اقتراح لتعديل أصول طلبات الرد والنقل: مدخل لوقف تعطيل عمل المحقق العدلي أم أكثر من ذلك؟


2022-02-16    |   

اقتراح لتعديل أصول طلبات الرد والنقل: مدخل لوقف تعطيل عمل المحقق العدلي أم أكثر من ذلك؟
المصدر: المفكرة القانونية | رسم: رائد شرف

من أهمّ ما ورد على جدول أعمال جلسة المجلس النيابي المُقررة في 21 و22 شباط 2022 اقتراح قانون معجل مكرّر مُقدّم من النائب جورج عقيص يرمي إلى تعديل الإجراءات المتعلّقة بطلبات ردّ وتنحّي القضاة. وفي حين يأتي هذا الاقتراح في ظلّ تعطيل مُستمر للتحقيق العدلي في جريمة المرفأ عبر استعمال متعسّف لطلبات الرد، إلّا أنّه يسجّل إيجابا أنّه لم يحصُر التعديل المرجو بجريمة المرفأ على غرار اقتراح تعليق حصانات الموظفين المُقدّم سابقاً من نوابٍ في كتلة عقيص نفسها، بل أتى شاملاً ليعدّل شروط وإجراءات التقدّم بطلبات الرد في أيّ دعوى قائمة أمام القضاء. وبحسب الأسباب الموجبة للاقتراح، فهو يأتي ليربط الحقوق الإجرائية وحقوق الدفاع التي يملكها الخصوم في أي دعوى بمبدأ حسن النية حتى لا تُستعمل لعرقلة سير العدالة أو لهدف “كيدي”. وإذ أعرض الاقتراح عن ذكر قضية جريمة المرفأ صراحة في محاولة لتجنّب إثارة حساسيات كتل نيابية وازنة، اكتفى بالإشارة إلى  بروز ممارسات قضائية غير مسبوقة أو مألوفة تُسخر حقّ الخصوم في طلب ردّ القاضي أو تنحيه لعرقلة سير العدالة في ملفات حساسة…”في الآونة الأخيرة. وعليه، أتى هذا الاقتراح وفق واضعه ليضع حدا لهذه الممارسات. 

وقبل المضي في تفنيد الأحكام المقترحة، يجدر التذكير أنّ طلبات الرد المنصوص عنها في قانون أصول المحاكمات المدنية (والتي تطبق على طلبات الرد في القضايا الجزائية) تؤدي تلقائياً إلى تعليق عمل القاضي المطلوب ردّه فور إبلاغه بها، بمعزل عن جدّيتها أو موقف المحكمة الناظرة فيها منها. وعليه، تشكّل مفاعيل هذه الطلبات حالياً حماية مبالغاً بها لحقّ الدفاع وبخاصّة في الدعاوى الجزائية، والتي تتصل ليس فقط بمصالح خاصة إنما بالحق العام أي بحقوق المجتمع وضمنا بالجرائم الأقل كما الأكثر خطورة كجريمة تفجير المرفأ. وعليه، يصبح بإمكان أيّ مدعى عليه أو مدّعي شخصي في أي من هذه القضايا أن يعطل التحقيق فيها وأن يتسبب ربما في ضياع الأدلة والحقيقة وتاليا العدالة. وهذه المخاطر تتفاقم بقدر ما يزيد عدد الخصوم والأطراف في الدعوى، كما هي حال قضية تفجير المرفأ (مئات المدّعين وعشرات المدّعى عليهم). ففي هذه الحالة، يكون لأي منهم تعليق التحقيق من خلال طلب رد المحقق العدلي أو لاحقا طلب رد قضاة المجلس العدلي مهما كانت أسباب الطلب واهية فضلا عن أنه يتعين على المحكمة الناظرة في طلبات مماثلة أن تبلغها لجميع الفرقاء في الدعوى، مما قد يستغرق أسابيع عدة.

كما يجدر التذكير بأن ثمة فارقا سبقت الإشارة إليه مرارا بين مفاعيل طلبات الرد ومفاعيل دعاوى كف يد القضاة لقيامهم بتصرفات تثير ارتيابا حول حياديّتهم (دعاوى النقل) في القضايا الجزائية، حيث أن قانون أصول المحاكمات الجزائية نص صراحة على أن هذا النوع الأخير من الدعاوى لا يعلق التحقيق إلا إذا قررت المحكمة الناظرة فيها صراحة ذلك (م. 342). 

تجريد طلبات الرد من قدرتها التعطيلية

ينص الاقتراح على تعديل المادة 120 من قانون أصول المحاكمات المدنية بحيث يُصبح من غير الجائز تقديم أكثر من طلبٍ واحدٍ لردّ القاضي من قبل الجهة نفسها في القضية نفسها. ويأتي هذا التعديل ليضع حداً لعرقلة عمل القضاة كلّما استشعر أي فريق مصلحة بتعطيل سير دعوى قائمة سواء كان ذلك في الأمور الجزائية أو المدنية، بخاصة أنّ الغرامة الموضوعة على من يظهر كغير محق في الدعوى لا تُشكل رادعاً نظراً لتدنّي قيمتها (بين 200 و800 ألف ليرة لبنانية). وقد استُخدمت هذه الطريقة بشكل خاص من قبل الوزراء السابقين المدعى عليهم في جريمة تفجير المرفأ وبالأخص ثنائي حركة أمل غازي زعيتر وعلي حسن خليل حيث تقدّما بأربعة طلبات الواحد تلو الآخر لرد المحقق العدلي طارق بيطار أمام كل من محكمة الاستئناف ومحكمة التمييز، ما أدّى لعرقلة التحقيق في جريمة المرفأ لفترات عدّة. 

من جهة أُخرى، يسعى الاقتراح لوقف القدرة التعطيلية لطلبات الرد عبر منع التوقف التلقائي عن العمل للقاضي المطلوب ردّه. فالاقتراح يسعى لتعديل المادة 122 من أصول المحاكمات المدنية بحيث لا يتوقّف القاضي تلقائياً عن النظر في الدعوى بمجرّد تبلّغه طلب الرد كما ينص القانون حالياً، بل يجب أن يُقرّر التوقف من عدمه بقرار يُتّخذ من قبل المحكمة المُقدّم لها الطلب خلال ثلاثة أيّام من تاريخ وروده. مقابل ذلك، يُشترط التعديل على القاضي ألّا يُصدر حكماً أو قراراً نهائياً في الدعوى القائمة أمامه قبل البت بطلب الرد برمّته من قبل المحكمة المُقدّم أمامها، مما يؤدي عمليا إلى إبقاء إمكانية التعطيل التلقائي قائمة مع حصر مداها فقط بحيث لا تعطل سير الإجراءات القضائية إنما فقط وصولها إلى خواتيمها. 

بموجب ذلك، سيعود للمحكمة الناظرة بطلبات الرد وحدها أن تُقرّر إيقاف السير بالدعوى من عدمه عقب ورود طلبات الرد، وذلك وفق مدى جدّيتها. ويؤمل من ذلك أن يغلق الباب أمام طلبات ردّ القضاة التي لا تهدف سوى لتعطيل سير الدعاوى من دون أن تكون مبنية على أي سبب جدّي. يتبيّن في هذا الصدد أنّ الاقتراح يذهب لمعالجة طلبات الرد في جميع القضايا المدنية والجزائية من دون أن يميز بينها كما هو الحال حاليا بما يتصل بدعاوى النقل. ويأتي الاقتراح ليؤكد على ذلك في اقتراحه تعديل المادة 52 من أصول المحاكمات الجزائية، حيث أُبقِي على إحالة تنظيم طلبات رد قضاة التحقيق على قانون أصول المحاكمات المدنية مع تعديل يُشدّد على أهمّية الالتزام بعدم تقديم أكثر من طلب ردّ واحد.

أمّا في ما يخصّ طلبات نقل القضاة والتي نصّت المادة 342 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أنها لا توقف بحدّ ذاتها السير بالدعوى كما سبق بيانه وأنه لا يمكن تقديم دعوى نقل ثانية إلا في حال ظهور وقائع جديدة، فقد اكتفى الاقتراح هنا بأن أعطى المحكمة الناظرة في هذه الدعوى إمكانية رد الدعوى في غرفة المذاكرة من دون مباشرة إحراءاتها تبعا لقرار منها بعدم توفر أي وقائع جديدة. 

ثغرتا الاقتراح 

مقابل إيجابيات الاقتراح، نلحظ فيه ثغرتيْن: 

الأولى، أنه نص على عدم جواز اتخاذ القاضي المطلوب رده قرارا نهائيا قبل بت دعوى الردّ. ومن شأن ذلك أن يبقي شبح التعليق قائما في حال تآمر عدد من فرقاء الدعوى لتقديم عدد من طلبات الردّ بتواريخ متلاحقة. وإذ يفهم عدم جواز إصدار قرار نهائي قبل أـن يتسنى للمحكمة النظر بصورة أولية بجديته، فإن تعميم التعطيل مهما كانت الأسباب واهية أمر يبقي احتمالات تعطيل العدالة والتعسف قائمة، وبخاصة في ظل عدم اعتماد وسائل ردعية كافية. وكان من الأنسب أن يلزم الاقتراح المحكمة الناظرة في طلب الرد بالنظر في مدى جديته خلال مهلة معينة على أن يحظر على القاضي المطلوب رده اتخاذ قرار نهائي قبل صدور هذا القرار. 

الثانية، أنه لم يشمل الدعاوى التي قد يقدمها الخصوم ضد الدولة على خلفية أعمال القضاة (المواد 741 الى 761 من أصول المحاكمات المدنية)، علما أن لهذه الدعاوى مفاعيل تعطيلية فورية وتلقائية، بحيث يمنع على القاضي القيام بأي إجراء ضد مقدمها إلى حين حسمها نهائيا.  

الأثر على طلبات الرد المعطّلة للتحقيق في جريمة المرفأ

من شأن هذا التعديل في حال إقراره أن يحدّ من إمكانية تعطيل إجراءات التحقيق في جريمة المرفأ كما يحصل حاليا، حيث يفقد الوزراء المدعى عليهم كما سواهم من الفرقاء في الدعوى إمكانية تقديم أكثر من طلب رد واحد ولا يكون لأيّ طلب الرد قدم أو يقدمونه أي مفعول معطل للتحقيق بحد ذاته. أمّا بالنسبة لمفاعيل طلب الرد المقدم من الثنائي خليل وزعيتر بتعطيل التحقيق الحاصل منذ 23/12/2021، فهي تسقط فور إقرار الاقتراح طالما أنه يسري فوراً على الدعاوى التي لم يكن قد فُصل فيها بعد أو تم من الإجراءات قبل تاريخ العمل بها (م. 5 من أصول المحاكمات المدنية). أي أنّ المحقق العدلي سيعود لاستكمال عمله من دون انتظار قرار المحكمة الناظرة بطلب الرد إلّا أنّه لن يتمكّن من إصدار قراره الظني قبل هذا البت.

إلا أنه وبفعل الثغرات الواردة في الاقتراح لجهة عدم جواز إصدار قرار نهائي (القرار الاتهامي في حالة التحقيق العدلي) في حال وجود طلب ردّ أو أيضا عدم اشتماله دعاوى مخاصمة الدولة، فإن المحقق العدلي سيجد نفسه أمام استحالة السير بالدعوى ضد يوسف فنيانوس الذي قدم دعوى مخاصمة الدولة على خلفية أعماله إلى حين بتها كما سيجد نفسه عاجزا عن الوصول إلى خواتيم عمله (إصدار قرار اتهامي) ما لم يحسم طلب الرد المقدم ضده حاليا أو أي طلب رد قد يصدر عن أي فريق في الدعوى.  

ملاحظة شكلية

أخيرا، يلحظ أنّ الاقتراح تضمن عددا من الأخطاء في أرقام مواد أصول المحاكمات المدنية المذكورة فيه، حيث وردت المادة 120 محل المادة 121 (بخصوص حصر إمكانية تقديم الطلب بمرّة واحدة) والمادة 122 محل المادتين 124 و125 (بخصوص قرار المحكمة بوقف السير بالدعوى من عدمه لحين البت بالطلب).

انشر المقال

متوفر من خلال:

مجزرة المرفأ ، قضاء ، محاكمة عادلة ، المرصد البرلماني ، محاكم جزائية ، البرلمان ، أحزاب سياسية ، إقتراح قانون ، استقلال القضاء ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني