معركة مفتوحة وغير متكافئة لإزاحة بيطار


2022-01-18    |   

معركة مفتوحة وغير متكافئة لإزاحة بيطار
يجلس بكل ثقة في حصنه من دون أن يقيم أي وزن للقانون، والمرفأ منسيّ كرحيل، كشمس على وشك الغروب. (رسم: علي نجدي)

وثّقت “المفكرة القانونية” الأساليب المستخدمة من قبل القوى السياسية الحاكمة خلال العام 2021 لعرقلة التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت وتكريس نظام الإفلات من العقاب. في هذه المقالة، نحلّل المعارك الثلاث التي رشحتْ عنها هذه القضيّة، وهي تباعاً المعركة حول الحصانات (القسم الأوّل) ومعركة فبركة الارتياب بالمحقّق العدلي طارق بيطار (القسم الثاني)، انتهاءً بمعركة إزاحة هذا الأخير بطريقة أو بأخرى (القسم الثالث).

تبعاً للجهود المكثَّفة لفبركة ارتياب مشروع بالقاضي بيطار، بادرتْ القوى المناوئة للتحقيق إلى خطوات عملية لكفّ يد بيطار. وإذ لجأت، بدءاً من أيلول 2021، إلى شتّى أنواع الدعاوى أمام المحاكم، وبخاصّة الدعاوى التي من شأنها وقف التحقيقات بصورة فورية، انتهتْ، بعد فشل الدعاوى الأولى المقدَّمة منها، إلى تصعيد المواجهة ووسائل الضغط المباشر في مسعى منها لفرض ما تراه عادلاً، أو بكلمة أخرى عدالتها الخاصّة. أبرز هذه الوسائل على الإطلاق تمثّلت في تعطيل جلسات مجلس الوزراء لمدة ثلاثة أشهر في نهاية العام 2021، من دون أن ننسى توجيه رسائل إلى بيطار لامستْ، بأقلّ تقدير، التهديد، وصولاً الى تعطيل العدالة برمتّها من خلال عرقلة التشكيلات القضائية الجزئية لرؤساء غرف محكمة التمييز، ما أدّى إلى دخول التحقيق في غيبوبة تامّة منذ بداية العام 2022.

وقد بدتْ هذه القوى في معركة مفتوحة وغير متكافئة لكفّ يد بيطار، غير آبهة بأيّ ضوابط في لعبتها المفتوحة هذه ولا بمظهر اللاتكافؤ، الذي بات فاقعاً أكثر في ظلّ تخلّيها عن هذه الضوابط. ويُلحَظ أنّ هذه القوى عمدت، عموماً، إلى تصعيد الخطاب الاتهامي ضدّ بيطار، وبخاصّة لجهة انخراطه في مخطَّطات سياسية وتماهيه مع المحور الأميركي كلّما كانت تتهيأ لتصعيد وسائل الضغط، في مسعى منها لتبرير هذا التصعيد في معركتها المفتوحة وغير المتكافئة بحق شخص واحد، أقلّه بعيون جمهورها.

استراتيجية تكثيف التقاضي

في موازاة تطوّر خطاب سياسي ضدّ بيطار، وفق ما سبق بيانه، بادر الوزراء المدّعى عليهم إلى تقديم مجموعة من الدعاوى بشكل منسَّق ومنظَّم أمام عدد من الهيئات القضائية. وقد تنوّعت الدعاوى بقدر ما تنوّعت الأهداف منها. وهذا ما سنحاول إبرازه أدناه في أقسام ثلاثة، نستعيد فيها أنواع الدعاوى المقدَّمة (1) والأسباب التي استندتْ إليها (2) قبل أن نعرض مواقف المحاكم منها (3). ونسارع هنا إلى التذكير أنّ المحاكم المعنية أبدتْ، عموماً، حرصاً على الحؤول دون تعطيل التحقيق، وإن نجحت القوى المناوئة له في خرق هذا الاتجاه العام، وبخاصّة من خلال انتداب القاضي حبيب مزهر لمهمّة قضائية بصورة ملتبسة وفق ما نسهب في تبيانه أدناه. إلّا أنّها لم تنجح في فرض وقف التحقيق لفترات طويلة سوى من خلال تعطيل الهيئة العامّة لمحكمة التمييز لمنعها من البتّ بالدعاوى المرتبطة بالتحقيق والعالقة أمامها.

وقبل المضي بتفنيد الدعاوى المقدمة من الوزراء المدّعى عليهم، تجدر الإشارة إلى أن استراتيجية التقاضي بوجه بيطار التي اعتمدها هؤلاء بهدف عرقلة التحقيق في جريمة المرفأ جاءت مشابهة تماماً في عمقها مع مساعي عرقلة التحقيقات في القضايا المالية المساقة بوجه المصارف وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه والتي استهدفت القضاة الذين توّلوا التحقيقات في هذه الجرائم المالية. وعليه، فإنّ أيّ قراءة موضوعية لهذه الإجراءات والمعطيات تبيّن أنّ الهدف المشترك منها هو تكبيل القضاء وتحصين منظومة الإفلات من العقاب في مواجهة القضاة الذين تجرّأوا ويتجرّؤون عليها.[1]

1.   هستيريا الدعاوى لمحاصَرة المحقّق العدلي

أوّل الدعاوى المقدَّمة ضدّ القاضي طارق بيطار كانت طلب نقل الدعوى للارتياب المشروع، قدّمها المدّعى عليه يوسف فنيانوس في 22/9/2021، علماً أنّ الدعوى تضمّنت أيضاً طلباً من المحكمة بكفّ يد بيطار عن التحقيق لحين البتّ فيها، طالما أنّ تقديم هذه الدعوى لا يؤدي بحدّ ذاته إلى هذه النتيجة. وفي حين بدأ التشكيك بالقاضي بيطار من قِبل الوزراء المدّعى عليهم قبل ذلك بكثير، فقد جاء توقيت هذه الدعوى تبعاً لحدث مباشر، هو إصدار مذكرة توقيف غيابية بحقّ فنيانوس في 16 أيلول. وقد أثار تقديم هذه الدعوى قلقاً من تكرار السيناريو الذي أدّى إلى عزل سلفه صوّان في شباط 2021 تبعاً لدعوى مماثلة، قدّمها آنذاك علي حسن خليل وغازي زعيتر. وقد زاد منسوب القلق بعدما ظهر أنّ هذه الدعوى تندرج ضمن توجّه منسَّق لفنيانوس وسائر الوزراء المدّعى عليهم بهدف كفّ يد بيطار، بخاصّة أنّ تشكيل حكومة نجيب ميقاتي ومنحها الثقة قبل يومين من الدعوى أدّيا إلى إنهاء الدورة الاستثنائية الحكمية لانعقاد المجلس النيابي، وتالياً إلى إسقاط الحصانة النيابية المؤقَّتة التي كان يتحصّن بها ثلاثة منهم آنذاك، هم المشنوق وخليل وزعيتر، وهو الأمر الذي سمح لبيطار أن يحدّد لهم مواعيد جلسات تحقيق في 30 أيلول و1 تشرين الأوّل 2021.

عليه، وفي موازاة هجومٍ إعلامي وسياسي كبير، قدّم كلّ من المشنوق وزعيتر وخليل طلبيْن لردّ المحقق العدلي في 24/9/2021 أمام محكمة الاستئناف في بيروت. ويُذكَر أنّ من شأن هذا النوع من الطلبات أن يؤثر أكثر على التحقيق من دعوى النقل المقدمة من فنيانوس، طالما أنّ إبلاغ المحقق العدلي بها يؤدّي إلى كفّ يده عن التحقيق بصورة فورية، بموجب المادة 125 من قانون أصول المحاكمات المدنية، وذلك بمعزل عن مدى صحّتها. وما زاد من خطورة هذه الطلبات أنّها تحصل في سياق تحقيق يضمّ مئات المدّعين والمدّعى عليهم، الذين يجدر بالمبدأ إبلاغهم جميعاً قبل النظر فيها، ممّا قد يستغرق أسابيع ويؤدي بالنتيجة، بأقلّ تقدير، ليس فقط إلى تطيير جلسات الاستجواب التي حدّدها المحقّق العدلي، بل أيضاً إلى تعليق التحقيق بأكمله لآمادٍ طويلة. وقد ذكّرت “المفكرة القانونية” أنّ هذه الدعاوى تنمّ عن تعسّف في ممارسة الدفاع، ليس فقط في مضمونها وأهدافها، إنّما أيضاً بالنظر إلى الاجتهاد السابق لمحكمة الاستئناف بإعلان عدم اختصاصها للنظر في ردّ المحقق العدلي، بخاصّة في قرارَيْها الصادرَيْن في تاريخ 28/8/2007 و1/8/2007، وذلك في معرض الطلبَيْن اللذَيْن قُدِّما ضد المحقق العدلي الناظر في قضية اغتيال رفيق الحريري الياس عيد[2]. وقد قضت محكمة استئناف بيروت بردّ الطلبَيْن في 4/10/2021 لعدم الاختصاص. كما يُشار إلى أنّ طالبي الردّ خالفوا قاعدة شكلية أخرى، نصّ عليها قانون أصول المحاكمات المدنية، تُوجِب تقديم طلبات الردّ خلال 8 أيّام من وقوع سبب الردّ أو العلم به.

وفي حين لم ينجح هذان الطلبان في تعطيل التحقيق لأكثر من أسبوع، وفق ما نبيّنه لاحقاً، بفعل حسن إدارة المحكمة للملف، فتح ردّهما المجال أمام ما أمكن تسميته هستيريا الدعاوى، التي يختلف موضوعها وشكلها وإن رمَتْ إلى نتيجة واحدة وهي كفّ يد بيطار. لا بل إنّ هذه الهستيريا تمدّدت لتشمل دعاوى ومساعي لكفّ يد المحاكم والقضاة الذين انتهوا إلى ردّ هذه الطلبات والدعاوى. كما انضمّ لاحقاً ثلاثة من المدّعين (اثنان من ذوي الضحايا وأحد المصابين) وسبعة من المدّعى عليهم الموقوفين إلى تقديم هذا النوع من الدعاوى. وقد  استمرّ تقديم هذه الدعاوى، بخاصّة بعدما حُدِّدَت الهيئة العامّة لمحكمة التمييز في 25/11/2021 المرجع الصالح للبتّ بدعاوى ردّ المحقق العدلي، بناء على طلب قدّمه زعيتر وخليل بهذا الخصوص..

انطلاقاً من ذلك، بالإضافة إلى طلبيْ الردّ المقدَّميْن أمام محكمة الاستئناف، قدّم الوزراء المدّعى عليهم الطلبات والدعاوى الآتية في محاولة لكفّ يد بيطار عن التحقيق:

  • –      3 طلبات ردّ أمام محكمة التمييز. قد قدّم أوّل هذه الطلبات خليل وزعيتر في تاريخ 8/10/2021 بعد 5 أيام من طلب ردّ مماثل، كانا قدّماه أمام محكمة الاستئناف. وقد هدف هذا الطلب إلى تعطيل جلسات استجوابهما التي كان المحقّق العدلي حدّدها في تاريخَيْ 12 و13 تشرين الأوّل. وإذ ردّت محكمة التمييز (الغرفة الخامسة برئاسة القاضية جانيت حنّا) هذا الطلب لعدم الاختصاص، عاد خليل وزعيتر ليقدّما في 11/10/2021 طلب ردّ ثانيًا، أُحيل إلى الغرفة الأولى برئاسة القاضي ناجي عيد. وإذ ردّت هذه الغرفة الطلب أيضاً لعدم الاختصاص، بعد أيام من إبلاغِه للمحقّق العدلي، طلب خليل وزعيتر في 27/10/2021 من الهيئة العامّة لمحكمة التمييز تعيين المرجع الصالح للنظر في طلبات الرد. وإذ أناطت هذه الأخيرة بمحكمة التمييز هذه الصلاحية، عاد الثنائي وطلبا من محكمة التمييز (الغرفة الأولى) إعادة رؤية دعوى الردّ المقدّمة منهما سابقاً وذلك في تاريخ 16/12/2021 والسير بها. وفي حين باشرت الغرفة عملها، وعُلِّق التحقيق للمرّة الرابعة في 23/12/2021، عاد الثنائي وقدّما دعوى ردّ بحق رئيس الغرفة ناجي عيد والمستشارة روزين غنطوس في 4/1/2022. وبعد رفض هذه الدعوى الأخيرة في 15/2/2022، عادا وتقدمّا في 21/2/2022 بدعوى مخاصمة ضد القاضي عيد أمام الهيئة العامّة لمحكمة التمييز التي فقدت نصابها، ممّا أدّى إلى منع عيد من البت بطلب الردّ وتجميد التحقيق لغاية كتابة هذه الدراسة.
  • –      4 دعاوى نقل للارتياب المشروع أمام محكمة التمييز. وقد تقدّم بها بعد فنيانوس، كما أوضحنا أعلاه، كل من المشنوق في تاريخ 8/10/2021 وأحد المصابين (27/10/2021) وأحد ذوي الضحايا (10/12/2021).
  • –      3 دعاوى مخاصمة الدولة على خلفية خطأ المحقق العدلي أمام الهيئة العامّة لمحكمة التمييز. وقد تقدّم بها تباعاً رئيس الحكومة السابق حسّان دياب في تاريخ 27/10/2021 والمشنوق في اليوم التالي وفنيانوس في 2/12/2021، مما يؤشر إلى التنسيق العالي في الخطوات بين المدّعى عليهم. وإذ تهدف هذه الدعاوى إلى إبطال القرارات الصادرة عن المحقق العدلي بالادّعاء على المستدعين بسبب وجود خطأ جسيم، فإنّ الهدف المباشر لها تمثّل في كفّ يد بيطار عن اتّخاذ أيّ إجراء بحقّهم إلى حين البتّ بها. كما قُدّمت 4 دعاوى لمخاصمة الدولة عن أعمال قضاة محكمتَيْ التمييز والاستئناف من خليل وزعيتر، توالياً، لرفضهم طلبات الردّ التي تقدّم بها الثنائي بحق بيطار أو بسبب القرارات الإدارية التي اتخذوها في معرض نظرهم بطلبات الردّ.
  • طلبان جديدان لردّ بيطار أمام محكمة استئناف بيروت. رغم قرارات محكمة الاستئناف بإعلان عدم اختصاصها للنظر في طلبات ردّ المحقق العدلي، عاد فنيانوس ليقدّم بصورة مفاجئة طلباً جديداً أمامها في تاريخ 26/10/2021، وتبعه زعيتر وخليل في 28/10/2021. وقد عمد الوزراء الثلاثة إلى تقديم طلبات ردّ ضد قضاة محكمة الاستئناف الناظرة في طلبات الردّ. وفي حين رفضت المحكمة في 20/12/2021 طلب زعيتر وخليل لقوة القضية المحكومة بدون تعليق التحقيق، ذهب طلب فنيانوس في منحى آخر. وإذ بدا هذا الطلب من دون أفق ومجرّد رصاصة طائشة، فإنّه أثبت فعاليّته أكثر من أيّ طلب آخر، نظراً إلى تعليقه التحقيق لمدة تجاوزت الشهر، وفق ما نبينه أدناه عند النظر في توجّهات المحاكم بشأن هذه الطلبات والدعاوى.

في المحصّلة، وبالإضافة إلى دعوى كفّ يد صوّان، يكون عدد الدعاوى المقامة حصراً من الوزراء المدّعى عليهم قد وصل إلى 12 دعوى قُدّمت ضد بيطار و9 دعاوى قُدّمت ضد القضاة الذين اتخذوا قرارات برفض كفّ يده ليصبح المجموع 21 دعوى. وقد تصدّر خليل وزعيتر قائمة المدّعين بـ 11 دعاوى، ويتبعهما فنيانوس بـ 6 والمشنوق بـ 3 مقابل دعوى يتيمة من دياب.

2.   الأسباب التي انبنتْ عليها الدّعاوى

قد يُصاب مَن يقرأ الدعاوى التي تقدّم بها الوزراء المدّعى عليهم بالملل عند قراءته حججاً ومطالب متكرّرة ومتشابهة عند كلّ دعوى، رغم اختلاف طبيعة هذه الدعاوى والمراجع التي قُدّمت أمامها. فقد استندتْ الدعاوى في أغلبها إلى ثلاث ركائز هي: 1) مخالفة القاضي بيطار المادتَيْن 70 و71 من الدستور، وتالياً انتفاء صلاحيته لملاحقة الرؤساء والوزراء؛ 2) ارتياب بحيادية بيطار جرّاء تصريحات صحفية منسوبة إليه وتحليلات إعلامية؛ و3) الدخول في أساس الدعوى لنفي أيّ مسؤولية عن المدّعى عليهم.

ومجرّد استخدام الحجج نفسها في طلبات الرد، كما في دعاوى النقل للارتياب المشروع ومخاصمة الدولة عن أعمال القضاة، إنّما يعكس تعسّفاً في اللجوء إلى القضاء، طالما أنّ هذه الدعاوى تفترض توفّر شروط مختلفة لقبولها.

–        مخالفة المادتَيْن 70 و71 من الدستور:

أجمعت الدعاوى المذكورة على نفي صلاحية المحقق العدلي لملاحقة المدّعى عليهم استناداً إلى المادتَيْن 70 و71 من الدستور، لأنّ صلاحية اتّهامهم تعود للمجلس النيابي، في حين تعود صلاحية محاكمتهم للمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. وقد سارع هؤلاء إلى اعتبار قرارات بيطار تجاوزاً لهذه الصلاحيات وسبباً للارتياب المشروع في حياديته. والملفت أنّ بعضهم لجأ إلى تقديم دعوى الارتياب على هذا الأساس، حتى قبل أن يثير هذه المسألة في إطار الدفاع التمهيدي (الدفع الشكلي) أمام المحقق العدلي نفسه.

وفي السياق نفسه، استهجن عدد من المدّعى عليهم ما أسموه تجاهل المحقق العدلي طلب الاتهام النيابي، علماً ألّا قيمة قانونية لهذا الطلب في مسار التحقيق قبل أن يُصوّت عليه المجلس النيابي ويُنشئ لجنة التحقيق الخاصة به، وهو ما عجز المجلس النيابي عنه بعد سقوط الجلسة المخصَّصة لذلك[3] في آب 2021 لعدم اكتمال النصاب. وهذا ما أشار إليه بيطار بوضوح في قرار ردّ الدفوع الشكلية المقدَّمة من فنيانوس.

وقد أخذ دياب على بيطار في دعوى مخاصمة الدولة مبالغته في توصيف الأفعال المنسوبة إليه (الاشتراك بالقتل على أساس القصد الاحتمالي) بهدف تجاوز حصانته معتبراً أنّه كان يجب عليه إقامة الدليل على وجود القصد الاحتمالي لا أن يُترك للتقدير والاقتناع والاستنتاج.

–        ارتياب بحيادية بيطار جرّاء تصريحات صحافية منسوبة إليه وتحليلات إعلامية

إلى ذلك، ارتكزت هذه الدعاوى على ما يدور في الإعلام حول مسار التحقيق، سواء كان ذلك عبر الارتكاز على تصريحات منسوبة للقاضي بيطار، أو (وهو الأمر الأغرب) بناء على تحاليل محلّلين سياسيين على مواقع إلكترونية. ومن الملفت جداً في هذا الإطار أنّ طلب ردّ بيطار، من قِبل زعيتر وخليل في 24/9/2021، استند إلى مقالة كتبها المحلل السياسي في موقع “Lebanon Debate”، ميشال نصر، جاء فيها أنّ بيطار متيقّن باستحالة إقالته لتمتّعه بدعم خارجي، علماً أنّ المقالة تندرج ضمن خانة التحليل السياسي، من دون أن يتوفر أيّ دليل على تصريح بيطار بذلك. وفي السياق نفسه، اعتبر خليل وزعيتر في طلب الرد، الذي قدّماه في 11/10/2021، أنّ بيطار يتمتّع بـ “حظوة” التأييد الخارجي مستندَيْن إلى بيان صادر عن نائبَيْن من لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي.

كما لجأ المدّعى عليهم إلى تصريحات منسوبة إلى بيطار لاتهامه بالشعبوية أو بخرق سرية التحقيق، كما هي حال طلب نقل الدعاوى المقدَّم من يوسف فنيانوس في 22/9/2021، الذي استند إلى تصريحات صحافية منسوبة إليه حول مدير عام الأمن العام عبّاس إبراهيم، وتصريح بأنّه متعاطف مع أهالي الضحايا، وأيضاً في طلب الرد المقدَّم من الثنائي زعيتر وخليل أمام محكمة التمييز في تاريخ 11/10/2021، حيث ذهبا إلى حدّ القول إنّ على المحقق العدلي “أن يُقيم عازلاً سميكاً بينه وبين الرأي العام الهائج (…) كي لا يسمع صراخه وأنينه ويتأثّر به على حساب الحقيقة والقانون والعدالة”. وقد اعتبر الوزراء المدّعى عليهم، عموماً، أنّ التصريحات المنسوبة إلى بيطار توحي بوجود رأي مسبق لدى المحقق العدلي بحقّهم.

وقد تلاقت هذه الحجج مع ما أدلى به عدد من مدراء المصارف في معرض طلب النقل الذي تقدمّوا به بوجه القاضية أمانة سلامة حيث استندوا إلى تصريحاتها الإعلامية بصفتها رئيسة لنادي قضاة لبنان حول الانهيار المالي والاقتصادي ومسبّباته للإدلاء بالارتياب المشروع بحياديتها.[4]

–        الدخول في أساس الدعوى

ركيزة أخرى من ركائز الدعاوى الموازية كانت محاولة تفصيل الوزراء المدّعى عليهم للوقائع ودخولهم في أساس الدعوى، في إطار سعيهم لنفي مسؤولياتهم والإيحاء بحصول كيدية ضدّهم من قِبل المحقق العدلي.

وقد ادّعوا قيامهم بجميع ما يترتّب عليهم من واجبات قانونية لتفادي الكارثة، كإحالة المراسلات التي وردتهم والتذكير بمحدودية صلاحياتهم. وكان المشنوق الأكثر استطراداً واهتماماً بهذه النقطة، إذ خصّص قسماً كبيراً من طلباته ودعاويه لهذه الغاية، وكأنه يقدّم من خلالها دفاعاً عن سمعته أمام الرأي العام في موازاة رفضه المثول أمام القضاء غير المختصّ لمحاكمته، وفق تقديره. وهنا أيضاً يُسجَّل أنّ الوزراء المدعى عليهم آثروا الدفاع عن أنفسهم بهذه الطريقة، وذلك في معرض دعاوى هدفت إلى حجب اختصاص المحقق العدلي في الاستماع إليهم، والأهمّ أمام محاكم ليس لها أيّ صفة للنظر في مدى صحّتها.

وقد ذهب المشنوق إلى حدّ التساؤل حول وجود نوايا مبيَّتة لدى بيطار تجاهه (وقد أعاد هذه العبارة مرات عدة في طلب الرد المقدَّم منه أمام محكمة استئناف بيروت) و/أو مودّة لديه للجهة المدّعية (ذوي الضحايا). وقد ورد حرفياً في هذا الطلب أنّ: “النوايا المبيتة لدى القاضي بيطار لم تقفْ عند حد المودّة للمدّعية وإنّما وصلتْ إلى حدّ العداوة المباشرة والشخصية للموكل والانتقام منه، عبر الإساءة لسمعته وكرامته وإحضاره إلى التحقيق وإذلاله أمام الرأي العام”.

وفي حين كانت هذه التوجّهات هي السائدة في هذه الدعاوى، تضمّن بعضها حججاً أخرى اتّصلت بوضعية خاصّة لهذا المدّعى عليه أو ذاك. فمثلاً، أثار يوسف فنيانوس حججاً تتصل بصفته كمحامٍ. فقد أعاب فنيانوس على المحقق العدلي في دعوى النقل للارتياب المشروع به، تعيينه جلسة استجواب له قبل تبلّغه رسمياً قرار النقابة بمنحه الإذن لملاحقته، أو أيضاً تبليغه لصقاً رغم تبليغ وكيله بموعد إحدى الجلسات متّهِماً إيّاه بالقيام، عن طريق الغش، بتقرير صحة التبليغ، إضافةً إلى اعتراضه على إجراءات قام بها بيطار خلال جلسة حضرها وكيله، ورفض فيها بيطار تأجيل الجلسة المخصصة للاستجواب، وصولاً إلى إصدار مذكرة توقيف بحقّه في نهايتها. كما أعاب فنيانوس على بيطار أنّه اكتفى بالادّعاء على 5 من أصل 12 وزيراً كانت قد وردت أسماؤهم في كتاب المحقق العدلي السابق، مستكملاً مسلسل الاتهام بالاستنسابية، وهو الأمر نفسه الذي أورده خليل وزعيتر في دعوى الرد التي تقدّما بها أمام محكمة التمييز في تاريخ 11/10/2021، التي تميّزت بعديد النعوت لعمل بيطار في هذا الصدد كالاستنساب والانتقاء والانحياز.

وقد تميزت دعوى خليل وزعيتر بأنّها تطرّقت إلى موضوع مهلة الثمانية أيام من وقوع سبب الرد أو العلم به، الممنوحة لإقامة الدعوى، حيث اعتبرت أنّ هذه المهلة تُقطع بالإجراءات القضائية التي يتقدّمان بها. وقد استندا تبعاً لذلك إلى أفعال، نسباها لبيطار تعود لعدّة أشهر، للطعن بحيادية بيطار.

أمّا المشنوق، فتميّز طلب النقل الذي تقدّم به في 8/10/2021، إضافةً لما ذُكر سابقاً بأمرَيْن؛ الأوّل، أنّه أعاب على المحقق العدلي إصراره على استجوابه كمدّعى عليه قبل سماع أقواله كشاهد، رُغم ألّا شيء يمنع المحقق العدلي من ذلك قانوناً أو يلزمه بالاستماع إلى أقوال أيّ شخص كشاهد قبل الادّعاء عليه. بل على العكس، يكون من واجب القضاء استدعاء الأشخاص الذين تتوفر بحقهم شبهات هامّة كمُدّعى عليهم وليس كشهود تمكيناً لهم من الدفاع عن أنفسهم واصطحاب محامٍ. أمّا الأمر الثاني الذي أثاره المشنوق فمفاده ألّا صلاحية أصلاً للمجلس العدلي للنظر بهذه الدعوى، لكونها لا تدخل ضمن الجرائم المنصوص عليها في المادة 356 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، التي تحصر اختصاص المجلس العدلي في النظر في الجرائم المنصوص عليها في المواد 270 حتى 336 من قانون العقوبات، وأنّ المواد المدّعى بها عليه تخرج عن هذا النطاق.

كما من الملفت أخيراً، أنّ حجج المشنوق تجاوزتْ أسباب ارتيابه بالقاضي لتصل إلى ارتياب بشروط المحاكمة العادلة، في ظل الإجراءات الاستثنائية المطبَّقة في التحقيق في الجرائم المحالة إلى المجلس العدلي أو في محاكمتها، وبخاصّة في ظل أحادية درجة المحاكمة وعدم قابلية قرارات المحقق للاستئناف. ومع تسليمنا بسدادة هذه الحجة التي تخوَّفنا منها[5] منذ إحالة الدعوى إلى المجلس العدلي، إنّها تشكل ارتياباً بحق الكتل النيابية والنواب (ومنهم المشنوق)، حيث لم يتقدّم أيّ منهم بأيّ اقتراح قانون لإلغاء المحاكم الاستثنائية من منطلق التأكيد على شروط المحاكمة العادلة. ويُسجَّل هنا أنّ المشنوق لم يقدّم طوال ولايته النيابية حتى الآن أيّ اقتراح قانون وفق ما وثّقه المرصد البرلماني في “المفكرة” في تقريريْه حول أعمال البرلمان لعامَيْ 2019 و2020[6] ولعام 2021.[7]

3.   كيف تعاملتْ المحاكم مع هذه الدعاوى؟

بخلاف ما انتهتْ إليه محكمة التمييز في الدعوى المقامة على المحقق العدلي فادي صوّان، ساد توجّهٌ عام، ليس نحو رد الطلبات والدعاوى الرامية إلى كفّ يد بيطار لأسباب مختلفة فحسب، بل أيضاً نحو حماية التحقيق من مساعي العرقلة والتعليق، التي تميزت بها معظم هذه الدعاوى. ولكن ورغم ذلك، بقيت القرارات الصادرة عن هذه المحاكم على قدر من الحذر تجنّباً لانغماسِها، هي الأخرى، في مواجهة مع القوى السياسية المناوئة للتحقيق. وحده القاضي حبيب مزهر، وهو القاضي المعيّن حديثاً عضواً في مجلس القضاء الأعلى، خرق هذا التوجّه العامّ، ممّا أسفر عن عرقلة التحقيق لأكثر من شهر، هذا ما سنتناوله أدناه.

–        الاجتهاد لحماية التحقيق

تمثّل الاجتهاد الأبرز في القرارات الصادرة ردّاً على طلبات الردّ التي تقدّم بها تباعاً الوزراء المدّعى عليهم ما عدا دياب. ففي حين تخضع هذه الطلبات لقانون أصول المحاكمات المدنية، فإنّ المحاكم درجَتْ، طبقاً لأحكام هذا القانون، على إبلاغ الطلب للقاضي المطلوب ردّه وسائر الخصوم في الدعوى تمكيناً لهم من إبداء تعليقاتهم عليها، على أن يمتنع هذا القاضي عن اتخاذ أيّ إجراء في الدعوى إلى حين بتّ الطلب. وبذلك، تميّزت مفاعيل طلبات الردّ عن مفاعيل دعاوى النقل من حيث أنّها تؤدي تلقائياً إلى تعليق عمل القاضي موضوعها، بمعزل عن جدّيتها أو موقف المحكمة الناظرة فيها منها، كما سبق بيانه. وعليه، تشكّل مفاعيل هذه الطلبات حماية مبالغاً بها لحقّ الدفاع وبخاصّة في الدعاوى الجزائية، طالما أنّ من شأنها أن تؤدّي إلى مخاطرَ على صعيد الحق العام وحقوق سائر الخصوم فيها. وهذه المخاطر تتفاقم بقدر ما يزيد عدد الخصوم والأطراف في الدعوى، كما هي حال قضية تفجير المرفأ (مئات المدّعين وعشرات المدّعى عليهم)، حيث يتعيّن إبلاغهم جميعاً أوراق الدعوى وانتظار تعليقاتهم عليها، ما قد يستغرق أسابيع عدة. وهي مخاطر تزيد مجالات التعسّف، بحيث يكون لأيّ طرف فيها تعليق التحقيق متى أراد مهما كانت مطالبه واهية.

فماذا فعلتْ محكمتا الاستئناف والتمييز التي قُدِّمَت إليهما هذه الطلبات؟ وكيف تصدّتا للتعسّف في تقديم طلبات مماثلة أمامهما بغياب أيّ نص يولي أيّاً منهما اختصاص النظر فيها، طالما أنّهما تنظران في الطلبات المقدَّمة لردّ القضاة التابعين لهما حصراً، فيما أنّ المحقق العدلي لا ينتمي إلى أيّ منهما، إنّما يعمل ضمن هيئات محكمة استثنائية (المجلس العدلي)؟ هل استمرّت على ما دأبت عليه أم اجتهدت للحؤول دون تعسّف الوزراء المدّعى عليهم منعاً لتعطيل التحقيق في إحدى أخطر الجرائم المرتكبة في لبنان؟

هنا يُسجّل موقفٌ بالغ الأهمية، تمثّل في ردّ الطلبات من دون إبلاغ القاضي أو الفرقاء، على اعتبار أنّها وردت إلى محاكم ليس لها، بداهةً، أيّ اختصاص للنظر فيها.

أوّل الإجراءات في هذا الإطار، القراران اللذان أصدرتْهما محكمة استئناف بيروت (الغرفة 12 برئاسة القاضي نسيب إيليا وعضوية المستشارتَيْن ميريام شمس الدين وروزين حجيلي) في تاريخ 4/10/2021 بردّ طلبَيْ الردّ المقدّمين ضدّ المحقق العدلي من قِبل المشنوق والثنائي زعيتر وخليل. ويُلحَظ أنّ محكمة الاستئناف ردّت الطلبيْن خلال أقلّ من 10 أيام من تقديمهما، مُعلِّلة إسراعها في ذلك بالنتائج الوخيمة التي قد تنشأ عن وقف التحقيق في هذه الجريمة “الصادمة” للمجتمع، وبخاصّة في ظلّ بداهة عدم اختصاص المحكمة للنظر فيهما. وقد أكّدت المحكمة للوصول إلى هذه النتيجة أنّ القانون خلا من أيّ نصّ صريح يولي محكمة الاستئناف النظر في طلب ردّ أو تنحّي المحقّق العدلي (الذي لا يتبع لها، بل هو “جزء من المجلس العدلي”، الهيئة القضائية الاستثنائية)، وأنّه لا يعود لهذه المحكمة أن تملأ الفراغ التشريعي لتحديد مَن تعود إليه صلاحية النظر في هذه الطلبات. وما ساعد المحكمة في تبرير قرارها هو الخطأ الإجرائي الذي ارتكبه المدّعون بتخلّفهم عن ذكر أسماء الجهات الواجب إبلاغها الدعوى (المدّعون والمدّعى عليهم). لا بل ذهبت المحكمة إلى حدّ معاتبة الكاتب في قلمها ضمناً في متن قرارها لمبادرته إلى تبليغ المحقّق العدلي طلب الردّ المقدَّم من المشنوق خلافاً لتعليماتِها[8]، الأمر الذي أدّى إلى وقف بيطار عمله طوال أسبوع. ولم تكتفِ المحكمة بذلك، بل عمدت إلى الحكم على المدّعين بتسديد غرامة 800 ألف ليرة، الحدّ الأقصى المنصوص عليه قانوناً، وذلك تدليلاً على تعسّفهم في تقديم طلبات الرد.

في الاتجاه نفسه[9]، ذهبت الغرفة الخامسة لمحكمة التمييز (برئاسة القاضية جانيت حنّا وعضوية المستشارَيْن جوزيف عجاقة ونويل كرباج) في تاريخ 11/10/2021. وقد تعاملتْ مع الطلب على غرار ما فعلته محكمة استئناف بيروت، في اتجاه ردّه لعدم الاختصاص، مع اعتماد الإجراءات المناسبة لمنع تحوّله إلى أداة لعرقلة التحقيق العدلي. ولإعلان عدم اختصاصها، اعتمدتْ محكمة التمييز تعليلاً مباشراً جاء فيه أنّ “القاضي العدلي (…) ليس من عداد قضاة محكمة التمييز (…) وأنّ طلب ردّه لا يقدَّم أمام هذه المحكمة وفق المادة 123 من قانون أصول المحاكمات المدنية”. وبنتيجة ذلك، رأت المحكمة أن ليس لها “أن تضع يدها على طلب الردّ وأن تسير بإجراءاته (…) إذ إنّ حسن سير العدالة ينفي إمكانية تقرير إبلاغ طلب الرد وترتيب النتائج الملازمة له، وأهمّها توقّف القاضي عن متابعة النظر في القضية”.

وقد ذهبت في الاتجاه نفسه غالبية أعضاء الغرفة الأولى لمحكمة التمييز (المكوّنة من رئيسها القاضي ناجي عيد والمستشارة روزين غنطوس) في تاريخ 14/10/2021، وذلك لكون المحقق العدلي ليس من قضاتها، وذلك بعد تردّد تَمَثَّل في إبلاغ القاضي بيطار الطلب، ممّا أدى إلى وقف التحقيق ليومين. وقد أسفر هذا التردد عن الإطاحة بجلسات استجواب المشنوق وزعيتر وخليل التي كانت مقرّرة في 12 و13 تشرين الأوّل. يُذكَر في هذا الخصوص أنّ المستشارة ليليان سعد خالفت هذا القرار، معتبرةً أنّ لمحكمة التمييز الصلاحية بالنظر في الطلب.

وتجدر الإشارة إلى أنّ الغرفة الرابعة لمحكمة التمييز (برئاسة عفيف الحكيم وعضوية مهى فياض ونويل كرباج) ذهبتْ في 13 نيسان 2022 إلى ردّ طلب قدمته زوجة أحد الضحايا بردّ المحقق العدلي القاضي طارق بيطار، مستندةً على أنّ كلّ الأفعال التي عابتها المدعية على المحقق العدلي حصلت قبل أكثر من ثمانية أيام من تقديم طلبها، وهي المهلة التي كان يجب تقديم هذا الطلب خلالها تحت طائلة سقوطه وفق المادة 124 من قانون أصول المحاكمات المدنية. وهذا المؤشر إيجابي لأنّه يجرّد عملياً الخصوم من إمكانية تقديم طلبات ردّ تعسفية إضافية عن أي فعل حصل قبل أكثر من ثمانية أيام، وأهمّها الادعاء ضد الوزراء السابقين الحاصل قبل أشهر من تاريخه.

النفس الحمائي للتحقيق نفسه نجده في القرار الصادر عن الغرفة الجزائية السادسة في محكمة التمييز (برئاسة القاضية رندة كفوري وعضوية المستشارَيْن رولا مسلّم وفادي العريضي) في تاريخ 25/11/2021، برد دعوى النقل للارتياب المشروع التي تقدّم بها فنيانوس. فقد بدا القرار بمثابة تصويب لعدد من المغالطات المستخدَمة بشكل واسع للطعن بحيادية المحقق العدلي. ومن أهمّ ما تضمّنه القرار في هذا الخصوص، أنّ “الانتقائية والتعمية المُشار إليهما لا يُمكن التحقّق منهما في هذه المرحلة وقبل اختتام التحقيق”. فعلى بساطتها، تأتي هذه الحيثية لتردّ ببلاغة على كلّ الاتهامات الموجَّهة إلى القاضي بالاستنسابية، في حين أنه لا يزال في معرض التحقيق الذي لم ينتهِ بعد. أمرٌ آخر أشارتْ إليه المحكمة، لا يقلّ أهميّة، هو أنّ “مسألة الارتياب المشروع بالقضاة هي من الأهميّة بصورة لا يُمكن إسناد أسبابها إلى ما يُمكن أن يُسمع أو يُشاع، ولا يُمكن التعويل على ما يصدر عن طرف في الدعوى من تصريحات لا شأن للقاضي فيها أو تحليلات إعلامية، لاستنتاج انحيازه (…) مع الإشارة إلى أنّ ما نُسب للقاضي بيطار من تصريح (…) وهو غير ثابت – لا يوحي بانحياز”. وهذه الحيثية إنّما تردّ على خطاب سياسي رائج يقوم على تحميل بيطار مسؤولية الاتهام السياسي أو الإعلامي لهذا الطرف أو ذاك. النفس الحمائي والبيداغوجي نفسه نتلمّحه في قرار الغرفة نفسها في 15/11/2021 بردّ دعوى النقل التي تقدّم بها المشنوق. وكما في طلب فنيانوس، أعادتْ المحكمة التذكير، ردّاً على ما اعتبره المشنوق “تعمية”، بأنّ المحقّق العدلي لم يتّهم أو يظنّ به بعد، وأنّ للمشنوق أن يدلي بدفوعه ودفاعه في الأساس أمام المحقق العدلي، كما أنّ له أن يدفع بعدم الصلاحية أمام المحقق العدلي أو المجلس العدلي، إذا ما تم الظن به أو اتهامه.

كما يُسجَّل صدور قرارَيْن عن الهيئة العامّة لمحكمة التمييز المكوّنة من القضاة سهيل عبود (رئيساً) وروكس رزق وسهير الحركة وعفيف الحكيم وجمال الحجار (مستشارين) في تاريخ 25/11/2021 بردّ دعويَيْ مخاصمة الدولة على خلفية أعمال المحقق العدلي، والمقدّمتَيْن من قِبل دياب والمشنوق، وإلزام كلّ منهما بدفع مبلغ مليون ليرة تعويضاً للدولة. وقد استندتْ المحكمة، لهذه الغاية، إلى كون هذه الدعوى طريقاً استثنائية لا يُمكن اللجوء إليها إلّا بعد استنفاد جميع طرق الطعن المتاحة على القرار المشكو منها (تقديم دفوع شكلية مثلاً).

–        تجنّب المحاكم الانغماس في المواجهة

رغم الاتّجاه العام لدى المحاكم لحماية التحقيق يُلحَظ، في الآن نفسه، حذر هذه المحاكم وتجنّبها الانغماس في المواجهة. ومن أبرز الإشارات إلى ذلك ما يلي:

أوّلاً، عملتْ المحاكم على رد دعاوى وطلبات كفّ يد المحقق العدلي تمكيناً له من الاستمرار في عمله من دون أن يصل اجتهادها إلى مرحلة مؤازرته في أيّ من المسائل القانونية المثارة ضدّه. وقد تمثل ذلك في تعليل ردّ الطلبات والدعاوى بحجج شكلية ومُقتضَبة من دون أيّ تعرّض، ولو على سبيل الاستفاضة، لأيّ مسألة في الأساس، ضمناً وبالأخصّ مسألة مدى اختصاص القضاء العادي في ملاحقة الوزراء جزائياً. وعليه، رغم الضجيج الحاصل والمُتمادي حول هذه المسألة، أعرضتْ محكمة التمييز في هيئتها العامّة، كما في غرفها المختلفة، عن تقديم قراءتها لهذه المادة، كأن تذكّر بالتفسيرات المتعدّدة لهذه المادة وبأحقّية المحقق العدلي باعتماد القراءة التي يراها الأكثر ملاءمة، عملاً بمبدأ الفصل بين السلطات.

ثانياً، جُلّ ما فعلته المحاكم لردع التعسّف هو الحُكم بتسديد غرامات وصلت إلى مليون ليرة لبنانية، وهي غرامة مجرَّدة من أيّ مفعول ردعيّ. في المقابل، امتنعت محكمة التمييز (الغرفة السادسة)، في سياق ردّها دعويَيْ النقل للارتياب المشروع، عن النظر في طلبات مدّعين بالحكم على طالبي النقل بالعطل والضرر. وهي بذلك ضيّعت فرصة ثمينة لردع التعسف في الادعاء.

–        محاولات خرق الحصن القضائي للتحقيق

شكّل صمود المحقق العدلي بيطار، واتّجاه المحاكم إلى حمايته، عامل قلق للقوى المناوئة للتحقيق. وهو الأمر الذي عبّر عنه الأمين العام لحزب الله، الذي أبدى سخطاً واضحاً ضدّ قرارات محكمة الاستئناف والتمييز في ردّ قرارات ردّ بيطار من دون إبطاء (خطابه في تاريخ 11 تشرين الأوّل)، ليعود ويلمّح إلى تحوّل هذا الأخير إلى “دكتاتور”، على خلفية أنّه يبدو غير قابل لأيّ عزل أو مساءلة (حديثه في تاريخ 18 تشرين الأوّل). وفي حين دفعتْ مشاعر القلق هذه القوى إلى التخبّط في ممارسة ضغوط على أكثر من مستوى (منها تعطيل الحكومة بانتظار كفّ يد بيطار)، فإنّ جهوداً موازية بُذلت لإحداث خرق داخل القضاء أيضاً. وفي حين تميّزت هذه الجهود، عموماً، بطابعها الخارج عن المألوف والأصول القضائية فإنّها بلغت حدّها الأقصى مع تدخّل القاضي مزهر غير القانوني، الذي بلغ حدّ وضع اليد على ملف قضائي ليس له (وهو ما نعتَتْه المفكرة بعملية سطو). أبرز هذه المواقف:

أ – النيابة العامّة تنحاز ضد القاضي بيطار في مسألة ملاحقة الوزراء وتعرقل التحقيق

الخرق الأوّل، حصل من قِبل النيابة العامّة التمييزية التي تبنّت موقف القوى المناوئة للتحقيق بشأن مسألة ملاحقة الوزراء، معتبرة أنّ الأفعال المدعى بها تدخل ضمن الأفعال الخاضعة لإجراءات المادة 70 من الدستور، وأنّ القضاء العدلي ليس مختصاً لمحاكمتِها. وقد عبّرت النيابة العامّة ممثَّلة بالمُحامي العام التمييزي غسان خوري عن رأيها هذا في عدد من الدعاوى، بدءاً بدعوى كفّ يد المحقّق العدلي الأوّل، فادي صوّان، على خلفية الارتياب المشروع لتُكرِّر الموقف نفسه في دعوى كفّ يد بيطار وفي مراسلتها مع مجلس النواب. وقد بدا هذا الموقف الصادر عن سلطة المُلاحقة في تعارضٍ مع مهمّتها الأساسية. ففي حين يُنتظَر منها الاجتهاد في اتّجاه تقليص مجال الحصانة، دفاعاً عن حقوق المجتمع التي تتولّى تمثيلها، بدتْ وكأنّها، على العكس من ذلك، تجهد لتعزيز الارتياب بالقاضي الذي سعى إلى ذلك. وهذا ما ندّد به بيان[10] مكتب الادعاء في نقابة المحامين في الذكرى السنوية الأولى للجريمة، حيث جاء فيه “بدل فتح المجال أمام الهيئة العامّة أو المحقّق العدلي أو مرجع قضاء حكم للبتّ بمسألة الصلاحية، تلكّأت سلفاً سلطة الملاحقة عن أيّ إجراء ملاحقة مع الرؤساء والوزراء”. وفي مطالعة أخرى عند النظر بالدفوع الشكلية المقدَّمة من فنيانوس أمام المحقق العدلي، أعادتْ النيابة العامّة التمييزية التذكير بوجوب التوقّف عند صلاحية المحقق العدلي مذكِّرةً بمطالعة سابقة تتعلّق بالموضوع نفسه، قدّمتها إلى المحقّق العدلي السابق فادي صوّان.

إلى ذلك، ذهبت النيابة العامّة (ممثلةً بالمحامي العام التمييزي عماد قبلان الذي خلف خوري) في الاتجاه نفسه في تلكُّئِها عن تنفيذ مذكّرات التوقيف بحق علي حسن خليل، حيث أوعزتْ للضابطة العدلية تنفيذها، ليس فوراً إنّما بعد انتهاء العقد العادي (الخريفي) لمجلس النواب في آخر العام 2021[11]، وذلك بخلاف قرار صريح من القاضي بيطار بوجوب تنفيذها فوراً في 10/12/2021.

وفي تاريخ 30/8/2021، تقدّمت نقابة المحامين في بيروت بطلب ردّ للمحامي العام التمييزي غسّان خوري عن قضية جريمة المرفأ للارتياب المشروع، بعدما أوردتْ أسباباً عدّة يُستشَفّ منها وجود تضارب مصالح لديه، فضلاً عن قيامه بأفعال أدّت إلى عرقلة التحقيق. ويجدر التذكير أنّ خوري عُيّن بطريقة غير قانونية بعد تنحّي النائب العام التمييزي غسّان عويدات في كانون الأوّل 2020، كما سبق بيانه. وقد استند الطلب إلى كون خوري قد نظر في ملف النيترات قبل انفجارها، وأقفل الملفّ حينها رغم أنّ تقرير أمن الدولة أعلمه صراحةً بخطورة المواد، فاعتبرت النقابة أنّ خوري يحاول توجيه الدعوى بشكل يطمس مسؤوليته الشخصية عن قراره السابق للتفجير.

وتميّز الطلب بسرد مساعٍ كثيرة لخوري في عرقلة التحقيق، من أبرزها:

  • رَفْض خوري طلب المحقق العدلي تزويدَه بمحضر التحقيق الذي وصل إليه حول المواد المخزّنة وقراره بحفظه، وقرارُه حجب هذه المستندات عن النقابة وعن المحقّق العدلي، كلّ ذلك رغم وجوبية إحالة كل ما يخص القضية إلى المحقق العدلي؛
  • التخلف في إجراء التبليغات اللازمة. فرغم الطلب الموجَّه إليه بإبلاع فنيانوس، قبل 15 يوماً من الجلسة، أعاد خوري أوراق التبليغ قبل يومين من الجلسة بسبب تعذّر التبليغ بذريعة قطع الطرقات، ممّا عزل الشمال تماماً (وهي لم تكن كذلك، علماً أنّه كان بإمكانه إرسال برقية للتبليغ في الفصيلة في الشمال)؛
  • التخلف عن تبلُّغ طلبات المحقق العدلي بذريعة “إقفال النيابة العامّة التمييزية”، ما أدّى إلى تطيير بعض جلسات التحقيق؛
  • تسريب وثائق متعلّقة بملاحقة الوزراء. وقد أدلتْ نقابة المحامين في بيروت بأنّ التسريب يحصل من النيابة العامّة التمييزية ومن خوري تحديداً، بعدما اتّضح أنّ الصورة المسرَّبة عن إحدى الوثائق السرية (طلب إحضار حسان دياب) قد التُقطت على مكتب خوري الذي يتميّز بلونه الأحمر.

وعليه، أصدرت الغرفة السادسة من محكمة التمييز الجزائية قراراً في 25/11/2021 قبلت فيه الطلب وقرّرت ردّ خوري. وقد برز في تعليل المحكمة قرارَها عبارةُ أنّ “ما ورد في بعض مواقفه (…) لا تأتلف مع مواقف النيابة العامّة المألوفة في تسيير دعوى الحق العام، من شأنه أن يُعزز اعتقاد الجهة المدّعية بعدم حياده”.

وفي 6 نيسان 2022، عادتْ نقابة المحامين في بيروت وتقدّمت بطلب لردّ المحامي العام التمييزي عماد قبلان (الذي خلف خوري) عن قضية جريمة المرفأ، وبرّرت طلبها بخرق قبلان لسريّة التحقيق ومنحه الإذن لعدد من المدّعى عليهم الموقوفين للإدلاء بتصريحات إعلامية من أماكن توقيفهم في ظلّ تجميد التحقيق، وهو ما اعتبرته النقابة تقاعساً في حماية التحقيق وعرقلة له من قبل الجهة المولجة تمثيل الحقّ العام وانحيازاً لصالح الجهة المدّعى عليها. وبعد أن تبلّغ قبلان طلب الردّ في 9/5/2022، توّلى المحامي العام التمييزي صبوح سليمان مهام النيابة العامة في قضية المرفأ.

ب – مزهر يسطو على ملف رد بيطار بهدف تعليق التحقيقات

في تاريخ 26/10/2021، عاد الوزير السابق فنيانوس ليقدّم طلب رد ضد المحقق العدلي. وقد أثار هذا الطلب الاستغراب: فما معنى أن يصرّ محامو فنيانوس على اللجوء، مجدّداً، إلى محكمة الاستئناف التي ردّت الطلبات المماثلة المقدّمة لديها، لعدم اختصاصها، عملاً باجتهاد راسخ؟ لكن سرعان ما تبيّن أنّ هذا الإجراء كان الأكثر فعالية، الأمر الذي أشّر إلى احتمال حصول تواطؤ مسبق للوصول إلى هذه النتيجة التي تخالف ما كان يُتوقَّع موضوعياً أن ينتهي المسار الطبيعي لهذا الطلب إليه. حصل ذلك من خلال ثلاثة تدابير مترابطة: الأوّل، طلب تقدّم به فنيانوس لردّ رئيس محكمة الاستئناف نسيب إيليا عن النظر في طلب ردّ بيطار؛ الثاني، جاء بعد تنحّي إيليا عن النظر في طلب رده (وهو سبب موضوعي بفعل تعارض بَيِّن للمصالح لاستحالة أن ينظر القاضي في تنحية نفسه)، وقد تمثّل في قرار رئيس محكمة استئناف بيروت حبيب رزق الله بانتداب حبيب مزهر رئيساً للغرفة 12 للنظر في طلب رد إيليا. وهذا الانتداب يدعو للاستغراب طالما أنّ مزهر كان أبدى آراء مسبقة عدائية بحق بيطار في مجلس القضاء الأعلى، الأمر الذي تناقله العديد من وسائل الإعلام؛ والثالث، القرار الذي أصدره مزهر في تاريخ 4/10/2021 والذي قضى بضمّ طلب رد بيطار (الذي يخرج تماماً عن صلاحيته لعدم تكليفه به) إلى طلب رد إيليا (وهو الطلب الوحيد الذي كُلِّف به) وبإبلاغ هذا الطلب إلى بيطار، على نحو يؤدي إلى كفّ يده عن التحقيق، فضلاً عن “إشعار قلم المحقق العدلي بإيداعِنا (أي مزهر) كامل ملف الدعوى… للاطلاع عليه”.

وبذلك، ارتكب مزهر عمليتَيْ سطو برأي “المفكرة”: الأولى على ملف قضائي لا يعود له، بل للغرفة 12، وفق ما أثبتته الإفادة الصادرة عن القاضي حبيب رزق الله، لجهة أنّ انتدابه تمّ للنظر في دعوى فنيانوس لرد إيليا (ورقمها 72)، وليس دعوى فنيانوس لرد بيطار (رقمها 69). أما الثانية فكانت السطو على قرار المحكمة، حيث تعدّت قراراته الطابع الإداري لتصل إلى الطابع التقريري، وهي قرارات لا يمكن اتخاذها إلا بقرار من كامل أعضاء المحكمة. كما يمكن الحديث عن محاولة سطو ثالثة على ملف تحقيقات المرفأ برمته، بعدما طلب ضمن قراره إيداعَه ملف كامل التحقيق. وعليه، يُشتبَه عند النظر في هذه الوقائع بأنّ فنيانوس قدم طلبه بعد تيقُّنه من انتداب مزهر للنظر في طلب إيليا، وهو يقين ما كان يمكن بلوغه من دون حصول مزهر، من رزق الله، على ضمانات بانتدابِه.

طبعاً، كان هذا الخرق الأخطر طالما أنّه أدّى إلى تعليق التحقيقات لأكثر من شهر، وهي المدّة التي استغرقتها إجراءات تفكيك ما ارتكبه مزهر، والتي تمّت على أربع مراحل. فبعدما استغرق رزق الله قرابة أسبوعين لاتخاذ قرار بفصل طلبَيْ الرد المقدَّمَيْن ضد بيطار وإيليا (رقمي 72 و69) في تاريخ 23/11/2021 استناداً إلى صلاحيته بالسهر على حسن سير المحكمة، عاد وانتدب القاضية رندة حروق محلّ إيليا في رئاسة الغرفة 12، بعدما عرض الأوّل تنحّيه عن النظر في طلب رد بيطار. كما رفضت محكمة الاستئناف طلب فنيانوس ردّ المستشارة روزين حجيلي. فإذ تمّ ذلك، أصدرت محكمة الاستئناف المكوَّنة من حروق وشمس الدين وحجيلي القرار بالرجوع عن قرار إبلاغ المحقق العدلي وردّ طلب ردّه في تاريخ 7/12/2021. وقد اعتبرتْ صراحةً في متن قرارها أنّ قرار مزهر منعدم الوجود لصدوره عمّن لا يملك حقّ إصداره قانوناً. وبالرغم من ثبوت مخالفات مزهر، لم يتّخذ التفتيش القضائي أيّ إجراء بحقّه لغاية اليوم على الرغم من تقديم فريق الادعاء عن الضحايا الأجانب المهمَّشين شكاوى بحقه.

ج – الهيئة العامّة لمحكمة التمييز تشرّع طلبات الرد

أصدرت الهيئة العامّة لمحكمة التمييز المؤلَّفة من القضاة سهيل عبود وروكس رزق وسهير الحركة وعفيف الحكيم وجمال الحجار في اليوم نفسه، أي 25/11/2021، خمسة قرارات،[12] 4 منها ذهبتْ في اتّجاه حماية التحقيق فيما فتح القرار الخامس باباً واسعاً لمزيد من التعسف في عرقلة التحقيق. القرارات الأربعة صدرتْ في دعاوى مخاصمة الدولة على خلفية أعمال القضاة (2 على خلفية أعمال المحقق العدلي وقد قدمهما المشنوق ودياب و2 على خلفية قرارات محكمة الاستئناف والتمييز برد طلبات الرد المقدمة من الثنائي علي حسن خليل وغازي زعيتر). أما القرار الصادر في الدعوى الخامسة فقد ذهب في اتجاه اعتبار أنّ المحقق العدلي قابل للرد، وأنّ محكمة التمييز هي صاحبة الصلاحية للنظر في هذه الطلبات. وقد سارع زعيتر وخليل إلى الاستفادة من هذا القرار من خلال إعادة إحياء طلبهما المقدَّم أمام الغرفة الأولى لمحكمة التمييز، التي أبلغت بيطار طلب رده ليتعلق التحقيق مجدداً، للمرّة الرابعة والأطول، ابتداء من 23/12/2021 ولغاية كتابة هذه الدراسة. ويُخشى أن يكون تعيين المرجع على هذا الوجه قد تمّ نتيجة تسوية بين أعضاء الهيئة العامّة لمحكمة التمييز، تمّت فيها مقايضة ردّ دعاوى مخاصمة الدولة الأربع مقابل فتح باب إجراءات الرد أمام محكمة التمييز. ومن هذا المنطلق، جاز اعتبار هذا القرار خرقاً إضافياً في جدار الحماية القضائي للتحقيق.

العدالة الخاصّة أو حكم القوة

كما سبق بيانه، لم تكُن الدعاوى إلا بعض الوسائل المستخدَمة لكفّ يد بيطار. وقد استباحتْ القوى المناوئة لنفسها في المقابل كمّاً كبيراً من الوسائل والأساليب لتحقيق مُبتغاها، أي رفع يده عن التحقيقات. وقد تدرّجت هذه الأساليب من رسائل لامستْ التهديد وُجِّهت إليه إلى ممارسة ضغوط على مجلس القضاء الأعلى والحكومة لإرغامِهما على اتّخاذ القرار بكفّ يده بمعزل عن مدى قانونيته، والامتناع عن تنفيذ مذكرات التوقيف الغيابية الصادرة عنه بحقّ الوزيرَيْن السابقَيْن خليل وفنيانوس، وصولاً إلى تعطيل التشكيلات القضائية لرؤساء غرف محكمة التمييز. وهذا ما سنفصّله أدناه.

ويلحظ هنا أيضًا أنّه تمّ اللجوء لاحقاً للعديد من هذه الأساليب في قضايا ملاحقة القيّمين على مصرف لبنان والمصارف، كما نبيّن أدناه عند التطرّق إلى أيّ منها.

1.   تهديد؟

في تاريخ 21/9/2021، نشر الصحافي إدمون ساسين (قناة LBC) تغريدة على حسابه الشخصي جاء فيها حرفياً: (حزب الله عبر وفيق صفا بعث برسالة تهديد إلى القاضي طارق بيطار مفادها: “واصلة معنا منك للمنخار، رح نمشي معك للآخر بالمسار القانوني وإذا ما مشي الحال رح نقبعك”. فكانت إجابة بيطار: “فداه، بيمون كيف ما كانت التطييرة منو”. حمى_ الله_ البيطار).

وقد تبيّن فيما بعد أنّ مُوجِّه الرسالة، وهو مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا، أجرى زيارات عدّة في قصر العدل، شملت رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود والنائب العام التمييزي غسان عويدات. وفي أثناء هذه الزيارات، التقى الصحافية لارا الهاشم (LBC) فحمّلها الرسالة المذكورة، ثم جرى التواصل معها للتأكّد من أنّها وصلت وعن جواب بيطار عليها. وقد أكّد هذه الوقائع كلها كلٌّ من الصحافيَّيْن ساسِين والهاشِم في برنامج “صوت الناس” المشترك بين قناتي LBC وSBI. سارعت النيابة العامّة التمييزية، تبعاً لذلك، إلى فتح تحقيق في هذا الشأن طالبةً من بيطار اتّخاذ موقف في هذا الخصوص. وقد نشرت[13] صحيفة الأخبار أنّ بيطار أكّد صحّة ما جاء في التغريدة، وإن امتنع عن اتخاذ صفة الادعاء الشخصي تجنّباً للتغوُّل في خصومة قد تُستخدَم لفبركة ارتياب سياسي ضده. وهو بذلك اعتمد أسلوب التحفُّظ نفسه بالابتعاد عن المواجهة الكلامية مع هؤلاء والحاصل في مجمل الدعاوى المقدَّمة ضده.

ورغم خطورة ما حصل وتأكيده من جهات عدة، فإنّ حزب الله لم يصدرْ أيّ بيان لنفيِه أو تأكيده. وقد أوضح أحد حلفائه، وئام وهاب، في لقاء تلفزيوني على قناة الجديد في تاريخ 16/12/2021 أنّ صفا وجّه هذه الرسالة بعدما بلغته معلومات (تبيّن لاحقاً أنّها غير دقيقة) أنّ ثمة مسعى للضغط على رئيس اللجنة المؤقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت حسن قريطم في اتّجاه القول إنّ حزب الله كان أودع أسلحة في العنبر 12، وهي الأسلحة التي تفجّرت. وهذا الأمر، في حال صحّته، يعني أنّ صفا استباح لنفسه توجيه رسالة إلى القاضي لامستْ التهديد، فقط انطلاقاً من هواجس. ولكن الأخطر من كل ذلك أنّ النيابة العامّة التمييزية، التي عاجلتْ للاستفسار من القاضي بيطار والهاشم عن صحّة الخبر، لم تتّخذ أيّ تدبير لاحق في هذا الخصوص. ولم يُعلَن عن استدعاء صفا إلى التحقيق. ويلحظ أنّه في حال اعتُبِرَت الرسالة تهديداً فإنّها تشكل جرماً بمفهوم قانون العقوبات من خلال المواد 382 المتعلقة بتهديد القضاة و419 المتعلقة بالتماس أيّ طلب من قاضٍ و371 المتعلّقة بصرف النفوذ، وهي مواد تصل عقُوباتها إلى الحبس لمدة 3 سنوات.

وتجدر الإشارة أخيراً إلى التشابه بين هذه الحادثة الخطيرة وما ذهب إليه رئيس الحكومة ميقاتي لجهة تهديد أعضاء المجلس الأعلى للقضاء والنائب العام التمييزي غسان عويدات بالإقالة في حال لم يضع حدّاً للفوضى المتمادية في الملاحقات القضائية في قضايا المصارف وذلك تحت ذريعة إعادة التوازن بين الحكومة والسلطة القضائية. وقد جاء حرفياً في مداخلته المتلفزة في تاريخ 19/3/2022 ردّاً على سؤال إذا ما كان من الوارد إقالة  مجلس القضاء الأعلى أو مدعي عام التمييز غسان عويدات في حال لم يستجب لمطالبه، “ما في شي مش وارد” ودعا ميقاتي أعضاء المجلس الأعلى للقضاء إلى أن يأخذوا دورهم.

2.   الضغوط لفرض تسوية سياسية بإزاحة بيطار

في خطابه المؤرَّخ في 11/10/2021 والحاصل بعد الرسالة المشار إليها أعلاه، حمّل نصر الله مجلس القضاء الأعلى ومجلس الوزراء مسؤولية إزاحة بيطار رغم عدم تمتُّعهما بالصلاحيات للقيام بذلك. وحذّر نصر الله في الخطاب نفسه من “كارثة كبيرة سيذهب إليها البلد إن أكمل القاضي بهذه الطريقة” وقد بلغت هذه الضغوط مرحلة التعامل مع كفّ يد بيطار عن القضية أو على الأقل عن ملاحقة الوزراء على أنّه مطلب سياسي يسوغ إدراجُه ضمن المساومات السياسية الاعتيادية. وفي حين بدأ الحديث عن التوصل عن “تسوية” في لقاءات البطريرك الراعي مع الرؤساء الثلاثة، تبعاً، لحادثة الطيونة في تشرين الأوّل 2021، عاد الحديث عن جهود للتوصّل إلى تسوية في كانون الأوّل بمناسبة نظر المجلس الدستوري في الطعن المقدَّم على قانون الانتخابات النيابية.

–        مجلس القضاء الأعلى يستدعي بيطار

حين طالب أمين عام حزب الله مجلس القضاء الأعلى باتخاذ الإجراءات المناسبة، كان المجلس آنذاك معطَّلاً[14]، بعد انتهاء ولاية غالبية أعضائه منذ أيار 2021 بفعل رفض رئيس الحكومة آنذاك حسان دياب توقيع مرسوم تعيينات بدائل عنهم في ظل حكومة تصريف أعمال. وقد ترافق هذا الطلب مع بدء حملة إعلامية ضد رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود لإرغامه على اتخاذ موقف صارم، ووصلت هذه الحملة إلى التلويح بمعادلة مفادها: إمّا يساهم عبود في قبع بيطار، وإمّا يُقبَع عبود لتعيين رئيس مجلس قضاء أعلى أكثر انسجاماً وقبولًا لتحقيق المطلوب. وقد تصاعدت هذه الحملة لاحقاً عند كلّ استحقاق، وصولاً إلى إعلان بري تحميل عبود مسؤولية مَذْهَبة وتطييف القضاء، كما لم يحصل ذلك من قبل (15/12/2021)[15].

وسرعان ما تبيّن أنّ القوى المناوئة لم تكتفِ بالضغط على مجلس القضاء الأعلى من الخارج، بل ضغطت من الداخل أيضاً. وقد تمّ ذلك بعدما صدر مرسوم في تاريخ 21/10/2021 بناء على اقتراح وزير العدل الجديد هنري خوري بتعيين 4 أعضاء، ممّا أعاد للمجلس إمكانية الانعقاد أصولاً واتخاذ قرارات. ولإنجاح التعيينات، حرص وزير العدل على أخذ موافقة رئيس مجلس النواب، نبيه بري، بشأن العضو الشيعي المعيَّن، الذي اتُّفِق أن يكون القاضي حبيب مزهر، على أن يُعيَّن لاحقاً العضو الشيعي الثاني في المجلس بعد ملء رئاسات الغرف في محكمة التمييز. تبعاً لذلك، حرص مزهر على الضغط داخل المجلس لاستدعاء بيطار لمناقشته في الأمور المثارة إعلامياً، تمهيداً لاتخاذ قرار بحقه. وبناء على إصراره، تمّ استدعاء بيطار إلى جلسة خاصة، انعقدت في 25/10/2021[16]، وذلك في سابقة خطيرة تفتح الباب أمام مجلس القضاء الأعلى للتدخُّل في القضايا القضائية، وممارسة ضغوط على القضاة من أجل ذلك، وهو إجراء يخرج تماماً عن هذا المجلس الملزَم، كغيره من السلطات، احترام استقلال القضاء والسهر عليه. إلّا أنّ المجلس امتنع عن اتخاذ أيّ قرار بحق بيطار بعد ذلك، الأمر الذي اعتبرته بعض الصحف[17] فشلاً للمجلس في تحمّل مسؤولياته.

أخيراً، يُذكَر أنّ مجلس القضاء الأعلى لم يصدر أيّ موقف رسمي تجاه أيّ من التهديدات والهجمات العنيفة التي تعرّض لها بيطار على مدى شهور، لكنّه سارع إلى إصدار بيان[18] يستهجن ويدين اعتراض مجموعة من المواطنات في تجمّع “نون” أمام مكتب مزهر على خلفية قراره غير القانوني بتعليق التحقيق.

–        تعطيل الحكومة

استقالتْ حكومة دياب بعد أيام من تفجير المرفأ، في 8/8/2020 بعدما أحالت القضية إلى المجلس العدلي. وقد تعيّن انتظار أكثر من 13 شهراً لتُشكَّل حكومة نجيب ميقاتي بموجب المرسوم الصادر في تاريخ 10/9/2021 وتُمنَح الثقة تحت تسمية: “حكومة الأمل والعمل” في تاريخ 20/9/2021. بعد 22 يوماً تماماً من منحها الثقة، عقدت الحكومة اجتماعاً صاخباً، أدّى فيه وزير الثقافة القاضي محمد مرتضى دور البطولة. فبعدما ذكر هذا الأخير، حسبما علمت “المفكرة” من مصادر موثوقة، أنّه يتكلّم باسمي كِلا الزعيمين بري ونصر الله، طالب وزيرَ العدل بالمبادرة إلى تغيير المحقق العدلي، معلناً أنّ أيّ رفض لذلك سيؤدي إلى تعطيل جلسات الحكومة. ولم يجد مرتضى حرجاً في نعْت بيطار بـ “العميل”. كما طلب من وزير الداخلية بسام المولوي أن يعمّم على قوى الأمن الداخلي عدم جواز تنفيذ مذكرة التوقيف بحق علي حسن خليل، طالما أنها صادرة عن قاضٍ “عميل”، معلناً أنّه يعتزم التنزّه على الكورنيش برفقة هذا الأخير، إثباتاً لأنّها بحكم غير الموجودة. وإذ اعتبر وزير العدل أن ليس له، ولا للحكومة، أيّ صلاحية لاتخاذ قرار مماثل وأنّ القاضي سيد نفسه، اقترح[19]، في المقابل، استصدار قانون بإنشاء هيئة اتهامية (عدلية) تتولى النظر في استئناف قرارات المحقق العدلي المتصلة بالوزراء المدعى عليهم، وقد عمل على أن يُعرَض بصيغة اقتراح معجّل مكرّر في الجلسة التشريعية المنعقدة في 19/10/2021. وقد علّقت “المفكرة” على هذا الاقتراح باعتباره مناورة جديدة لحصر سلطة بيطار في ملف التحقيق وتدخُّل تشريعي جماعي في عمل القضاء بمخالفة لمبدأ فصل السلطات، وذلك بمعزل عن أيّ توجُّه إصلاحي شامل لوضعيّة هذه المحكمة الاستثنائية. وإذ أشارت “المفكرة القانونية” إلى صدور مواقف توحي بأنّ التسوية لم تنضج بعد، طالما أنّ الفريق المناوئ للمحقّق العدلي يصرّ على تحقيق نتائج فورية، وهو أمر لن يتحقّق إلا في حال نجاحه في ضمان تعيين أعضاء الهيئة ضمن مهل قصيرة، والأهمّ في ضمان استتباع غالبيتهم. وكما توقّعت “المفكرة”، لم تثمر هذه المبادرة بدليل عدم إدراج أيّ اقتراح قانون من هذا القبيل على جدول أعمال الجلسة التشريعية[20].

بفعل ذلك، بقيت الحكومة التي طال انتظارها معطَّلة لمدّة ثلاثة أشهر بنتيجة رفض وزراء حزب الله وحركة أمل حضور اجتماعاتها قبل إزالة بيطار وتهديدهم بالاستقالة. لا بل سُجِّلت خلال هذه الفترة العودة إلى الممارسات المعتمَدة بصورة غير قانونية من حكومات تصريف الأعمال، وقوامها الاستعاضة عن قرارات الحكومة والمراسيم الصادرة عنها بموافقات استثنائية يوقّعها رئيسا الجمهورية والحكومة، وقد صدر على سبيل المثال موافقات استثنائية تتعلّق بالمراقبين الجويين وهيئة أوجيرو ومنصة impact[21].

لم يستخدمْ رئيس الحكومة ميقاتي آلية تعطيل الحكومة لفرض خطوط حمراء على العمل القضائي[22] في قضايا المصارف كما فعل ثنائي أمل وحزب الله، لكنه على العكس من ذلك استغلّ منصبه في رئاسة الحكومة لتحقيق هذه الغاية وذلك بعد أيام معدودة من عودتها للانعقاد. (وقد عادت الحكومة في 15/1/2022 للانعقاد على إثر بيان[23] مشترك من قبل الثنائي بالعودة إلى الحكومة، والسبب وفق البيان “إتمام الموازنة”[24]). تمثّل هذا الأمر في تحديد جلسة[25] حكومية لمناقشة العمل القضائي في تاريخ 19/3/2022 وهي جلسة دُعِيَ لحضورها كلّ من رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس هيئة التفتيش القضائي والنائب العام التمييزي الذين امتنعوا عن حضورها. وقد انتهتْ الجلسة إلى تكليف وزير العدل وضع رؤية لمعالجة الأوضاع القضائية ومعالجة مكامن الخلل ثم عرضها على مجلس الوزراء. ولم يكتفِ ميقاتي باستخدام ورقة الحكومة للضغط على القضاء، بل عمد أيضاً إلى التلويح[26] في خضم جلسة مجلس النواب المنعقدة في 30/3/2022 بطرح الثقة بالحكومة في حال لم يعمد مجلس النواب إلى إقرار قانون كابيتال كونترول يقي المصارف إزاء الملاحقات القضائية.

–        شبح “التسوية السياسية” أو حين تحولت قضية كف يد بيطار إلى مسألة سياسية تقبل المساومة

بالإضافة إلى الضغوط المباشرة، برز حديث عن تسويات سياسية مؤدّاها تحويل كفّ يد المحقق العدلي إلى مسألة سياسية قابلة للمساومات الاعتيادية وفق منطق “السلة”. وقد تمحورت معظم هذه التسويات حول إنشاء لجنة برلمانية للتحقيق مع الوزراء المدعى عليهم في محاولة لنزع صلاحية بيطار بملاحقتهم مقابل مكاسب سياسية أخرى لمختلف القوى السياسية. أولى الإشارات إلى حصول تسوية صدرت عن البطريرك الماروني بشارة الراعي بعد لقائه الرؤساء الثلاثة في اليوم نفسه، في 26/10/2021، وقد أعلن تبعاً لهذه اللقاءات عن طرح حلّ دستوري للأزمة السياسية. وفق الراعي، تقوم هذه التسوية على أن يتابع بيطار عمله شرط أن تخرج ملاحقة الوزراء من اختصاصه، بحجة أنّها تعود دستورياً إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. وقد عزا البعض حصول تسوية إلى تخوّف الراعي من ملاحقة جعجع في قضية الطيونة، بعدما سُجِّل أنّها تشمل هذه القضية أيضاً. هذا الأمر يعني أنّ في حال صحة هذه المعلومات، كانت هذه التسوية لو نجحت ستؤدي إلى تشريع التدخُّل في قضيتَيْن كبريَيْن، والأهمّ إلى إخضاع القضاء للقرار السياسي بشكل واضح. يبقى أنّ من المؤكَّد أنّ هذه التسوية لم تجد طريقها إلى التنفيذ، وإن بقيت المعلومات حول أسباب فشلها غامضة[27].

التسوية السياسية الأخطر التي برزت في الخطاب العام اتّصلت بمسعى تسوية واسعة تشمل تمكين المجلس الدستوري من إصدار قرار بقبول الطعن المُقدَّم من نواب كتلة لبنان القوي، بما يعطّل مشاركة المغتربين في التصويت في مجمل الدوائر الانتخابية وعودة الحكومة إلى عقد جلساتِها، في موازاة إجراء تغييرات في المراكز العليا في مجلس القضاء الأعلى والنيابات العامّة، فضلاً عن تغيير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

مجرّد الحديث عن هذه التسوية يشكّل دليلاً حسّياً على ما كنّا نعرفه عن طريق التحليل والاستنتاج، وهو أنّ ثمّة قوى سياسية تتحكّم بوجهة قرار عدد من أعضاء المجلس الدستوري الذين بإمكانهم تعطيل قرارات المجلس[28]، من خلال تعطيل نصاب انعقاد جلساته كما حصل سابقاً في 2013 بمناسبة النظر في تمديد مجلس النواب لولاية أعضائه أو تعطيل توفُّر التقاء غالبية 7 أعضاء لاتخاذ القرار. والخطير في هذا الأمر أنّ من شأنه أن يُخضع أعمال المجلس الدستوري برمّتها (الموجود لحماية المجتمع والدستور من عسف الغالبية) لقرار القوى السياسية المهيمِنة التي تتحاصَص تعيين أعضائه. ومجرَّد طرحها إنّما يؤكّد، أيضاً، مقاربة السلطة السياسية لدور قيادات مجلس القضاء الأعلى والنيابة العامّة، الذي يجدر انسجامه مع القرار السياسي تحت طائلة تغيير هذه القيادات. وكانت هذه التسوية لتؤدّي عملياً، لو قُدِّر لها النجاح، مقايضة كفّ يد المحقق العدلي بقضية المرفأ (بما يمسّ مبدئياً بحقوق الضحايا في العدالة والإنصاف) بمنع المغتربين من التصويت في الدوائر الانتخابية كافّة.

–        مساعٍ لفصل طلبات إخلاء سبيل الموقوفين عن التحقيق وصولًا إلى تعميم الإفلات من العقاب

فضلا عما تقدّم، نستشفّ ملامح تسوية سياسية أخرى من تصريحات وزير العدل هنري خوري خلال مقابلة أجراها مع صحيفة نداء الوطن في 25/6/2022[29], قوام هذه التسوية هو السعي لإيجاد طريق تتيح النظر في طلبات إخلاء السبيل المقدمة من موقوفين في قضية المرفأ من قبل هيئات قضائية أخرى، في ظلّ تجميد التحقيق وكفّ يد القاضي بيطار عن القيام بأي إجراء فيه. فقد صرح الوزير خوري بالحرف أنّ الملف اليوم بات رهن “مراجعات قدّمها أهالي الموقوفين حول نقل الدعوى من يد القاضي بيطار إلى قاضٍ آخر، لتعذّر السير في التحقيق. ولحسن سير العدالة هناك نص قانوني في أصول المحاكمات الجزائية ينصّ على أنّه في حال تعذّر السير بالملف تقوم محكمة التمييز بالمراجعة وتقدير الأسباب وإذا كان التعذّر ثابتاً وهناك مصلحة للسير بالملف وحسن سير العدالة”. إلّا أنّه لم يبيّن النص الذي يستند إليه في هذا الخصوص. والملفت أنّه فعل ذلك بعدما أعاب على القاضي بيطار تأخرّه في إصدار قراره أو الإجابة على التساؤلات السياسية المطروحة بشأن التحقيق. وقد ترافق تصريح الوزير خوري مع حملة إعلامية وعلى صفحات التواصل الاجتماعي شارك فيها العديد من نواب التيار الوطني الحرّ وناشطيه للإفراج عن مدير الجمارك بدري ضاهر وبخاصة في ظلّ بقاء العديد من المشتبه فيهم الآخرين طلقاء بنتيجة تمنّعهم عن المثول أمام القضاء مثل زعيتر أو عدم تنفيذ مذكرات التوقيف بحقهم مثل خليل وفنيانوس، وكل ذلك من دون أي مطالبة بإعادة تفعيل التحقيق. وقد بدا التيار الوطني الحرّ من خلال ذلك وكأنه بات يتكيّف مع وقف التحقيق في قضية المرفأ شرط الإفراج عن الموقوفين المحسوبين عليه، وعملياً شرط أن يستفيد أسوة بالآخرين من نظام تعطيل القضاء والإفلات من العقاب.

3.   الاستنسابية في إجراء تبليغ دعوات المحقق العدلي أو تنفيذ مذكرات التوقيف الغيابية

لا بدّ من الإشارة إلى امتداد العسف إلى الامتناع عن إجراء قوى الأمن الداخلي تبليغ جلسات الاستجواب، وأيضاً الامتناع عن تنفيذ مذكرات التوقيف الغيابية، وبخاصة بحق الوزيرين خليل وفنيانوس. وقد عكس هذا الأمر توجُّهاً إلى حصر صلاحية القضاء من خلال تجريده من أذرعِه التنفيذية التي تمّ إخضاعها هي الأخرى للقرار السياسي.

بخصوص عدم إجراء التبليغات، تمثّل هذا الأمر في تصريح[30] لوزير الداخلية بسام المولوي، في تاريخ 24/9/2021، أعلن فيه أنّه تلقى رسالة من قوى الأمن الداخلي تطلب منه إعفاءها من إجراء تبليغ مذكرة إحضار دياب، وأنّه وافق على مضمونها. وقد علل المولوي موقفه بأنّ مسؤولية إجراء التبليغات تقع على المباشرين، وأنّ قيام قوى الأمن الداخلي بهذه التبليغات يحصل فقط في حالات استثنائية، وفقاً للمادة 210 من قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي، معتبراً أنّ موضوع التبليغ لصقاً أمر تقني لا يحتاج إلى تدخُّل القوى الامنية. وهذا التعليل يجافي الحقيقة، طالما أنّ قضاة التحقيق (وقضاة المحاكم الجزائية بشكل عام، الذين كان المولوي منهم خلال تولّيه رئاسة محكمة الجنايات في الشمال) عمدوا دوماً إلى إبلاغ مواعيد الجلسات المحدَّدة منهم عبر قوى الأمن الداخلي، في ظل تقاعس السلطة التنفيذية عن إنشاء المفرزة الخاصة المنصوص عنها في قانون أصول المحاكمات الجزائية. كما قد يواجه المباشرون صعوبة في الوصول إلى الوزراء المدعى عليهم أو منازلهم، بخاصة إذا كانوا يحظون بحراسة أمنية.

أما بخصوص تنفيذ مذكرات التوقيف الغيابية، فقد أثار المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان في تاريخ 8/11/2021 مدى جواز تنفيذها بحق النائب علي حسن خليل في ظل انعقاد[31] جلسات المجلس النيابي، وبخاصّة على ضوء المادة 40 من الدستور التي تمنع ملاحقة النواب أو توقيفهم خلال دور انعقاد المجلس إلّا في حالات الجريمة المشهودة، أو إذا أذن المجلس بذلك. أحالت النيابة العامّة التمييزية هذا السؤال على المحقق العدلي الذي أجاب في تاريخ 10/12/2021 بوجوب التنفيذ الفوري من دون تعليل، لكنّ المحامي العام عماد قبلان أجاب عثمان بعدم تنفيذ المذكرة إلا بعد انتهاء العقد العادي في نهاية العام. وإذ يستند موقف بيطار إلى المادة 97 من النظام الداخلي للمجلس النيابي[32]، التي تُعَدّ ملاحقة نائب مستمرة في حال مباشرتها خارج دورات الانعقاد، فإنّ المحقق العدلي امتنع عن تعليل موقفه تأكيداً منه أنّ على النيابة العامّة والضابطة العدلية تنفيذ قرارات التوقيف. ولو كان الأمر مختلفاً لأمكن النيابة العامّة والضابطة العدلية التمتُّع بحق فيتو على هذه القرارات. وقد بلغ العسف قمته تبعاً لعدم تنفيذ هذه المذكرة لا أثناء انعقاد الدورة، خلافاً لقرار المحقق العدلي، ولا من بعد انقضائها في آخر سنة 2021. وقد ظهر هذا العسف فاقعاً بعد أن عقد علي حسن خليل مؤتمراً صحافياً، نُقل مباشرة في 3 كانون الثاني 2022. وفي موازاة هذه الضغوط الحاصلة من خلال قوى الأمن الداخلي لتعطيل تنفيذ القرار القضائي، نجحت مساعي[33] رئيس المجلس النيابي نبيه بري بالاستحصال على موافقة رئيس الجمهورية على فتح عقد استثنائي لمجلس النواب، بدءاً من 10 كانون الثاني 2022، على نحو يمكّن خليل ورفيقيه، المشنوق وزعيتر، من التذرُّع مجدداً بالمادة 40 لرفض تنفيذ القرارات القضائية على اختلافها. وقد أعلن رئيس مجلس الوزراء في تاريخ 5 كانون الثاني بداية حلحلةٍ في هذا الملفّ، من خلال عودة الحكومة إلى الانعقاد مقابل فتْح عقد برلماني استثنائي.

وهنا أيضاً، يجدر التذكير بأنّ قوى الأمن الداخلي ترفض علاوة على ذلك تنفيذ قرارات الإحضار والجلب الصادرة عن النائبة العامة في جبل لبنان غادة عون بحقّ رياض سلامة. وكان وزير الداخليّة بسام مولوي صرّح في حلقة من برنامج “صار الوقت” في 13/1/2022 أنّه رفض إعطاء الإذن لشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي للقيام بتلك المداهمة.

4.   تعطيل التشكيلات القضائية والهيئة العامّة لمحكمة التمييز

أخيراً، تمثّلت أبرز الوسائل التي اعتمدتها القوى المناوئة للتحقيق في رفض وزير المال يوسف خليل التوقيع على مشروع مرسوم لملء المراكز الشّاغرة في رئاسات غرف محكمة التمييز (وعددها 7 من أصل 10)، كما سبق بيانه. وفي حين تحجّج الوزير بما اعتبرهُ إخلالاً بالمناصفة الطائفيّة في توزيع رئاسات غرف التمييز (وهي حجة تدحضها مراسيم التشكيلات السابقة[34] يُرجَّح أن يكون دافعه الحقيقيّ تمثّل في ْإبقاء التحقيق في قضية المرفأ مُجمّداً إلى حين حصول تسوية ما، بما ينسجم مع مصالح القوى السياسيّة التي عيّنته. فعدا عن أنّ تعطيل ملء الشواغر في رئاسات محكمة التمييز يؤدّي إلى التّأثير سلباً على أداء هذه المحكمة المُثقلة بملفّات متراكمة، فهو يحول أيضاً دون انعقاد هيئتها العامة بفعل فقدان النصاب، وتالياً دون النظر في الطلبات التعسّفية المقدّمة أمامها بشأن جريمة المرفأ. وهي طلبات يشكّل النظر فيها شرطاً لاستئناف التحقيق في هذه القضية، لا سيّما دعوى المخاصمة المقدّمة من قبل ثنائي زعيتر وخليل ضد القاضي ناجي عيد في 21/2/2022 والتي من المرّجح ردّها شكلاً (وفقاً للاجتهادات السابقة). وكانت “المفكّرة” قد دقّت ناقوس الخطر[35] في بداية شهر آذار 2022  بعد دخول التحقيق في غيبوبة تامّة نظراً لارتباط عودته بإنجاز التشكيلات الجزئية، وتالياً بصدور قرار، ليس عن المحاكم كما كانت الحال سابقاً، بل عن السلطة التنفيذية. عليه، وإذ نجح مجلس القضاء الأعلى بعد طول انتظار في تجاوز خلافاته حول أسماء رؤساء الغرف (وبعضها ناجم عن الضغوط التي مورست على أعضائه من قوى سياسية ومصرفية)،[36] عاد اقتراح التشكيلات القضائية ليصطدم بفيتو وزير المالية. وعدا عن أنّ هذا الفيتو يؤكّد مرة أخرى الهيمنة التي تمارسها القوى النافذة على القضاء بأشكال متعدّدة، فإنه يعكس أيضاً وبالدرجة نفسها، تغوّل نظام المحاصصة وما يستتبعه من مساومات وفيتوات في ممارسات الحكم والضرورة الحيوية لتجاوزه.

وإن شكّل استخدام القوى المناوئة للتحقيق لآليات التنظيم القضائي (الذي لا يضمن استقلالية القضاء العدلي ويتعارض مع مبدأ فصل السلطات) بهدف تعطيل عمل أعلى هيئة قضائية، فإن هذا التعطيل لا تنحصر تداعياته على تحقيق المرفأ فحسب، بل يطال أيضاً الملاحقات في الجرائم المالية بما أنّ المصارف وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه تقدمّا أيضاً بدعاوى لمخاصمة القضاة الذين باشروا بملاحقتهم (جان طنّوس[37] وغادة عون[38] وغسّان عويدات[39]) بهدف تعطيل التحقيقات معهم. ويخشى أن يفتح هذا الأمر باباً لحصول تسويات أو مقايضات بين تحقيق المرفأ من جهة والتحقيقات في الجرائم المالية من جهة أخرى كشرط مسبق لاستئناف عمل الهيئة العامّة لمحكمة التمييز.

نُشر هذه المقالة في العدد 2 من “ملف” المفكرة القانونية | جرائم نظام من دون عقاب (محور: ممارسات الإفلات من العقاب) وشكّلت نسخة محدّثة ومعدّلة منها القسم الثاني من الورقة البحثية “ع مرفأ العدالة: جدار الإفلات من العقاب وما بعده”، آب 2022.


[1] ائتلاف استقلال القضاء في لبنان، مخاصمة القاضي الذي تجرّأ على السرّية المصرفية في قضية سلامة، نشر على موقع المفكّرة القانونية، 10/11/2021.

[2] “المفكرة تنشر قرارَيْ استئناف بيروت في 2007: طلبات رد المحقق العدلي غير قانونية”، المفكرة القانونية، 27/9/2021.

[3] “ماذا بعد سقوط جلسة الاتهام النيابي؟ المفكرة تجيب على أسئلتكم”، المفكرة القانونية، 13/8/2021.

[4] ميريم مهنّا، التمييز ترتاب بقاضية على خلفية انتقاد “المنظومة المصرفية”، نشر على موقغ المفكّرة القانونية، 04/02/2021

[5] نزار صاغية، “12 مؤشراً سلبياً في مستهلّ التحقيقات في مجزرة بيروت”، المفكرة القانونية، 21/8/2020.

[6] أعمال المجلس النيابي لعامَيّ 2019-2020، المرصد البرلماني – المفكّرة القانونية، تشرين الثاني 2021.

[7] نتائج المجلس النيابي لعام 2021، المرصد البرلماني – المفكّرة القانونية، نيسان 2022

[8] نزار صاغية وفادي إبراهيم، “حِكمة ’استئناف بيروت‘ في حماية تحقيقات المرفأ: لا يجوز ممارسة حق الدفاع تعسّفاً”، المفكرة القانونية، 7/10/2021.

[9] فادي إبراهيم، “تضامن قضائي واسع لحماية تحقيقات المرفأ: هزيمة قضائية ثانية للثنائي زعيتر- خليل”، المفكرة القانونية، 11/10/2021.

[10] “مكتب الادعاء في نقابة المحامين في بيروت: عدم الرضى والاطمئنان على مسار التحقيقات في ملف انفجار المرفأ”، جريدة النهار، 4/8/2021.

[11] “’التمييزية‘ طلبت تعميم مذكرة التوقيف الغيابية بحقّ علي حسن خليل”، النهار، 14/12/2021.

[12] المفكّرة تنشر قرارات محكمة التمييز في جريمة مرفأ بيروت في تشرين الثاني 2021، نشر على موقع المفكّرة القانونية، 26/11/2021

[13] “رواية تهديد القاضي البيطار: ماذا سيكشف التحقيق؟”، جريدة الأخبار، 24/9/2021.

[14] مجلس القضاء الأعلى معطّل: المفكّرة تجيب على أسئلتكم، المفكرة القانونية، 8/6/2021.

[15] بري: “الثنائي” لا يريد تطيير البيطار وسهيل عبود ليس ابن عمي وهذا هو المطلوب منه، جريدة نداء الوطن، 16/12/2021

[16] مجلس القضاء الأعلى تداول مع البيطار بما هو مثار بشأن انفجار المرفأ وشدد على إنجاز التحقيق سريعا، الوكالة الوطنية للإعلام، 25/10/2021

[17] ميسم رزق، “دعاوى جديدة ضدّ البيطار: من يضمن القاضي سهيل عبود؟”، جريدة الأخبار، 29/10/2021.

[18] الوكالة الوطنية للإعلام، 10/11/2021.

[19] “إنشاء هيئة اتّهامية في المجلس العدلي؟ تسوية سياسية بمثابة تدخّل جماعي في القضاء”، المفكرة القانونية، 19/10/2021.

[20] “تعليقًا على مبادرة وزير العدل هنري خوري إلى مراسلة مجلس النواب بكتاب، أشار فيه إلى إصرار المحقّق العدلي في قضيّة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار المتابعة في ملاحقة الوزراء السابقين والنوّاب الحاليّين، استنادًا إلى المادّة 97 من النظام الداخلي لمجلس النواب، أنّ “المجلس النيابي ردّ طلب وزير العدل، وبالإصرار هذه المرّة على ما مفاده بأنّ المجلس سبق له أن أبلغكم أنّ هذا التحقيق ليس من اختصاص التحقيق العدلي، بل هو من اختصاص المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء”. الجمهورية، 26/10/2021.

[21] رلى إبراهيم، “بدعة «الموافقات الاستثنائيّة»: عون وميقاتي يختزلان الحكومة”، جريدة الأخبار، 4/11/2021.

[22] نزار صاغية، فادي إبراهيم، نيابات عامة تفرّ من العدالة؟ ملفّ سلامة “قنبلة” لا تجد من يحملها، 23/6/2022

[23] حركة امل وحزب الله: منعا لاتهامنا بالتعطيل نعلن الموافقة على حضور جلسات مجلس الوزراء المخصصة لإقرار الموازنة ومناقشة خطة التعافي الاقتصادي، الوكالة الوطنية للإعلام، 15/1/2022.

[24] حركة امل وحزب الله: منعاً لاتهامنا بالتعطيل، الوكالة الوطنية، 15/1/2022 

[25] الرئيس ميقاتي يترأس جلسة لمجلس الوزراء خصصت لبحث الوضع القضائي، موقع رئاسة مجلس الوزراء، 19/3/2022.

[26] بري يرفض طرح الثقة بالحكومة … وميقاتي يهدّد، الشرق، 30/3/2022.

[27] “رفض برّي خلال الاجتماع أيّ عودة لمجلس الوزراء قبل إيجاد المخرج المناسب لقضية البيطار، وتوجّه إلى ميقاتي بالقول: اذهب إلى رئيس الجمهورية واعملا على الالتزام بالاتفاق الذي أبرمناه معاً في اجتماع الاحتفال بعيد الاستقلال. وهو الاتفاق القانوني والدستوري وفق ما أعلنه البطريرك الماروني بشارة الراعي، وفيما بعد تم التراجع عنه من قبل رئيس الجمهورية”. ميقاتي يرفض التورُّط في “صفقة” وينفي الاستقالة، المدن، 20/12/2021.

[28] نزار صاغية، وصفة لبنانية لتعطيل المحاكم الدستورية: الربع المعطل، المفكرة القانونية، 17/6/2013.

[29] غادة حلاوي، وزير العدل لـ”نداء الوطن”: لمجلس القضاء دوره لكن الدور الأساس للتفتيش لحسن سير العدالة، نداء الوطن، 25/6/2022.

[30] “وزير الداخليّة يقرّر عدم تبليغ دياب والمشنوق وزعيتر وخليل… وهذا هو السبب”، موقع قناة أم تي في، 24/9/2021.

[31] “توضيح خبر رفض المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان تعميم مذكرة توقيف صادرة بحق النائب علي حسن خليل”، موقع قوى الأمن الداخلي 8/11/2021.

[32] المادة 97 من النظام الداخلي للمجلس النيابي: إذا لوحق النائب بالجرم المشهود أو خارج دورة الانعقاد أو قبل انتخابه نائباً تستمر الملاحقة في دورات الانعقاد اللاحقة دون حاجة إلى طلب إذن المجلس ولكن على وزير العدل أن يحيط المجلس علماً بالأمر في أول جلسة يعقدها وللمجلس الحق بأن يقرر عند الاقتضاء بناءً على تقرير الهيئة المشتركة المشار إليها في المادة 100 وقف الملاحقة بحق النائب وإخلاء سبيله مؤقتاً أثناء الدورة إذا كان موقوفاً وذلك إلى ما بعد دور الانعقاد.

[33] نقولا ناصيف، “عون – برّي: تعايش لا يطاق”، جريدة الأخبار، 4/1/2022.

[34] نزار صاغية، “فيتو” وزير المالية يعطّل محكمة التمييز: ضمانة جديدة لنظام الإفلات من العقاب، نشر على موقع المفكّرة القانونية، 26/05/2022.

[35] “المفكّرة” تدّق ناقوس الخطر: التحقيق في جريمة المرفأ دخل في غيبوبة تامّة، نشر على موقف المفكّرة القانونية، 4/03/2022

[36] يُضاف إلى ذلك مخاوف جدّية من أن جمعية المصارف قد تدخّلت في صناعة هذه التشكيلات بصورة مباشرة أو غير مباشرة لاستبعاد القضاة الذين اتخذوا مواقف لمصلحة المودعين (ومن أبرزهم جانيت حنا)، أو لتعيين قضاة مقربين من جمعية المصارف مثل حبيب رزق الله (وهو صهر رئيسها السابق جوزف طربيه).

[37] ائتلاف استقلال القضاء في لبنان، مخاصمة القاضي الذي تجرّأ على السرّية المصرفية في قضية سلامة، نشر على موقع المفكّرة القانونية، 10/11/2021

[38] المصارف “تخاصم” الدولة وعون “تتهرّب”…، نداء الوطن، 5/04/2022

[39] سلامة يدّعي على عويدات: محاولة أخيرة لمنع الادّعاء، الأخبار، 9/06/2022

انشر المقال

متوفر من خلال:

مجزرة المرفأ ، المرصد القضائي ، محاكمة عادلة ، أجهزة أمنية ، محاكم جزائية ، أحزاب سياسية ، قرارات قضائية ، محاكمة عادلة وتعذيب ، مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني