“طفّيني الله يخليك طفّيني” عبارة عالقة في ذهن عبد المجيد الأحمد الناجي من تفجير التليل –عكّار الذي وقع ليل أمس الأوّل وراح ضحيّته 29 شخصاً وحوالي 79 جريحاً.
“كانوا عم يفضّوا البنزين من سطل لسطل والبنزين يدلق عالأرض”، يروي عبد المجيد الذي سارع للقدوم من بلدته الدوسة برفقة صهره محمد خالد شريتح لتعبئة “غالون” بنزين للاستعمال الشخصي بعدما انتشر خبر بأنّ الجيش يقوم بتوزيع مادة البنزين على أهالي المنطقة. وفي حين ترجّل محمد من السيارة واتّجه نحو الحشد، بقي عبد المجيد في السيارة يحاول ركنها وفي هذه الأثناء وقع التفجير. يروي عبد المجيد أنّ المئات كانوا متجمهرين في المكان لحظة وقوع الحادثة، حينها سارع للبحث عن صهره وخلال البحث كان يساعد الجرحى الذين طالتهم النيران: “كنت عم شلّح الناس كنزاتهم المحترقة”، ويقول إنّ العشرات لم يستطع مساعدتهم لأنّهم كانوا يعانون من كسورٍ في الأرجل واليدين.
عثر عبد المجيد أخيراً على صهره محمد وكان مصاباً بحروق في أنحاء جسده وقد نقل إلى إحدى مستشفيات المنطقة قبل نقله إلى مستشفى السلام في طرابلس. الآن يرقد محمد في المستشفى حيث يعاني من الحروق من الدرجة الثالثة والثانية في رجليه ويديه وظهره. وكان محمد خرج من منزله للبحث عن مادة أساسية تمكّنه من التنقل في سياراته، تاركاً وراءه ثلاثة أطفال أحدهم مصاب بالتوحّد وهو يحتاج إلى نقله إلى مركزٍ متخصّص، إلّا أنّ ذلك كان مستحيلاً مع ظلّ انقطاع مادة البنزين، والآن تعززت الاستحالة مع وجود محمد في المستشفى. وقد قتل في التفجير أربعة من أقارب محمد من عائلة شريتح (الشقيقان خالد وجلال والشقيقان حسين وفاضل).
700 شخص هرعوا لتعبئة البنزين
في مستشفى الجعيتاوي عيث يعالج 12 شخصاً، يرقد الجريح عدنان محمد مصاباً بحروق في يديه ورجليه ووجهه. لا يعلم محمد ما هي المدة الزمنية التي سيمكث فيها في المستشفى ولا يعلم متى سيعود إلى ابنته الصغيرة التي لم تتجاوز بعد الرابعة من عمرها، ولا يعلم إن كان سيتمكّن من احتضانها من جديد.
يروي عدنان وهو من الناشطين في منطقة عكار أنّ الجيش اللبناني عند الساعة الخامسة عصراً قرّر توزيع جزء من الوقود المصادر على أهالي المنطقة، وجلّهم من العسكريين. وانتشر الخبر كالنار في الهشيم عبر مجموعات واتسآب وفيسبوك، حيث تقاطر حوالي 700 شخص إلى المكان لذلك لم يعد الجيش قادراً على ضبط الوضع بحسب محمد، “كان في فوضى بطريقة التوزيع، الجيش ما كان قادر يضبط المئات من الناس”. ولم يكن الجيش مزوّداً بمعدات لسحب البنزين من الخزانات لتعبئتها وتوزيعها بطريقةٍ آمنة. ويقول محمد إنّه لولا حدوث إشكالٍ بين الأهالي ساهم في إبعاد الناس عن مكان الحادث لكان قضى عدد أكبر، فقد كانت مادة البنزين سائلة في الطريق يدوس عليها الجميع.
الجريح سمير خضر يطمئن ذويه عبر “المفكرة”
“من وقت الحادث ما قادرين نتواصل معه” يقول أحمد خضر ابن الجريح سمير خضر وشقيق الجريح عمر خضر (18 عاماً)، اللذين تمّ نقلهما إلى مستشفى الجعيتاوي التي ما زالت تعالج 12 جريحاً. يروي أحمد أنّ والده وهو عسكري متقاعد وشقيقه ذهبا مثل أهالي المنطقة لتعبئة غالونات بنزين، وهناك وقع التفجير وتم نقلهما إلى المستشفيات. وعبثاً يحاول أحمد وأخوته التواصل معهما لكن في ظل عدم توافر إرسال قوي لم يتمكّنوا من ذلك إلى اليوم من الحديث معهم للإطمئنان عنهما. “المفكرة” تواصلت مع والد أحمد في مستشفى الجعيتاوي الذي طمأن ذويه، وعبّر عن غضبه من الوضع المعيشي الذي أدّى بهم إلى هذه الحال. فعائلة سمير مكوّنة من ثمانية أفراد أصغرهم لم تتجاوز العاشرة من عمرها، وعلى الرغم من عمله في عدّة مهن إلّا أنّه من المحال أن يتمكّن من تأمين احتياجات عائلته، وأتت أزمة البنزين لتزيد الطين بلّة.
توزعت جروح خضر على اليدين والرجلين والظهر والبطن وهي من الدرجة الثانية والثالثة. ويروي لـ”المفكرة: “أنا كنت داعس عالبنزين، إجريي وإيديي بنزين، كانوا عم يعبّوا من الخزّان مباشرةً بإيديهن”، ويقول إنّه قام بإطفاء النار المشتعلة في جسمه عبر الارتماء على تلّة ترابٍ بقربه، وكان الناس من حوله يحترقون ويصرخون “الله أكبر” و”طفّوني الله يخلّيكم طفّوني”. نتيجة إصاباته، لم يتمكّن سمير من البحث عن ابنه في مكان الحريق لكنّه علم أنّه يرقد معه في المستشفى ذاتها وهو حتى الآن لم يلتق به بعد.
وعلى الرّغم من تبرّع ثلاثة دول باستقبال الجرح وهي تركيا والكويت والأردن، إلّا أنّ ثلاثة جرحى فقط نقلوا إلى تركيا ومنهم رائد حسن (24 عاماً) الذي طاول الحريق أنحاء جسده كاملاً. يقول شقيقه لـ”المفكرة” إنّ حروق رائد بليغة وحرجة للغاية، وهم لم يتمكّنوا من رؤيته منذ لحظة خروجه من المنزل ليل السبت.
الجعيتاوي: نحتاج المزيد من الأدوية والمستلزمات
أفادت إدارة مستشفى الجعيتاوي “لمفكرة” أنّها تعالج 12 شخصاً بينهم ثلاثة مصابين حروق بنسبة 100% في حين أنّ البقية تتراوح نسبة حروقهم بين 80 و70 في المئة، ويعاني ثلاثة أيضاً من كسور في الأرجل والأيدي. وعبّرت عن تخوّفها من حدوث نقصٍ في المستلزمات الطبية خصوصاً أنّ حالات الحروق عادةً ما تتطلّب مدة زمنية طويلة لتلتئم بالإضافة إلى مستلزمات وأدوية خاصّة. وأوضحت الإدارة أنّه وإن كانت هذه الاحتياجات متوفّرة اليوم بفعل المساعدات إلّا أنّها يمكن أن تنقطع لاحقاً.
وقد توزّع العدد الأكبر من الجرحى على مستشفى السلام طرابلس والجعيتاوي إضافة إلى سيدة المعونات ومستشفى الجامعة الأميركية. ويعالج الجرحى على نفقة وزارة الصحة عدا المشمولين بالضمان الاجتماعي والجرحى العسكريين الذين يتلقّون العلاج على نفقة المؤسسة العسكرية والسوريين الذين يتلقّون العلاج على نفقة الأمم المتحدة.
كذلك قامت دول عدّة بإرسال المساعدات والمستلزمات الطبية منها الكويت الإمارات والأردن كذلك مصر التي وصل منها وفد طبّي متخصّص بالحروق يجول على المستشفيات لتقديم المساعدات اللازمة.
وقد أفاد جوزيف الحلو مدير العناية الطبية في وزارة الصحة في حديث لـ”المفكرة القانونية” عن العثور على أشلاء جديدة عبارة عن “عظمتين” تحتاجان إلى فحصٍ للحمض النووي إضافة إلى كيسين من الأشلاء عثر عليهما أمس، ما قد رفع الحصيلة إلى 30 ضحية.