البرلمان يتمسّك بتعديل قانون الانتخاب بغالبية منازع بها: اقتراع المغتربين في خطر

،
2021-10-29    |   

البرلمان يتمسّك بتعديل قانون الانتخاب بغالبية منازع بها: اقتراع المغتربين في خطر

صدّق مجلس النواب في جلسة 28/10/2021 على قانون الانتخابات بنفس الصيغة التي أقرّه بها الأسبوع الفائت مع إجراء تعديل لناحية منح السلطة التنفيذية صلاحية تحديد موعد الانتخابات بدل تحديد المجلس لموعد 27 آذار 2022. وقد تمّت مناقشة القانون من خارج جدول الأعمال بعدما طلب رئيس الجمهورية إعادة النظر به، عملا بالصلاحية المناطة به بموجب المادّة 57 من الدستور. تسمح هذه المادة للرئيس بألّا يُصدر القانون وأن يُعيده إلى المجلس النيابي لمناقشته مجددًا والذي يتعين عليه في حال التمسك به أن يقرر ذلك بالغالبية المطلقة لأعضائه. وإذ أدّى النقاش حول هذا القانون إلى توتير الجلسة وتطيير نصابها لاحقًا، فقد كان مسرحا لتقاشات طويلة انتهت بمخالفات دستورية وقانونية. 

1- المخالفات

 

أ- مخالفة فاقعة للدستور تنسف الجلسة

المخالفة الكبرى خلال الجلسة والتي كانت موضع نقاش طويل بين النوّاب وأدّت إلى انسحاب كتلة لبنان القوي من الجلسة وتطيير نصابها، كانت حول كيفية احتساب الغالبية المطلقة للتصويت على القانون الذي ردّه رئيس الجمهورية. فالمادة 57 من الدستور تنصّ على أنّ القانون الذي يطلب رئيس الجمهورية إعادة النظر فيه يجب أن يُقرّ “بالغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانونا”. وفي حين أنّ عدد النواب قد انخفض من 128 نائبًا إلى 117 بحُكم وفاة البعض واستقالة البعض الآخر وتمنّع السلطة التنفيذية عن القيام بانتخابات فرعية لملء المقاعد الشاغرة، أُثير أكثر من مرّة نقاش حول الأساس الذي تُحتسب على أساسه الغالبية المطلقة أو نصاب الجلسة إذا ما كان 128 أو 117. وقد حصل هذا النقاش من قبل حول نصاب جلسة مجلس النواب المُعدّة لمناقشة طلب اتّهام الرؤساء والوزراء في جريمة المرفأ، وإذا ما كان يُحتسب على أساس 128 أو 117 نائب. 

لماذا دخل المجلس بحسبة الأصوات؟

من الخلاف الذي تقدّم، يتبدّى أن الغالبية للتمسك بالقانون الذي تم رده تتراوح بين 65 و59 نائبًا وفق الطريقة التي يتمّ فيها احتسابها. وفي حين دعا رئيس المجلس للتصويت على التمسك بالقانون مثلما تمّ إقراره دفعة واحدة أو عدمه، خلط موقف كتلة الوفاء للمقاومة قبل التصويت الأوراق حيث اعتبروا أنّهم مع التمسك ببعض نقاط الرد (المهل الحالية) ولكن مع تعديل موضوع اقتراع المغتربين. فأصبحت نتيجة التصويت على الشكل التالي: 

1- حول السير بموضوع المهل التي حدّدها المجلس الأسبوع الفائت دون إعادة النظر بها خلافا لما طالب به رئيس الجمهورية. وقد حاز ذلك على 77 صوتًا، أي تمّ إقراره دون نقاش ممكن حول الغالبية المطلقة المطلوبة طالما أن عدد المصوّتين إيجابا فاق ال65 نائبًا.

2- حول السير بموضوع انتخاب المغتربين في الدوائر كافة التي يتبعون لها دون تخصيص دائرة من ستة نوّاب خاصة للاغتراب، انتهى التصويت إلى 61 مع فقط. وقد شكلت كتلة الوفاء للمقاومة في هذا الخصوص “بيضة القبّان”، فهي لم تصوّت مع السير بتصويت المغتربين في المقاعد كافة إضافة للنائبين فيصل كرامي وجهاد الصمد. وهنا بدأت الإشكالية حول الغالبية المطلقة المطلوبة إذا ما كانت 65 نائبًا أو 59.

المخالفة الدستورية 

بعد نقاش طويل نفصّله مع اصطفافات الكتل أدناه، عرض برّي موضوع الرقم الواجب اعتماده على التصويت برفع الأيدي. وبعد رفع الأيدي لثوانٍ لم يتسنّ لنا فيها التأكد من الأكثرية، اعتبر برّي بأن الغالبية صوتت لصالح اعتبار الغالبية المطلقة هي 59 نائبًا، ليقرر أنه تم تصديق القانون لهذه الجهة. وما أن أعلن ذلك حتى سادت حالة من الهرج والمرج داخل القاعة.

هذا التّوجه يُشكّل مخالفة فاضحة للمادة 57 من الدستور التي تنص على أنّ القانون المطلوب إقراره بعد طلب رئيس الجمهورية إعادة النظر به يجب أن يُقرّ “بالغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانونا”، أي بنصف مجمل عدد الأعضاء المحدّدين بقانون الانتخابات زائد واحد، دون أن تأخذ بعين الاعتبار أي نقص في عدد أعضاء المجلس الفعلي. وبالعودة للمادة الأولى من قانون الانتخابات 44/2017، فهي تنص على أنّ “يتألف مجلس النواب من ماية وثمانية وعشرين عضواً”. يتبيّن بذلك بما لا يحتمل أي لبس أنّ الغالبية المطلقة المطلوبة كانت 65 نائبًا، وأنّ المجلس ارتكب مخالفة دستورية صريحة للمادة 57 ما سيعرّض القانون لمخاطر نستعرضها أدناه، ولا يُمكن تبرير المخالفة بتصويت المجلس حول الرقم الواجب الاعتماد.

تبعات المخالفة الدستورية

لهذه المخالفة الدستورية تبعتان مُحتملتان على قانون الانتخابات:

الأولى تتمثّل في لعب المجلس لتمريرة لرئيس الجمهورية لجهة إمكانية عدم توقيعه على القانون مجددًا. فالدّستور يُجبر رئيس الجمهورية على توقيع القانون إذا أقرّه المجلس النيابي بالغالبية المطلقة وهي الغالبية التي لم يؤمّنها المجلس، ما قد يجعل الرئيس في حلّ من الإلزام بالتوقيع على القانون ونشره. 

الثانية وفي حالة توقيع رئيس الجمهورية على القانون ونشره، سيصبح القانون عرضة للطعن أمام المجلس الدستوري نظرًا لمخالفة المادة 57 من الدستور في التصويت، وهو طعن يُرجّح أن يُقبل من المجلس الدستوري نظرًا لفداحة المخالفة. وفي كلتا الحالتين ومع المهل التي أصبحت داهمة بدءًا من شهر تشرين الثاني، لا يُمكن سوى الاستنتاج أنّ إقامة الانتخابات النيابية أصبحت في خطر نظرًا لإمكانية الطعن بقانونها وتعليق العمل به إلى حين البتّ بالطعن. 

وما يزيد من خطورة هذه المخالفة هو إمكانية الاستناد عليها كسابقة لتشريع مخالفات أخرى في البرلمان لجهة النصاب والغالبية. فالمبدأ الواجب الاتّباع هو اعتبار النصاب ثابتاً غير متبدّل بعدد النواب الذين قد تنتهي عضويّتهم بسبب الاستقالة أو الوفاة أو أي سبب آخر، وهو الأمر نفسه الذي يجب أن ينسحب عند احتساب الغالبية في المجلس. أمّا إذا تم تكرار المخالفة، فيُمكن أن يعتبر المجلس نفسه منعقدًا إذا حضر 59 نائبًا فقط لا 65 وفق المادة 34 من الدستور، ما قد يؤسس لسلسلة من المخالفات الدستورية مستقبلًا.

المناقشات النيابيّة

 برز رأيان خلال الجلسة في تفسير المادة 57 من الدستور حيث اعتبر الرأي الأوّل أن المقصود ب”مجموع الأعضاء الذين يشكّلون المجلس قانونا” هم 117 نائب بعد اقتطاع 11 نائب من 128 نائبا  وهو عدد النواب المتوفين والمستقيلين وبذلك تصبح الغالبية المطلقة 59 نائبا.

أبرز المدافعين عن وجهة النظر كان رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي أصر على أن تفسير الدستور يعود للهيئة العامّة واعتبر أن المجلس اعتاد الأخذ بالأحياء وهو ما حصل سابقا أثناء التصويت لرؤساء الجمهورية رينيه معوّض وبشير جميّل وبهذا تصبح الغالبية المطلقة 59 نائبا وهو ما يناقض موقفه عام 2016. وقد وافقه الرأي النائب إيلي الفرزلي الذي اعتبر أنه بمعزل عن الجلسة، المجلس اعتاد الأخذ بالأحياء والمقصود بالميت الذي شغر مكانه، والذي يستقيل تماما فشغر مكانه. وقد وافقه الرأي النائب بلال عبد الله على أكثرية ال 59 نائبا معتبرا أن كل تأخير وتعطيل واستخدام للمجلس الدستوري هو طعن بإمكانية النهوض بالوطن.

كذلك فعل النائب جورج عدوان الذي اعتبر أن المجلس ليس بصدد تفسير الدستور الذي له أصول بل أن ما يناقش هو المقاعد الشاغرة والمملوءة معتبرا أن هناك اجتهادين سابقا في هذا الخصوص وقانونا صادرا في التسعينات يناقش الموضوع معتبرا أن المطروح هو إذا ما كان المجلس النيابي يعتمد ما اعتمده المجلس النيابي مرتين. وقد اعتمد رئيس المجلس هذا الرأي واعتبر التعديل المطروح ليس تعديلا للدستور رغم اعتراض العديد مع النواب خاصة كتلة لبنان القوي التي اعتبرت ذلك التفافا على الدستور وتعديلا له. 

أما الرأي  الآخر فاعتبر أن المقصود ب “مجموع الأشخاص الذين يشكّلون المجلس قانونا” هم كافة أعضاء مجلس النواب أي المائة وثمانية وعشرون. 

أبرز من تبنى هذا الرأي هي كتلة لبنان القوي. فاعتبر النائب الياس بو صعب أن ما يطرح لناحية ال 59 صوتا هو تعديل للدستور يتبع أصولا معيّنة  وهو بحاجة لثلثيْ مجلس النواب. ولفت النظر إلى أن الاستقالة موقف سياسي اعتراضي في حالة النواب المستقيلين وليست قضاء وقدرا. وهنا أشار رئيس مجلس النواب أنه ما كان ليطرح ذلك لو لم يكن هناك عدد متوفّر حيث يتواجد 101 نائب رغم اعتباره فيما بعد أن التعديل ليس تعديلا للدستور. أكّد على رأي زميله في الكتلة النائب جبران باسيل معتبرا أن النص القانوني واضح ولا يحتمل التفسير حيث أن المقصود بمجموع النواب الذي يشكلون المجلس المائة وثمانية وعشرون نائبا ولا يجوز أن يجري أي تلاعب بالأكثرية واعتبر أن موقف كتلته واضح لناحية اعتبارها المجلس الدستوري مسؤولا عن تفسير الدستور.

كذلك تبنى رأيا مشابها النائب جميل السيّد معتبرا أن المادة 57 تنص بوضوح على غالبية الأعضاء الذين يؤلفون مجلس النواب، قانونا أي 128، وهناك مواد في الدستور تتحدث عن الغالبية المطلقة، وبالتالي الأغلبية المطلقة تتشكّل من 65 نائبا مشيرا إلى أن أي عرف لا يمكن أن يلغي نصا دستوريّا واضحا.

في حين التزم النواب بمواقف كتلهم برز موقف النائب سمير الجسر الذي تباين برأيه عن موقف زملائه في كتلة المستقبل الذين وافقوا على اعتماد أكثرية 59 نائبا حيث اعتبر أنه في حالة انتخاب الرئيس يعمل بالمادة 49 من الدستور أما المادة 57 موضوع البحث فمن الواضح أنها تتكلم عن 128 نائبا.

ب-عدم مناقشة كافة ما ورد في رد الرئيس

لم يُناقش المجلس النيابي كافة الملاحظات التي أوردها رئيس الجمهورية في خضم ردّه للقانون طالبًا إعادة النظر فيه، حيث لم يطرح أبدا البحث في طلب رئيس الجمهورية إعادة النظر في تعليق العمل بالبطاقة الممغنطة.

إلا أن المجلس النيابي اكتفى بموضوع اقتراع المغتربين والمهل وهو ما اعترض عليه النائب جبران باسيل معتبرا أن ردّ الرئيس تطرق بالاضافة إلى تقريب موعد الانتخابات والمهل إلى فكرة الوضع الاستثنائي بالنسبة لدائرة المغتربين والبطاقة الممغنطة وأن اللجوء إلى الميغاسنتر يعوّض ذلك. إلّا أنّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي رفض ذلك وقال “ييي رجعنا تررم تررم”، وأصرّ على التصويت حصرًا على ما تم التصويت عليه أعلاه.

ج- توزيع الاقتراح

لم تتوفّر مع النوّاب نسخة الاقتراح كما أقرّته اللجان المشتركة، وتمّ توزيع النسخة خلال النقاش بعد اعتراض البعض خلال الجلسة. تنص المادة الثامنة من النظام الداخلي للمجلس النيابي على أنّه “يجب نشر جدول الأعمال المقرر في بهو المجلس وتبليغه إلى النواب مع نسخة عن المشاريع والاقتراحات والتقارير موضوع جدول الأعمال قبل انعقاد الجلسة بأربع وعشرين ساعة على الأقل”. وفي حين أنّ جدول الأعمال لم يتضمّن اقتراح قانون الانتخابات، أبرزه رئيس المجلس النيابي من خارج جدول الأعمال ليخالف بذلك هذه المادة بصورة فادحة. 

يُذكر أنّ رئيس المجلس النيابي اعتبر الاقتراح معجلًا ليبرر بذلك عرضه من خارج جدول الأعمال وصوّت على صفة العجلة خلال الجلسة، وسط استغراب النواب حول التصويت على هذه الصفة.

وفي جميع الأحوال، تبقى هذه الممارسة المتكرّرة في المجلس النيابي بعدم إبلاغ النواب ببعض المشاريع والاقتراحات التي سيتم مناقشتها بحاجة لمعالجة ولو تمّ إيجاد المخرج القانوني لها. فمن غير المنطقي أن يُتّبع منطق “البصم” و”الموافقة عالعمياني” من قبل النواب على عدد من القوانين.

2-اقتراع المغتربين في خطر بسبب المهل

وفي ما خص إجراء الانتخابات بشكل مبكّر ومهل التسجيل، أشار النائب جبران باسيل إلى أنه زيادة على حصول الانتخابات في فترة الصوم ورداءة الطقس بيّنت المهل أن القانون غير قابل للتطبيق عند المغتربين  بالإضافة إلى الصعوبات التي تواجهها وزارة الداخلية والخارجية. حيث اعتبر أن انتهاء مهلة التسجيل في 20 تشرين الثاني ثم باقي المهل في 1 كانون الأول، 15 كانون الأوّل و30 كانون الأوّل غير قابلة للتطبيق خاصة أن الذين يتسجّلون للاقتراع سينقصون. وفي المرّة الماضية بقي من 92000 متسجّل 84000 اسم مقترع. واعتبر ذلك حذفا للمغتربين وتعريضا للانتخابات للخطر وطلب جوابين من وزارة الداخليّة والخارجيّة.

أجاب وزير الداخلية بأن تقديم الانتخابات هو قرار سياسي. أمّا بالنسبة للأسماء فقد بدأت ترد واعتبر أن بامكان وزارة الداخلية القيام بعملها في حال بقيت الأسماء ترد من وزارة الخارجية. أما وزير الخارجية فاستصعب إنجاز الأسماء وبعثها في الوقت المطلوب بسبب الاستقالات و تقاعد البعض وعدم ملء الشغور. كما أشار إلى أنه حتّى الآن تسجّل 40000 شخص ولكن لا تصل إلّا أرقام. صدّقت صفة العجلة على اقتراح الإبقاء على تقديم المهل كما وردت في القانون المقر في 19/10/2021 ودون الأخذ بردّ رئيس الجمهورية وصوّت على الاقتراح الذي نال 77 صوتا من أصل 101 نائبا.

تجدر الاشارة إلى أن مجلس النواب قد تفادى ارتكاب مخالفة دستورية بتحديده لموعد انتخابات المجلس النيابي في 27 آذار. ففي حين أنّ النقاشات كانت فعليًا وصراحةً حول هذا الموعد اضطرّ  النائبان جبران باسيل وجورج عدوان بعد التصويت على تقريب المهل وتصويت المغتربين إلى لفت نظر النواب إلى أنه لا يحق لمجلس النواب تقرير موعد الانتخابات بل يعود ذلك للسلطة التنفيذية وأن تقرير ذلك هو مس بمبدأ فصل السلطات. فلم يتم إدراج تاريخ للانتخابات في القانون لكون ذلك يعرّض القانون للطعن أمام المجلس الدستوري. واكتفى المجلس النيابي بالتصويت على تقريب المهل ما يُساعد وزارة الداخلية على إقامة الانتخابات في 27 آذار.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، البرلمان ، أحزاب سياسية ، تشريعات وقوانين ، إقتراح قانون ، لبنان ، دستور وانتخابات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني