الحكومة المصرية تمهد لعودة الحياة لطبيعتها في ظلّ ارتفاع الإصابات: نهج “هنجرب ونشوف”


2020-04-30    |   

الحكومة المصرية تمهد لعودة الحياة لطبيعتها في ظلّ ارتفاع الإصابات: نهج “هنجرب ونشوف”

استدعى بروز أزمة كورونا اهتمام الحكومات ودفع بدول العالم إلى أخذ إجراءات متشددة، في شهر مارس، في مواجهة الوباء المستجد. في أواخر الشهر نفسه، فرضت الحكومة المصرية حظر تجول جزئي وخفضت العمالة في مؤسسات القطاع العام لتقليل الإزدحام والحدّ من التجمعات. بعد حوالي شهر، وتحديداً في 23 أبريل الماضي، كشف رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في خطابه الأخير عن نية الدولة للتقليل التدريجي لهذه الإجراءات تمهيدًا لعودة الحياة إلى طبيعتها مع انتهاء شهر رمضان.

استهل مدبولي حديثه بسرد لإجراءات الدولة حيث عَدَدَها ما بين اتخاذ إجراءات تخص التعقيم والتطهير والتوعية بضرورة تفعيل مبدأ التباعد الإجتماعي، مؤكدًا على أنها راعت سلامة المواطن في كل ذلك. قال إن الإدارة المصرية حققت الموازنة بين مراعاة الصحة العامة من جانب ومراعاة الإقتصاد من جانب آخر، وأرجع مواصلة العمل في مشاريع بناء المصانع وقطاع البناء والتشييد إلى حرصها على الأعداد الكبير التي تجذبها هذه الصناعات.

التمهيد لتغيير الأولويات من الصحة للإقتصاد

كان الولوج للحديث عن أهمية الحفاظ على دوران عجلة الإنتاج تمهيدًا للتغيير الذي تسوّق الدولة الإعلان عنه الآن. تركيز الإجراءات السابقة على صحة المواطنين وإبرازها كأولوية آنذاك يعكس تبدُل أولوية الدولة خلال المرحلة القادمة، مع التلويح بتداعيات التأثر الإقتصادي على دخول العاملين واستقرارهم الوظيفي ولا سيما أن الأزمة لا تبدو مؤقتة وإنما واقع على المواطنين التأقلم معه من الآن فصاعدًا. يقول مدبولي “سنستمرّ في أخذ إجراءات احترازية كلنا كمواطنين”، وإذاً تقع المسؤولية الأكبر بالحفاظ على الصحة والسلامة العامة على المواطنين أنفسهم، في ظل إما فقدان البعض لوظائفهم أو تخفيض رواتب البعض الآخر، مع ارتفاع لأسعار المنتجات الطبية والمنظفات المنزلية وحدها على أقل تقدير.

تبدُل أولويات الدولة لا ينسحب على الأصحاء فقط ولكن المصابين بالفيروس أيضا، البالغ عددهم 5042 حالة وفقاً لوزارة الصحة المصرية حتى 28 أبريل 2020. فقد قسّم مدبولي المرضى إلى ثلاث فئات، تنتمي الفئة الأولى إلى “الحالات المحتاجة إلى عناية حقيقية” أي من يحتاجون إلى عناية من الفرق الطبية داخل المستشفيات، وقدر عددهم بـ 15% من إجمالي عدد المصابين، أما الفئتين الأخريين من المرضى، فهما من تؤكد نتيجة تحليلهم على إيجابية الإصابة ولا تظهر عليهم أعراض، ومن تكون الأعراض لديهم “خفيفة” على حد وصفه. وفقا لتقدير مدبولي فإن الدولة أخلت المستشفيات من 85% من المصابين حصيلة هاتين الفئتين الأخيرتين، وقررت نقلهم إلى المدن الجامعية والشبابية وبعض الفنادق، بعد تجهيزها كأماكن عزل صحي، وهو ما يجعلهم خارج تغطية خدمات المستشفيات ذات التجهيز الأعلى، والأكثر قدرة على الاستجابة لحاجاتهم.

أفصح مدبولي عن توقع الحكومة تزايد عدد المصابين خلال الفترة القادمة. بموجب الأرقام الواردة في بيانات وزارة الصحة اليومية، لا يبدو توقعه مفاجئا. المفاجئ هو تزامن العمل على عودة الحياة برفع الحظر تدريجيًا مع تزايد أعداد المصابين. بعبارة أخرى لو أن الحكومة المصرية قررت ربط خطواتها بتحرك العالم للفتح لا الإغلاق كما قال مدبولي، فهل اختارت التوقيت المناسب لحركة منحنى الإصابة لديها؟

بعد ثلاثة أيام من خطاب مدبولي، صرح رئيس اللجنة العلمية لمكافحة كورونا بوزارة الصحة حسام حسني في مداخلة تلفزيونية “كنا بقالنا فترة في منحنى الثبات، لكننا كسرنا هذا المنحنى وبدأت الأرقام تتصاعد كنتيجة رئيسية لسلوك المواطنين قبل رمضان”. ولكن مسؤولية زيادة منحنى الإصابة لا يتحملها المواطن حسبما أشار حسني، ولكن تتحملها الدولة من خلال كل إجراء عزّز ويعزّز رفع الحظر.

ماذا عن منحنى الإصابة وتبعاته؟

لم يذكر حسني أن الثبات النسبي الذي تمتع به المنحنى جاء عقب انتباه الدولة واعترافها بجدية الأمر واتخاذ إجراءات وقائية على مستوى الأزمة في الأسابيع القليلة الماضية، بينما أسند تحرك المنحنى للزيادة إلى مخالفة المجتمع قائلا “كنا مقبلين على هذه المرحلة لكن الخرق المجتمعي أدى إلى استمرار معدلات الزيادة”.

في كل الأحوال، فإن الخطورة التي ينطوي عليها التغيير في منحنى الإصابة وعلاقته بردود أفعال الدولة، يمكن التعرّف عليه إذا ما عُدنا للقياس على بداية الأزمة. فمنذ اكتشاف الإصابة الأولى في منتصف فبراير الماضي وحتى 5 مارس، لم تتعامل الدولة المصرية مع الموقف من منطلق الوباء وإنما كحالات فردية. في 6 مارس، شكلت وزارة الصحة غرفة العمليات المركزية للتصدي لفيروس كورونا المستجد بعد تسجيل مصر 12 إصابة، شملت الغرفة أعضاء من قطاعات عديدة من الطب الوقائي والرعاية العلاجية والإسعاف والشؤون الصيدلية، إلى جانب قيادات من وزارة الداخلية والرقابة الإدارية والمخابرات العامة، على أن يترأسهم مساعد الوزارة لشؤون الصحة محمد حساني؛ الأمر الذي شكل نقطة تحول لوضع المرض في البلاد.

ربما لا يسمح الوضع اليوم بأقلّ قدر من التجاهل لأهمية مراقبة منحنى الإصابة للتعرف على تبعاته، والتعامل مع أي تغيير فيه بجدية، وخصوصًا مع محدودية عملية الفحص والإختبار حاليا، حيث لم تعد تجري على نطاق واسع كما أوضح مصدر مطلع في وزارة الصحة من قبل، وإنما تقتصر على من تنطبق عليهم كافة الأعراض التي حددتها وزارة الصحة للإصابة بالفيروس والمخالطين المباشرين له نظرا لمحدودية الموارد الطبية للوزارة. “قررت الوزارة بالتالي التوقف عن إجراء التحليل للمخالطين المحتملين، مع الإكتفاء بالمخالطين المؤكدين ممن أظهروا أعراض المرض” بحسب المصدر نفسه.

وفقا لآخر تحديث من وزارة الصحة المصرية عن عدد تحاليل فيروس كورونا البالغة 90 ألف، تكون الدولة قاربت على استهلاك نصف مخزونها من التحاليل المقدر بـ 200 ألف بحسب تقرير منظمة الصحة العالمية قبل شهر واحد، حين كان لدى الدولة 17 مختبرا، بالإضافة إلى دعم المنظمة وبعض الشركاء الآخرين، والذي لم يوضح التقرير حجمه.

الآن وبعد زيادة عدد المختبرات إلى 27 فمن المؤكد أن مخزون التحاليل ارتفع، لكن بالنظر إلى معدل الاستهلاك، فإن الارتفاع سيستمر بشكلٍ طردي مع منحنى الإصابات المتوقع ارتفاعه من الآن. وعليه فربما تعاني مصر نقصا في التحاليل، وهي مورد طبي لا يمكن الاستغناء عنه في هذه الأزمة، التي تعترف الدولة على لسان مدبولي في الخطاب نفسه باحتمالية ترديها. يقول مدبولي “ربما نجد أنفسنا نأخذ إجراءات قاسية جدًا في حال زادت الأعداد بأكبر من قدرتنا على التحمل” رابطا ذلك بإلتزام المواطنين. هكذا تعتمد الدولة أداءً تجريبيا يُعول على سلوكيات الأفراد، وهو ما يبدو أن الدولة تعتبره المحرك الأساسي لها. أي أنها تبني موقفها ردا على ما سيحدث وليس استباقاً وتجنباً لأزمة قد تحدث.

خاتمة

تتطلب الخطط التنفيذية للتعامل مع الأحداث العامة أداءً تجريبا، إلا أن ماهية التجريب والطريقة التي يتم بها من المفترض أن يصير أكثر حذرا في أوقات الأزمات، لأن الموقف لا يتحمل تسيير الأمور على نهج “هنجرب ونشوف النتيجة” بحسب تعبير مدبولي.

إذا ما وضعنا في الاعتبار أن تطبيق الحظر الجزئي من البداية لم يلغِ عمل المؤسسات سواء الحكومية أو الخاصة بطريقة مطلقة. كما لا تعتبر ساعاته الليلية عقبة أمام استمرار غالبية المهام الوظيفية التي تُؤدّى نهارًا بطبيعة الحال. وإذا كانت الدولة هي من تروّج لفكرة عدم تأثر الاقتصاد المصري بجائحة كورونا بفضل برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي شرعت في تنفيذه من العام 2016، وتأثر به غالبية فئات الشعب، فإن هذا النهج الذي تنوي إتباعه سيلحق ضررًا قد لا يستطيع معه المواطنين المقاومة لمدة أطول في ظل كل هذه التحديات المحلية والعالمية.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، الحق في الصحة والتعليم ، مصر ، اقتصاد وصناعة وزراعة



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني