الراهب اللبناني الذي يحمل أسراره الثقيلة إلى القبر


2021-12-13    |   

الراهب اللبناني الذي يحمل أسراره الثقيلة إلى القبر
صورة عملاقة للأرشمندريت بانتيليمون فرح الذي توفي يوم 28 تشرين الثاني (نوفمبر) في ساحة بقرية كوسبا في الكورة. الصورة لجواو سوزا. منقولة عن موقع جريدة لوريان لوجور

لقراءة المقال بالفرنسية،

https://www.lorientlejour.com/article/1284297/le-moine-libanais-qui-emporte-ses-lourds-secrets-dans-la-tombe.html

توفي بندلايمون فرح، أرشمندريت دير حمطورة (الكورة)، عن عمر يناهز 68 عامًا نتيجة إصابته بكوفيد -19. في عام 2013، حوكم من قبل الكنيسة الأرثوذكسية بتهمة السلوك “غير اللائق”، ثم نُفي إلى جبل أثوس في عام 2017 بعد محاكمة استئناف. وكان لوكاس، البالغ من العمر الآن 22 عامًا، قد رفع دعوى جزائية أمام المحاكم المدنية، وكان من المقرر أن يمثل المعتدي المزعوم أمام محكمة الجنايات.

تضرب الشمس جبل أثوس في هذا اليوم الأخير من شهر نوفمبر. يتابع عشرات الرهبان الأرثوذكس ويصورون نعش أحدهم حتى مثواه الأخير في دير فاتوبيدي. كان التقليد الرهباني يريد أن يُدفن المتدين في سجادة قديمة. لكن الأرشمندريت اللبناني، بندلايمون فرح، 68 عامًا، توفي بسبب Covid-19، وبالتالي لا يزال من المحتمل أن يكون معديًا. ولم يُخف الفقيد شكوكه بشأن اللقاح المضاد لفيروس كورونا، مؤكداً أمام حجاج لبنان الذين قدموا لمقابلته في 24 أكتوبر والذين صوروا المشهد أن الوباء ما هو إلا “حيلة من أقوياء هذا العالم، لقتل أكبر عدد ممكن من الناس”. في يوم وفاة بندلايمون فرح، الأحد 28 نوفمبر، أدلى لوكاس[1]، 22 عامًا، بشهادته أمام الكاميرات ووجهه مغطى بمنظمة غير حكومية تعمل على حماية الأطفال. تمّ تصوير المقابلة في كهف، وعندما يخرج وجد أن الشخص الذي كان يتحدث عنه قبل بضع دقائق، والذي يتهمه بالاعتداء الجنسي عليه بشكل متكرر، قد مات. “في اليوم السابق، كنت مع أصدقائي وصليت حتى لا يموت”، هذا ما قاله الشاب الذي رأى أمله بأن يُحاكم جلّاده أمام القضاء ينتهي.

يأخذ بندلايمون فرح أسراره إلى الأبد إلى هذا المكان المهمّ للأرثوذكسية حيث تم نفيه في عام 2017، بعد قرار من مجلس الاستئناف التأديبي لأبرشية جبل لبنان في الكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية، بتهمة السلوك “غير اللائق”. بعد شكوى تم تقديمها في عام 2016 إلى قاضي تحقيق طرابلس ناجي الدحداح، أصدر القاضي بحقه قرارا ظنيا، وأُحيلت القضيّة إلى الهيئة الاتهامية في عام 2019 بتهمة الاعتداء الفاحش على قاصر. وصدرت مذكرة توقيف في حزيران 2018 عندما كان الأخير في اليونان بالفعل. لم تطأ قدما بندلايمون فرح الأراضي اللبنانية مرّة أخرى، ولم يكن لديه “نيّة للعودة”، بحسب ممثّله، النقيب السابق لنقابة محامي الشمال فادي غنطوس، بينما كانت الآن عقوبة الكنيسة على وشك الانتهاء.

بعد قضية القسّ الماروني منصور لبكي الذي أدانه الفاتيكان عام 2013، ثم القضاء الفرنسي في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي بتهمة الاعتداء الجنسي واغتصاب القصّر، فإن وفاة هذا الراهب الذي لم يحاكمه القضاء المدني في حينه يُعيد إحياء مناظرات حول إدارة حالات الاعتداء الجنسيّ على الأطفال داخل الكنائس الشرقية.

في الأسابيع الأخيرة، أمطر أنصاره على شبكات التواصل الاجتماعي بالتحية والصور تكريما للشخص الذي يعتبرونه قديسًا، ضحية مؤامرة بالتناوب بين “اليهودية الماسونية” أو يد “الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية نفسها”. في عام 2013، كشفت قناة LBCI  عن الأمر للجمهور، مما أثار حفيظة جزء من هذا المجتمع المسيحي والكنيسة المعتادة كغيرها من المؤسسات الأخرى، على تسوية شؤونها بالسرّ بين أربعة جدران.

“أنت ابني المفضل”

نشأ لوكاس وإخوته الأربعة في أسرة تقليدية، حول أب كاهن في الكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكيّة في قضاء عاليه. وبينما كان يستفيد رفاقهم من عطلاتهم المدرسية بالذهاب إلى الشاطئ، كان لوكاس وإخوته يقومون بجولة في الأديرة. يقول لوكاس: “قابلني بندلايمون لأول مرة عندما كنت في رحم أمي”. سيكون شقيقه الأكبر، ميخائيل*، البالغ من العمر 33 عامًا، أول شخص في العائلة ممّن سيقعون ضحية مفترضة لتلاعب الأرشمندريت.

هذه هي المرة الأولى التي يدلي فيها الشقيقان بشهادتهما لوسائل الإعلام. بالنسبة لهم، فإن هذا الإدلاء هو شكل من أشكال التنفيس عن الذات (catharsis). ولكن لأنهم كانوا ضحايا من المضايقات والتهديدات بالقتل منذ إحالة القضية إلى محاكم الكنيسة قبل 10 سنوات، فقد رغبوا في عدم الكشف عن هويتهم.

التقى ميخائيل بالراهب لأول مرة في عام 1997، “يوم وفاة ديانا” (أميرة ويلز، التي توفيت في 31 أغسطس في باريس). يتذكر ميخائيل أنّ بندلايمون كان لطيفًا للغاية وحنونًا مع الأطفال، وقد علّمه أن ينسج المسابح. بندلايمون فرح هو إذًا اليوروندا (كلمة في اليونانية القديمة، وتعني “حكيم”) على رأس دير حمطورة، بالقرب من كوسبا، في الكورة. ولد عام 1953 في كوسبا، ودرس إبراهيم فرح، وهو اسمه الحقيقي، العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية ثم اللاهوت في البلمند. وبحسب كلمات تلاميذه، ظهر له القديس يعقوب الحماطوريّ، راهب من القرن السابع عشر قطع رأسه المماليك[2]، وأمره بإعادة بناء الدير المدمّر. بندلايمون، الذي أطلق على نفسه هذا الاسم في إشارة إلى القديس المسمى الذي يُعتبر معالجًا، سيخلق مجتمعه من الرهبان في حمطورة في أوائل التسعينيات. وسرعان ما سيجعل المتديّنون هذه الآثار مكانًا مهمّا للحج الأرثوذكسي حيث يأتي المؤمنون من جميع الجهات للصلاة أمام رفات القديس يعقوب وأمام أيقونة العذراء، واللذان يتمتّعان بفضائل خارقة. المجتمع مفتون بصوت وهالة هذه الشخصية الكاريزميّة. يقول راهب مسؤول عن تنظيم جولات الحجاج والسياح المصحوبة بمرشدين: “في زمن بندلايمون، كان لدينا الكثير من الزوّار، وخاصة الأطفال والعائلات”. اليوم، يوجد في الدير الواقع على الجانب الصخري سبعة رجال دين فقط، وقد تبع أكثر من نصفهم بندلايمون في منفاه عام 2017 في اليونان. الراهب الشاب المذكور، الذي وصل إلى حمطورة منذ 16 عامًا، يواصل ترديد اسم مؤسسها، مؤكدًا جاذبيته وأفعاله. لكنّه حريص على عدم قول المزيد. “لقد تمّ إرساله إلى المنفى منذ بضع سنوات لأنّنا واجهنا مشاكل. لقد توفي الأسبوع الماضي على جبل أثوس”، قال الراهب أثناء قيامه بجولة في الكنيسة القديمة ذات اللوحات الجدارية المنحوتة في الصخر.

يتذكر ميخائيل الممرات الضيقة وغرف دير حمطورة جيدًا

في تمّوز 2000، عيّنه بندلايمون فرح على أنه “ابنه الروحي” ودعاه للصعود لرؤيته في صومعته. ووفقا له، فإن الكاهن يكثر اللمس ويطرح أسئلة محرجة، لا سيما حول الاستمناء، على هذا الشاب الذي كان يبلغ من العمر 12 عامًا. في إحدى الأمسيات، كان قد دعا ميخائيل إلى منزل عائلته الواقع في سوق كوسبا القديم، والذي أصبح مبنىً خارجيًا (إسقيطًا باليونانية) للدير الكبير. “أخبَرَني أنّني متوتر وأنّي بحاجة إلى تدليك بالزيت المقدّس. لكنّه قادني إلى غرفته وعندما دخلت، رأيتُ زيت الأطفال التجاري فقط. طلب مني خلع قميصي، وخلع ثوبه وانحنى فوقي، ولعق وجهي وحلمتاي. لقد أصبحت كتلة من الباطون. مرعوب. لا أعرف ما إذا كنت قد دفعته بعيدًا أم هو الذي غادر”، يقول ميخائيل، الذي بقي في الدير للأيام التالية. عندما سأل ميخايل بندلايمون عن سبب قيامه بذلك الفِعل، أجاب بندلايمون: “عندما تغير الأم لطفلها، فإنها تقبّله، وأنت ابني المفضّل”.

“انتهى بي الأمر في المستشفى على المسكنات”

دفن ميخائيل المشهد في ذاكرته لمدة تسع سنوات، بينما استمر في التردّد على المكان الروحانيّ. يقول اليوم: “لقد كان مشروعًا جذّابًا، إعادة بناء دير قديم، يمكن الوصول إليه بعد مشوار على الأرجل”. ومع ذلك، فقد انتشرت الشائعات، ولا سيّما بين الكهنة، بأن سلوكيّات اليروندا كانت “غير لائقة”. في عام 2006، رأى ميخائيل راهبًا يتعرّض للضرب من قبل أقرانه، لأنّه فكر بصوت عالٍ في “أشياء معينة” حول بندلايمون. عندما صار شابًا، غادر ميخائيل لبنان عام 2010 لمواصلة دراسته اللاهوتية في أوروبا واحتفظ بصِلات مع هذا “الأبّ الروحي” الذي يعتبره ميخائيل اليوم “gourou” [بالمعنى السيّء للعبارة الذي يعني التحكّم بالأتباعٍ]، ومنعه بندلايمون من إقامة علاقات مع الفتيات “حتى الأرثوذكسيّات” منهنّ. “كنت في قبضته تمامًا، وعلى استعداد للدفاع عنه في وجه المنتقدين الذين يفضحون اعتداءاته الجنسية. ثم في 2 كانون الثاني (يناير) 2011، عندما ذهبت إلى الفراش ليلاً، بعد مناقشات محتدمة [بشأن بندلايمون]، استعدتُ كل شيء [في ذاكرتي] وانتهى بي المطاف في المستشفى على المسكنات”، يقول ميخائيل. ووعي حينها إنكاره [لما حصل معه]، ولم يكن ليتخيّل أن أحدًا من عائلته هو أيضًا من بين الضحايا الآخرين. قبل ذلك بعامين، في عام 2009، أصبح شقيقه الصغير، لوكاس/ بدوره “ضيفًا متميزًا” للدير. وعلى مدى الأشهر اللاحقة توطّدت صلةٌ غامضة بين الشاب وبين الراهب بندلايمون الذي كان يتملّقه. “لقد جعلني أشعر أنني كنت مميّزًا، وصرت لا أحبّ أنّ ينظر إلى الأطفال الآخرين. كان يعدّ الأرضيّة للتلاعب بي كما يشاء”، يقول لوكاس. كان عمره 11 عامًا فقط عندما قبّله بندلايمون على فمه أثناء الاعتراف، كما يُقال. ثم فهم الصبي ذلك آنذاك على أنه شيء “طبيعي”، مثل “هؤلاء الأهل الذين يقبلون أطفالهم على فمهم في المسلسلات التلفزيونية الغربية”. في إحدى الصور، يمكن رؤية لوكاس البالغ من العمر 10 سنوات، ويبدو ممتلئ الوجه، سعيدًا بشكل واضح بأن يحتضنه هذا البالغ المبتسم ذو الثوب الأسود واللحية البيضاء.

قبل فترة من التحاقه بالمدرسة في عام 2011، عاد الشاب البالغ من العمر 13 عامًا إلى الدير ليقضي بضعة أيام. وبحسب لوكاس، دعاه الراهب لقضاء الليل في غرفته. دخلوا إلى نفس السرير عراة، وبدأ الاعتداء الجنسي. كان الصبي يرى نفسه على أنه “المختار” ويعتقد أن هذا “التعليم” ذا “الترتيب الحميم” لا يمثّل مشكلة. في الوقت نفسه، في تلك الأثناء كانت عائلة لوكاس قد فجعها نبأ مرض الأب بالسرطان. يعلم الأرشمندريت بهذا الأمر، ويستغلّ، حتى نيسان 2012، وَهَن  الصبي، للاعتداء الجنسي عليه في عدة مناسبات، وفقًا لتصريحات لوكاس، وذلك في الدير ولكن أيضًا وبشكل خاصّ في الحجرة الملحقة (الإسقيط)، محميًا من النظرات. “لم أستطع تحديد طبيعة العلاقة. كانت علاقة أبوية، لكن كانت هناك أفعال جنسية. كان رجلاً متديّناً، لذا [كنت أظنّ أنّه] لا يمكن أن يكون حبيبي”. أنا متأكّد من أنّ الرهبان هناك، وخاصة أولئك الذين علّمونا الأناشيد البيزنطية، كانوا يعرفون ما كان يجري. رأوني أنام في غرفته أو ذاهبًا إلى الإسقيط طوال الليل. إنهم متواطئون”، يتّهم لوكاس. [لاحقًا] عندما رأى برنامج تلفزيون الجديد الذي يتعامل مع الاعتداء الجنسي، سيفهم الصبي الصغير ما حدث له، وابتعد عن المعتدي المفترض عليه رافضًا الاستجابة لطلباته. الأم المضطربة، لم تكن تفهم ما يجري.

ميخائيل، الذي عاد من الخارج إلى سرير والده المريض في آب 2012، اكتشف السلوك “الغريب” للوكاس، الذي يصغره بعشر سنوات. “جمعت شقيقيّ وأخبرتهما، حتى لو عاد يسوع المسيح إلى الأرض، فلا يُسمح له بلمسك. فقال لي لوكاس: “ولكن أباك الروحي يفعل ذلك …”، يُخبر ميخائيل. يُسدَل الستار على الرجل “المقدّس”، المعترِف، حميم الأسرة، الذي تجرأ على تدنيس الأبناء.

“الموارنة والمسلمون سيسخرون منا”

في حين أن الضحايا المحتملين الآخرين صمتوا، فإن العائلة كان لديها الشجاعة لتقديم شكوى في كانون أوّل 2012 إلى السلطة الكنسيّة في جبل لبنان، برئاسة المطران جورج خضر في ذلك الوقت. لم يستجِبْ المطران الحالي، المطران سلوان موسي، لطلبات لوريان لوجور لمقابلة. عند فتح هذا الملفّ، اكتشف الشقيقان، كما يقولان، أنّ ما حصل معهما لم يكن أوّل اعتداء لبندلايمون. “كان معروفًا. عرفَت أعلى السلطات الكنسيّة أنه كان يمارس الجنس مع الأطفال لفترة طويلة وغطّوه”، حسب اتهام ميخائيل ولوكاس. خلال المحاكمة الكنسية الأولى، سيتمّ الاستماع إلى الأولاد من دون ممثّل قانوني وسيعامَلون على أنهم “متهمون” وليسوا كضحايا. بينما “بندلايمون، كان يتنمّر مع محاميه، نقيب محاميي طرابلس، أنّه يمكنه تحمل نفقاته”، يقول ميخائيل. في محضر المحاكمة الابتدائية، التي حصلت لوريان لوجور على نسخة منها، أيّد شابان آخران الاتهام، وكشفا أنهما تعرّضا أيضًا للاعتداء الجنسيّ من قبل بندلايمون فرح. كما ورد ذكر العديد من الكهنة، مُعلنين أنهم جمعوا تحت ختم الاعتراف شهادات عديدة تسير في نفس الاتجاه. “هناك العشرات من الضحايا، ولكن من يجرؤ على التحدّث علانية في المجتمع؟”، يأسف ميخائيل. هذه القضيّة وصمتْ عائلته. لعدة أشهر، تعرّض أعضاء العائلة للتهديد حتى يسحب الصَبيان شكواهما، أوّلاً [جاء التهديد] عبر الهاتف، ولكن أيضًا خلال زيارات مرتجلة من قبل أنصار الأرشمندريت. كانوا مستعدّين لاستخدام كلّ الوسائل لخنق هذه القضية. لا يتردّد بعض الأساقفة في إخبار ميخائيل أن “يصمت”، لأنّ بندلايمون “شخص خطير”. “قيل لي، أنت تعلم أن لديه الكثير من الأبناء الروحيّين، وخاصة في الجيش. وهو يعرف المخابرات السوريّة جيداً، إنك تكلفّ رصاصة فقط، وسوف يعتبرون موتك حادثة”، يقول ميخائيل.

تمّ ذكر سمعة الدير، ولكن أيضًا سمعة المجتمع بأسره. طُلِبَ منهم “نسيان الماضي”، وإلّا “سيسخر الموارنة والمسلمون منّا”. لكن الأخوين لم يتراجعا.

في 26 تشرين الثاني 2013، حكمت مطرانية جبل لبنان للروم الأرثوذكس على بندلايمون فرح باتّباع نمط حياة توبة، منعزلاً في ديره، لارتكابه انتهاكات “تتعارض مع الحياة المسيحية”، من دون مزيد من التفاصيل. لكنّ في الوثائق السريّة التي حصلتْ عليها صحيفة لوريان لوجور، والتي تدعم القرار، تثبت الكنيسة حقيقةً أنّه “كان يعاني من الانحراف الجنسيّ والمثليّة الجنسيّة منذ أن كان في العشرين من عمره”، و”أن هذا السلوك المتنامي “أودى به إلى الاعتداء على القُصَّر”.

وقد أثار الحكم غضب مؤيديه الذين قالوا بمؤامرة دبّرتها حركة الشبيبة الأرثوذكسية. “إنّهم يُعتبرون كالإخوان المسلمين أو أعضاء في داعش داخل الكنيسة. إنّهم من خانوا بندلايمون فرح من خلال إلصاق اتهامات كاذبة به”، يشرح محاميه، أ. فادي غنطوس. “لقد رحّب بالأطفال وكان دافئًا، لكن هذا جزء من تقاليدنا الشرقية. ليس الأمر كذلك في الغرب، بالطبع، لكن هذا لا يجعله مجرمًا. وبعد ذلك استند كل شيء إلى شهادة واحدة لا تصمد؛ أنظر محاكمة لبكي أو ما يجري مع نيكولا هولو في فرنسا (الوزير الفرنسي السابق متهم بالاعتداء الجنسي)، نحن نتحدث عن عشرات القضايا [فيها]!» يقول الأستاذ غنطوس. بالنسبة لهذا الأخير، كان لوكاس قد تمّ التلاعب به بينما كانت عائلته تمرّ بظروف صعبة للغاية، من أجل منع الارشمندريت من الحصول على لقب أسقف جبل لبنان. في مواجهة غضب أنصار بندلايمون فرح، أُجبر المطران خضر على أن يصرح في مقطع فيديو في فبراير 2014 أن الحكم صدر بالفعل عنه.

“من مسيحي إلى مسيحي”

في 2 تمّوز/يوليو 2014، توفي والد ميخائيل ولوكاس متأثرا بمرضه، وكادت العائلة أن تُلقى في الشوارع. بين عشية وضحاها، تجد نفسها في أشدّ حالات العوز التام وفي ضائقة نفسيّة هائلة. في عام 2015، تمّ تقديم شكوى إلى قاضي الشمال ناجي دحداح، بتهمة الاعتداء الجنسي على لوكاس، عندما كان يبلغ من العمر 13 عامًا. “إنّها حالة نادرة للغاية أن تذهب ضحية اعتداء جنسي إلى المحاكم اللبنانية. وكانت الأسرة قد أصرّت على اتباع المسارَين الديني والقضائي. وكان العمل الذي قام به هذا القاضي احترافيًا للغاية. لقد فعل كلّ شيء لجعل لوكاس مرتاحًا”، توضح محاميته غيدة فرنجيّة[3]. طوال فترة التحقيق، لا يكلّف بندلايمون فرح نفسه عناء حضور جلسات المحكمة، مدّعياً ​​خطأً أنه غير مجبر على الخضوع للعدالة المدنيّة. خلال هذا الوقت، أصدرت المحكمة الكنسيّة التي نظرت في الاستئناف حُكمًا ثانيًا بتاريخ 22 آب 2017، وقّعه مطران بيروت، إلياس عوده، الذي يحكم عليه بالنفي إلى جبل آثوس لمدة عامين، وفقًا للوثيقة التي حصلت عليها لوريان لو جور. من ناحية أخرى، يرى المجلس التأديبي أنه “ليس لديه دليل ملموس لإثبات الاعتداء الجنسي على قاصر”، لكنّه يشير إلى “أن السلوك العامّ للأرشمندريت من المرجّح أن يثير الشك حول إمكانية حصول اعتداء جنسيّ”. في اتصال مع لوريان لوجور، اكتفى مكتب مطران أبرشية الروم الأرثوذكس في بيروت بالقول إنّه من “مسيحي إلى مسيحي”، “من المؤذي – حتى لو كنت حرًا – نشر مقالة عن ميّت”، رافضًا في نفس الوقت طلب المقابلة. “من الواضح أن حكم المحكمة الكنسية، نظرًا لتجربتها السيئة فيما يتعلق بالاعتداء الجنسي على الأطفال، قد ساعد في تقوية الشكوك بدلاً من تبديدها في اتجاه أو آخر، بعد أن طمس أو شوّه حقائق مهمّة في القضية المعروضة عليه”، تنتقد الأستاذة غيدة فرنجيّة. “أثناء محاكمة الاستئناف الكنسية، حتّى المدعي العام الكنسي كان يصرخ في وجهي، عندما كان من المفترض أن يكون بجانبي، وسألني لماذا تبعت بندلايمون إلى غرفته، ووبّخني لأنني لم أفهم أن هذا كان خطأ. وهذا يدلّ على مدى جهلهم بقضية الاعتداء الجنسي على الأطفال”، يقول لوكاس بأسف.

وسيؤدي الإعلان عن الحكم إلى العلن، مرة أخرى، إلى تأجيج الانقسام بين أنصار الراهب وبقية المجتمع الأرثوذكسي الحريص على الحفاظ على سلامته. بعد ذلك ببضعة أشهر، في 11 تشرين الثاني 2017، انتشر شريط فيديو على فيسبوك يظهر بطريرك أنطاكية للروم الأرثوذكس، يوحنّا العاشر يازجي، وهو يدخل كنيسة سيدة البلمند أمام مؤمنين يصرخون “غير مستحق”. ستؤدي حملات التشهير إلى إلحاق أضرار جسيمة بالشقيقيْن اللذَين سيتمّ التداول بأسمائهما على مواقع التواصل الاجتماعيّ.

إنّ “محاكمة الاستئناف الزائفة”، بحسب الضحايا، حيث تأخذ الكنيسة بعناصر مؤامرة قال بها أنصار الأرشمندريت، تُقنع الأخوين بأن العدالة المدنية فقط هي القادرة على الحكم العادل. لكن منذ أن قرّر بندلايمون فرح عدم المثول أمام قاضي التحقيق، أصدر هذا الأخير بحقّه مذكرة توقيف غيابية في 2018، بينما كان موجودًا بالفعل في اليونان.

“إضراب القضاة، وانتفاضة 17 تشرين الأول 2019، وجائحة فيروس كورونا، والأزمة الاقتصادية، أبطأت العملية القضائية. كنّا نخطط للّحظة التي سيظهر فيها لوكاس أخيرًا أمام بندلايمون في محكمة الجنايات، لكنّ بوفاته، سُرقت تلك اللحظة منه”، تأسف السيدة فرنجيّة. “لو كنّا أبناء إحدى أكبر العائلات الأرثوذكسية في البلاد، لكنّا عوملنا بلا شكّ بشكل مختلف. لكننا فقراء …”، يتأسّف ميخائيل.

في الساحة المركزية في كوسبا وكذلك في الأزقّة المؤدّية إلى منزل عائلته، تمّ عرض صور عملاقة لبندلايمون فرح. في المظهر، يُعتبر المتوفّى قديسًا في قريته الأصلية. ومع ذلك، لا يبدو أنّ أيًا من الأشخاص الذين تمّت مقابلتهم في كوسبا، أو في الدير حَزِنَ على وفاته كما هو معتاد عند وفاة أحد سكّان البلدة. يقول أحد الجيران: “لقد فعل بعض الأشياء التي لن أذكرها، لكن من الواضح أنها لم تكن نقيّة”. على إنستاغرام أو فيسبوك، لا يزال الآلاف من الناس يمدحونه. يقول لوكاس: “أرى الشباب في سنّي يقولون أشياء جيدة عنه، وأرغب بأن أصرخ فيهم: لكن كان من الممكن أن تكون في مكاني”.


[1] الاسم مستعار

[2] يرجح وجود خطأ لدى الأتباع طالما أن حكم المماليك انتهى في لبنان قبل القرن السابع عشر (المحرر).

[3] غيدة فرنجية هي رئيسة قسم التقاضي الاستراتيجي في المفكرة القانونية (المحرر).

انشر المقال

متوفر من خلال:

جندر ، حقوق الطفل ، محاكمة عادلة وتعذيب ، لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، محاكمة عادلة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني