المواطنون الأكثر ثراء في مصر بين الامتياز الطبقي والحقّ في المدينة


2021-06-14    |   

المواطنون الأكثر ثراء في مصر بين الامتياز الطبقي والحقّ في المدينة
كنيسة البازليك (جريدة الشروق)

يشهد شهر رمضان من كلّ عامٍ في مصر عدداً كبيراً من إعلانات المجتمعات السكنية والمُنتَجات الاستهلاكية، يرافقها تكاثر حملات طلب التبرّعات التي تُظهر العديد من مظاهر الفقر والتهميش. غالباً ما تثير هذه الإعلانات جدلاً عامّاً حادّاً حول الفوارق والامتيازات الطبقية التي يعيش فيها البعض. فمثلاً، أثار هذا العام إعلانُ أحد المنتجعات السكنية الجديدة الجدل إذ جمع نخبة من المشاهير يقارنون بين فرعيه وكلّ منهما سعره شديد الارتفاع. أمّا في العام الماضي، فقد أحاط الجدل بأحد التجمّعات العمرانية الجديدة الذي صوّر الحياة مثالية متكاملة داخله حتّى إنّه أشار إلى وجود حسّ جمعي (community) يتميّز عن باقي المدينة.

لم يحظَ تعريف وحدود الطبقات الاجتماعية في مصر ببحث ممنهج. فغالباً ما يتمّ التعامل مع الفقر والثراء كثنائيات واضحة ومحدَّدة يوصف ما بينها بأنّه “طبقة وسطى” وهو مصطلح يصف حقائق شديدة التباين. يشرح باحث الأنثروبولوجيا صامولي شيلكه أنّ مصطلح الطبقة الوسطى يتضمّن من ناحية مواطنين “لديهم شهادات عليا مع إمكانيّات مادّية محدودة” ومن ناحية أخرى “مواطنين أثرى وأقوى من عسكريين وقضاة ورجال أعمال”. كما يضيف أنّ مصطلح الطبقات الوسطى العليا يصف مواطنين من أصحاب مداخيل أعلى بكثير من المتوسّط من “أصحاب المهن الحرّة الذين لديهم رأس مال اقتصادي وثقافي”؛ بحسب شيلكه، تتألّف هذه الطبقة الوسطى العليا ممّن يمكن تسميتهم “الطبقة البورجوازية” في التحليل الماركسي[1].

وسط هذا الإبهام، تبدو ظروف السكن أحدَ أهمّ المؤشّرات الموضوعية للموقع الطبقي. فبشكل عامّ، يمكننا القول إنّ معرفة منطقة سكن الشخص أو العائلة ونصيبه في السوق العقارية (مالك- مستأجر- مالك لعدّة وحدات وأين تقع هذه الوحدات) تؤشّر إلى حجم وطبيعة الامتيازات الطبقية التي يتمتّع بها.

تحدّثنا في مقالة سابقة عن مشروع إعادة التخطيط العمراني الذي يتّبعه النظام الحالي بشكل ممنهج منذ 2015، وإشكاليّة غياب عنصر التكلفة الإنسانية والاجتماعية عن الحسبان في هذا المشروع. انطلاقاً من هذه النقطة، تتساءل هذه المقالة عن موقع المواطنين الأكثر ثراء، وتحديداً الشرائح العليا من الطبقة الوسطى، في هذا المشروع وإلى أيّ مدى تُتَرجَم امتيازاتهم الطبقية العقارية أو غيرها بحقٍّ في المدينة. فهل تمنح هذه الامتيازات أصحابها صوتاً في اتّخاذ القرارات التي تخصّ تخطيط المدينة وتنظيمها؟

تركّز المقالة على منطقتَيْن سكنيتَيْن داخل القاهرة القديمة، وهما مصر الجديدة والزمالك اللتان عبّر سكّانهما أكثر من مرّة خلال الأعوام الماضية عن رفضهم بعضَ جوانب مشروع التخطيط العمراني التي تمسّ طبيعة منطقتهم السكنية والنظام المألوف لحياتهم اليومية. لكلّ من مصر الجديدة والزمالك تاريخ طويل ومتفرّد وتشكيل طبقي معقَّد لن نتناوله هنا. لكنّنا نرى أنّ المنطقتين تعبّران عن مستويَيْن مختلفَيْن إنّما متقاربَيْن من الامتياز الطبقي لا يكفي مصطلح الطبقة الوسطى العليا لوصفه. لذلك اخترنا التعبير عنه بوصف سكّان هاتين المنطقتين بأنّهم “أكثر ثراء” وليس بالضرورة “الأثرى” في المطلق، إذ إنّهم “أكثر ثراء” من الغالبية العظمى من المواطنين.

نبدأ برصد بعض المواقف المختلفة التي عبّر فيها أهالي المنطقتين عن رفضهم بعض مشاريع إعادة التخطيط العمراني والأدوات التي استُخدمت للتعبير عن هذا الرفض والنتيجة والأثر على المشروع. ثم نحلّل ظاهرة تكوّن مساحات إلكترونية محلّية تتناول إشكاليّات المنطقة وأخيراً نقدّم تحليلاً نقدياً يفكّك بعض التصوّرات عن علاقة المواطنين “الأكثر ثراء” بالمدينة، بخاصّة في ظلّ استمرار نزوحهم خارجها نحو التجمّعات العمرانية الجديدة.

الزمالك بين المترو وعين القاهرة

لعلّ إحدى أهمّ القضايا التي أرّقت سكّان حيّ الزمالك هي مرور خطّ المترو الثالث داخل منطقتهم. يعود هذا المشروع إلى عام 2012، وقد أبدى السكّان رفضهم إيّاخ منذ الإعلان عنه وما زال الرفض يتجدّد حتّى مع قرب موعد افتتاحه.

استخدم أهالي الزمالك أدوات عديدة للتعبير عن رفضهم: لافتات غاضبة تظهر من وقت لآخر في شوارع المنطقة، حملات تدوينية على وسائل التواصل الاجتماعي، عرائض (Petitions)، وتقديم الشكاوى على مستويات عدّة، حكومية وغير حكومية. فمثلاً، في 2012، تقدّم أهالي المنطقة بشكوى للبنك الاستثماري الأوروبي، أحد البنوك المانحة لتمويل مشروع المترو. أمّا في 2017 فقد تمّ التهديد باللجوء إلى النزاع القضائي الدولي واللجوء بالفعل إلى التقاضي المحلّي أمام القضاء الإداري.

تعدّدت حجج الرافضين، ومنها أنّ مترو الأنفاق يمثّل خطورة على البنية التحتية للمنطقة وعلى مبانيها الأثرية، أو أنّه يؤثّر على تركيبتها الطبقية، وهي الحجّة التي حظيت بأكبر قدر من التركيز، على الأقلّ في وسائل الإعلام. ففي كلّ مرّة يتجدّد رفض سكّان الزمالك يُقدَّم الموقف على أنّ “أثرياء الزمالك” أو “هوانم وباشوات الزمالك” يعترضون على مترو الأنفاق لأنّه سيزيد من تواجد الباعة الجائلين والميكروباصات وغيرها.

لم يخرج عن هذا الخطّ سوى موقف واحد ركّز فيه الاعتراض على مصير إحدى العمارات السكنية التاريخية التي سكنتها شخصيّات عامّة ومشهورة عديدة خلال القرن العشرين والتي اهتزّت أساساتها وكادت تسقط بسبب الحفر بجانبها. على أنّ هذه الحجج لم تؤثّر على التقدّم في مشروع مترو الأنفاق المتوقَّع الانتهاء منه عام 2023.

بالإضافة إلى قضيّة المترو المستمرّة، احتجّ سكّان منطقة الزمالك على مشروع آخر أُعلن عنه في يناير 1202 وهو مشروع عين القاهرة Cairo Eye. تقدّمت شركة New Hawaii for Tourism and Investment بفكرة إنشاء عجلة ترفيهية ضخمة، هي الأولى من نوعها في الشرق الأوسط وأفريقيا، داخل حديقة المسلّة في الزمالك بهدف جذب السياحة العالمية وخلق فرص عمل متعدّدة. تعالت الأصوات المعارضة للمشروع منذ الإعلان عنه نظراً إلى الخطورة التي يمثّلها على البنية التحتية والظروف البيئية للمنطقة بالإضافة إلى الاختناقات المرورية الشديدة التي ستنتج عنه. لم يعترض سكّان الزمالك وحدهم على المشروع بل انضمّت إليهم أصوات العديد من الشخصيات العامّة وأصحاب الأعمال والإعلاميين وحتّى بعض القيادات الحكومية. وصلت القضية إلى البرلمان في فبراير 2021 وطلبت لجنة السياحة في البرلمان الإحاطة بتفاصيل المشروع، ودعا النوّاب إلى إعادة النظر فيه واستكمال البحث، كما انتقدته وزارة البيئة.

بدا أنّ المشروع توقّف بعد اعتراض البرلمان ووزارة البيئة وغيرهما من الجهات الحكومية على المشروع، أو على الأقلّ توقّف الحديث عنه. لكن، حتّى الآن لا يزال مصيره غير مؤكد. فهل تمّ إلغاؤه أم تأجيله أم تغيير موقعه أم أنّه ما زال قائماً كما كان؟

مصر الجديدة وإشكاليّة الكباري

في الجانب الآخر من القاهرة، بقي سكّان حيّ مصر الجديدة في منأى نسبي عن مشاريع التخطيط العمراني حتّى عام 2019 الذي أُعلن خلاله عن خطّة إنشاء خمسة كباري جديدة لزيادة السيولة المرورية في المنطقة. بدأ تنفيذ أوّل كوبري بنزع عدد من الأشجار والمساحات الخضراء في أحد الشوارع الرئيسية في مصر الجديدة ما أثار حفيظة السكّان وتعالتْ أصواتهم المعارِضة مندِّدَةً بما سُمِّي “مذبحة الأشجار”. كما أشاروا إلى أنّ الكباري ستؤدّي إلى تغيير جذري في طابع المنطقة وجغرافيّتها المألوفة. ومع تقدّم بناء الكباري، تركّز الرفض على حجّتين: الأولى، الخطورة الناتجة عن تحوّل شوارع المنطقة إلى طرق سريعة مع غياب الترتيبات الكافية لعبور المشاة والدوران للخلف ما رفع عدد الحوادث بشكل ملحوظ، على الأقلّ وفقاً لملاحظات السكّان؛ الثانية، أهمّيّة الحفاظ على المساحات الخضراء القليلة التي يندر وجودها في القاهرة.

في مصر الجديدة، كان التعبير عن الرفض يتمّ أساساً في المساحات الإلكترونية: مشارَكة الصور والأوسمة المعارِضة وتوجيه النداء إلى المسؤولين للتدخّل مع تقديم الاقتراحات البديلة والتغطية الإعلامية. ولم يؤثّر إلّا في حالة واحدة، وهي الأهمّ والأحدث: الاحتجاج على الشروع في بناء كوبري يمرّ بجانب (أو فوق) كنيسة البازيليك. هنا كان الاعتراض أكثر حدّة وتعدّدت وسائل التعبير عنه. بالإضافة إلى الوسائل الإلكترونية من مجموعات وبيانات وأوسمة “لا لبناء كوبري البازيليك”، ظهر سكّان المنطقة في وسائل إعلام مختلفة للتعبير عن احتجاجهم وتوقيع عرائض من الأهالي. انضمّ عددٌ من الجمعيّات الأهلية في المنطقة إلى الأهالي في معارضتهم، بخاصّة تلك المهتمّة بالتراث المعماري، بالإضافة إلى تركيز وسائل الإعلام وتضامُن أعضاء مجلس النوّاب وشخصيّات عامّة. ركّز الاحتجاج على الطابع التاريخي لهذا الميدان ورمزيّته بالنسبة إلى المنطقة والأهمّيّة المعمارية لكنيسة البازيليك وأخيراً لوجود بديل آخر واضح وسهل التحقيق (تغيير اتّجاهات الشوارع في الميدان). بعد يومين، تمّ الإعلان عن أنّه لم تكن ثمّة نيّة لبناء كوبري في هذه المنطقة وأنّ المعدّات كانت موجودة لهدف آخر.

نستنتج من هذا الرصد السريع لمواقف سكّان منطقتَيْ الزمالك ومصر الجديدة الرافضة لبعض جوانب مشروع إعادة التخطيط العمراني أنّ الامتياز الطبقي الذي يحظى به سكّان هذه المناطق (مع اختلافه وتركيبه بين المنطقتين) لا يُترجَم بصوت واضح ومؤثّر في مشروعات تخطيط المدينة إلّا في حالات استثنائية مثل عين القاهرة وكوبري البازيليك. وفي حقيقة الأمر، إنّ تعطيل أو توقيف هذه المشاريع يعكس تضافر عوامل عدّة قد يكون أو لا يكون لها علاقة باعتراض السكّان، بل تضمّن الأمر في الحالتين المذكورتين تقاطعَ فاعلِين عديدين من شخصيّات عامّة وجمعيّات وغيرها في تعبيرهم عن الرفض، والنتيجة في الواقع ما زالت مبهمة.

مساحات محلّية إلكترونية: بين الشكاوى والهويّة

إذا كان التعبير عن رفض إعادة التخطيط العمراني من ذوي الامتيازات الطبقية لا يؤثّر بشكل جذري في قرارات التخطيط، فالجدير بالذكر أنّه يتزامن مع تكوين مساحات إلكترونية (مجموعات وحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي) تتعدّى موضوع الرفض الأصلي (مشروع كوبري أو مترو) لتشكّل مساحات لتداول الشكاوى اليومية على المستوى المحلّي مثلاً للتعليق على المحالّ التجارية التي تشغل الطريق أو مشكلات في الطرق والشوارع وتبادل الآراء وإيجاد الحلول. ومن الملاحَظ من متابعة بعض مجموعات منطقة مصر الجديدة أنّه كثيراً ما يصاحب النقاش في هذه المساحات نداء إلى المسؤولين سواء في الإدارة المحلّية، وعلى الأخصّ الحيّ، أو حتّى مؤسّسات الدولة من رئاسة الجمهورية أو رئاسة الوزراء أو الرقابة الإدارية من خلال وضع رابط صفحاتهم. تلقى هذه المساحات أحياناً تجاوباً من الإدارة المحلّية من خلال تعليقات المسؤولين مثلاً على مشاركات المواطنين أو الدعوة إلى اجتماعات لتلقّي الشكاوى. يأتي هذا في إطار توجّه عامّ من الدولة بمؤسّساتها المختلفة للتواجد والتفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي. لا تنفرد مصر الجديدة بوجود هذه المساحات الإلكترونية؛ فهي توافق توجّهاً أكثر عموميّة في مناطق عديدة. لكن تتميّز تلك التي نذكرها بتقاطعها مع لحظات الاعتراض على مشاريع التخطيط العمراني في المنطقة: سواء من ناحية توقيت تكوينها أو زيادة أعضائها وأهمّيّتها إثر لحظة احتجاج.

تمتزج الشكاوى العملية ومناداة المسؤولين في هذه المساحات بالرثاء لحال المنطقة وما آلت إليه بسبب الدخلاء. إذ كثيراً ما يُربَط بين المشكلة الحالية (مثل محلّ يشغل الطريق أو صعوبة السيولة المرورية في أحد الشوارع) وتطوّر التركيبة الطبقية للمنطقة من نزوح سكّان مناطق أفقر أو أكثر شعبية إليها مثلاً. لا شكّ إذاً أنّ هذه المساحات الإلكترونية المحلّية كما لاحظنا في حالة مصر الجديدة تغذّي فكرة وجود هويّة مرتبطة بالمنطقة تميّز سكّانها. وتساعد هذه المساحات الإلكترونية على إعادة إنتاج التصوّرات الذهنية عنها من خلال مشاركات المواطنين. تتكرّر مثلاً فكرة الحنين إلى زمن قديم في نشر صور عن ماضي المنطقة. والماضي هنا مصطلح مُبهَم، يعود أحياناً إلى أواخر القرن التاسع عشر أو أوائل العشرين مع بناء مصر الجديدة، وأحياناً أخرى إلى الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، علماً أنّ تاريخ المنطقة يعود إلى أكثر من مئة عام. وتأتي تعبيرات عن “الرقي”- الذوق” –”الجمال” بل و”الأخلاق” لتصاحب فكرة الحنين إلى ماضٍ أفضل تميّزت فيه المنطقة وسكّانها عن الغير.

وهكذا يظهر تناقض هذه المساحات الإلكترونية في كونها حاضنة للتصوّرات عن التميّز الطبقي (distinction) حتّى بالرغم من تقاطعها مع لحظات تثبت عدم تحوّل هذا التميّز إلى امتياز (Privilege) وحقّ في المدينة سواء في التخطيط بشكل عامّ أو في مواجهة المشاكل اليومية. لا يعني ذلك تساوي المواطنين أمام مشاريع التخطيط العمراني التي تؤثّر عليهم بشكل مباشِر بل يقترح أنّ الامتياز الطبقي في حالة سكّان مناطق مثل مصر الجديدة والزمالك يُترجَم بالفعل في وجود بديل أمامهم وهو النزوح إلى المجتمعات العمرانية الجديدة، فيما يبدو متماشياً مع خطّة الدولة. إلّا أنّه وبعكس التصوّر العامّ، كثيراً ما يظهر هذا البديل كهزيمة تعكس فقدان الحقّ في المدينة.

النزوح خارج المدينة: نحو تصوّرات أدقّ للامتياز الطبقي

إنّ نزوح سكّان الطبقات الأكثر ثراءً خارج القاهرة إلى المجتمعات العمرانية الجديدة يعود على الأقلّ إلى عشرين عاماً وتمّ رصده في العديد من الدراسات[2]. أصبحت هذه التجمّعات شيئاً فشيئاً تمثّل امتيازاً طبقياً في حدّ ذاتها. فتملّك مسكن (أساسي أو ثانوي) في تجمّع عمراني جديد أصبح امتداداً طبيعياً للنمط الاستهلاكي المرتبط في التصوّر العامّ بالثراء كما أشرنا في المقدّمة. على أنّ التصوّرات عن هذا الامتياز تتغيّر مع زيادة وتنوّع العرض لهذه التجمّعات. ففي العام الماضي مثلاً، حين ظهر إعلان أحد هذه التجمعات ليعكس حياة مثالية وهويّة طبقية متميّزة، جاءت بعض التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي لتوضح أنّ هذه المدينة ليست الفضلى ولا الأغلى بين التجمّعات العمرانية، بل غيرها من المدن أغلى سعراً وأكثر حصريّةً وبالتالي، أكثر نخبويّةً. فإذا كانت الأنماط الاستهلاكية بخاصّة السكن مدخلاً ذا حيثيّة لتعريف الطبقات الاجتماعية ودراسة تحوّلاتها فلا بدّ أن يصاحب هذا المدخل تصوّرٌ واقعي وديناميكي عن الأسواق. بمعنى آخر إنّ فهم السوق العقارية وتحديداً التجمّعات العمرانية الجديدة خطوة أساسية لاستخدامها في التحليل الدقيق للتحوّلات الطبقية في مصر.

وفي هذا الإطار، لا بدّ أيضاً من التفريق بين التصوّرات والحقيقة المُعاشَة للسكّان الأكثر ثراءً. فبينما ينزح الكثير من سكّان “المناطق القديمة” في القاهرة إلى خارجها كامتداد لتميّزهم الطبقي، وفي بعض الأحيان كصعود طبقي لهم أو لأبنائهم؛ يراها البعض ضرورة مفروضة للهروب من توابع إعادة التشكيل الطبقي التي تشهدها المنطقة. فالمنطقة لا تشهد مجرّد إعادة تخطيط عمراني، بل اجتماعي أيضاً؛ الأمر الذي يُشعِر بعض سكّان هذه المناطق بفقدان امتيازهم الطبقي مع فقدهم للمساحة المألوفة.

هل من مكان للمواطنين الأكثر ثراءً في مشروع النظام الحالي الاقتصادي والاجتماعي؟

خاتمة، تطرح هذه المقالة مقترحاً يفيد بأنّه بينما نفكّر في تعريف الطبقات الاجتماعية في مصر وتحوّلاتها، لا بدّ من الفصل بين التصوّرات، الذاتية أو الموضوعية عن التميّز الطبقي والامتيازات الفعلية التي تتوافر للمواطنين الأكثر ثراء في مصر. فقد رأينا أنّه على الرغم من استمرار، لا بل تزايد شعور المواطنين من الطبقات الأكثر ثراء بتميّزهم لا يُعَدُّ الحقّ في المدينة وفي الصوت المؤثّر في تشكيلها وتحوّلها من ضمن الامتيازات الطبقية التي يتمتّعون بها. فالامتياز يتوقّف عند وجود حلّ بديل، الخروج من المدينة. مرّة أخرى، لا تدّعي هذه المقالة أنّ المواطنين متساوون أمام الظروف الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية. لكن، بالقياس على الحقّ في المدينة، من الممكن أن نتساءل عن مكان ومساحة المواطنين الأكثر ثراء في المشروع الاقتصادي والاجتماعي للنظام الحالي.

لقراءة المقال بنسخته الانجليزية

 

 

  1. Schielke, S., & Shehata, M. S. (2016). The writing of lives: An ethnography of writers and their milieus in Alexandria. (ZMO Working Papers, 17). Berlin: Zentrum Moderner Orient.
  2. نذكر منها عدة مساهمات في كتاب :Singerman, Diane, Paul Amar, and Paul Edouard Amar, eds. Cairo cosmopolitan: politics, culture, and urban space in the new globalized Middle East. American Univ in Cairo Press, 2006.
انشر المقال

متوفر من خلال:

بيئة ومدينة ، سلطات إدارية ، حركات اجتماعية ، قرارات إدارية ، الحق في السكن ، أملاك عامة ، بيئة وتنظيم مدني وسكن ، مصر



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني