البراءة لمحمد بزيع في أوّل تمييز عسكري ضدّ متظاهر 


2021-09-30    |   

البراءة لمحمد بزيع في أوّل تمييز عسكري ضدّ متظاهر 
محمد بزيع

اعتدنا على ادعاءات اعتباطيّة تقوم بها النيابة العامّة العسكريّة ضد متظاهرين بتهم من دون أدلة، أبرزها معاملة قوى الأمن بالشدّة. وقد ادّعت النيابة العامّة على أكثر من 350 من المتظاهرين منذ 17 تشرين الأوّل 2019 وخرج 57 من أصل 63 متظاهراً تمّت محاكمتهم بأحكام براءة من المحاكم العسكرية وانتهت قضيتهم هناك. لكن ما حصل مع الشاب محمد بزيع مختلف، فتلك واحدة من المرّات القليلة التي يصدر حكم براءة ضد متظاهر وتلجأ النيابة العامّة العسكريّة إلى تمييز الحكم أمام محكمة تمييز الجنح العسكريّة. وبالفعل مثل الشاب أمام محكمة التمييز العسكريّة أمس الأربعاء في 29 أيلول وخرج بحكم براءة ثانياً، حكم يؤكّد عدم جدوى الدعوى التي يُلاحق فيها. 

للمرّة الأولى: النيابة العامّة العسكريّة تطعن ببراءة متظاهر

إذاً، للمرّة الثانية تؤكد المحاكم العسكرية براءة محمد بزيع من تهم وجهتها إليه النيابة العامّة تتّصل بمعاملة قوى الأمن بالشدة والتخريب على خلفية مشاركته يوم 11 شباط 2020 في تظاهرة معارضة لانعقاد جلسة منح الثقة لحكومة حسّان دياب السابقة. قضية بزيع سلكت طريقها في المحكمة العسكريّة الدائمة في 16 نيسان 2021، حيث مثل المدّعى عليه هو وأربعة شبّان آخرين وخرجوا جميعاً يومها بحكم براءة. ولاحقاً قدّم معاون مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكريّة رولان شرتوني تمييز فقط ضدّ بزيع، ومثل الأخير وحده أمس أمام محكمة تمييز الجنح العسكرية برئاسة القاضي صقر صقر التي أصدرت حكماً براءة ثانياً.

يشرح بزيع في حديث مع “المفكرة” أنّه “حين علمت أنّه تمّ تمييز الحكم ضدّي استغربت، وبخاصّة عندما علمت من المحامين أنّها المرّة الأولى التي تحصل في هذا النوع من الدعاوى”. ويُضيف تعليقاً على براءته، “لا يوجد أي دليل ضدّي بأنني عاملت القوى الأمنيّة بالشدّة، بل الحقيقة أنّني أنا من تعرّضت للضرب”. ويُشار إلى أنّ بزيع كان قد تعرّض للتوقيف خلال مشاركته في التظاهرة التي حاول المحتجون حينها منع النوّاب من الوصول إلى البرلمان وأفرج عنه في اليوم التالي. 

وأثناء توقيفه انهال عليه أكثر من خمسة عناصر أمنيين بالضرب وتم اقتياده إلى ثكنة الحلو. وحين وصل بزيع إلى الثكنة، تم تفتيش مقتنياته التي كانت موجودة في حقيبة ظهر يحملها معه في التظاهرة وفيها أغراض شخصية وألبسة وشاحن الهاتف ومفرقعات نارية تالفة وكمّاشة حديدية وأكّد أنّها أغراض موجودة من فترة طويلة في حقيبته ولا غاية من وجودها معه يوم التظاهرة. 

صقر يستجوب بزيع

في الجلسة، توكّل عن بزيع المحامون غيده فرنجية وفاروق المغربي وأيمن رعد من “لجنة المحامين المتطوعين للدفاع عن المتظاهرين” بتكليف من نقابة المحامين في بيروت. واستجوبه القاضي صقر بزيع. وفي بداية الجلسة سأله عن التهم الموجهة إليه وهي “إقدامه على معاملة قوى الأمن بالشدّة وإحداث تخريب بالممتلكات” وذلك خلال مشاركته في التظاهرة. التهم التي قرأها القاضي صقر نفاها بزيع مؤكداً “عدم حصول أي احتكاك بيني وبين عناصر أمنية في ذلك اليوم”. 

بزيع سرد للقاضي ما حصل يوم 11 شباط 2020، مشيراً إلى أنّه “كنت أشارك في التظاهرة على مداخل الطرقات المؤدية للبرلمان اللبناني، وكنت أنا جانب مبنى الإسكوا في رياض الصلح”. وأضاف، “كان هدف التحرّك في ذلك اليوم الاحتجاج على السياسات الاقتصاديّة، كما لمنع انعقاد جلسة الثقة”. وشدّد بزيع على أنّه حينها “لم يحصل أي مواجهات مع العناصر الأمنية ولا سيما الجيش اللبناني، كما أنّ المتظاهرون كانوا يلتزمون بتوجيهات الجيش”. فسأله القاضي صقر عن سبب وجود مفرقعات ناريّة معه في الحقيبة فأجاب بزيع بأنّها “قديمة وكانت تالفة، ولا زلت أحملها منذ يوم رأس السنة، وأكدت ذلك للمحققين وهم كشفوا عليها وتأكدوا بأنها تالفة ولا يمكن استخدمها”. وشرح أيضاً “أنها مفرقعات صغيرة بطول 5 سم وعرض 1 سم”. واستفسر القاضي صقر عن سبب وجود الكماشة معه، فشرح بزيع بأنّها كانت موجودة في الحقيبة ولم يتعمد وضعها لغاية النزول إلى التظاهرة، وشرح بأنّه لم يستخدم لا الكماشة ولا المفرقعات حين تواجد في التظاهرة. 

الملفت في أسئلة القاضي صقر أنّه سأل بزيع عن انتمائه السياسي، فأكّد هذا الأخير أنه ينتمي الى الحزب الشيوعي، كما سأله صقر إذا كان “قائداً” لعدد من الشبّان الّذين أوقفوا في اليوم نفسه، فأكد بزيع أنّه لا يعرف أيّاً منهم وأنّ كلّاً منهم أوقف في مكان مختلف خلال التظاهرة.

 الادّعاء من دون أدّلة هدر للمال العام

بزيع من الوجوه المعروفة في التظاهرات، وعُرف بالندوات الثقافية التي يجريها مع طلّاب بهدف التوعية السياسية والاقتصادية كونه حائز على ماجستير في العلوم الاقتصادية بحسب ما شرحت المحامية غيدة فرنجية خلال مرافعتها. واتصلت المرافعة بشكل كبير بموضوع عدم وجود أدلة على التهم الموجهة إلى بزيع بخاصّة بالنسبة لتهمة معاملة قوى الأمن بالشدّة عدا عن أنّ “مسألة التخريب هي ليست من التهم التي تدخل في اختصاص القضاء العسكري” بحسب توضيحها، فلم تشملها في مرافعتها. 

شرحت فرنجية أنّ ما يعزز عدم صحّة الادعاء على بزيع بتهمة معاملة قوى الأمن بالشدّة هو عدم وجود أي دليل على حصول الجرم، وسألت “أين هم العناصر المصابون، ما نوع الإصابات، أين التقارير الطبيّة؟ أين الدليل على أنه تمّ إستخدام مفرقعات نارية خلال التظاهرة؟”. وتابعت، في اليوم الذي تم إيقاف بزيع خلاله، “لم يحصل أي رمي للمفرقعات النارية في النقطة التي تواجد فيها المدعى عليه، وإلّا فلتُبرز النيابة الدليل على ذلك”. ومن جهة ثانية، شرحت فرنجية أنّه “عادّة في التظاهرات تقوم قوى الأمن الداخلي بإصدار بيانات تتضمن أعداد الإصابات في صفوف عناصرها، إلّا أنّه في ذلك اليوم لم يصدر أي بيان في هذا الخصوص”. فيما في المقابل، “وثقت لجنة المحامين يومها حدوث 53 إصابة بين المتظاهرين”.

وشددت فرنجية على أنّ “محضر التحقيق الخاص ببزيع، لم يتضمن أي إشارة إلى قيام بزيع بمعاملة أي من العناصر الأمنية بالشدّة”. وسألت، “أين الجرم العسكري؟” وعليه، اعتبرت فرنجية أنّه في ظل هذه الوقائع مجرّد ضبط مفرقعات ناريّة “لا يكفي لإدانة الشاب بالمادة 381 من قانون العقوبات التي تتصل بالمعاملة بالشدّة”. 

وعززت حجّتها بالاستناد إلى اجتهاد سابق لمحكمة التمييز يؤكد أنّ “مجرّد المشاركة في التظاهرة حصلت فيها أعمال شغب غير كافي للإدانة بالجرم”. وطلبت إبطال التعقّبات بحق بزيع بدلاً من الحكم ببراءته نظراً لعدم وجود أي جرم ولكونه كان يمارس حقوقه الدستورية بالتظاهر والاعتراض السياسي، مؤكدّة أنّه على النيابة العامّة أن تكفّ عن ملاحقة المتظاهرين المدنيين دون أي دليل لما يشكله “هدراً للمال العام”. 

“يا ليت هذا الجهد القضائي نجده في قضايا أهم”

لا يوجد تفسير واضح لما تلجأ النيابة العامّة العسكريّة للادعاء على متظاهرين شاركوا في التظاهرات من دون أن تجمع حولهم أدلة كافية حول التهم الموجهة إليهم. يكفي فقط أن يوقف شخص ما ويفتح محضر له حتى لو لم يُذكر في المحضر أنّ الشخص ارتكب أي جرم حتى تدّعي عليه النيابة العامّة. هذا في لبنان، البلد الذي يعتقد البعض أنّ فيه هامش واسع من الحريّة، يلاحق الأشخاص فقط لأنّهم شاركوا في تظاهرة. ما حصل مع محمد بزيع، وإن انتهى ملفّه بشكل عادل، إلّا أنّ ما نخشاه أنّ النيابة العامّة العسكرية دائماً مستعدّة لإحالة المدنيين أمام القضاء العسكري من دون أدلة، متجاهلة أنّه لو صدر حكم بحق الشخص ستكون كلفته عالية على السجل العدلي الخاص به الذي سيشكل عائقاً أمامه عند السفر أو العمل.

يسأل بزيع “كيف في اليوم الذي يشهد قصر العدل في بيروت تظاهرة بسبب تعطيل التحقيق في قضيّة تفجير مرفأ بيروت، هناك متظاهر مدني يُحاكم في قضيّة لا يوجد فيها أي دليل، أمام القضاء العسكري؟” ويضيف “أساساً لماذا يُحاكم المدنيون أمام القضاء العسكري؟”. ويضيف: “يا ليت هذا الجهد القضائي نجده في قضايا أخرى هامّة كالفساد وتفجير المرفأ”. 

مقالات ذات صلة:

تهم من دون أدلّة تلاحق متظاهري الانتفاضة: المحكمة العسكريّة تعلن براءة “الجوكر”

“النيابة العامّة العسكريّة تدّعي على المتظاهرين من دون قراءة ملفّاتها”.. البراءة مجدّداً لناشطي 17 تشرين

دعاوى “معاملة قوى الأمن بالشدّة” ضد متظاهرين أمام المحكمة العسكريّة: هدر للمال العام

محامو لجنة الدفاع عن المتظاهرين: أيّ تصوّرات لدورهم ودور نقابتي المحامين؟

ممثّل النيابة العامة العسكريّة يطلب البراءة للناشط خلدون جابر: حكم يفضح تلفيق الأجهزة الأمنيّة التّهم ضد المتظاهرين

أليكسندر يحوّل قمع الأمن إلى عمل فنّي.. وأحكام براءة جديدة للمتظاهرين

استدعاء طالب أمام النيابة العسكرية: التحقيق في إصابات العسكر حصراً

انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكمة عادلة وتعذيب ، حريات ، لبنان ، المرصد القضائي ، حراكات اجتماعية ، سياسات عامة ، حريات عامة والوصول الى المعلومات ، أجهزة أمنية ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، محاكم عسكرية ، انتفاضة 17 تشرين ، حركات اجتماعية ، احتجاز وتعذيب ، قرارات قضائية ، محاكمة عادلة ، حرية التعبير ، حرية التجمّع والتنظيم ، استقلال القضاء



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني