القطب القضائي المتخصص في قضايا الفساد: تأخير في الانجاز وغياب ارادة الاصلاح


2013-01-14    |   

القطب القضائي المتخصص في قضايا الفساد: تأخير في الانجاز وغياب ارادة الاصلاح

أعلنت وزارة العدل التونسية يوم 10 جانفي 2013 عن انتهائها من الإعداد المادي لشروع القطب القضائي المتخصص في قضايا الفساد في مباشرة أعماله. وبينت المصادر الرسمية أن الهيكل القضائي المستحدث سيتعهد بالبحث في قضايا الفساد المالي ومساءلة الفاسدين ومحاسبتهم وهو ما سيسرع عملية فتح ملفات الفساد الكثيرة و تطبيق القانون. صادف الإعلان عن قرب انطلاق أعمال القطب القضائي المتخصص يوم الوقفة الاحتجاجية التي نظمتها جمعية القضاة التونسيين أمام المجلس الوطني التأسيسي للمطالبة بإنهاء حالة الإهمال الرسمي لملف إصلاح القضاء وكان الإعلان بالتالي في توقيته رسالة موجهة للقضاة مفادها أن اتهاماتهم لوزارة العدل بتقصيرها في إصلاح القضاء غير مؤسس. اذ تعتبر وزارة العدل مبادرتها بتصور فكرة بعث قطب قضائي متخصص في البحث التحقيقي في قضايا الفساد دليلا على جدية عملها في تحقيق المحاسبة للفاسدين كأحد استحقاقات الثورة التونسية؛ كما تقدر الوزارة من جهة أخرى أن تصورها للهيكل القضائي المتخصص الذي وفرت له مقرا خاصا واطارا بشريا متفرغا دليل على مباشرتها لتصورات عملية لتحسين ظروف العمل بالمحاكم.
حرصت وزارة العدل عند اعلانها نهاية السنة القضائية 2011-2012 عن مبادرتها على ابراز أنها تخيرت القضاة الذين سيباشرون العمل بالقطب القضائي وفق معايير الكفاءة والنزاهة وبينت أنها وفرت لهم تكوينا متخصصا سيضمن حسن اضطلاعهم بمهامهم. وتذكر المصادر الرسمية أن القطب القضائي سيتعهد بمجرد افتتاحه بالبحث في أكثر من ألف وخمسمائة قضية فساد مالي وإداري وتعد بأن تكون مبادرتها سببا في تسريع الفصل في القضايا المذكورة وتجاوز ما اعترى البحث في قضايا الفساد من بطء خلال الفترة السابقة.
ورغم أن بعث هيكل قضائي متخصص في القضايا المالية كان من الإصلاحات التي طالب بها القضاة والحقوقيون عقب الثورة، فان المنجز يبقى دون المأمول. فقد كان ينتظر أن يكون القطب القضائي محكمة متخصصة دائمة تضمن رقابة قضائية ناجعة على الفساد المالي والإداري وأن تتوفر لها هيكلة تستجيب لخصوصية عملها وأن ترصد لها إمكانيات مادية وبشرية تساعدها على المكافحة القضائية للجرائم المالية التي تتميز بتشعبها وبصبغتها العابرة للحدود.
غير أن تأسيس القطب القضائي المعلن عنه يبقى دون هذه الانتظارات: فقد بينت وزارة العدل أنها لم تتمكن من بعث محكمة مختصة (انما فقط قطب) لكون ذلك يستوجب إجراءات قانونية لم تنتهجها، فإحداث محكمة جديدة يفترض صدور نص قانوني بهذا الشأن وهو ما لم يحصل. ويستفاد من ذلك أن القطب القضائي ليس في واقعه إلا فضاء يستقل مكانيا عن المحكمة الابتدائية بتونس دون أي استقلال وظيفي عنها. فهذا القطب أتى فعليا استجابة لرغبة في معالجة البطء بالبت في قضايا الفساد المالي التي طالت عددا من مسؤولي النظام السابق ورجال الأعمال دون أن يؤسس لرؤية إصلاحية فعلية للمنظومة القضائية.
جسد بعث القطب القضائي التعاطي الرسمي مع ملف اصلاح القضاء فبين أن الجهة الرسمية تحدد أهدافا هامة وتعجز عن توفير الشروط الموضوعية لتحقيق ذلك فتلجأ فعليا لحلول تلفيقية تسوق على أنها الانجاز العملي لبرنامجها الطموح. ويجدر الذكر بأن الاعلان عن بعث القطب حصل قبلما يناهز السنة فيما حصل تعيين القضاة وكتبة المحكمة الذين سيعملون فيه منذ ما يزيد عن نصف سنة، واكتفي منذ ذلك الحين بتجهيز مقر المحكمة دون المبادرة لاستصدار أمر من رئيس الحكومة يجعل من القطب القضائي محكمة. والواقع أن رفض الوزارة التفاعل ايجابيا مع ما تمسكت به جمعية القضاة من ضرورة ابراز شفافية في قواعد تعيين القضاة الذين سيعملون بالقطب القضائي يختزل حالة الارباك التي يعرفها التعاطي مع ملف اصلاح القضاء والذي يحكمه عنوانان: التأخير في الانجاز وغياب الارادة في ارساء اصلاح جذري.
م.ع.ج 

انشر المقال

متوفر من خلال:

غير مصنف



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني