التقنين ونفاذ المازوت يهدّد المرضى… هارون لـ”المفكرة”: “المسألة حياة أو موت”


2021-07-01    |   

التقنين ونفاذ المازوت يهدّد المرضى… هارون لـ”المفكرة”: “المسألة حياة أو موت”
مواطن يحمل طفلته ويدور بآلة الأوكسجين على البيوت والمحلات بحثاً عن كهرباء

منذ أيام واللبنانيون يعانون أزمة تقنين قاسٍ للكهرباء وانقطاع كهرباء المولّدات (الاشتراك) بسبب فقدان المازوت من الأسواق. يترافق هذا الأمر مع موجة حرّ يشهدها لبنان خلال الصيف الراهن، ومواطنون كثر باتوا بلا تكييف ولا مراوح ولا مياه، والأكثر تضرّراً في هذه الحال هم المرضى في البيوت وفي المستشفيات التي فقدت مخزونها من الفيول لمولّداتها ولم تستثن من تقنين مؤسّسة كهرباء لبنان، الأمر الّذي كان له تبعاته على المرضى. وقد رفعت المستشفيات الصوت منبّهة من خطورة تداعيات هذا الأمر، علماً أنّ المستشفيات لعبت دوراً بارزاً أثناء ذروة الإصابات بجائحة كورونا التي عادت أرقامها للارتفاع في اليومين الماضيين، ما يثير القلق حيال مدى جهوزية المستشفيات في حال تفاقمت أزمة المازوت أكثر وتسارع عدّاد الإصابات أكثر. 

مرضى مهدّدون بالموت في منازلهم

“ما في كهربا ولا اشتراك، البنت عم تروح من بين إيديي..” هذا ما قاله مواطن طرابلسي وهو يحمل طفلته ملكة حموي وآلة الأوكسجين في مقطع مصوّر انتشر بالأمس على مواقع التواصل الاجتماعي، لم يتمكّن من تشغيل آلة الأوكسجين لطفلته بسبب انقطاع الكهرباء وإطفاء المولّدات، يقول: “عندها ربو، وما فيه كهربا بكل الحي، شو بدي أعمل؟”. ومنذ الأمس تتنقّل العائلة بطفلتها من مكان لآخر، لتضعها على آلة الأوكسجين، حيث تتوفّر الكهرباء.

هذه ليست سوى عيّنة عن حال مرضى كثر في لبنان، يعانون واقعاً صحياً مذرياً بسبب تقنين الكهرباء الّذي وصل حد 22 ساعة في غالبية المناطق اللبنانية نظراً إلى صعوبة تأمين الفيول لمحطات توليد الكهرباء، فيما مولّدات الكهرباء الخاصّة انقطعت من مادة المازوت بسبب فقدانها من السوق واحتكارها من قبل كارتيلات النفط لحين بيعها على التسعيرة الجديدة على أساس 3900 ليرة للدولار بدل 1515، حتى أنّ السوق السوداء خلت من المازوت. 

يقول علي عواركه (65 عاماً) لـ”المفكرة”: “لم أتمكّن من تشغيل جهاز التنفس الذي أضعه كي أنام خوفاً من انقطاع النفس، ولكن منذ أيام والكهرباء مقطوعة بسبب التقنين والمحطات لا تبيعنا المازوت، لذا لا يمكنني تشغيل الجهاز، وأعاني من ضيق في التنفس أثناء النوم”. طبعاً علي هو نموذج عن آلاف اللبنانيين الذين يحتاجون إلى أجهزة تنفّس كلّ لسببه الخاص، والمهددون في صحّتهم وربّما حياتهم في حال استمرار الأزمة.  

المستشفيات الحكومية في خطر

وكما المرضى في المنازل لم يسلم المرضى في المستشفيات من تبعات التقنين القاسي للكهرباء وفقدان مادة المازوت من الأسواق، وقد أدّى ذلك الى إعلان توقف مستشفى حاصبيا الحكومي عن العمل نهائياً يوم الإثنين. وبعد تواصلنا مع أحد الموظفين، أكّد لنا أنّ المستشفى لم يتوقّف عن العمل إذ فور الإعلان عن ذلك حصل على تبرّعات من مادّة المازوت من جهات عدّة بينها حزبية. ولكنّه يؤكّد أنّه “في الأيام السابقة يعاني المستشفى من عدم قدرة على تأمين مخزون من المازوت يكفيه لفترة تتجاوز عشرة أيام، وكان يحصل على كميات قليلة (بالقطّارة) من محطّات الوقود تتراوح بين 400 و500 ليتراً، يكفيه ليومين ليس أكثر”. 

ويضيف: “المستشفى بالكاد يعمل، وهو يستقبل المرضى في أقسام الطوارئ والأشعة والمختبر والعيادات الخارجية وقسم مخصّص للقاح كورونا، ونفاذ مادة المازوت يعني أنّ حياة المرضى قد تصبح عرضة للخطر في حال لم نتمكّن من إسعاف المرضى في الطوارئ وفيما لو لم نتمكّن من إجراء صور الأشعة”. ويلفت إلى أنه ولتأمين إستمرارية عمل المستشفى يتم راهناً تزويد المستشفى بهذه المادة عبر هبات ومتبرعين. 

وكانت إدارة المستشفى قد نوّهت بجهود الحزب الديمقراطي اللبناني لمساهمته في حل مشكلة نقص مادة المازوت في هذه الفترة الحرجة على لبنان والمستشفى معاً، في منشور على صفحتها في فيسبوك، يوم أمس الأربعاء.

ولم يسلم مستشفى رفيق الحريري الحكومي من هذه المشكلة، فقد غرّد مدير المستشفى الدكتور فراس الأبيض على تويتر الثلاثاء قائلاً: “إنّ وضع تغذية الكهرباء للمستشفى غير مقبول. انقطاع لأكثر من 21 ساعة في اليوم. الفيول غير متوفّر، وإذا توفّر، نعاني مشاكل سيولة. المرضى لا يستطيعون تغطية الفروقات. أخذنا قراراً بإيقاف أجهزة التكييف إلّا في الأقسام الطبية رغم موجة الحرّ. لا داعي لاستعمال المخيّلة أو للتهويل، نحن في جهنّم حقاً”.  

وأرسلت المستشفى إلى وزير الطاقة ريمون غجر في اليوم نفسه، كتاباً تطلب فيه استثناء المستشفى من برنامج التقنين القاسي، علماً أنّ المستشفى يستقبل العدد الأكبر من المصابين بفيروس كورونا المستجد، بالإضافة إلى حالات مرضية صعبة ومعقّدة، ويعمل بطاقته القصوى تقريباً. وأشار الكتاب إلى أنّ هذا التقنين تسبّب باستهلاك مخزون المستشفى بالكامل من مادة الديزل. ولفت إلى أنّ شركات الفيول ترفض تسليم المستشفى مادة الديزل ممّا وضع المستشفى في موقف حرج يهدّد استمرارية العمل فيه.

ويقول الأبيض لـ”المفكرة” في اتصال أمس الأربعاء: “تمكنّا اليوم من تأمين كمية قليلة من المازوت كي تبقى المولّدات تعمل، بانتظار ما ستؤول إليه الأمور في مسألة حلّ الأزمة التي يعاني منها كل لبنان”. 

تسعيرة جديدة والتسليم للمحطّات لم يستكمل بعد

يشار إلى أنّ اللبنانيين كانوا يتأمّلون خيراً مع حلول الأربعاء ليصدر جدول التسعير الذي تنتظره الشركات الموزعة للنفط كي تتوافر المادة في الأسواق. لكن ذلك لم يحصل، ورغم نشر التسعيرة الجديدة اليوم الخميس لم تحلّ الأزمة، بسبب بطء وتيرة التسليم للمحطات، بحسب ما أكد عضو نقابة محطّات المحروقات جورج براكس. ويقول براكس لـ”المفكرة”: “اليوم (الخميس) تمّ تسليم المحطّات بوتيرة أفضل عن يوم أمس، على أمل أن تتوفّر المادة أكثر في المحطّات في حال استمرّ تسليمنا المحروقات على الوتيرة نفسها اليوم، وهكذا  ستعيد المحطات فتح أبوابها أمام الزبائن واحدة تلو الأخرى في الأيام المقبلة”. 

ويتابع “إذا استمرّ الوضع كذلك، فإنّه مع بداية الأسبوع المقبل سنشعر ببعض الارتياح بخصوص توفّر مادة المازوت، ولكن هذا ليس حلاً للأزمة الراهنة، (أي آلية 3900) وهذا ما كنّا قد أعربنا عنه سابقاً، والدليل، استمرار طوابير السيارات أمام المحطات”.

المستشفيات الخاصّة مهددة أيضاً

ولا تقتصر الأزمة على المستشفيات الحكومية بل تمتدّ إلى المستشفيات الخاصّة، إذ أعلنت نقابة المستشفيات الخاصّة أنّ عدداً من المستشفيات قد استنفذ المخزون الموجود لديه من مادة المازوت وما تبقى لديه لا يكفي لتأمين حاجة الـ24 ساعة المقبلة. وناشدت في بيان الأربعاء، المسؤولين المعنيين كافّة ضرورة تأمين هذه المادة للمستشفيات فوراً، إلّا فإنّ المستشفيات مقبلة على كارثة صحّية مع عدم قدرتها على تأمين التيار الكهربائي، وأضاف البيان: “علماً أنّنا أفدنا أنّ الشركات الخاصّة المستوردة ما زال لديها مخزون من هذه المادة”. 

ويؤكد نقيب المستشفيات الخاصّة سليمان هارون لـ”المفكرة” أنّ “الوضع حسّاس جداً، فشركات المحروقات بالكاد تلبّي احتياجاتنا كلّ يوم بيومه، لذا ليس لدى أيّ مستشفى مخزون من هذه المادة. لدينا قلق دائم من هذا الواقع ولا نعلم إلى متى سيستمرّ الحال على ما هو عليه”. 

ويضيف هارون “بعد إصدارنا البيان وتواصلنا مع المعنيين، تحرّكت وزارة الطاقة التي تسعى مع شركات المحروقات لتزويد المستشفيات بحاجاتها، إذ لا يمكنهم ترك المستشفيات بدون مازوت لاسيما أن لديهم مخزوناً في خزّاناتهم!”

بدورها تقول مصادر وزارة الصحة لـ”المفكرة”: أنّ “وزير الصحة حمد حسن تواصل مع وزير الطاقة لتسهيل أمور المستشفيات وقد وعدت وزارة الطاقة بالمساعدة في حلحلة الأمور”. 

هارون: من بين كلّ الأزمات، أزمة المازوت هي الأخطر

يرى هارون أنّ من بين الأزمات الكثيرة التي يعاني منها القطاع الطبي والاستشفائي في لبنان، من أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار وفقدان بعض المستلزمات الطبّية وارتفاع أسعارها وأزمة الدواء، تبقى أزمة المازوت هي الأخطر، لأنّها تعرّض المرضى لخطر الموت مباشرة، وتهدّد حياة كثر، لاسيما المرضى على أجهزة التنفّس في العناية المركّزة ومرضى الكلى أو أي مريض قد تحصل معه مضاعفات ولا يمكن تقديم الرعاية الطبية اللازمة له، وبالتالي المسألة ليست فقط انقطاع التكييف إنّما هي أبعد من ذلك بكثير، المسألة مسألة حياة أو موت”. 

ويتفق الأبيض مع هارون، إذ يقول “باختصار، المستشفى لا يعمل بدون كهرباء، إذ غالبية الأدوات الطبية تعمل على الكهرباء، وبدونها سنضطر للرجوع إلى العصور الوسطى من أجل تطبيب ومعالجة الناس”. 

وفي اليومين الماضيين، عاد القلق من إصابات كورونا التي عادت للارتفاع، ربّما بسبب الاختلاط وعدم الالتزام بإجراءات الوقاية المطلوبة، وهذا ما عبّر عنه صراحة، ممثل الجامعة الأميركية في لجنة متابعة التدابير والإجراءات الوقائية لفيروس كورونا، الدكتور مازن السيد الذي غرّد على تويتر قائلاً: “عادت حالات كورونا للظهور في أقسام الطوارئ! يعني أنّ الفيروس عاد للانتشار في المجتمع”. 

وأضاف “صحيح أنّ اللقاحات فعّالة بتخفيف حالات الاستشفاء والوفيات ولكن الحيطة واجبة خاصّة عند الاختلاط في الأماكن المكتظة والمغلقة!”. وفي ذلك إشارة إلى أهميّة أخذ الاحتياطات والوقاية حتى للّذين حصلوا على اللقاح لأنّ الإصابة بالفيروس ممكنة ولكن عوارضها ربما تكون أخف وطأة على الناس وثمة خطر من أن ينقل هؤلاء العدوى.  

حلول مؤقّتة وتكاليف أكبر

مخاوف كثيرة يبديها القيّمون على القطاع الطبي بشأن أزمة المحروقات، إذ أنّ هذه الحلول مؤقّتة ومقلقة في آن، وتأمين كميات بسيطة من المازوت بين وقت وآخر يترك المستشفيات في قلق دائم من انقطاعها منه كونها تحصل عليه كلّ يوم بيومه ويزيد الخطر على حياة المرضى وحتى يثير احتمال أن يتوقّف العمل في المستشفى. وتأتي أزمة التقنين ونفاذ المازوت مترافقة، كما أشار الأبيض، مع مشاكل السيولة التي تعاني منها المستشفيات حتى لو تأمّنت مادة المازوت. وهنا يُطرح السؤال حيال مستحقات المستشفيات المتأخرة والتي لو حوّلتها وزارة المال لتمكّنت المستشفيات من حل بعض أزماتها. 

قلق آخر تعيشه المستشفيات كما المواطنون في لبنان، ألا وهو استمرار أزمة المحروقات خلال الأشهر المقبلة، وهو ما تشير إليه التقديرات التي تقول بأنّ الأزمة ستستمرّ إلى حين رفع الدعم كلياً عن المحروقات، حينها لن يكون هناك سوق سوداء وربما ستوقّف تهريب المحروقات إلى سوريا، وفي الأصل لن يكون هناك إقبال كبير على شرائها بسبب ارتفاع ثمنها، وبالتالي سينخفض الطلب ويزيد العرض في السوق. 

قلق من نوع آخر لا بدّ من الالتفات إليه في هذا الخصوص، وهو من سيتحمّل ارتفاع فاتورة شراء المازوت في المستشفيات وفق التسعيرة الجديدة؟ 

يؤكّد الأبيض أنّ المرضى لا يمكنهم تحمّل الفروقات، وفي حال لم يتمّ تحميلهم إيّاها، فإنّ المرضى في المستشفيات الخاصّة بالتأكيد هم من سيدفع هذه الزيادة كما يتحمّلون اليوم تبعات فروق الدولار بالنسبة إلى الاستشفاء، ولا أحد يعلم كم ستشكّل هذه الزيادة على فاتورة المرضى في المستشفيات، ولكنّها ستكون حتميّة، وفق ما تؤكّد مصادر طبية لـ”المفكرة”. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

سياسات عامة ، الحق في الصحة ، فئات مهمشة ، لبنان ، مقالات ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، الحق في الصحة والتعليم



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني