الجامعة اللبنانية تسيّر العام الدراسي بمن حضر: التفاف على الإضراب ووعود لا يصدّقها أحد


2022-10-21    |   

الجامعة اللبنانية تسيّر العام الدراسي بمن حضر: التفاف على الإضراب ووعود لا يصدّقها أحد
اعتصام لطلاب من الجامعة اللبنانية

بعد ثلاثة أعوام من التخبّط بين تعليم عن بعد وتعليم مدمج ولا تعليم، بدأت كليات الجامعة اللبنانيّة تفتح أبوابها تدريجياً الواحدة تلو الأخرى على أن يكون التعليم حضورياً، فيما لا تزال كليات أخرى تجري امتحانات العام الدراسي الماضي.

فإقرار المجلس النيابي زيادة موازنة الجامعة اللبنانية مؤخراً يؤمّن لها، وحسب رئاستها، القدرة التشغيلية لتعليم حضوري لثلاثة أيام أسبوعياً في جميع الكليّات. ليبقى السؤال الأساسي هو كيف ينطلق العام الجامعي حضورياً في ظلّ استمرار إضراب الأساتذة وهجر بعضهم للجامعة أو للبلد من جهة، ووضع الطلاب الذين تحوّل بدل النقل بالنسبة لعدد كبير منهم إلى عائق يحرمهم من حقّهم في التعليم.

وقد بدأت بعض الكليات التدريس حضورياً وفيما يؤكّد رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرّغين في الجامعة اللبنانية عامر حلواني لـ “المفكرة القانونيّة” أنّ الإضراب مستمر، يرى الأساتذة أنّه تمّ الالتفاف عليه من خلال إجراء الامتحانات ومصادرة قرارات مجالس الوحدة والفروع وممارسة عدد من الضغوطات على الأساتذة وصلت إلى حدّ مصادرة المواد التدريسيّة لأساتذة وطلب عدد من إدارات الكليّات بشكل مباشر من الأساتذة الذين لا يريدون التدريس هذا العام تقديم طلب استيداع لمدة سنة. وهذا الأمر يطرح برأي الأساتذة سؤالاً أهم عن نوايا بتهشيل الأساتذة خدمةً لسياسات “ترشيق الإدارة العامة” وعن شكل هذا الصرح الجامعي بلا أساتذة أكفّاء وفي ظلّ ممارسات تضرب عرض الحائط القوانين المنظمة لعمل الجامعة.

تسيير الجامعة رهن بالتجربة

قبل أسبوع تقريباً اضطرّت إحدى كليّات الحقوق في الجامعة اللبنانيّة وبعد وصول الطلّاب إلى قاعات الامتحان، إلى تأجيل الامتحان بسبب انقطاع الكهرباء. وقبل أشهر أحضرت طالبة معها المازوت لتشغيل المولّد كي يتمكّن الأساتذة من مناقشة رسالة الدكتوراه الخاصة بها. وقبلها أي في العام الماضي، تحدّث طلاب عن الطلب منهم كتابة الامتحان على ورقة واحدة لعدم توافر الورق، وعن إجراء امتحانات في غرف شبه معتمة وعن إرسال الأستاذ المواد التعليمية كما هي للطلاب قبل الامتحانات بأيّام إمّا لأنّ الأستاذ أصلاً يعمل بوظيفة أخرى أو لأنّ الإدارة قرّرت فجأة إجراء الامتحان في ظلّ الإضراب.   

كلّ هذه الأمور ستُعالج حسب ما يؤكّد رئيس الجامعة اللبنانيّة بسّام بدران مشيراً إلى أنّ العام الدراسي الحالي انطلق في بعض كليّات الجامعة اللبنانيّة فيما حُدّد له موعد في كليّات أخرى بينما لا يزال عدد من الكليات ينتظر انتهاء امتحانات العام الماضي على أن يبدأ العام الجديد في حدّ أقصاه منتصف شهر تشرين الثاني المقبل.

ويشير بدران إلى أنّ تخصيص زيادة 500 مليار ليرة (أقرّت في الموازنة العامة للعام 2022) ككلفة تشغيلية للجامعة قادرة على تشغيل الجامعة بكافة كليّاتها حضورياً لـ 3 أيام أسبوعياً مع إمكانيّة زيادة يوم في الكليّات التي تحتاج هذا الأمر، إذ يقول في حديث مع “المفكرة القانونيّة” إلى أنّ زيادة هذا المبلغ على الموازنة وبعد دراسة دقيقة تسمح للجامعة تأمين التشغيل هذه الأيام، وتأمين الكهرباء والمازوت  وصيانة المولدات بشكل أساسي فضلاً عن إجراء صيانة للسكن الجامعي.

وفي حين يعتبر بدران أنّ اعتماد 3 أيام من التدريس بدل 5 مع تحديد ثماني ساعات كحد أقصى يومياً سيوفّر كلفة بدل النقل على الأساتذة والطلاب في آن، يوضح أنّ العمل جار في جميع الكليّات لكي تبدأ تدريجياً باتباع نظام التدريس المتّبع عادة في كلية الطب في الجامعة اللبنانية والذي يعتمد تدريس المقررات الواحد تلو الأخرى خلال العام الدراسي وليس تدريس مقرر طوال العام.

ولكن الإجراءات التي يتحدّث عنها بدران والتي لا يعتبرها مُثلى ولكنّ أفضل المتاح لضمان سير عام دراسي شبه طبيعي في ظلّ الانهيار الاقتصادي الذي يمرّ فيه لبنان، يضعها عدد من الأساتذة في إطار “الهرطقة” وتسيير عام جامعي فقط إرضاء لأحزاب السلطة في حين كان بالإمكان الضغط من أجل الحصول على أموال الـ “بي سي آر” بدل القبول بفتات لا يلامس حدّ حقوق هذه الجامعة وأساتذتها.

ويُشار إلى أنّ إدارة الجامعة اللبنانية كانت تعوّل على عائدات فحوصاتبي سي آر المطار المقدّرة بـ 50 مليون دولار لاستثمارها بعدد من المشاريع المنتجة للجامعة منها تركيب نظام طاقة شمسية وإنشاء معمل أدوية متخصص بالضغط أو السكري، فضلاً عن مختبر مركزي لتحليل الدواء، إلّا أنّ شركات الطيران لم تحوّل الأموال إلى الجامعة برغم صدور قرارين قضائيين.

ويرى الأستاذ المتقاعد في الجامعة اللبنانية وأحد مؤسسي “جامعيون مستقلون من أجل الوطن” بشير عصمت أنّ هذه الإجراءات التي تقوم بها الجامعة حالياً ترقيعية كأنّنا نعالج المريض بتهديده بألّا يمرض، معتبراً في حديث مع “المفكرة” أنّ ما حصلت عليه الجامعة هزيل جداً ويتمّ تصويره على أساس أنّه مكسب، ولن يحلّ مشكلة تأمين الورق وطباعة الدروس وكلفة التنظيف وتوفير المياه والمعوقات التي لا تحصى تشغيلياً، هذا فضلاً عن المشكلات الأخرى المرتبطة بمدى توفّر الإمكانيّات الماديّة لدى الطلاب والأساتذة لدفع كلفة الوصول 3 أيام إلى الجامعة.

ويعتبر عصمت أنّه كان من الأولى أنّ تدافع الجامعة عن أموالها من عائدات “بي سي آر” بدلاً من تصوير الفتات الذي حصلت عليه وكأنّه قادراً على تسيير الجامعة.

من جهة أخرى يرى عبدالله محي الدين أستاذ معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية أنّ عودة الجامعة حضورياً أمر ضروري من أجل الحفاظ على الجامعة ومكانتها العلمية، ومن أجل مصلحة الطلاب، معتبراً في حديث مع “المفكرة” أنّ ما يُطرح حالياً ليس مثالياً ولكن في واقع الأمر هناك صعوبات مرتبطة بالأساتذة والطلاب ولا بد من التعامل معها، هذا فضلاً عن أنّ الحكومة لم تؤمّن الموازنة التي توفر القدرة على التشغيل الكامل للجامعة.

وفي حين يعتبر محي الدين أنّ الجامعة بطبيعة الحال لن تعود هذا العام كما كانت أقلّه قبل الأزمة ولكن تبقى أفضل من التعليم عن بعد الذي كان كارثياً، يرى أنّ نجاح الإجراءات الجديدة سيكون نسبياً وقد يتفاوت من كليّة إلى أخرى وأنّه على إدارة الكليّات والأساتذة متابعة هذه الإجراءات ومعالجة الثغرات إن وجدت، بهدف إنقاذ العام الجامعي والجامعة.

وفي الإطار نفسه، ترى نايلة أبي نادر الأستاذة في كلية الآداب، أنّ ما تقوم به رئاسة الجامعة من تسيير الشؤون الأكاديمية هو نوع من التأقلم مع المعطيات المتوفرة  وهو بشكل عام أفضل من التدريس عن بعد لكنه لا يكفي. وترى أنّ الأشهر المقبلة ستيبّن مدى قدرة الطلاب أن يحضروا إلى الجامعة ثلاثة أيام في الأسبوع، وإمكانية الإنارة والتدفئة في المناطق الجبلية وضمان الحصول فعلياً على الفتات الذي أعطي للأساتذة.

وترى الأستاذة في كلية العلوم وفاء نون أنّ الجامعة اللبنانيّة حكماً ما عادت تستطيع الاستمرار بالتعليم عن بعد للحفاظ على مستواها الذي حافظت عليه برغم الإمكانيات المادية الضعيفة، مضيفة في حديث مع “المفكرة” أنّ التعليم الحضوري يحتاج مقومات تشغيلية منها الكهرباء والصيانة فضلاً عن المقومات البشرية من موظفين وأساتذة وعمّال. ليكون السؤال هل زيادة 500 مليار إلى الموازنة تكفي لذلك؟ تجيب نون “لا نعلم ذلك، لعدم اطلاعنا على كيفية صرف الموازنة، لكننا نعلم أنّ الأموال المستحقة للجامعة من فحوص الـ بي سي آر والتي تبلغ ٥٢ مليون دولار كفيلة بتشغيل الجامعة وتأمين استمراريتها”.

وتسأل نون عن سبب عدم تطرّق رئيس الجامعة في التعميم الأخير الذي أعلن فيه أنّ التعليم سيكون حضورياً، إلى الأزمة الاقتصادية التي اضطرت الجامعة للتدريس عن بعد، إذ كلنا يعرف أنّ السبب لم يكن جائحة كورونا لا سيما العام الماضي، معتبرة أنّ “الرئيس يتحاشى أن يقال إنّ الحلّ الوحيد لأزمة الجامعة هو أموال بي سي آر التي تعجز إدارة الجامعة كما رابطة الأساتذة المتفرغين عن أخذ موقف صلب بشأنها وعن خوض معركة لاستردادها”.

تهشيل متعمّد للأساتذة وضرب للعمل النقابي

عند سؤاله عن إعلانه انطلاق العام الدراسي في ظلّ إضراب الأساتذة يقول بدران إنّ “الأساتذة لهم الحقّ في الإضراب ولكن من واجب الإدارة تسيير العام الدراسي، فمن غير المقبول أن تقفل الجامعة الوطنية أبوابها”.

وعن كيفيّة تسيير هذا العام في ظلّ هجرة الأساتذة ولا سيّما المتعاقدين منهم واستمرار الإضراب، يجيب بدران بأنّ ليس كلّ الأساتذة المتفرغين مضربون، وبعضهم أصلاً لا ينتمي إلى الرابطة، هذا فضلاً عن وجود الأساتذة المتعاقدين الذين وبحكم الإجراءات الجديدة (تكثيف المقرر وساعاتهم في فترة زمنية محدّدة) يمكنهم أن يعطوا حصصهم في فترة زمنيّة معيّنة مكثّفة ما يعني إمكانيّة استمرار تعاقدهم مع الجامعة على الرغم من تواجد عدد كبير منهم خارج البلاد.

وفي هذا الإطار أيضاً، يتحدّث بدران عن التعامل مع نقص الأساتذة في حال حصوله عبر إعلان شغور وتعاقد جديد تماماً كما حصل في كلية الهندسة وكليّة الصيدلة وكلية طب الأسنان التي ترك منها عدد لا بأس به من الأساتذة التعليم أو ترك لبنان بهدف العمل في الخارج، ويقول بدران “عبر الإجراءات الجديدة، حلّيت مشكلة، الأستاذ بيفوت بمادة وينهيها ونقلت النقص للآخر لحين تأمين البديل، عبّيت بيلي موجود”.

يشار إلى أنّ المتعاقدين بالساعة في الجامعة اللبنانية والبالغ عددهم حوالي 3500 أستاذ وأستاذة يدرّسون ما نسبته 80% من مجمل الساعات التعليمية في الجامعة الوطنيّة التي يدرُس فيها حوالي 80 ألف طالب وطالبة أي ما يشكّل حوالي 36% من الطلاب الجامعيين في لبنان.

قد ينجح رئيس الجامعة وإدارة عدد من الكليّات في تسيير العام الدراسي بهذه الإجراءات ولكنّها تصبّ بشكل مباشر أو غير مباشر في إطار “ترشيق” الإدارة العامة ومنها الجامعة اللبنانيّة  وهو مطلب مطروح منذ التسعينيات حسب د. عصمت، فالأستاذ سيجد نفسه في نهاية المطاف مضطراً إلى ترك التعليم في الجامعة اللبنانيّة أو إلى أن يعمل في وظيفة أخرى ما يعني أنّه لن  يكون بالمستوى المطلوب.

وفي هذا الإطار ترى أبي نادر أنّ التدابير التي اعتمدت من الجامعة وإن ساهمت في سدّ بعض الثغرات، سوف تسهم في تدهور المستوى التعليمي وتضرب الأمان الوظيفي ما سيوصل مع الوقت إلى هلاك الجامعة اللبنانيّة، معتبرة أنّ أي مؤسسة أكاديمية تتّكل فقط على المتعاقدين بالساعة، لن تنتج علمياً ولا معرفياً، فالتفرّغ والملاك هما أساس التقدم الوظيفي بالإضافة إلى تحفيز الكفاءات للانضمام إلى المؤسسة الأكاديمية وليس تهشيلها.

لا ينكر بدران بأنّ الأساتذة الجدد الذين يتم التعاقد معهم قد يكونون أقلّ خبرة من الذين يتركون الجامعة ولكنّه يرى أنّه لا يمكن التقليل من مستوى هؤلاء الذين يتمتعون بكفاءة كبيرة تخوّلهم أن يكونوا أساتذة في الجامعة اللبنانيّة التي تختار الأكفأ.

وترى أبي نادر الملتزمة بقرار الرابطة بالإضراب والتي ارتأت وبعد الضياع الحاصل، وبعد خرق الإضراب، هي ومندوبو كلية الآداب الفرع الثاني في الرابطة، تسيير أعمال الامتحانات لكي لا يبقى الطلاب معلقين من دون إنهاء الفصل الثاني، أنّ الأساتذة في وضع لا يحسدون عليه فهم مكشوفون نقابياً في وقت بات فيه واضحاً أنّ السلطة غير مهتمة بالجامعة الوطنية، وليس لديها لا الرغبة ولا القدرة على دعمها والنهوض بها، وكأنّها تقول للمواطن دبّر تعليم أولادك بمعزل عني، وللأستاذ هذا واقع حالي، إن لم يعجبك الأمر بإمكانك أن تجد الحل المناسب خارجاً، في مخالفة فاضحة لتوصيات اليونسكو بخصوص الحق في التعليم العالي الراقي لكل مواطن في عملية تدمير ممنهجة ليس فقط للجامعة اللبنانية إنما للأجيال الآتية أيضاً.

وكانت بعض الكليّات عمدت ومن خلال مذكرات إعلان التدريس الحضوري إلى الطلب من الأساتذة غير الراغبين في التدريس حضورياً التقدّم بطلب استيداع لمدة سنة من دون راتب (الملاك) أو بطلب تجميد عقودههم لمدة سنة من دون راتب (المتفرغون) وإبلاغ إدارة الكلية بهذا الأمر خلال 48 ساعة، ما فهمه الأساتذة بأنّه دعوة لترك التعليم أو القبول بالموجود.

وكذلك لفتت المذكرات إلى أنّه يمكن للأستاذ المتعاقد إعطاء مقرراته في فترة تمتدّ بين الشهر  ونصف الشهر والشهرين، وفي حال عدم الرغبة، تبليغ إدارة الكلية في مهلة 48 ساعة أيضاً.

وليس بعيداً، يرى الأستاذ باسل صالح أنّه بالممارسات الحاصلة في الجامعة اللبنانية هناك التفاف واضح على قرار الهيئة العامة بالإضراب مشيراً، في حديث مع “المفكرة” على سبيل المثال لا الحصر، إلى أنّ بعض الكليّات تُجري الامتحانات وأخرى لا وفي بعض الأحيان تجري أقسام في كليات امتحانات وأقسام لا في مخالفة واضحة للقانون 66 الذي ينظم كيفية إدارة الأعمال الأكاديمية في الجامعة وكيفية إجراء الامتحانات.

ويسأل صالح عن آلية حماية الأساتذة في ظلّ ضرب القوانين وفي ظل عدم وجود مجلس جامعة أصيل وبظل الالتفاف على قرارات الهيئة العامة، معتبراً أنّ الجامعة تتحوّل إلى مؤسّسة تفتقد لقوانين مرعية الإجراء ما يعني وجود خطر فعلي على الموظفين والأساتذة الذين أصبحوا عرضة للاستنسابية والإطاحة بساعاتهم تماماً كما حصل مع الأستاذ كامل صالح إذ أقدم عميد كلية الآداب في الجامعة اللبنانية على “مصادرة المواد التدريسية المسندة إليه في عمادة الكلية، بسبب التزامه قرار الهيئة العامة بالإضراب، وبقصد إشاعة أجواء الترهيب في صفوف الأساتذة”، حسب ما أوردت الرابطة في بيان رسمي لها.

ليس بعيداً، ترى نون أنّ الموضوع بات أبعد من إضراب والالتفاف عليه، فرابطة الأساتذة وإدارة الجامعة اللبنانية هما واحد يصبّان عند أحزاب السلطة ويتعاونون كما في معظم الإدارات العامة، وإلّا ماذا يعني أن تعلن الرابطة الإضراب وتغضّ النظر عن امتحانات الدخول؟ وماذا يعني أنّ تكون الرابطة غير قادرة على حماية الأساتذة؟

وتشير نون إلى خلل أساسي وهو عدم تمثيل الأساتذة، مذكرة باجتماع رئيس الجامعة مع مندوبي الرابطة مرتين بينما كان عليه وكونه في مجلس الجامعة التواصل مع ممثل الأساتذة في المجلس بمعزل إن كان معطلاً أو لا، وتقول نون: “الأساتذة في الواقع غير ممثلين لا في مجلس الجامعة ولا في الرابطة ولا في مجالس الوحدات، ممثلو الأساتذة فعلياً هم ممثلون عن الأحزاب وحتى الإدارات، وما يحصل خرق لكلّ القوانين”.

وترى نون أنّ الأساتذة لم يعودوا يثقون لا في إدارة الجامعة ولا في الهيئة التنفيذية للرابطة، فالعمل النقابي ضرب كما أنّ الرئيس الحالي نجح بتوسعة الشرخ بين الأساتذة بشكل غير مسبوق عبر إصداره لتعاميم وقرارات زادت من الشرخ بين المتعاقدين والمتفرغين من جهة وبين المتفرغين أنفسهم من جهة ثانية.

وتعتبر نون أنّ الإضرابات أصبحت من دون جدوى، فالأساتذة غير موحّدين والإدارات تلتف على الإضراب والرابطة لم تنجح بالوقوف لحماية الأساتذة فحمّلت فشل الإضراب للأساتذة أنفسهم وهم لا يستطيعون حمله.

حتى “الفتات” غير مضمون

بعد إقرار الموازنة زيادة رواتب القطاع العام ثلاث مرات سيصبح معدّل الراتب الشهري للأستاذ الجامعي بحدود 15 مليون ليرة أي ما قيمته أقلّ من 400 دولار، مبلغ يؤكّد بدران أنّه غير كاف ولكنّه يرى أنّه مع ما أقرّ في موازنة العام 2022 وما يتمّ الحديث عنه من تأمين مبلغ من الجهات المانحة على غرار ما اعتمد مع المدارس، وانطلاقاً من مسؤولية الأستاذ وحصر أيام التدريس، من المتوقّع  تسهيل انطلاق العام الدراسي.

وخصّصت موازنة العام 2022 العامة للجامعة اللبنانيّة نهاية الشهر الماضي 104 مليارات  نصف راتب (من كانون الثاني 2022 حتى حزيران) 128 مليار راتب كامل (من شهر تموز إلى شهر كانون الأول) و50 ملياراً راتب تحفيزي (شهرا أيلول وتشرين الأول 2022 ) فضلاً عن 120 ملياراً (مضاعفة أجر الساعة للمتعاقدين).   

وعند الحديث مع الأساتذة عن الرواتب تأتي الإجابة من أكثرهم أنّ الموضوع لم يعد موضوع نقاش حول مبلغ من هنا أو مساعدات من هناك فأي زيادة مطروحة لن تكون كافية، فالموضوع بات يتعلّق بـ “كرامة الأستاذ” وبأي أستاذ وأي شكل جامعة وطنيّة يريدون وبإحساس الأستاذ بأنّه لا يريد أن يكون جزءاً من خطة القضاء على الجامعة.

وفي هذا الإطار تقول أبي نادر إنّ الأساتذة فقدوا الثقة فحتّى “الفتات” الذي أقرّ لا شيء يضمن الحصول عليه، قائلة: “سبق ووعدنا بمساعدات من دون الحصول عليها، ما وصل إليه وضع الأساتذة مهين ومؤسف للغاية، الموضوع بات موضوع كرامة”.

وتأسف أبي نادر كيف بعد طول سنين الدراسة والعمل على تطوير المهارات، أصبح الأستاذ الجامعي ينتظر المساعدة الزهيدة التي يحجبها عنه المصرف، أو يمده بها بالتقسيط مضيفة أنّ مبلغ ١٢ مليون لا يكفي بالطبع مع ازدياد نسبة التضخم، وفلتان الأسعار، من دون حسيب ولا رقيب وأنّ كل مواطن اليوم، بخاصة من يعمل في القطاع العام، متروك لقدره، يتدبّر أمره بالتي هي أحسن. وهذا ما دفع برأيها معظم الأساتذة الذين حضروا الهيئة العامة في الأول من تشرين الأول إلى الانتفاض عندما تمّت محاولة التهرب من التصويت، وتمييع القرار بالاستمرار بالإضراب.

وليس بعيداً، يرى محي الدين أنّه بعد الزيادات ومع الحسومات عليهم يصبح متوسط راتب الأستاذ الجامعي المتفرغ وفي الملاك عملياً حوالي 12 مليون يعني حالياً 300 دولار، أما الأستاذ المتعاقد فلن يتجاوز راتبه السنوي 1750 دولار، أي حوالي 145 دولار شهرياً على أساس سعر صرف الدولار 40 ألف ليرة، مضيفاً أنّ هذا المبلغ حكماً أفضل مما كان عليه الوضع ولكنّه لا يكفي لتوفير كلفة اشتراك المولد الكهربائي فقط. وهذه مسألة يجب أن يتم حلها سريعاً.

وفي حين يشكك محي الدين في جدية موضوع المساعدات من الدول المانحة، يرى أنّ النقاش يجب ألّا يكون في الجانب المادي فقط على أهمّيته فالأساتذة يجب أن يفكروا بمنطق إنقاذ الجامعة اللبنانية وألّا يخدموا بغير قصد ضرب الجامعة وإفراغها من طلابها الذي تسعى إليه قوى في السلطة لمصلحة التعليم العالي الطائفي، وأنّه على الأساتذة أن يفكروا في آليات جديدة للنضال تُحرج السلطة وتفرض تحقيق مطالبهم، وأولها إنتاج أداة نقابية للأساتذة لا تكون عاجزة كما هي الهيئة التنفيذية حالياً.

في ظلّ إدارة ظهر السلطة للجامعة اللبنانيّة والواضحة منذ التسعينيات ومع تفاقم الانهيار الاقتصادي شهدت الجامعة اللبنانية خلال الأعوام الثلاث الماضية موجة تسرّب لأساتذتها الذين انتقلوا إلى جامعات أخرى داخل البلاد أو خارجها، وفي حين لا توجد أرقام رسمية يقدّر المعنيون في هذا القطاع عدد من ترك التعليم في الجامعة اللبنانية بالآلاف جلّهم من من المتعاقدين الذين قد تتجاوز نسبة من بات منهم خارج لبنان ولا سيّما من كليّات العلوم وإدارة الأعمال والهندسة والطب 50%.

لم يكن الجانب المادي فقط هو سبب هجرة الأساتذة للجامعة اللبنانيّة حسب ما يرى خالد كموني رئيس قسم الفلسفة في كلية الآداب الفرع الثالث سابقاً (قدّم استقالته العام الماضي) الذي يتساءل في حديث مع “المفكرة” عن إمكانية أن يكمل أستاذ الجامعة اللبنانيّة في ظلّ منظومة ترى البحث العلمي وتطوير المكتبات في الجامعة الوطنية من الكماليات. وأوضح أنّه لم يترك الجامعة لأسباب ماديّة “أنا أعمل عملاً آخر، ولكن وجدت أنّ عملي في الجامعة اللبنانية يعيقني عن البحث العلمي والتطور، الجو العلمي مفقود في الجامعة ولا يُحترم” يقول كموني.

يتحدّث كمّوني عن غياب الاهتمام بجودة التعليم وكأنّ الهمّ فقط تسيير الجامعة شكلياً بلا مضمون” يوزعون المواد بين الأساتذة الموجودين بلا مراعاة للاختصاص، هناك تسيير للوضع،  وهناك مراعاة للتوزيع الطائفي وليس الأكاديمي، لا شيء يراعى إلّا التوزيع الطائفي” مضيفاً: “كان يقال لنا حرفياً من القيّمين على الجامعة: فتاح وعطي صفّك، أنت لست مسؤولاً عن من يحضر، أو إذا في طلاب أو لا؟ المهم أن نعطي صفّاً”.

 يستغرب كموني الإصرار على ما يسمّيه “سيسرة الوضع” إذ يعتبر أنّه “لا إمكانيّة للإصلاح إذا المسؤولون يرون أنّ الوضع ماشٍ، فهم ربما يريدون إنهاء التعليم الرسمي لصالح الدكاكين”.

الطلاب الحلقة الأضعف

“التعليم الحضوري أفضل أكيد، أنا أدرس علوم الحاسوب، والتعليم عن بعد كان كارثياً ولا سيّما في ظلّ الإضراب، أستاذ يلتزم بالإضراب ثمّ يفكّه قبل الامتحان بأيام قليلة، يضع المادة كما هي، يجري الامتحان ويعود إلى الإضراب، المواد التطبيقيّة نأخذها نظرياً، ونحن ضائعون” يقول سليمان، معتبراً أنّ الطالب هو الحلقة الأضعف إذ إنّ التعليم عن بعد ليس تعليماً والحضوري يعني ترك عدد كبير من الطلاب للجامعة.

يسكن سليمان في طاريّا بالبقاع، ويقول إنّه بحاجة إلى 100 ألف ليرة يومياً إذا درس في زحلة وإلى 250 ألف ليرة إذا قرّر أن يدرس في بيروت حيث يفضّل نظراً إلى أنّ التعليم في العاصمة دائماً أفضل على حد تعبيره. وهذا يعني أنّه بحاجة إلى مليون ليرة على الأقل شهرياً للوصول إلى الجامعة فقط، هذا من دون احتساب ثمن الطعام إذا كان الدوام سيكون طويلاً والمياه كون لا مياه في الجامعة والكتب وتصوير المقرّرات “إذا أصبح التعليم في الجامعة حضورياً ولم أتمكن من الحصول على سكن جامعي، سأترك الجامعة على الأرجح” يقول سليمان بحرقة مضيفاً “كلّ ما أتمناه أن تكون الجامعة اللبنانيّة جامعة الوطن نحن لنا الحقّ في لتعليم”.

كما سلمان تسأل هبة وهي طالبة حقوق سنة ثالثة عن حقّها في التعليم الضائع “نازلة من الساعة 6 الصبح لأعمل الامتحان وفجأة يؤجّل بسبب غياب الكهرباء، من يتحمّل مسؤولية هذه الفوضى، تخايلي أجرينا امتحانات الفصل الثاني ولم نجر امتحانات الفصل الأول، التعليم عن بعد كان كارثياً، ثلاث سنوات لا نعرف إن كنّا حصلنا على التعليم اللازم” تقول. وتضيف في حديث مع “المفكرة” أنّها تؤيّد العودة الحضورية ولكن تسأل “هل هناك ما يضمن سير العام الدراسي وتأمين المازوت وورق الامتحان وتنظيف المباني أقلّه الحمّامات”.

تعتبر هبة أنّ طالب اللبنانيّة بات منسياً “التعليم عن بعد لم يكن جيّداً، وأنا إذا بدّي إنزل من بيتي أحتاج إلى 300 ألف ليرة يومياً، أي  بحدود المليون أسبوعياً إذا كان التعليم 3 أيام” تقول، مضيفة: “نحن وين منروح حتى الدكاكين الجامعية لا نملك قسطها”.

العقبات نفسها يكرّرها الطلاب وتقول إحدى طالبات العلوم: “لم أصوّر مقرراً واحداً، كنت أنتظر وقت الكهرباء كي أدرس، التعليم عن بعد لم يكن نموذجياً طبعاً ولكن إذا كنت لا أملك ثمن تصوير المقرّر، كيف سيكون بإمكاني الوصول إلى الجامعة؟ سكني في الشوف وأحتاج أقلّه 100 ألف يومياً بدل نقل، بالطبع لا أستطيع تحمّل مصاريف الجامعة، أفكّر بالانقطاع لعام عن الجامعة أعمل خلاله أجمع مبلغاً وأعود السنة المقبلة. ربما هذا أفضل أقلّه تكون صورة وضع الجامعة اللبنانيّة قد اتضحت”.

من جهة أخرى يسأل شربل وهو طالب سنة ثانية هندسة “إذا اعتبرنا أنّ طالب الجامعة قادر على الوصول إلى الصف، أنا بيتي قريب مثلاً، كيف يمكن أن ينتهي فصل فيه 12 مادة مع اقتصار الحضور على 3 أيام؟ هل تمّ تعديل المقرّرات؟ هل عدّلت مع أخذ بعين الاعتبار جودة التحصيل العلمي؟ لا نثق بذلك”. 

يعتبر شربل أنّ التعليم الحضوري أفضل بطبيعة الحال من التعليم عن بعد “التعليم عن بعد  كارثياً لا كهربا الفكرة لا تصل بطريقة صحيحة، المقررات كانت توضع في بعض الأحيان قبل الامتحانات فجأة بسبب الإضراب وعدم الإضراب، ولكن السؤال هل حُلّت مشاكل المياه والكهرباء؟” 

وفي حين يرى شربل ربما وفي ظلّ الأوضاع المعيشيّة الصعبة أن يكون الحلّ عبر التعليم حضورياً مع تسجيل المحاضرات لمن لا يستطيع الوصول إلى الجامعة يستغرب احتمال لجوء الجامعة إلى رفع رسوم التسجيل ويقول: “إذا رفع رسم التسجيل إلى مليون ليرة ليس مبلغاً كبيراً، ولكن هل سيقف عند المليون؟ وهل يدفع الطالب ثمن إهمال الدولة للجامعة، فليذهبوا ويحضروا أموال البي سي آر فلننتفض من أجل جامعتنا”.

وأكّد بسام بدران أنّ رسم التسجيل الجامعي سيرتفع على ألّا يتجاوز المليون ليرة في مرحلة الإجازة لافتا إلى أنّ رفع الرسوم قد يطبّق هذا العام في حال الانتهاء من الإجراءات القانونيّة.

انشر المقال

متوفر من خلال:

عمل ونقابات ، تحقيقات ، نقابات ، الحق في التعليم ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني