التهديد بتدويل قضية اغتيال شكري بلعيد: القضاء في لعبة السياسة


2013-03-14    |   

التهديد بتدويل قضية اغتيال شكري بلعيد: القضاء في لعبة السياسة

أعلن حزب "الوطنيين الديمقراطيين الموحد" في مؤتمر صحفي عقد يوم 11 مارس 2013 أنه قرر رفع ملف اغتيال أمينه العام الاستاذ شكري بلعيد الذي قتل بالرصاص في 6 فيفري الى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
سبق لمجلس حقوق الانسان أن تعهد بموجب آليات الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة بعدد هام من شكايات مصدرها مواطنون تونسيون  اضطهدوا خلال الحقبة الاستبدادية. وكان ينتظر بعد الثورة أن يتحسن موقع تونس في مجال حقوق الانسان بما يقطع مع اضطرار الناشطين الحقوقيين للالتجاء للمنظمات الدولية لاثبات حقوقهم. غير أن القرار المعلن أعاد طرح المسألة مجددا خصوصا وقد بررت قيادة حزب الوطد قرارها بما اعتبرته التباسات وتحفظات اعترت البحث في قضية الاغتيال.
ويحمل التوجه نحو الهيئة الأممية لتعهيدها بالبحث في المحاكمة وعملية الاغتيال على مختلف الأطراف – سواء منها تلك التي سعت لذلك أو الدولة التونسية بصفتها الجهة التي سيوجه اليها الاتهام بالتقصير – التزامات هامة. فالجهة التي اختارت أن تسحب ثقتها جزئيا من القضاء الوطني عليها أن تثبت أن التجاءها لمجلس حقوق الانسان له ما يبرره فعليا وليس مجرد مناورة سياسية غايتها توجيه الأبحاث في اتجاه يخدم مصالحها الخاصة لتتمكن من اجتياز شرط قبول دعواها شكلا. ويقوم في المقابل على الدولة التونسية واجب اثبات نزاهة اجراءات محاكمتها الوطنية وعدم صحة الاتهامات التي تواجهها بالسعي للتغطية عن الأطراف التي تقف وراء الجريمة لتمنع صدور قرار أممي يحملها مسؤولية في الجريمة أو في التغطية عليها.
وبعيدا عن الصراع الذي ينتظر أن يدور بين الأطراف المتنازعة في صورة التقديم الفعلي للشكاية والذي سيحسم أمره الخبراء الدوليين فان مجرد التلويح بالالتجاء للقضاء الدولي في قضية اغتيال شكري بلعيد يكشف عن أزمة عميقة تعرفها الساحة التونسية عنوانها أزمة الثقة المستفحلة في القضاء ومضمونها حرص السياسيين المستمر على توظيف القضاء في صراعاتهم.
سعى قاضي التحقيق الذي تعهد بقضية الاغتيال الى الانفتاح على مختلف الأطراف التي ذكرت أن لديها معطيات تفيد الأبحاث وتمكنت جهة البحث من التوصل- حسبما أعلن- الى فك الغموض الذي اعترى العملية من خلال تحديدها لمن يشتبه وقوفهم وراء تنفيذها وذلك في مدة زمنية تعبر بالنظر لطبيعة الجريمة قصيرة نسبيا. وقبل أن تنهي الأبحاث وتعلن نتائجها كان الاتهام بالتحيز والرغبة في التغطية عن الجهة التي تتهم بالتخطيط للجريمة جزاء الباحث.  لم يتم انتظار صدور قرار قضائي في الموضوع ولم يتم الالتفات لتقدم البحث وفي مقابل ذلك كان التشكيك في حيادية الابحاث ونزاهتها. وكان الاعلان عن التوجه لمجلس الحقوق الانسان قبل الانتهاء من تعهد القضاء الوطني ودون اثبات استحالة التوصل للمحاكمة العادلة في منظومة القضاء الوطني. ويتعارض هذا الأمر مبدئيا مع القواعد التي تنظم عمل هيئات مجلس حقوق الإنسان التي تلزم على الأفراد والجماعات التي تلتجئ إلى آلياته باثبات استحالة القيام بدعواها أمام  قضائها المحلي. يبدو الاستعجال في تدويل النزاع  مستغربا غير أن تاريخ القضاء التونسي في تعاطيه مع القضايا المماثلة في بعدها السياسي يبرر الريبة القائمة فالقضاء الوطني لم يكن قبل الثورة جهة تكشف الحقيقة بقدر ما كان أداة توظف سياسيا بما جعل أزمة الثقة فيه مستفحلة يصعب تجاوزها بسهولة.
يجد التشكيك الدائم في نزاهة البحث سنده في ارث تاريخي ثقيل يجد القضاء صعوبة في التخلص من آثاره خصوصا وان إصلاح القضاء هيكليا تعطل خلال الفترة السابقة بما منع من إعادة تأسيس علاقة المؤسسة القضائية والأمنية مع المجتمع بشكل جديد. وبالتوازي مع ذلك، يدفع التجاذب السياسي وغياب قواعد شفافة تضمن التزام مختلف الأطراف بإدارة صراعاتها بعيدا عن مؤسسات الدولة بالقضاء ليكون موضوعا لعنف سياسي يهدم المؤسسة ويعيق اصلاحها.
 
 م.ع.ج
 

انشر المقال

متوفر من خلال:

غير مصنف



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني