العزلة مصير ست قرى في الضنية إثر انهيار حائط دعم يعود إلى 8 عقود


2024-02-20    |   

العزلة مصير ست قرى في الضنية إثر انهيار حائط دعم يعود إلى 8 عقود

حالة من العزلة فرضها الانهيار التام لحائط الدعم العائد تاريخ بنائه إلى أكثر من 8 عقود في بلدة السفيرة الضنية، قاطعًا الطريق الحيوي الرابط بين ست قرى هي السفيرة، بيت حاويك، دبعل، كفربنين، حوّارة، وجيرون. مرَّ الانهيار بمراحل ثلاث، بدءًا من 12 كانون الثاني عندما انهار جزء من حائط الدعم، وأدى إلى تضرّر جزئي للطريق. ومن ثمّ، اتساع نطاق الانجراف بتاريخ 5 شباط، وصولًا إلى سقوط كامل الجدار الحجري أمس الإثنين.

وقد تمّ إخلاء مبنيين سكنيين في بلدة السفيرة واقع في دائرة الانهيار، أحدهما مؤلّف من 5 طوابق والآخر 6  بالإضافة إلى المدرسة الرسمية.

ويأسف علي خضر حسون رئيس بلدية السفيرة عدم اتخاذ الدولة أيّ إجراءات حاسمة لمنع الانهيار، رغم مرور شهر على مؤشّراته الجدية والخطرة. ويلفت حسون إلى أنّ “الحائط الحجري المبني من 80 عامًا على أكوام الردم، تعرّض للانجراف”، و”سبق أن تعرّض لانهيارات جزئية في السابق، حيث كانت وزارة الأشغال تقوم بتدعيمه”. 

عرقل انهيار الطريق الحياة في السفيرة التي تملك حجمًا وازنًا في المعادلة الضنّاوية، ويبلغ عدد الناخبين فيها حوالي 7 آلاف، وتمتدّ على مساحات حرجية واسعة، وتضمّ حصنًا أثريًا يعود إلى الحقبة الرومانية، وتمتد من علو 800 متر عن سطح البحر، وتتجاوز الألف و800 متر في أعلى المنحدر. كما قيَّد الانهيار من حرّية الحركة والتنقل للسكان المقيمين في القرى الست الذين يعتمد أغلبيتهم على الزراعة، ويلتحق أبناؤهم بالمدارس الموزّعة في المحيط، معززًا الشعور بالمظلومية لديهم الناتج عن غياب الإنماء المتوازن، وعدم جهوزية المرافق العامة لمواجهة الكوارث.

عودة الحياة المعقّدة

أرخى انهيار جدار الدعم بظلاله على الحياة اليومية لسكان بلدة السفيرة والقرى المحيطة. واضطر المارّة إلى تعديل خط سيرهم اليومي، والعودة إلى إحدى الطرق الفرعية التي تمرّ داخل القرية. عانى العابرون من طول الانتظار، ولم يخلُ الأمر في الواقع من بعض المشاحنات، فالطريق لا تكفي لمرور أكثر من سيارة واحدة بسبب شقّها بين المنازل، وتكرر احتكاك بعض السائقين بحواف الأبنية أثناء العبور. يروي بشار أنّ “الرحلة من بلدته السفيرة، إلى مدرسته في وسط الضنية، استغرقت وقتًا طويلًا جدًا وقد اضطرّ إلى سلوك طريق التفافية عبر بلدة بيت الفقس، وتكبّد عناء المسافة، وزحمة السير”، موضحًا أنّه “يفكر حاليًا بالانتقال إلى طرابلس لأنّ إصلاح الطريق سيستغرق وقتًا طويلًا بفعل الأضرار الجسيمة”.

كما يستغرب أهالي السفيرة عدم القيام بالخطوات الجدّية والفعّالة لمواجهة الانهيار. وتقول المواطنة ثناء “لم يأت الانهيار وليد اللحظة والصدفة، جاء على مراحل، واستغرق أكثر من شهر. في الشهر الماضي، انهار جزء منه، وأحدث شقوقًا جدّية في الطريق، واستمرّ بالاتساع، ولكن لم يتدخّل أحد لوقفه، وصولًا إلى انهياره بشكل كامل، وفرض العزلة على الآلاف من المواطنين”.

الانهيار ليلاً

رغم هول الكارثة إلّا انّ أهالي السفيرة يعبّرون عن ارتياحهم لحدوث الانهيار ليلًا، وهو ما جنّب المنطقة كارثة أكبر، بفعل اعتياد مجموعات من الشباب الجلوس على مقربة من مركز جمعية المرأة أي مكان الحادث. ويلفت جهاد اليخني، رئيس مركز الدفاع المدني في السفيرة، عبر “المفكرة القانونية” إلى أنّ “حدوث الانهيار على مراحل، أعطى الفرصة لإجراء عمليات الإخلاء”، مشيرًا “عند السادسة من مساء أمس الاثنين (19 شباط)، بدأت بوادر الانجراف، مما دفع فرق الدفاع المدني إلى رفع الجهوزية، ومنع المواطنين من الاقتراب إلى أن وقع الانهيار التام، وإغلاق الطريق”، ويضيف: “ينتظر أبناء المنطقة تحرّك وزارة الأشغال، والمعنيين، ونواب المنطقة لرفع الركام، وإصلاح الطريق”.

كما يتطرّق اليخني إلى وضع مركز الدفاع المدني في السفيرة، مميّزًا بين وجود طواقم بشرية مدرّبة، وغياب التجهيزات لمواجهة الكوارث. حيث يضمّ المركز 9 أفراد صدر قرار تثبيتهم في شهر آب 2023، بالإضافة إلى 17 عنصرًا متطوّعًا من بين أبناء المنطقة”. في المقابل، لا تتوفّر للمركز سوى سيارة إطفاء واحدة، وجرافة “بوبكات” صغيرة الحجم، وسيارة إسعاف معطّلة، وبالتالي، يقتصر دور الجهاز على الإخلاء، فيما تقع مسؤولية رفع الركام وإعادة بناء الجدار والطريق على البلديات والحكومة اللبنانية، وقد “تولّت الفرق إخلاء مبنيين سكنيين أحدهما مؤلف من 5 طوابق والآخر من 6 في بلدة السفيرة واقع في دائرة الانهيار، كما قمنا بإخلاء المدرسة الرسمية، للحؤول دون سقوط ضحايا”.

لا يمكن الانتظار

يطالب أبناء السفيرة الدولة بإتمام واجباتها سريعًا لإعادة الحياة إلى القرى الست، ويؤكد رئيس بلدية السفيرة علي خضر حسون على وجوب رفع الردم، وإعادة تأهيل الطريق، وحائط الدعم، لأنّه “لم يعد هناك سوى مجرى المياه”. كما أنّ الضرر لا يقتصر على السفيرة، وإنّما يمتد إلى القرى المحيطة بسبب عدم وجود بديل إلّا من خلال طريق فرعي، قام أحد المواطنين بشقه، ولا يصلح إلا لسيارات الدفع الرباعي”.

كما يكشف عن تواصله مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ووزير الأشغال علي حمية، والهيئة العليا للإغاثة، مستبشرة خيرًا بوعود أطلقها الوزير حميّة لناحية الإسراع بالدراسة التي تقوم بها شركة رفيق خوري الاستشارية، مضيفًا “تواصلنا معهم، وجاء الوعد بإنجاز الدراسة وإرسالها إلى وزارة الأشغال خلال يومين”.

يجيب حسون عن سؤال “المفكرة” له حول الإجراءات التي قامت بها البلدية لدفع الخطر، وتأمين طريق بديلة، شاكيًا من عدم توافر الأموال في موازنة البلدية على غرار كافة البلديات في لبنان، والتي “تساوي الصفر”، ولا “تمتلك البلديات ثمن صفيحة مازوت لشاحنة رفع النفايات في القرية”. ويضيف: “قامت البلدية بواجبها من خلال إخلاء المساكن، والتعاون مع الهيئة العليا للإغاثة لتقديم بدلات إيواء، كما قامت بنقل طلاب المدرسة الرسمية إلى مبنى ثانوية السفيرة. فيما تقع على الدولة مسؤولية باقي الأمور”. ويشدّد على ضرورة التحرّك السريع، لأنّ الأوضاع لا تحتمل الانتظار، و”دفع الخطر الناجم عن وجود مبنيين قامت البلدية بإخلائهما، وهما معرّضان للانهيار”.

يخشى حسون من استمرار سياسة “الإنماء غير المتوازن”، و”الصيف والشتاء تحت سقف واحد في لبنان”، حيث تلزم الحكومة جدران الدعم في بعض البلدات، فيما يتأخر التدعيم في السفيرة بفعل “اشتراط  وجود سندات ملكية بالعقارات، وهو أمر غير متوافر لأنّ أغلبية الملكيات هي وراثية في القرى، وهو أمر نتجه لإجراء تسوية بشأنه”.  

الوزارة غير قادرة وحدها

على الضفة الرسمية، وفي سياق متّصل بموضوع السلامة العامة على الطرقات، وتأثير الأزمة المالية. أكد وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية من جنيف تأثر صيانة الطرقات في لبنان بفعل الأزمة المالية، وأنّ الوزارة سعت طيلة الفترة السابقة إلى زيادة الاعتماد المرصود لها، مشيرًا إلى أنّ “صيانة الطرقات تشمل العديد من الملفات المتشعبة والتي تعنى بالحفاظ على السلامة العامة على الطرقات”. وشدد على أنّ السلامة العامة وسلامة الأرواح على الطرقات ليست مسؤولية وزارة بعينها، وإنّما هي مسؤولية الحكومة والدولة بشكل عام”.           

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، الحق في السكن ، لبنان ، مقالات ، بيئة وتنظيم مدني وسكن



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني