قانون حقّ الوصول إلى المعلومات: إنجازٌ بأفخاخ كثيرة


2017-02-24    |   

قانون حقّ الوصول إلى المعلومات: إنجازٌ بأفخاخ كثيرة

بتاريخ 19/1/2016، أقرّ مجلس النوّاب في جلسته التشريعيّة الإستثنائيّة الثانية، إقتراح القانون الرامي إلى تأمين الحقّ في الوصول إلى المعلومات، بعد نقاشٍ سريعٍ حول الإستثناءات التي يتضمّنها. وكان قد تقدّم به كلٌّ من النوّاب الحاليّين أو السابقين إسماعيل سكريّة وياسين جابر وعبد الله حنا وغسان مخيبر وجواد بولس، في نيسان 2009. ولكن، لم يتمّ وضعه على جدول أعمال لجنة الإدارة والعدل إلا في العام 2012، أيّ بعد مرور أكثر من ثلاثة أعوام، ليتمّ إقراره في 17/4/2013 وإرساله إلى الهيئة العامّة لمجلس النواب للمصادقة عليه. وفيما تمّ طرحه للنقاش في الهيئة العامة في 2/4/2014، أُعطيَ رئيس الحكومة السابق تمام سلام مهلة شهرٍ لدرسه. ومنذ ذلك الحين، إقتضى إنتظار قرابة ثلاث سنوات ليعود إقتراح القانون إلى جدول أعمال الهيئة العامّة.

من أهمّ ما تضمّنه القانون هو تكريس حقّ “كلّ شخصٍ طبيعيٍّ أو معنويٍّ بالوصول إلى المعلومات والمستندات الموجودة لدى الإدارة والإطلاع عليها”، وفق أحكام هذا القانون. كما تمّ إلزام الإدارة بإعتماد الشفافيّة في عملها، من خلال إلزامها بنشر عددٍ كبيرٍ من وثائقها على مواقعها الإلكترونيّة.

وقد تمّ تبرير القانون بضرورة إلتزام الدولة اللبنانيّة بتعهّداتها الدوليّة بشكلٍ عمليّ في التشريع اللبنانيّ، وفي مقدمتها المادة 19 الشهيرة من “الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان” ومن “العهد الدوليّ للحقوق المدنيّة والسياسيّة”، التي تكرس حرية الرأي والتعبير، لا سيما الحقّ في “إستقاء الأفكار وتلقّيها وإذاعتها بأيّة وسيلة”، و”إتفاقيّة الأمم المتّحدة لمكافحة الفساد” التي أقرّها لبنان في 16/10/2008 والتي تدعو إلى إعتماد تدابير لتعزيز الشفافيّة في الإدارة، عبر الكشف عن المعلومات التي بحوزة الإدارات العامّة.

كما تجدر الإشارة بداية إلى أنّ هذا القانون يشكّل حلقةً من مجموعة قوانين لمكافحة الفساد لا تزال عالقةً في اللجان النيابيّة، وهي على التوالي: إقتراح قانون بتعديل قانون الإثراء غير المشروع، وإقتراح قانون لمكافحة الفساد في القطاع العامّ والذي ينصّ على إنشاء “الهيئة الوطنيّة لمكافحة الفساد”، وإقتراح قانون حماية كاشفي الفساد. ما ذكّر به أحد النوّاب، داعياً إلى إسراع المجلس في إقرار بقية قوانين السلّة.

نورد هنا أهمّ الملاحظات التي يقتضي وضعها على قانون الحقّ في الوصول إلى المعلومات المقرّ في المجلس.

الإستثناءات: حالات منعٍ مطلقٍ وغير مبررٍ

على نقيض إعلان الحقّ، تضمن القانون لائحةً بالمعلومات المستثناة من حقّ الوصول إليها، أو بعبارةٍ أوضح، التي يمنع الوصول إليها أو التي يقتضي التكتّم عليها. ويفترض إستثناء أيّ معلومات من هذا الحقّ المكرّس في المواثيق الدولية توفّر مصلحةً إجتماعيّةً متّصلةً بكتمانها، وتكون أهمّ من المصلحة المتأتية عن الكشف عنها. عند الإطلاع على الإستثناءات الواردة في القانون، يتّضح أن بعضها غير مبرّر. فكأنما المشرّع اللبنانيّ إعتمد موازنة مغلوطة بين المصالح الإجتماعية أو إستغل هذا القانون لمنع الوصول إلى معلوماتٍ تسمح المواثيق الدوليّة بالوصول إليها. ومن أخطر هذه الإستثناءات، “ما ينال من المصالح الماليّة والإقتصاديّة للدولة وسلامة العملة الوطنيّة”. لإدراك خطورة هذا الإستثناء، نحيل إلى المقارنة التي كانت “المفكّرة القانونيّة” قد أجرتها مع القانون المعتمد في تونس، والذي أدرج صراحةً المعلومات المتعلّقة بالماليّة العموميّة ضمن المعلومات التي يتوجب على الإدارة وضعها في ذمّة العموم، بما في ذلك المعطيات التفصيليّة المتعلّقة بالميزانيّة والمديونيّة العموميّة، والحسابات الوطنيّة، وكيفية توزيع النفقات العموميّة، وأهمّ مؤشرات الماليّة العموميّة. ومن المؤسف أنّ القانون اللبنانيّ تجنّب إشكاليّة سريّة عمل اللجان النيابيّة غير المبررة، ليبقي المحاضر السريّة ضمن المعلومات التي يمنع الوصول إليها. ومن المؤسف أيضاً أنه أعلن سريّة الآراء الإستشاريّة لمجلس شورى الدولة.

وما يزيد الأمر قابليةً للإنتقاد هو أنّ القانون اللبنانيّ إعتبر منع الوصول إلى المعلومات المستثناة مطلقاً. وهو بذلك يخالف القانون التونسيّ الذي إعتبر أنّ المنع غير مطلقٍ، ويمكن تجاوزه كلما تبيّن أنّ المصلحة في الكشف عن المعلومات تعلو على المصلحة في كتمها. وفي الإتجاه نفسه، إستثنى القانون التونسيّ من تطبيق هذه الإستثناءات المعلومات الضروريّة للكشف عن الإنتهاكات الفادحة لحقوق الإنسان، أو جرائم الحرب، أو البحث فيها، أو تتبع مرتكبيها (المادة 26). من هنا، يتّضح أنّ المشرّع التونسيّ كان أكثر حرصاً من المشرّع اللبنانيّ على تحقيق التوازن بين مختلف المصالح المعنيّة.

في المقابل، يُسجّل إيجاباً للقانون اللبنانيّ أنّ الهيئة العامّة للبرلمان أعادت إليه نصّ الإقتراح الأصليّ لجهة إشتمال مفهوم الإدارة العامّة الملزَمة بالكشف عن معلوماتها على المؤسّسات والشركات الخاصّة المكلفة بإدارة مرفقٍ أو ملكٍ عامّ، تبعاً لإعتراض النائب ياسين جابر. وهذا التعديل يسمح تالياً بالوصول إلى المعلومات المتّصلة بالمؤسّسات المتعاقدة مع الدولة، من مستشفيات ودور رعاية وشركات متعهّدة، في كلّ ما يتّصل بإدارة المرفق العامّ.

قانون بآلياتٍ تنفيذيّة غير فعّالة

رغم أهميّة الحقّ المكتسب، تبقى أدواته التنفيذيّة ضعيفة. ففضلاً عن العوائق العاديّة أمام إلزام الإدارة بتنفيذ موجباتها، تخلّل القانون عيباً (فخّاً) يُخشى من أن يُستخدم كذريعة لتعطيله. ففي توجّهٍ غير مسبوقٍ، أناط القانون مهمّة أساسيّة في سياق تنفيذه بهيئةٍ غير موجودةٍ، وهي الهيئة المقترح إنشاؤها بموجب إقتراح قانون لم يتمّ إقراره بعد. إذ أشار القانون أنه يتعيّن على طالب المعلومات أن يقدّم شكواه في حال رفض طلبه خلال مدّة شهرين أمام “الهيئة الاداريّة المستقلّة المحدّدة في قانون إنشاء الهيئة الوطنيّة لمكافحة الفساد” (المقصود إقتراح قانون مكافحة الفساد في القطاع العامّ، الذي لم يقرّ). فما هي الجهة المختصّة بتلقي الشكاوى في غياب هذه الهيئة؟ وهل تقبل الشكوى المباشرة للمتضرّر من قبل مجلس شورى الدولة، أم يُعتبر لجوؤه للهيئة الإداريّة غير الموجودة شرطاً وجوبيّاً قبل اللجوء إلى المجلس؟ بالطبع، هكذا تفسير يؤدّي إلى نتيجةٍ عبثيّةٍ قوامها إعتبار القانون معلّقاً جزئيّاً على صدور قانون إنشاء الهيئة المستقلة.

وعلى فرض تجاوز هذه العقبة، يبقى أنّ القانون خلا من الأحكام الضامنة لتنفيذه. فتبقى الإدارة قادرةً على عدم تنفيذ الأحكام الصادرة عن مجلس شورى الدولة من دون عواقب. كما أن القانون خلا من معاقبة القيمين على الإدارات في حال إخلالهم بالنصّ القانونيّ أو رفضهم الإلتزام بالحقّ. ويظهر ضعف النصّ في هذا المجال عند مقارنته بالنصّ التونسيّ الذي عاقب كلّ من يتعمد تعطيل النفاذ إلى المعلومة في الإدارات المعنيّة بغرامة تتراوح بين 500 دينار و5000 دينار. كما أنزل عقوبةً جزائيّةً بكلّ من يتعمّد إتلاف معلومةٍ بصفةٍ غير قانونيّةٍ أو حمل شخصاً على إرتكاب ذلك.

خلاصة

يبقى أن القانون أدخل أدوات جديدة بإمكان المواطنين استخدامها لإلزام الإدارة بمزيد من الشفافية أو على الأقل لإحراجها بشأن مدى تقيدها بالقانون وعلى الأقل لتعزيز معارفهم بمختلف جوانب الحياة العامة، والتي يبقى العديد منها قاتماً أو غامضاً. وهو يفتح مؤكدا باباً واسعاً للتقاضي في مواجهة أي تعسّف أو إهمال. فلنعدّ العدّة.

 نشرت هذه المقالة في العدد |47|كانون الثاني/ يناير 2017، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه :

مكافحة الفساد، إصلاح القضاء أولا

انشر المقال

متوفر من خلال:

الحق في الوصول إلى المعلومات ، مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني