الأمم المتحدة تحمّل السلطة ومصرفها مسؤولية الأزمة: “كان يمكن تجنّبها لكن القيادات تجاهلت التحذيرات”


2022-05-13    |   

الأمم المتحدة تحمّل السلطة ومصرفها مسؤولية الأزمة: “كان يمكن تجنّبها لكن القيادات تجاهلت التحذيرات”
محتجّة على أحد مداخل مجلس النوّاب

جاء تقرير المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بدراسة الفقر المدقع وحقوق الإنسان – أوليفييه دي شوتر الذي نشر الأربعاء 11 أيار،  ليؤكد  بالإحصاءات والبراهين أسباب الأزمة الاقتصادية في لبنان، ودور السياسات الحكومية والمصارف في وصول البلاد إلى هذه الحال، بالإضافة إلى أثر الأزمة على مختلف الشرائح المجتمعية.

وحمّل التقرير “الدولة اللبنانية ومصرفها المركزي مسؤولية انتهاك حقوق الإنسان، والإفقار غير الضروري للسكان”، واعتبر أنّه كان “بالإمكان تجنّب انهيار لبنان، فالخبراء الماليون والاقتصاديون ما انفكّوا يحذّرون منذ العام 2015 بحلول الأزمة، وقد تجاهلت القيادات السياسية عمداً التحذيرات”. وتناول التقرير أثر الأزمات المتفاقمة على الفئات الهشة “فجاءت المرأة من أولى الفئات المتضرّرة يليها الأطفال ثم اللاجئون السوريون والفلسطينيون، يليهم العمال المهاجرون، فالأشخاص ذوو الإعاقة الجسدية”.

وجاء في التقرير أنّ “الأزمة هي من صنع الإنسان ولها جذور سياسية عميقة، وأنّ لبنان كان قبل الأزمة يتّسم بمستويات مروّعة من تركّز الثروات في القمّة، وسياسات جبائية تشجّع على التهرّب وتعود بالنفع على الأثرياء، بالإضافة إلى إهمال مزمن لخدمات التعليم والرعاية الصحية، وقصور في نظام الحماية الاجتماعية وفشل في قطاع الكهرباء”.

“وقد أسهمت السياسات في تدهور العملة، وتدمير الاقتصاد، وتبديد مدّخرات الناس مدى الحياة، وزجّ بالسكان في دوامة الفقر. فهرع الأفراد النافذون الذين كانوا على علم بالكارثة الوشيكة إلى نقل رؤوس أموالهم إلى الخارج، وسهّل عملهم الفراغ القانوني في مراقبة رؤوس الأموال”.

وأضاف التقرير أنّ “ما يحتفظ فيه المقيمون في لبنان من رؤوس أموال في الخارج قد تضاعف منذ العام 2017 بقيمة 15,4 مليار دولار لغاية آذار 2021، واستناداً إلى مسؤول سابق في وزارة المالية، تم تحويل 6 مليارات دولار في الفترة الفاصلة بين 2019 و2020 وحدها، وبينما استغرق سنّ ضوابط رؤوس الأموال في بلدان أخرى أياماً، لم توضع هذه الضوابط بعد في لبنان”.

أبرز أسباب الأزمة ومسبّبيها

أولاً: سياسات مصرف لبنان

وعن أثر سياسات مصرف لبنان على حقوق الإنسان، اعتبر التقرير أنّ “ثلاثة قرارات اتّخذها المصرف ساهمت في تخفيض قيمة الليرة اللبنانية وما ترتّب عليها من إفقار الناس” منها:

أ- غياب الشفافية:

“لم ينشر مصرف لبنان بيانات الأرباح والخسائر منذ العام 2002، كذلك وجد مراجعون أنّ سياساته المحاسبية تختلف عن المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية. ففي كانون الأول 2015 أظهرت وثائق سرية لصندوق النقد الدولي احتياطات صافي سلبية بلغت 4,7 مليارات دولار، إضافة إلى ممارسات المصرف المبهمة في إعداد التقارير وعدم إقرار بالخسائر والتي تقدّر بحوالي 50 مليار دولار في الوقت الراهن”.

ب- الدين الضخم الذي أحدثه المصرف:

“أحدث مصرف لبنان سرّاً ديناً عاماً ضخماً خارج إطار عملية شفافة لاعتمادات الميزانية، ما سيثقل كاهل اللبنانيين لأجيال”، وما يثير القلق، كما جاء في التقرير “أنّ لجنة المالية والموازنة في مجلس النوّاب اللبناني، لم تسأل قط قيادة مصرف لبنان بشؤون ممارسته الشاذة في الإبلاغ”.

ج- الفائدة المرتفعة:

“عرض مصرف لبنان على المصارف الخاصة والمودعين الأثرياء، أسعار فائدة مرتفعة وذلك من أجل اجتذاب دولارات الولايات المتحدة وبالتالي الحفاظ على سعر الصرف الثابت، الأمر الذي أضعف الاستقرار المصرفي وتسبب في خسائر كبيرة في الميزانية العمومية لمصرف لبنان”. وأوصى التقرير أن “تضمن الحكومة تحمّل (الخسائر) من قبل المساهمين (في المصارف) والمودعين الأثرياء الذين استفادوا من الفائدة المرتفعة، وليس من قبل 1,2 مليون حساب لصغار المودعين الذين تقل ودائعهم عما يعادل 75 ألف دولار، ولا من عامّة الناس من خلال التضخّم”. واعتبر التقرير أنّ “تعدد أسعار صرف الدولار في لبنان، يشكّل حالياً عقبة أمام المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ومن المعروف أنّه يؤدي للفساد”.

ثانياً: النظام السياسي الفاسد

بالإضافة إلى سياسات مصرف لبنان اعتبر التقرير أنّ المسؤولية تقع على “النظام السياسي الفاسد الذي يعاني من تضارب مصالح”. وجاء في التقرير أنّه من مجموع إنفاق مجلس الإنماء والإعمار بين عامي 2008 و 2018 ، تمّ منح 60% أي ما يعادل 1,9 مليار دولار لما مجموعه 10 شركات نافذة سياسياً”. وأفاد التقرير أنّ “الروابط بين السياسيين والقطاع الخاص تصل أعلى مستويات، وتشكّل الروابط بين السياسيين والقطاع المصرفي مصدر قلق، فمن أصل 20 مصرفاً هناك 18 مصرفاً لها مساهمون رئيسيون مرتبطون بالنخب السياسية”.

وأشار دي شوتر إلى أنّه “قد تم دمج الإفلات من العقاب والفساد وعدم المساواة الهيكلية في نظام سياسي واقتصادي فاسد مصمم لإخفاق من هم في القاع”.

وقال إنّه “لا توجد مساءلة مضمّنة في خطة الإنقاذ الأخيرة، وهي ضرورية لاستعادة الثقة المفقودة لدى السكان والقطاع المالي. فثروة وطنية ملك للشعب في لبنان، بددت على مدى عقود من سوء الإدارة والاستثمارات في غير محلّها من قبل الحكومة والبنك المركزي”. ووجد التقرير أنّ “المصرف المركزي وضع الدولة اللبنانية في مخالفة صريحة لقانون حقوق الإنسان الدولي”.

أثر الأزمة على آليات الحماية الاجتماعية والفئات المجتمعية

شدّد التقرير على أنّ “هناك نقصاً خطيراً في آليات الحماية الاجتماعية القوية”، وقال إنّه “نظام يحمي الأغنياء بينما يترك الأسر الفقيرة تعيل نفسها بنفسها. لقد تمّ تدمير الخدمات العامة، بما في ذلك الكهرباء والتعليم والرعاية الصحية، مع وجود دولة تدعم بشكل كبير توفير القطاع الخاص لهذه الخدمات. يذهب أكثر من ربع نفقات التعليم العام إلى القطاع الخاص، مما يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة، ولا يؤدي إلى تعليم أفضل، ويؤدي إلى ارتفاع معدلات التسرب بين الأطفال من الأسر الفقيرة”.

وأضاف: “أكثر من نصف العائلات أفادوا بأنّ أطفالهم اضطرّوا إلى تخطي وجبات الطعام، وأنّ مئات الآلاف من الأطفال خارج المدرسة. وإذا لم يتحسّن الوضع على الفور، فسيتم التضحية بجيل كامل من الأطفال”.

وانتقد خبير الأمم المتحدة “عقوداً من نقص الاستثمار في نظام الرعاية الصحية العام والإلغاء الجزئي المشين للحكومة للإعانات على الأدوية الأساسية”. وقال: “لا تزال الأدوية تعاني من نقص حاد، كما ارتفعت أسعار أدوية الأمراض المزمنة أربعة أضعاف على الأقل وهي عقوبة إعدام شبه مضمونة لمن هم بأمسّ الحاجة إليها”.

ووجد التقرير أنّ “اللاجئين الفلسطينيين والسوريين يواجهون ظروفاً معيشية كارثية في لبنان، حيث يعيش 88% منهم في ظروف معيشية دنيا. وما يقرب من نصف العائلات السورية تعاني من انعدام الأمن الغذائي”. وأوضح أنّ محنة اللاجئين الفظيعة هي نتيجة مباشرة للتدابير الإدارية والقانونية التي تفرضها الدولة، والتي تواصل تهميشهم وإلقاء اللوم عليهم في فشلها في توفير السلع والخدمات الأساسية للسكان، سواء أكان التعليم أو الوظائف اللائقة أو الشرب الآمن الماء أو الكهرباء”.

تحذيرات

 وحذر المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان “اليوم يقف البلد على شفير الانهيار”، مستشهداً بالتقديرات الحالية التي تضع أربعة من كلّ خمسة أشخاص في الفقر.

وقال دي شوتر: “الروابط السياسية مع النظام المصرفي منتشرة، مما يشير إلى مخاوف جدية بشأن تضارب المصالح في تعاملهم مع الاقتصاد ومدخرات الناس”.

توصيات

ومع الانتخابات البرلمانية في 15 أيار، دعا التقرير “الحكومة المقبلة إلى وضع المساءلة والشفافية في قلب ومحور أعمالها، بدءاً من الكشف العلني عن مواردها المالية وتضارب المصالح ومطالبة مسؤولي البنك المركزي بالقيام بالمثل، وإلى الالتزام بتحسين سجلّها في مجال حقوق الإنسان في جميع المجالات من خلال الحدّ من عدم المساواة، ومكافحة الفساد والإفلات من العقاب، وبناء أنظمة حماية اجتماعية وتعليمية ورعاية صحية قوية ومرنة، ووضع المصلحة العامة فوق المصلحة الخاصة”. 

وأضاف: “على المجتمع الدولي أن يقدم الدعم لكن الدعم لن يكون له أثر إلاّ إذا اعتمدت إصلاحات هيكيلية لوضع حد لعملية التفقير”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

سياسات عامة ، منظمات دولية ، حقوق المستهلك ، حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة ، فئات مهمشة ، حقوق الطفل ، لبنان ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني