“الأمن القومي المالي” كذريعة لحجب تقرير ألفاريز


2023-07-18    |   

“الأمن القومي المالي” كذريعة لحجب تقرير ألفاريز

أعلنت الدولة مجددا عن رفضها تسليم معلومات ومستندات متعلّقة بالتدقيق الجنائي. جاء هذا الرفض في إطار المراجعة التي تقدّمت بها “المفكرة القانونية” لدى مجلس شورى الدولة نيابة عن “الائتلاف من أجل المحاسبة وعدم إفلات الجرائم المالية من العقاب”، لإلزام وزارة المالية بتسليم المعلومات والمستندات المذكورة. واللافت أن الدولة علّلت الرفض بحجج عدة، أهمها أن الكشف عن هذه المعلومات يمسّ بالأمن القومي. وقد جاء حرفيا في لائحتها أن المعلومات المطلوبة تندرج ضمن “المعلومات التي لا تفصح الدولة عنها وفقًا للمادة 5 من قانون الحق في الوصول إلى المعلومات”، على خلفية أنها مصنّفة ضمن “مفهوم الأمن القومي المالي، نظرًا لانعكاسات ونتيجة التدقيق الجنائي على الأمن القومي المالي” أو أيضا أن التقرير ما يزال عملا تحضيريا لم يتلَ بعد في جلسة علنية (!). كما بررت الدولة رفضها بأن التقرير المبدئي الصادر عن ألفاريز ما يزال في إطار المستندات التحضيرية المستثناة هي الأخرى من حق الوصول إلى المعلومات. 

وفيما تداول الإعلام بشأن تضمين عقد التدقيق المالي مع ألفاريز بندا سريّا، من اللافت هنا أيضا أن الدولة لم تثرْه قط ضمن حججها لحجب المعلومة، وكأنها تؤثر التذرع بحجج قانونية على التذرع بحجج تعاقدية.   

هذا الموقف الجديد للدولة يستدعي ملاحظات عدة أبرزها الآتية: 

مفهوم “الأمن القومي المالي” يناقض نصوصا واضحة في القانون 

عند مراجعة قانون الحقّ في الوصول إلى المعلومات، لا نجد ضمن المعلومات المستثناة أي إشارة إلى المعلومات المتصلة ب “الأمن القومي المالي”، إنما فقط إلى المعلومات التي تتناول “أسرار الدفاع الوطني والأمن القومي والأمن العام”. وعليه، تكون الدولة قد ابتدعت استثناء جديدا وأدلت فيه في لائحتها وكأنه مسلمة من دون أيّ تعليل، فاتحةً بذلك بابا خطيرا في حجب المعلومات، تحت غطاء مفهوم “الأمن القومي”. وهي بذلك أخلّت بمبادئ التفسير القانوني بما يناقض الغاية المتوخّاة من قانون الحقّ في الوصول إلى المعلومات الذي أكد في أسبابه الموجبة على أنّ حق الأفراد في الوصول إلى الـمعلومات هو حق طبيعي ولا يمكن تقويضه أو الـمساس به تحت أيّ ظرف، فينبغي أن يصبّ أي تفسير لأحكامه ضمن هذا الإطار وفي سبيل تكريس غاياته”. وما يقطع الشكّ باليقين هو التعديل الذي تمّ إدخاله على قانون الحقّ في الوصول إلى المعلومات بموجب القانون 233 الصادر بتاريخ 16/7/2021. فقد ألغى هذا القانون صراحة وتبعا للانتقادات على قانون الوصول للمعلومات، البند الذي يتناول المعلومات التي قد تنال “من المصالح المالية والاقتصادية للدولة وسلامة العملة الوطنية”، من لائحة المعلومات التي لا يجوز الإفصاح عنها المنصوص عليها في المادة الخامسة منه. وكانت “المفكرة القانونية” اعتبرت في قراءتها لقانون حق الوصول للمعلومات تحت عنوان: “إنجازٌ بأفخاخٍ كثيرة” هذا الاستثناء من أخطر الاستثناءات الواردة فيه. وعليه، يرشح دفاع الدولة عن شيء من العبث: فكيف يمكن حجب هذه المعلومات بحجة أن الكشف عنها يؤثر على المصالح المالية للدولة فيما أن المشرّع تدخل ليلغي صراحة استثناء المعلومات التي قد تمس بهذه المصالح؟      

التقرير تحضيريّ لم يتلَ في جلسة علنية؟

من جهة أخرى، بررتْ الدولة حجب التقرير الجنائي بأنه “من المستندات التي لم تتلََ في جلسة علنية، ولها الطابع التحضيري الإداري غير المنجز والإعدادي”. 

وهنا أيضا بدت الدولة في معرض التخبط لتبرير قرارها، وذلك من زاويتين إثنتين: 

الأولى، أنها خلطت بين مضمون التقرير الجنائي ووقائع التحقيقات ذات الطابع القضائي، فالتلاوة في جلسة علنية لا تتم إلا في معرض التحقيقات القضائية وليس في معرض التدقيق الجنائي الذي لا ينطبق عليه هذا النص، إذ لا شرط موجب لتلاوته في أية جلسة من أي نوع كانت. 

الثانية، أنها بدت وكأنها تتشاطر في تفسير عبارة “التقرير المبدئي” مصورة إياه على أنه تقرير إعدادي. والواقع أن التقرير المبدئي لنتائج التدقيق الجنائي يُعدّ في صلب الخدمات التي يتعين على الشركة تقديمها للدولة اللبنانية، وذلك بحسب الاتفاقية الموقعة بينهما والتي نصّت في المادة الأولى منها تحت عنوان “وصف الخدمات” على أنه: ” تلتزم ألفاريز آند مارسال بتقديم الخدمات الاستشارية التي يطلبها العميل (“الخدمات”)، وذلك على النحو المنصوص عليه في هذه الاتفاقية، مع تقديم تقرير مبدئي بنتائج التدقيق الجنائي (“التقرير المبدئي لنتائج التدقيق الجنائي”) المجرى على أنشطة وحسابات مصرف لبنان إلى العميل”، ممّا يعني أنّ التقرير المبدئي ليس مستندًا إعداديًا أو تحضيريًا بل هو ضمن الخدمات الأساسية والجوهرية المطلوب من الشركة تقديمها إلى الدولة اللبنانية. 

بند السرية لا يمنع الوصول للمعلومات

أخيرا، تجدر الإشارة إلى أن القانون 233/2021 قد أضاف إلى المادة الخامسة من قانون حق الوصول إلى المعلومات فقرة مفادها أنّ بنود السريّة الـمُدرجة في العقود التي تجريها الإدارة، لا تحول دون الحق في الوصول إليها. تكمن أهمية هذه الفقرة في الحؤول دون التذرّع ببند السريّة الوارد في الاتفاقية الموقعة بين الدولة اللبنانية وشركة ألفاريز. وما يؤكد ذلك هو أن الاتفاقية نصّت على أنّها تخضع وتُفسر وفقًا لقوانين إنجلترا وويلز، “شريطة ألا تتعارض مع أي أحكام قانونية لبنانية تتعلق بالنظام العام أو القواعد الإلزامية”، ومنها الأحكام الواردة في قانون الحق في الوصول إلى المعلومات والتي جاءت لتكريس حقوق أساسية للمواطنين.

ختاما، وفي ظل استمرار تكتّم وزارة المالية على المعلومات الواردة في التقرير المبدئي للتدقيق الجنائي، على الرغم من الحملة الواسعة المطالبة بنشره، يتحمّل القضاء مسؤولية كبيرة في المبادرة إلى اتخاذ القرار الحاسم في هذا الشأن، وهو الأمر المرتقب حصوله في الأيام القادمة.

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، المرصد القضائي ، محاكم إدارية ، سلطات إدارية ، الحق في الوصول إلى المعلومات ، لبنان ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني