، جرجي إبراهيم وكيله علي أشمر، جورج ابراهيم وكيله أنطوان سابا، وعلي الفرج وكيلته جوسلين الراعي. كما حضر الأظنّاء الأربعة هويدي الأسعد، باسل الأسعد، بيار وكلود إبراهيم إلى جانب وكلائهم وهم تباعاً المحامون خليل حمّود، رولان سلامة وعلي أشمر.

وحضر نقيب المحامين السابق في طرابلس محمد المراد موكلاً عن 7 عائلات من ورثة الضحايا، وهم أشرف الحسن، جلال وخالد شريتح، رائد الحسن، فياض وحسن شريتح، محمد الحسن، محمد عثمان وأحمد الحسن. كما مثّل المراد 35 مدعياً آخراً من جرحى التفجير. وحضر المحامي شربل عرب بوكالته عن المدّعين إبراهيم سعيد، خالد عثمان، حسام الأحمد. وحضرت المحامية زينة المصري بوكالتها عن سبع عائلات من المدّعين وهم رضوان خضر أسعد، هويدا علي الخطيب، فاطمة عمر علي، مصطفى أحمد مرعي، عيسى عبدالله الوعدي، سوسن مصطفى حمد، مصطفى خضر كوجه.

وتبيّن خلال الجلسة أنّ 14 شخصاً من المدّعين قد أسقطوا حقهم. “عدد من المدّعين أسقطوا حقّهم الشخصي في هذا الملف بعد حصول تسويات بينهم وبين وكلاء بعض الموقوفين”. واللافت في موضوع إسقاط الحقوق، تأكيد بعض الأهالي أنّ هناك أشخاص تابعين لبعض الموقوفين رفضوا تسميتهم حاولوا إقناعهم بإسقاط حقهم مقابل تقاضي مبلغ مالي.

وزارة الصحّة ووزارة الدفاع تخلّتا عن الضحايا والجرحى وعائلاتهم

وفي الخارج، نفذّ الأهالي وقفة أمام بوابة قصر العدل حاملين معهم صور أبنائهم الّذين قُتلوا في التفجير، من بينهم عسكريين في الجيش اللبناني ومدنيين من قرى عكّار. وعاد الأهالي بالذاكرة إلى ذلك اليوم الصادم وهم فوق بلائهم بموت أو إصابة أبنائهم يُعانون من خسارة مضاعفة. فمن خسروهم، هم غالباً المعيلون لعائلاتهم، منهم آباء ولهم أطفال في السنوات الأولى، ومنهم أشقّاء كانت وظائفهم المصدر الوحيد للدخل في الأسرة، ومن بينهم عناصر الجيش اللبناني. وكم من عناصر الجيش هم من أبناء عكّار التي لطالما صعب على أبنائها إيجاد فرص عمل فيها فالتحقوا بالجيش ليكون مصدر رزقهم. وهؤلاء يعاني أهاليهم اليوم من انخفاض قيمة الراتب التعويضي الذي يتقاضونه مع انهيار قيمة الليرة.

أمّا الجرحى، فهم أيضاً من المعيلين، وجزء منهم لهم أشقاء توفوا في التفجير فيما هم توقفت أمامهم الفرص مع الحروق التي لا يزالون يعانون منها حتّى اليوم، فيما يعجز آخرون ممن يعانون من تشوهات عن إيجاد فرصة عمل حتّى أنّ بعضهم باتوا لا يخرجون من المنزل، بحسب والدة أحد الجرحى.

وتحدث الأهالي عن المسافة التي يسلكونها للوصول إلى العدلية في بيروت تضعهم تحت وطأة ضغوط ماديّة شديدة وهم أساساً باتوا غير قادرين على تأمين حتّى كلفة قوتهم اليومي. فاليوم، توجّه الأهالي متضامنين مع بعضهم البعض في هذه المأساة: “نستدين من أقاربنا لنجمع أجرة باص ينقلنا من عكّار إلى بيروت”، تقول والدة أحد الضحايا المدعية في هذه القضيّة. وتُضيف، “نحن خسرنا أبناء، وأزواج معيلين لنا في هذا التفجير، وهم ماتوا بسبب الحاجة وليس لسبب آخر”. والمأساة أيضاً على من نجوا من التفجير ويعانون من آثار حروقهم حتّى اليوم، إذ أكد بعض الأهالي أنّ الجرحى أوقفوا علاجهم بعدما أن تخلّت عنهم الدولة بسبب ارتفاع كلفة العلاج والدواء. 

هلا تركي وهي والدة أحد الجرحى أتت كغيرها من الأهالي لتمثل في المحكمة عن ابنها الذي كان قاصراً يومها (17 عاماً). تقول لـ “المفكرة” “الحروق منتشرة في كامل جسده، وهو لا يزال حتّى اليوم غير قادراً على الوقوف لفترة طويلة”. تُضيف: “ينزل إلى فرن قريب ليتعلّم المهنة، لكنّه يتقدّم ببطء”. وتلفت هلا إلى أنّ “وزارة الصحّة امتنعت عن استكمال تغطيّة العلاج، ونحن غير قادرين على شراء الدواء له، فأوقفنا علاجه”. وتُضيف: “يحتاج لمرهم liboscar، سعره نحو مليون ليرة، من أين آتي بهذا المبلغ بشكل شهري؟”.

وكذلك هويدا إبراهيم والدة الضحية أحمد عثمان (29 عاماً)، الذي كان يخدم في الجيش اللبناني ولديه ولد، وتوفي في التفجير أثناء محاولته الحصول على بعض اللترات من البنزين كغيره من الشبّان. تقول أم أحمد: “مأساتي مضاعفة، خسرت أحمد فيما شقيقه خالد (27 عاماً) أُصيب بحروق بليغة”. وتُضيف: “تشّوه ابني، وهو اليوم لا يخرج من المنزل”. تتابع مستعيدة ذكرى ذلك اليوم الأليم “خالد كان من بين الّذين سافروا إلى الخارج لمتابعة علاجهم، خلال تهيئتهم للسفر في المطار سمع مراسلة أحد التلفزيونات اللبنانيّة تسميه شقيق الشهيد أحمد عثمان، وهكذا علم أنّ شقيقه توفي، وأُصيب بصدمة لم يتخطاها حتّى اليوم”.

وخالد أيضاً كان عسكرياً في الجيش اللبناني، وهو كغيره من الجرحى يواجه التقصير في تغطية نفقات علاجه، فحتّى المؤسسة العسكريّة قد قلّصت تغطيتها بحسب والدته، هذا عدا عن أنّ وزارة الصحّة لم تتدخل في الحالات الخاصة بعناصر الجيش. وختمت “نحن اليوم نعيش أنا وخالد وزوجة الراحل أحمد وابنها في المنزل، ليس لدينا معيل ونواجه الأمرّين في لقمة عيشنا وفي صحتنا”. وتلفت هويدا إلى أنّ أشخاصاً حاولوا إقناعها بتقاضي المال مقابل إسقاط حقها، إلّا أنّها رفضت المساومة على دم ولدها. وتشدد على أنّ “هدفنا الوصول إلى العدالة وإظهار الحقيقة كاملة”.

إلى جانبها وقفت هيام المحمود، والدة علاء كبيدات (38 عاماً)، وهو أيضاً كان عنصراً في الجيش. تقول إنّ لديه ولدين، أحدهما معّوق ويحتاج لمتابعة طبيّة مستمرة، فيما معيلهما الوحيد توفي تاركاً فقط راتبه الذي لا يكفي لشراء بعض المقتنيات البسيطة. تنفعل هيّام وهي تروي أنّ زوجها هو الآخر توفي بعد شهرين من الحادثة، “لم يتمكن من تحمّل المأساة، وتوفي من حزنه على علاء”.  تُضيف “أعصابنا اهترأت منذ عام ونصف، ولا أحد ينظر إلى ما نمر به”. وتطلب هيّام معرفة الحقيقة ومعاقبة من تسبب بهذه الكارثة.

ولفت عضو لجنة متابعة حقوق ضحايا وجرحى تفجير التليل يوسف وهبي إلى أنّ “الجرحى يتابعون علاجهم على نفقتهم، رغم إقرار القانون رقم 289 الصادر في 12 نيسان 2022 الذي ألزم وزارة الصحّة متابعة علاج جميع الجرحى مع تغطية نفقات الأدوية مدى الحياة”. كما لم يتقاض الأهالي المعاش التقاعدي الذي أقرّه القانون والمماثل للمعاش التقاعدي للجندي الشهيد في الجيش اللبناني. وكانت لجنة الأهالي قد راسلت قبل نحو شهرين وزارة الدفاع بهذا الخصوص لكن الأخيرة لم ترد عليهم بعد.

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، المرصد القضائي ، الحق في الحياة ، الحق في الصحة ، فئات مهمشة ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، محاكمة عادلة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني