الدستوري يرضخ لابتِزاز صنّاع الفراغ:”تمديد المجالس البلدية” يعبر المطهر


2023-05-31    |   

الدستوري يرضخ لابتِزاز صنّاع الفراغ:”تمديد المجالس البلدية” يعبر المطهر

بعد طول ترقب وانتظار صدر قرار المجلس الدستوري رقم 6 تاريخ 30 أيار 2023 والمتعلق بالطعن بقانون التمديد للمجالس البلدية والاختيارية. وقد خلص المجلس الدستوري في موقف مخيب للآمال إلى”عدم إبطال القانون المطعون فيه عملا بمبدأ استمرارية المرفق العام ذي القيمة الدستورية” علما أن القرار لم ينلْ إجماع الأعضاء بل اقترن بمخالفة كل من ميراي نجم وميشال طرزي ورياض ابو غيدا الذين اعتبروا أن هذا القانون يشكل مسّا بحقّ الانتخاب وانتهاكا لمبدأ دورية الانتخاب ما يوجب إبطاله كليا.

وعلى الرغم من النتيجة المؤسفة التي توصل إليها المجلس بخصوص الانتخابات البلدية. إلا أن القرار انطوى على نقاط ايجابية لا بد من الإضاءة عليها حتى لو اقتصرت على الشروط الدستورية التي أحاطت بإقرار القانون من حيث الشكل، دون أن يمتد ذلك ليشمل العيوب الجسيمة في المضمون.

التراجع عن خطيئة “تفسير الدستور”

من إيجابيات القرار التي لا بد من التنويه بها هو اضطرار المجلس الدستوري لمعالجة نقطة بالغة الأهمية شكلت بابا دائما للاعتباطية من قبل السلطة السياسية وهي مسألة تفسير الدستور من قبل مجلس النواب.

فكما هو معلوم، تمّ إقرار قانون التمديد للمجالس البلدية والاختيارية في ظل صراع سياسي اتخذ شكل الجدل الدستوري حول حق المجلس النواب بممارسة صلاحياته التشريعية في ظل شغور رئاسة الجمهورية. وقد ظهر ذلك جليّا في الطعن الأوّل المقدّم من قبل نواب القوات اللبنانية الذين تركوا “للمجلس النيابي حصراً تفسير المادتين 74 و75 من الدستور للقول ما إذا كان المجلس النيابي يشكّل هيئة ناخبة أم تشريعية” أي أنهم يعتبرون أن المجلس الدستوري لا يحق له تفسير الدستور لجهة معرفة جواز التشريع عند خلو رئاسة الجمهورية، ما يعني أن كتلة نواب القوات اللبنانية تريد حصر هذا الحق بالمجلس النيابي حيث تغلب الاعتبارات السياسية والتوافق السلطوي بين أركان نظام.

وقد رد المجلس الدستوري على هذا الزعم بشكل مفصل متبنيّا كل النقاط التي سبق للمفكرة القانونية أن أثارتها مرارا وتكرارا في أكثر من مقال حول عدم إلزامية التفاسير التي تصدر عن مجلس النواب بوصفه سلطة تشريعية عادية، فقد أعلن المجلس صراحة التالي:

“وحيث إنّ صلاحية تفسير الدستور لم تُنط بالمجلس النيابي بنصّ صريح، وبالتالي في غياب النصّ الدستوري يقتضي العودة إلى المبادئ الدستورية العامة التي ترعى التفسير الأصلي الذي يرتّب مفعولاً ملزماً تجاه السلطات كافة. وحيث إنّه ينبغي إتّباع أصول تعديل الدستور في معرض التفسير، عملاً بمبدأ موازاة الصيغ، فيقتضي مراعاة إجراءات التعديل كاملة التي نصّ عليها الدستور ولا سيما منها الأكثرية الموصوفة المطلوبة لسنّ قانون دستوري بهذا الخصوص، وسوى ذلك غير ملزم للسلطات الدستورية الأخرى ولا يرتّب مفاعيل تجاهها ولا سيّما تجاه المجلس الدستوري في صدد مراقبة دستورية القوانين. وحيث إن تصاريح ومواقف النواب والكتل النيابية خارج إطار الأصول المشار إليها أعلاه لا ترقى إلى مرتبة التفسير الملزم للدستور وإن كان الإدلاء بها حاصلاً تحت قبّة البرلمان وأثناء انعقاد الهيئة العامة”.

وهنا يصل القرار إلى ذروته النظرية عبر إعلانه التالي: “وحيث إنّه يقع ضمن نطاق صلاحية المجلس الدستوري أن يفسّر الدستور في معرض رقابته على دستورية القوانين، ويعتبر ذلك في صميم مهامه كقاضٍ دستوري، وفي هذا التفسير يعطي النص الدستوري معناه الملزم”.

وهكذا يكون المجلس الدستوري الحالي قد تراجع عن الخطيئة المميتة التي ارتكبها عندما أصدر في 12 أيلول 2019 قراره الأول (رقم 4/2019) إذ أعلن أنه قرر عدم التصدي لدستورية المادة 80[1] من قانون الموازنة لأن مجلس النواب وضع يده عليها بعد قيام رئيس الجمهورية حينها بتوجيه رسالة إلى المجلس النيابي يطلب فيها تفسير المادة 95 من الدستور التي تتعلق بالتمثيل الطائفي في وظائف الدولة.

فالقرار الحالي بتأكيده على أن التفسير الملزم للدستور لا يمكن أن يتم بالغالبية العادية في مجلس النواب يكون قد أبطل نهائيا مقولة حصر تفسير الدستور بمجلس النواب، وهي المقولة التي شكلت دائما الذريعة لتبرير اعتباطية السلطة السياسية التي تعتبر أن توافق أركانها هو كفيل لإنتاج التفسير الدستوري الوحيد الملزم لكل مؤسسات الدولة.

جواز التشريع في ظل الشغور الرئاسي

بعدما أزاح المجلس الدستوري الحجة التي أرادت حصر تفسير الدستور بمجلس النواب أي فعليا بالقوى السياسية المهيمنة عليه، عمد إلى معالجة مسألة جواز التشريع في ظل الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية.

وقد وافق المجلس الدستوري في تحليله لهذه المسألة على ما ذهبت إليه المفكرة القانونية التي اعتبرت في مقال مطول أن مجلس النواب يظل محتفظا بصلاحياته التشريعية في ظل الشغور في رئاسة الجمهورية. فقد أعلن القرار أن تحول مجلس النواب إلى هيئة ناخبة عملا بالمادة 75 من الدستور يقتصر على الجلسة المخصصة لانتخاب الرئيس فقط ولا ينسحب إلى كل الجلسات التي قد يعقدها المجلس: “وحيث إن الغاية من المادة 75 هي إعطاء الأولوية لانتخاب رئيس للجمهورية وحث المجلس على الإسراع في هذا الانتخاب ومنعه من القيام بأي عمل آخر أو مناقشة في الجلسة المخصصة للانتخاب، أما الشؤون العامة الأخرى الداخلة في اختصاص مجلس النواب، فيمكن عرضها في جلسات أخرى لطرحها ومناقشتها وأخذ القرارات بشأنها”.

وقد توسّع المجلس الدستوري في تحليل هذه النقطة محاولا شرحها عبر المقارنة مع المادة 33 من الدستور قائلا: “وحيث إن المجلس النيابي في دورة الانعقاد الحكمي هذه يكون من حقّه مبدئياً، وبهدف تأمين سير المرفق العام، التشريع في مختلف المواضيع لعدم وجود أي قيد صريح أو ضمني على صلاحيته بخلاف ما هي الحال في الدورات الاستثنائية التي تنعقد بناء على مرسوم يصدره رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة يحدد فيه برنامج عملها تطبيقاً لأحكام المادة 33 من الدستور”.

وهكذا يكون المجلس الدستوري وبشكل غير مباشر قد تبنى فكرة أخرى دافعت عنها دائما المفكرة القانونية في مقالاتها ألا وهو اقتصار جدول أعمال الدورات الاستثنائية لمجلس النواب على المواضيع المدرجة صراحة في مرسوم الدعوة وعدم حق هذا الأخير إضافة بنود لم توافق عليها السلطة التنفيذية.

جراء ما تقدم، يتبين أن المجلس الدستوري وافق رئيس مجلس النواب نبيه بري على جواز التشريع في ظلّ الشغور الرئاسي لكنه في الوقت نفسه دحض (عن علم أو دون علم) حجج هذا الأخير الذي دافع دائما عن حق مجلس النواب بتفسير الدستور وحقه بوضع ما يشاء من البنود في جدول أعمال الدورات الإستثنائية بذريعة “المجلس سيد نفسه”.

وداعا أيتها الميثاقية

جانب مهمّ آخر في قرار المجلس الدستوري جرتْ معالجتُه بسرعة تتعلق بآلية إصدار القوانين من قبل مجلس الوزراء في حال خلو سدّة رئاسة الجمهورية. فقد أعلن المجلس التالي: “وحيث في ما يختص بإصدار القانون فإنه يتوجب على مجلس الوزراء الانعقاد، بوكالته عن رئيس الجمهورية، وأخذ القرار بشأن إصدار القانون وفقاً للآليات الدستورية المعتمدة لعقد جلساته واتخاذ القرارات”.

فمن الملاحظ أن قانون التمديد للمجالس البلدية والاختيارية صدر عن مجلس الوزراء وهو حمل فقط توقيع رئيس مجلس الوزراء على الرغم من اعتبار البعض أن القوانين والمراسيم التي تصدر بغياب رئيس الجمهورية يجب أن تحمل تواقيع جميع الوزراء عملا بمبدأ الميثاقية الذي بات يهيمن على الخطاب السياسي.

وهكذا، وبنص بسيط ومقتضب، وبمجرد قوله أن إصدار القانون يجب أن يتم وفقا للآليات الدستورية المعتمدة في المادة 65 من الدستور التي تنص على أن قرارات مجلس الوزراء تتخذ في المبدأ بغالبية الحضور، يكون المجلس الدستوري قد رفض ضمنا إعتبار أن القانون أو المرسوم يحتاج إلى توقيع جميع الوزراء أو حتى غالبيتهم وإلا لكان عليه إبطال القانون من حيث الشكل دون حتى معالجته في المضمون.

وبذا ينقضي عهد الميثاقية، على الصعيد الدستوري أقله، وهذا أيضا ما كانت قد بينته المفكرة القانونية في مقال سابق لها.

فضيحة الأسباب الموجبة

لا شك أن الأسباب الموجبة لقانون التمديد شكلت فضيحة مكتملة الأوصاف نظرا لطابعها الهزلي واستشهادها عشوائيا بدراسات دستورية وضعت خلال الحرب الأهلية اللبنانية وانتزاعها من سياقها التاريخي من أجل تبرير وجود ظروف استثنائية تجيز التمديد.

وإذ كان من المستغرب استشهاد المجلس الدستوري بتلك الأسباب الموجبة وأخذها على محمل الجدّ فإن الأشد استغرابا هو اقتصاره على اعتبار أن عدم نشر الأسباب الموجبة الأصلية التي تم تقديمها مع اقتراح القانون يشكل فقط مخالفة للمادة السادسة من قانون الحق بالوصول إلى المعلومات لسنة 2017 التي تنص على وجوب نشر الأسباب الموجبة في الجريدة الرسمية.

فقد اعتبر مثلا العلامة الفرنسي “أوجين بيار”[2] أنه لا يحق للنائب أن يعلن في الأسباب الموجبة أنه يستند إلى دراسات أعدتها جهات خاصة أو أن القانون يعبر عن مصالح تلك الجهات. فمصداقية التشريع تفرض أن تكون مبادرة النائب التشريعية حرة وعفوية وغير خاضعة لإملاءات خارجية. لذلك فإن التبديل الذي حصل للأسباب الموجبة دون علم الهيئة العامة لمجلس النواب يشكل خرقا لمبدأ حرية النائب حتى لو لم يكن ذلك كافيا للطعن في دستورية القانون، وكان على المجلس الدستوري التنبيه إلى هذه المخالفة وعدم الاكتفاء بالقول أن مجلس النواب ناقش غالبية الحجج الواردة في الأسباب الموجبة حتى لو لم يطلع عليها، لأن المسألة لا تتعلق فقط بالأفكار التي تم تداولها لكن أيضا بوجود جهة نافذة ما تمكنت من إضافة نص لم يكن النواب على علم به حتى لو تم ذلك في الأسباب الموجبة فقط إذ لا شيء يمنع في المستقبل تحوير نصوص وردت في محاضر مجلس النواب أو في القانون نفسه ما يشكك جديا في مصداقية التشريع وحقيقة التصويت الذي يتم في الهيئة العامة للبرلمان.

في متاهة المجلس الدستوري مجددا

إن النقاط الإيجابية التي انطوى عليها هذا القرار حجبته للأسف النتيجة التي توصل إليه المجلس الدستوري عندما درس القانون من حيث المضمون. والأمر يصبح أشد استغرابا ومثيرا للحيرة عندما يتبين أن المجلس كرس كل المبادئ التي تدين التمديد للمجالس البلدية والاختيارية وتؤدي إلى حرمان المواطنين من حقهم بالانتخاب لكنه قضى في النهاية برد الطعن والقبول بالتمديد كأمر واقع.

فقد أعلن المجلس الدستوري صراحة أن “حق الاقتراع، وبالتالي، حق المواطن في أن يكون ناخباً أو منتخباً، هو من الحقوق الدستورية ويجسّد المبدأ الديمقراطي الذي يرتكز عليه النظام الدستوري في لبنان، وله القيمة الدستورية نفسها سواء عند ممارسته على مستوى الانتخابات النيابة أم على مستوى الانتخابات المحلية”.

لا بل يعمد المجلس الدستوري إلى تقديم تفنيد مقنع للحجة التي تعتبر أن التمديد هي ضرورة بسبب الاستحالة اللوجستية والإدارية لإجراء الانتخابات ضمن المواعيد القانونية إذ اعتبر أن هذه الحجج لم تصدر عن الحكومة التي أعلنت جهوزيتها بل عن النواب الذين تقدموا بالاقتراح. ويضيف المجلس الدستوري  في تحليل مصيب التالي:

“وحيث إن تقاعس الإدارة، التي كان لديها متّسع من الوقت للتحضير للانتخابات وإجرائها قبل انتهاء الولاية وفي المواعيد التي حدّدتها، لا يبرّر تمديد تلك الولاية وتركها لإرادة تلك الإدارة لمدة سنة، إذ أنه يظلّ ثمة احتمال أن تتقاعس مجدداً حتى نهاية المهلة وتضع المجلس النيابي مرة جديدة أمام الأمر الواقع وكان بإمكان المجلس المذكور، نظراً للمعطيات التي توفرت له، بعدم إمكان إجراء الانتخابات في موعدها، أن يكون التمديد تقنياً، لفترة معقولة وقصيرة أي المدّة المناسبة التي تستدعيها تلك المعطيات”.

ويضيف المجلس حجة أخرى تثبت مخالفة قانون التمديد للدستور سبق وأن عالجتها المفكرة القانونية في مقال خاص حول السماح للسلطة الإدارية بتحديد موعد إجراء الانتخابات إذ اعتبر التالي: “وحيث إن ترك المشترع للسلطة الإدارية أمرا هو من صلاحيته المقررة له في الدستور من ضمن صلاحيات شاملة، تتناول فيما تتناوله، الموعد الذي تجري خلاله الانتخابات، هو أمر مخالف للدستور، علما أنه كان بالإمكان تجنب هذه المخالفة الدستورية بعدم تضمين النص كلمة أقصاه”.

بعد كل هذا التعليل الذي لا جدال فيه وبشكل مفاجئ يتوقف المجلس الدستوري كي يعلن التالي: “وحيث إن دخول البلاد في وضع شاذ وغير مألوف، كما هو الحال في الوقت الحاضر، يملي على المجلس الدستوري أن يوازي بين الضرر الناجم عن المخالفة الدستورية وبين الضرر الناجم عن الإبطال الذي يمس مبدأ استمرارية المرفق العام ذي القيمة الدستورية، حفاظا على مصلحة البلاد العليا التي وضع الدستور من أجلها”.

ومن ثم يضيف المجلس في نهاية أقرب إلى المسرحيات التراجيدية أن انقضاء مدة ولاية المجالس البلدية والاختيارية في 31 أيار 2023 أي بعد يوم واحد من صدور قرار المجلس الدستوري واستحالة اجتماع مجلس النواب لإقرار تشريع بديل وحفاظا على الانتظام العام ومنعا لتفاقم الفراغات، ولأجل تأمين استمرارية عمل المرافق العامة لا بد من رد الطعن والقبول بالتمديد رغم مخالفته للدستور.

يفتقر في الحقيقة هذا القرار بنهايته التهويلية تلك إلى أي إبداع دستوري. لا بل هو جاء باهتا كونه يعمد إلى تكرار استراتيجية سبق للمجلس الدستوري أن اتبعها عندما وجد نفسه في موقف إحراج سياسي. وهذا ما حصل سنة 2014 عندما ردّ المجلس الدستوري الطعن المقدّم من أجل إبطال قانون التمديد لمجلس النواب بموجب القرار رقم 7 تاريخ 28 تشرين الثاني 2014 الذي أعلن دون لبس أن تمديد ولاية مجلس النواب لسنتين وسبعة أشهر يتعارض مع الدستور، وأن “دورية الانتخابات مبدأ دستوري لا يجوز المسّ به مطلقاً”، وأن ربط إجراء الانتخابات بالاتفاق على قانون انتخاب جديد عمل مخالف للدستور، وأن الظروف الاستثنائية وإن كانت تبرر تأجيل الانتخابات لمدة محدودة “غير أنها لا تبرر تمديد ولاية مجلس النواب سنتين وسبعة أشهر”، كي يقرر في النهاية بشكل أقرب إلى السريالية “رد الطعن للحيلولة دون التمادي في حدوث الفراغ في المؤسسات الدستورية”. 

ولا شك أن هذا النهج الذي يتبعه المجلس الدستوري يقود إلى نتائج خطيرة جدا أهمها فتحه المجال دون دراية لظاهرة “المبادئ فوق الدستورية” (supra-constitutionnalité) . فمن خلال إعلانه أكثر من مرة أن دورية الانتخابات هو مبدأ دستوري ومن ثم اعتباره أن تفادي الفراغ هو موجب قانوني يتفوق على دورية الانتخابات يكون المجلس الدستوري قد أعطى الغلبة لضرورة تفادي الفراغ وتاليا للقوى السياسية القادرة على صنعه من دون أي ضابط. فالفراغ في مؤسسات الدولة لا يشكل ظرفا استثنائيا من الناحية الدستورية كونه متوقعا، وهو نتيجة ممارسات اتبعتها السلطة السياسية التي أوصلت البلاد إلى انهيار شامل، ما يعني أن هذه الأخيرة تستفيد من الظرف الذي أنتجته عبر تعطيل حقوق المواطنين وضمان بقائها في السلطة بذريعة تفادي الفراغ.

وإذا كان المجلس الدستوري قد أصاب عندما أعلن أن “مدّة القانون التمديديّ المطعون فيه يخرج عن صلاحيات المجلس الدستوري الذي لا يسعه أن يحلّ نفسه محل مجلس النواب” كون المجلس الدستوري ليس سلطة تشريعية حرة بتقدير مدى ملاءمة القوانين، لكن استنكافه الدائم عن محاسبة السلطة السياسية يسمح لها بابتزاز المجلس الدستوري عبر وضعه دائما أمام خيار القبول بخرق الدستور أو الفراغ، وهو تهديد يتوجب وضع حد نهائي له عبر إبطال القانون وإرغام السلطة على إيجاد حلّ يحترم المبادئ الدستورية[3].

فقرار المجلس الدستوري الحالي هو في الحقيقة تكريس جديد للإفلات من العقاب عبر السماح للسلطة بتهديد المجتمع بالفراغ نتيجة عجزها عن حماية مصالح الدولة. فكما أن قانون العفو وتعطيل القضاء هما ظاهرتان تعكسان تحول المجتمع إلى رهينة بحجة الحفاظ على السلم الأهلي والتعايش الوطني، كذلك بإمكاننا اعتبار هذا النوع من القرارات تسليما بسطوة السلطة السياسية على مؤسسات الدولة التي أصبحت فعليا رهينة لدى هذه الأخيرة.

للاطلاع على قرار المجلس الدستوري كاملا


[1] وهي المادة المتعلقة بحفظ حق الناجحين بتعيينهم في الوظائف المناسبة والتي أثارت جدلا سياسيا واسعا بسبب اعتبار البعض أنها “غير ميثاقية” كونها لا تحترم المناصفة بين المسيحيين والمسلمين وتخل بالتوازن الطائفي.

[2] « il ne serait pas permis à l’auteur d’une proposition de déclarer dans son exposé de motifs que les articles présentés par lui sont la reproduction d’une étude préparée par une société (…) l’initiative des sénateurs et des députés doit être libre et spontanée ; elle ne saurait être la conséquence d’une action extérieure » (Eugène Pierre, Traité de droit politique, électoral et parlementaire, Supplément, 1919, Paris, pp. 19-20)

[3] وهذا الاستنكاف تجلى أيضا في قرارات المجلس الدستوري التي تقبل دائما بصدور الموازنة دون قانون قطع الحساب حفاظا على مصالح البلاد العليا. القرار 2/2018 الصادر بتاريخ 14/5/2018.

انشر المقال



متوفر من خلال:

محاكم دستورية ، البرلمان ، لبنان ، مقالات ، دستور وانتخابات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني