الدواء الوطني ليس في متناول الجميع وتحدّيات عدّة لا تزال تعيق تطورّه 


2024-02-07    |   

الدواء الوطني ليس في متناول الجميع وتحدّيات عدّة لا تزال تعيق تطورّه 

كالسوق الشعبيّة هو سوق الدواء في لبنان، يحتوي على بضائع من أشكال وأصناف متعددة، ففي السوق (صيدليات ومستوصفات ومواقع إلكترونية)، نجد أدوية مرخّصة وأدوية غير مرخّصة، أدوية مهرّبة، أدوية “لا فعالية لها”، أدوية مصنّفة “إمضاء وزير” تدخل السوق من دون أن تمر بالأطر القانونية أو توافق عليها اللجنة الفنية، أدوية مستوردة وأدوية وطنية. وجميع هذه الأدوية متوافر أمام المواطن الذي بات أمنه الصحي رهن الحظ والتجربة، في ظلّ غياب مختبر مركزي يفحص الأدوية ومع توافر الدواء المهرّب غير الخاضع للفحوصات اللازمة.

وشهد قطاع الدواء عامةً بعد الانهيار الاقتصادي في العام 2019 حالًا من الفوضى ما أدى إلى انقطاع الأدوية من الأسواق وارتفاع أسعارها، ما ساهم في زيادة الطلب على الأدوية البديلة والأرخص (الجينيريك) ومنها الوطنية، ذلك بخلاف ما كانت عليه قبل الأزمة حين بلغت نسبة استهلاك أدوية البراند 80% مقابل 20% لأدوية الجينيريك.

ونتيجة هذه العوامل المستمرّة حتى اليوم، ازداد التعويل على قطاع صناعة الأدوية محليًا، ما أدّى إلى ازدهاره نوعًا ما، إذ باتت الأدوية الوطنية تغطي أكثر من 30% من حاجة السوق بعدما كانت النسبة لا تتجاوز 10% قبل العام 2019. كذلك تغطي الأدوية الوطنية اليوم حوالي 85% من حاجة لبنان للأدوية الأساسية والمزمنة، مثل أمراض السكري والضغط والقلب. وبحسب نقيبة أصحاب مصانع الأدوية في لبنان كارول أبي كرم، فإنّ أسعار الأدوية الوطنية اليوم أرخص بمعدل 60% من أسعار الأدوية الأصلية (البراند)، وأرخص بنسبة 20% عن أدوية الجينيريك المستوردة. فعلى سبيل المثال يبلغ سعر دواء jardiance  الأصلي (براند) لمرض السكري 3 ملايين و99 ألف ليرة لبنانية، أما الدواء المصنّع في لبنان فسعره مليون و476 ألف ليرة.

اليوم هناك 12 مصنعًا للدواء في لبنان، منها 3 مصانع للأمصال والأدوية الوريدية يغطّي إنتاجها حاجة السوق بنسبة 100%، أما التسعة الباقية فتقوم بدورين: تصنيع الأدوية وإعادة التعليب (يتمّ استيراد الحبوب وتعلّب في مصانع لبنانية). وتنتج المصانع التسعة حوالي 1600 دواء للأمراض الأساسية والمزمنة كالسكري والضغط والقلب، والالتهابات، وأمراض الجهاز التنفسي. وهناك بعض منها لمعالجة الأمراض السرطانية والتصلّب اللويحي. من جهة ثانية تبلغ نسبة الصادرات حوالي 20% من حجم إنتاج الأدوية في لبنان، حيث تصدّر الأدوية إلى العراق والأردن وبعض الدول العربية. 

وبالتالي فإنّ الازدهار النسبي الذي شهده قطاع الأدوية المحلّي هو نتيجة الحاجات التي فرضتها الأزمة وليس نتيجة سياسات حكومية داعمة إذ لطالما أثّر الإهمال الحكومي للقطاع وانتهاج سياسات دوائية “خاطئة” منذ عقود على تطوّره، بحسب الدكتور والنائب السابق، إسماعيل سكرية. وهذا ما أدّى إلى ارتفاع قيمة فاتورة لبنان الدوائية التي كانت تعتبر من الأغلى عالميًا حيث بلغت قيمتها عام 2019 حوالي مليار دولار، وبلغ عدد أصناف الأدوية المستوردة قبل العام 2019 حوالي 5000 منها الكثير من الأصناف المشابهة لتلك التي تنتجها المصانع المحلية. أما في العام 2023 فبلغت القيمة الإجمالية لاستيراد الدواء حوالي 550 مليون دولار، أي في انخفاض بنسبة 59% مقارنة بالعام 2019، بحسب رئيسة مصلحة الصيدلية في وزارة الصحة كوليت رعيدي. 

ولكن لا تزال مصانع الأدوية المحلّية تواجه تحدّيات، بدءًا من الدواء المهرّب، إلى غياب سياسة ترشيد استيراد الدواء، إلى فرض رسوم وضرائب على التصدير، فضلًا عن “احتجاز” 11 مليون دولار من أصل 30 مليون دولار لدى مصرف لبنان من أموال الدعم لصالح أصحاب مصانع الأدوية.

الدواء الوطني ضحيّة إهمال متوارث

لطالما كان للدواء المستورد في لبنان الأولوية في التخطيط والدعم الرسمي، من دون أي مراعاة أو اكتراث للصناعة الوطنية. وبحسب النقيبة أبي كرم فإنّ الحكومات المتعاقبة لم تمتلك يومًا رؤية وخطة لتطوير قطاع صناعة الأدوية المرتبط مباشرة بأمن المواطن الصحي، “فما جرى على مدى سنوات عبارة عن قانون من هنا وقرار من هناك تبقى حبرًا على ورق، وآخرها إنشاء الوكالة الوطنية للدواء في العام 2022 وقفًا للقانون رقم 253 والذي لا يزال بانتظار المراسيم التشريعية لتفعيله”، تقول لـ “المفكرة”.    

ووصف سكرية القطاع بأنّه بحر من السمسرات والتمريرات، وأنّ محاولات دؤوبة جرت على مدى سنوات لضبط الأوضاع إلّا أنّها باءت بالفشل. وقال في مقابلة مع “المفكرة” إنّه لا يمكن الحديث عن واقع الدواء اليوم وصناعة الأدوية المحلية، من دون المرور على السياسات الحكومية الخاطئة وغير المبالية التي أضرّت بالصناعة الوطنية للدواء. وهذه السياسات تبدأ من إحباط قيام المكتب الوطني للدواء الذي أقرّ بناء على القانون رقم 5/83 الصادر في العام 1983 وكان من شأنه أن يتولّى استيراد وتصدير وشراء وبيع وتصنيع الأدوية، ولكن “تم اغتياله في العام 1998” بعد تعيين رئيس له هو الدكتور قاسم حمادة الذي تمّ توقيفه بتهمة اختلاس المال العام بقيمة ربع مليون دولار. وتواصلت السياسات الخاطئة مع إقفال المختبر المركزي في العام 2007، عدا عن الاستيراد العشوائي للأدوية، وصولًا إلى عدم اعتماد لائحة دوائية ملزمة للجهات الضامنة يكون عمادها الدواء الوطني على الرغم من وجود القانون رقم 287 الصادر في تاريخ 12 نيسان 2022، والذي يطلب من جميع “المؤسسات الضامنة إعطاء الأولوية والمفاضلة للدواء المُنتج محليًا واحتساب أسعار الدواء المُدرجة في الفواتير الاستشفائية أو الفواتير الناتجة عن العلاجات الصحية أو العمليات الجراحية وما يتبعها من علاج، على أساس أسعار الأدوية المُنتجة محليًا، إلا إذا كان سعر الدواء المستورد أقل من المُنتج محليًّا”. 

ويروي سكرية لـ”المفكرة” كيف تمّ إهمال المختبر المركزي بطريقة ممنهجة بهدف إقفاله، وكان تمّ تشييد المختبر في العام 1965 في عين التينة، وكان يُجري اختبارات على الجراثيم في المواد الغذائية والمياه، واختبارات كيميائية على الأدوية، إضافة إلى فرع يتولّى فحص الأمراض المعدية. وكان مختبرًا معتمدًا لدى عدد من  دول الجوار. ويقول سكرية إنّه زاره في العام 1999 فوجده مهملًا تسرح فيه الفئران، فيما المعدات التي تبرّعت بها السويد في العام 1997 كانت لا تزال في الصناديق يأكلها الصدأ وتتعرّض للاهتراء. 

وهذا الإهمال للقطاع المحلّي أثّر أيضًا على ثقة المواطن فيه، فرغم أنّ أسعار معظم الأدوية المحلية والمستوردة قبل الأزمة كانت متقاربة جدًا، إلّا أنّ المستهلك كان يفضّل الدواء الأصلي أو البديل المستورد “الأجنبي” على المحلي إذا كان متوفّرًا. “كان الواحد يقول لي بدي جيب الوطني ما سعره ما يفرق كثير عن الأجنبي”، بحسب فادي رسلان صاحب إحدى الصيدليات.

واستمرّ الإجحاف في حق الصناعة الوطنية خلال الأزمة إذ كانت حصّته من الدعم ضئيلة (30 مليون دولار) من حجم دعم المصرف المركزي لقطاع الدواء الذي يقوم  بالجزء الأكبر منه على الاستيراد بشكل عام خلال الأزمة والذي بلغ من تموز 2019 إلى تموز 2021، بحسب وزير الصحة السابق حمد حسن، مليارًا و800 مليون دولار يُضاف إليه 600 مليون دولار غير مُسدّدة، ما يشكّل مجموعًا عامًّا قيمته ملياران و400 مليون دولار في سنة واحدة.  

الدواء الوطني ليس في متناول الجميع

المفارقة أنّ الأزمة التي تعصف بلبنان هي التي ردّت الروح إلى القطاع المحلّي وليس أي مبادرة أو خطة حكومية، وذلك مع بدء توجّه المستهلك نحو الأدوية البديلة ومنها الوطنية لتوفّرها أوّلًا ولانخفاض سعرها عن المستورد ثانيا ولكن من دون أن يعني ذلك أنّ أسعارها في متناول الجميع. ويفيد فادي رسلان صاحب إحدى الصيدليات في اتصالٍ مع “المفكرة”، أنّه خلال الأزمة بات هناك أصناف عديدة من الأدوية المصنوعة محليًا وهي ذات فعالية وأسعارها مناسبة للبعض، مشيرًا إلى أنّ المرضى الذين استبدلوا الدواء الأجنبي بالوطني كثر، وهم راضون عن النتيجة. “الطلب على الدواء البراند صار قليل، كنت بالسابق نزّل 10 علب براند من الدواء الواحد، هلّق بنزل علبة واحدة والباقي جينيريك، وصار البيع 50% وطني 50% أجنبي”. ويضيف أنّ المواطن يمكنه توفير نصف الفاتورة إذا ما استبدل الدواء الأجنبي بالوطني. 

ولكن على الرغم من هذه الثقة المستجدّة في الصناعة المحلية لدى الناس، إلّا أنّ ثمنه لا يزال مرتفعًا لشريحة كبيرة منهم. علياء (60 عامًا) مثلًا تقلّب بقلق وصفة طبيبها التي تحوي أكثر من خمسة أدوية، منها ثلاثة أدوية “علاج دائم” لأمراض ترقّق العظام والربو والضغط، وتحتسب ثمنها وتتنهّد. فعليها تأمين ما لا يقل عن ثمانية ملايين ليرة لبنانية (بدل أدوية وطنية) شهريًا لتسكين أوجاعها. وحال علياء كحال المئات الذين باتوا عاجزين عن تغطية نفقات فاتورتهم الدوائية، ما دفع بهم إلى شراء الدواء المهرّب الأرخص حتى من الأدوية المصنّعة محليًا مثل الإيراني والسوري والتركي من دون أي اكتراث لجودتها ونوعيّتها وحتى النظر في أضرارها الجانبية. وتضيف علياء أنّ الأطباء منهم من يقبل بتناول مرضاه الدواء المهرّب ومنهم من يرفض، “أختي مريضة قلنا له للدكتور منجيب الدواء سوري قال لا، ما قبل”. 

تعلّق رعيدي من وزارة الصحة في اتصال مع “المفكرة” أنّ الدواء المهرّب يؤثّر على الصناعة الوطنية من خلال المنافسة بالأسعار لكن بنوعية غير أكيدة، لذلك اعتمدت الوزارة “نظام التتبع” لملاحقة الدواء من المصدر إلى المواطن وقد تمّ البدء بالأدوية المستعصية، إلّا أنّ الوزارة بصدد تعميمه ليشمل كل الادوية”، وتضيف رعيدي أنّ هيئة تفتيش الوزارة تقوم بكل ما لديها من إمكانيات وإجراءات ضمن صلاحياتها.

وإذا كانت آراء الأطباء متضاربة تجاه الدواء المهرب، إلّا أنّها مجتمعة على فعالية الدواء الوطني، وهذا ما أكده عدد من الأطباء الذين تواصلت معهم “المفكرة” وقالوا إنّ هناك ثقة مطلقة بالدواء الوطني كونه معروف المصدر، وأفضل من أصناف أخرى لا ثقة بفعاليتها. وهذا ما أكده أيضًا أصحاب عدد من الصيدليات الذين تواصلت معهم “المفكرة ” والذين قالوا إنّ نسبة مبيعاتهم من الدواء الوطني تصل إلى حد 50%. 

 وبحسب رعيدي فإنّ تسعير الأدوية الوطنية يشمل سعر الكلفة “على باب المصنع تضاف إليه هوامش للموزّع والصيدلي على أن يكون سعر المبيع أقلّ 15% من سعر الدواء الأساسي المستورد”، وتضيف رعيدي أنّ المصانع بالاتفاق مع الوزارة تعطي حسمًا مباشرة على سعر المبيع يبلغ 40 و48% وفق الشرائح.

وتقول النقيبة أبي كرم إنّ هناك اتفاقًا بالعرف بين أصحاب المصانع والوزارة أن تكون أسعار الأدوية الوطنية إما الأرخص بين فئاتها، أو أن تكون ضمن معدل أسعار الأدوية في الدول التي تعتمدها الوزارة  كمرجعية في التسعير وهي 7 دول عربية و7 أجنبية، “يعني الدواء الوطني أو يكون هو الأرخص أو سعره بمعدل الدول المعتمدة”.

تحديات ومشاكل النهوض بالصناعة الوطنية للدواء

تقول رئيسة مصلحة الصيدلية في وزارة الصحة كوليت رعيدي بأنّ الوزارة تدعم الصناعة المحلية من خلال إعطائها الأفضلية في التسجيل على الشركات الأجنبية لزيادة أدويتها وحصّتها في السوق، وعبر تطوير أصول التصنيع الجيّد وفق المعايير العالمية، وإعطاء الأدوية المحلية 10% على الأسعار في المناقصات العامة، إضافة إلى اعتماد التسجيل المبدئي للأدوية المستوردة لكنها استثنت من هذا التدبير الادوية التي لها مثيل محلي حفاظًاعلى الصناعة وتشجيعًا لها.

إلّا أنّ هذه الخطوات غير كافية للنهوض بالقطاع ولا يزال هناك أمور يجب معالجتها وخطوات يجب اتخاذها من ضمنها:   

– اعتماد الحكومة سياسة ترشيد الاستيراد

يقول الدكتور إسماعيل سكرية إنّ هناك مئات الأصناف من الأدوية التي كلّفت لبنان ملايين الدولارات، وهي تعالج المرض نفسه على سبيل المثال: هناك عشرات الأدوية المقوّية للكبد التي لا يستطيع الطبيب حتى حفظ أسمائها وأصنافها، وهناك أصناف برأيه “لا حاجة علاجية لها”، بمعنى أنّ لا فعالية لها “يعني لي بيشربها كأنّه شرب ماي ما بتعمل شي”، وهناك أدوية “زخمها نسبي”، “يعني ما إلها فعالية قويّة، يعني بدل ما يكون الدواء مفعوله قوي بصير مفعوله نسبي بيعرّض حياة الناس للخطر”. ويضيف أن كثرة الأصناف تلعب دورًا منافسًا للأدوية المصنعة الوطنية.

تتّفق النقيبة أبي كرم مع سكرية على أن وزارة الصحة تستورد عشرات الأصناف والأدوية المنافسة للصناعة الوطنية، وأنّه للنهوض بالصناعة الوطنية لا بد من تأمين سوق تُمكّن المصانع من تصريف إنتاجها. ومن هنا لا بد من وجود سياسة لترشيد الاستيراد. وبرأيها إذا كانت المصانع اللبنانية تنتج دواء محددًا فعلى الوزارة وقف استيراده أو وضع كوتا محدّدة على الكمية لضمان تأمين سوق للصناعة الوطنية. 

وتعطي مثالًا دواء للكوليستيرول لا تزال الوزارة تسجّله وتستورده على الرغم من تصنيعه بأربعة مصانع في لبنان، معتبرة أنّه على الوزارة توجيه الشركات لاستيراد أدوية كثيرة لا تقوم المصانع اللبنانية بإنتاجها وتصنيعها. 

  • تطبيق سياسة المعاملة بالمثل عند الاستيراد

تقول أبي كرم إنّ الدولة اللبنانية تقوم باستيراد أدوية من دول لا تتعاطى مع لبنان بمنطلق “التعامل بالمثل”، وتعطي مثالًا على ذلك الأردن “هناك أكثر من 350 دواء أردنيًا في السوق اللبنانية، في حين أنّ الأردن لا يسمح إلّا بدخول 15 دواء مصنّعًا في لبنان، والأمر نفسه ينطبق على السعودية. وتطالب أبي كرم بحماية الصناعة المحلية حيث تعطي مثالًا مصر التي تمنع استيراد أدوية جينيريك مصنّع منها في مصر.

  • الإفراج عن أموال الدعم المتبقية لضرورة توفير السيولة 

تشير النقيبة أبي كرم إلى أنّ تطوير الأدوية يحتاج إلى سيولة فمثلًا كلّ دواء يحتاج لتطويره إلى ما لا يقلّ عن 500 ألف دولار، مطالبة عبر “المفكرة” بالإفراج عن أموال الدعم المتبقية لدى مصرف لبنان من سنوات الأزمة، والبالغ قيمتها 11 مليون دولار تقريبًا من أصل كامل قيمة الدعم للصناعة المحلية والبالغة 30 مليون دولار. وتضيف أنّ ثقة الشركات العالمية في القطاع المالي والمصرفي في لبنان معدومة. “الشركات ما عم تقبل تشحن على لبنان إلّا بس ندفع، هذا يتطلّب من أصحاب المصانع توفير الأموال وإرسالها للمورّد قبل استلامها الشركات ما بقى توثق بلبنان بتقول بدي المصاري بس تحط الطلبية، يعني الشركات عم يشتغلوا بمصرياتنا”. 

  •  وجود مختبر مركزي وتأثيره على الدواء الوطني

يتفق كل من حاورتهم “المفكرة” لغرض هذا التحقيق على أهمية وجود مختبر مركزي، وعلى دوره المحوري في مراقبة الأدوية وفعاليتها وبالتالي تحديد عدد الأدوية المطروحة في السوق. وتعتبر رعيدي أنّه من أهداف  الوزارة إعادة تفعيل عمل المختبر المركزي، ولكنّها وفي ظل غيابه تتّخذ إجراءات للتحليل وضمان جودة الأدوية منها: التحليل خارج لبنان في مختبرات معتمدة لدى منظمة الصحة العالمية، والتحليل في جامعات معتمدة للعيّنات العشوائية التي تؤخذ من الأسواق والمصانع المحلية.

تعلّق النقيبة أبي كرم أنّ تكلفة الفحوصات في المختبرات الخارجية تضاف إلى تكلفة المصنع المحلي وبالتالي تزيد من تعرفة الدواء، كما أنّ الفحوصات لو أجريت في المختبر المركزي فإنّها ستدرّ مداخيل طائلة يمكن أن يعود ريعها لوزارة الصحة لدعم الأدوية المستعصية مثلًا.

وترى أبي كرم أنّ المختبر الوطني ضروري لتطبيق “سياسة المعاملة بالمثل مع الدول”، موضحةً أنّ جميع دول العالم لا تسمح بدخول أيّ دواء إلى أراضيها إلّا بعد خضوع الشحنات للفحص في مختبراتها الوطنية. أما في لبنان فالأدوية المستوردة تدخل من دون إجراء فحوصات محلية نظرًا لغياب المختبر. ويوضح رئيس لجنة الصحة النيابية السابق عاصم عراجي أنّ تكلفة المختبر لا تتجاوز ستة ملايين دولار، علمًا أنّ قانون إنشاء الوكالة الوطنية للدواء ينصّ على ضرورة إنشاء مختبر وطني.

  • إعفاء الدواء اللبناني من كافة الضرائب على القيمة المضافة أسوة بالدواء المستورد 

ترى النقيبة أبي كرم أنّه من ضمن الأعباء التي تؤثر على عملية إنتاج الدواء هي الضرائب والرسوم، ففي حين أعفت الدولة الأدوية المستوردة من أي ضرائب، تتكبّد المصانع الوطنية أعباء دفع الضرائب ورسوم على المعدات والآلات المستوردة واسترداد قيمها لاحقًا في نهاية العام. وتضيف: “صحيح نحن عم نستردّها بس هذا يؤثر على حركة المال للمصنع”.

  • إلغاء 25% ضرائب على التصدير

تلفت النقيبة أبي كرم أيضًا إلى أنّه من ضمن الأعباء التي تضعها الدولة على كاهل مصانع الأدوية هي الضرائب على التصدير. “نحن البلد الوحيد لي ما في دعم لصناعته بل في سياسة تكبيل بضرائب ليست ضرورية، فالمصانع تدفع ما نسبته 25% ضريبة على التصدير، إضافة إلى رسم لصندوق تقاعد الصيادلة نسبته ربع بالمئة، “شو خص نقابة الصيادلة بتصدير المصانع”.

في هذا الإطار تقدّم النائبان بلال عبدالله وجورج بوشكيان أمس الثلاثاء في 6 شباط باقتراح قانون معجّل مكرّر ينصّ على إضافة بند رابع إلى المادة الخامسة من المرسوم الاشتراعي رقم 144 تاريخ 12-6-1959 حول استفادة “المؤسسات التي تمارس صناعة الأدوية من حسم ضريبي يعادل 90% من الضريبة المتوجّبة على أرباحها الناتجة عن صناعة الأدوية المرخّصة من وزارة الصحّة العامة، سواء كانت هذه الأرباح ناتجة عن عمليات بيع هذه الأدوية في الداخل أو عن عمليات تصديرها إلى الخارج”. 

وتعليقًا على اقتراح القانون يقول الدكتور سكرية، إنّ أي حديث عن تشجيع لصناعة الأدوية الوطنية من دون ذكر إعادة إحياء المختبر المركزي وضبط أسعار الدواء هو “حديث شعبوي”، عندما تكون الصناعة الوطنية تحت الرقابة العلمية (عبر المختبر) والرقابة التسعيرية، وضبط مراقبة استمرارية وجود الأدوية في الأسواق اللبنانية بدلًا من تصديرها إلى الخارج، “عندها أتنقل لمناقشة إعفاء المصانع” من الضرائب. ويعتبر أنّه في ظل غياب كلّ هذه المعايير ستبقى الصناعة الوطنية من دون ضوابط، وبالتالي سيبقى همّ المصانع تكديس أرباحها، والسعي لتصدير أصنافها إلى الخارج من دون إعارة السوق اللبناني اهتمامًا. ويعطي مثالًا ما حدث  خلال الأزمة “كانت الأدوية الوطنية  تصدّر إلى العراق وتُقطع عن السوق اللبناني” على حد قول سكرية. 

ويضيف سائلًا “هل طرح المسؤولون لمرة واحدة لماذا سوق دول الخليج والأردن لا تستورد من لبنان، مفسّرًا أنّ هناك شك لدى هذه الدول في تركيبة الدواء اللبناني كون لا مختبر وطنيًا لدينا، إضافة إلى أنّ معظم المصانع اللبنانية تستعمل سياسة إعادة التعليب “بيجيبوا آلاف الحبوب وبيعيدوا تعليبها من جديد وبدهم يصدّروها بدون شهادات وفحوصات، المختبر بيعطي مصداقية وثقة للدواء الوطني بس ممنوع يكون في مختبر لأن ح ينسف كثير أدوية”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

سياسات عامة ، تحقيقات ، الحق في الحياة ، الحق في الصحة ، حقوق المستهلك ، لبنان ، مقالات ، الحق في الصحة والتعليم



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني