اقتراح تعديل تكوين هيئة التحقيق الخاصة: فشل في تقويض السريّة المصرفية وتضارب المصالح

اقتراح تعديل تكوين هيئة التحقيق الخاصة: فشل في تقويض السريّة المصرفية وتضارب المصالح

هذه المقالة هي جزء من سلسلة مقالات ينشرها المرصد البرلماني في الأيام المقبلة لتقييم أبرز اقتراحات قوانين 2021 التي لم تُدرج على جدول أعمال الهيئة العامة لمجلس النواب. وتمّ اختيار الاقتراحات هذه بناء على أهميّتها أو خطورتها، واختيار الاقتراحات هذه أتى بناء على أهميّتها أو خطورتها، ولأنها لم تكن مشمولة ضمن تقييم المرصد لجَلسات الهيئة العامة.
تقدّم النائب تيمور جنبلاط في 14/4/2021 باقتراح قانون ينشئ ضريبة على الثروة. 

تقدّم النوّاب أمين شرّي، حسن فضل الله وعلي فيّاض في 10/2/2021 باقتراح قانون يهدف إلى تعديل المادة 6 من قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب  44/2015. 

يعدّل هذا الاقتراح كيفية تكوين هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان فيرفع عدد أعضائها من أربعة أعضاء إلى خمسة مع تغيير مواصفات هؤلاء، كما يعدّل في رئاسة الهيئة. 

من جهة أولى، جرّد الاقتراح حاكم مصرف لبنان (بعد إلغاء عضويته) من رئاسة هذه الهيئة، ومنحها ل”أحد القضاة من بين رؤساء غرف التمييز الحاليين أو السابقين”، والذي يُعيّن بمرسوم  بناء على اقتراح مجلس القضاء الأعلى.

على صعيد تشكيلها، عمد الاقتراح، وإلى جانب القاضي رئيس الهيئة المذكور أعلاه، إلى إبقاء العضوين المنصوص عنهما في القانون الحالي وهما رئيس لجنة الرقابة على المصارف، والعضو المعيّن من قبل “مجلس الوزراء بناء على إنهاء حاكم مصرف لبنان”. 

بالمقابل، عمد الاقتراح إلى إلغاء عضوية كل من حاكم مصرف لبنان كما ذكرنا، والقاضي المعيّن في الهيئة المصرفية العليا، واستبدلهما بأحد نوّاب حاكم مصرف لبنان يُعيّن بمرسوم بناء على اقتراح الحاكم، وعضو ينتخبه  “مجلس النواب” “​​على أن تتوفر لديه خبرة لا تقل عن 15 سنة في مجال القانون الدولي أو حقوق الإنسان”. 

ومن المعلوم أن الهيئة تضطلع بصلاحيات أساسيّة أبرزها رفع السرية المصرفية بحسب قانون مكافحة تبييض الأموال 44/2015 ، سريّة جعلتها السلطة بمثابة خاتم سحريّ للإفلات من العقاب . كما أن تقاعس الهيئة عن أداء دورها في منع المحاسبة في الفترة الحاسمة بعد توضّح معالم الانهيار المالي الكبير، لا سيما مع رفضها تسليم المعلومات حول تهريب الرساميل ما بعد 17 تشرين، أو في ملفّات فساد أساسية قد تشكل قضية سوناطراك مثالا فاقعا عنه.

بحسب الأسباب الموجبة، يسعى الاقتراح إلى تفعيل هيئة التحقيق الخاصّة من أجل زيادة استقلاليتها بحيث لا يسمح لتسلل أي وجه من أوجه تعارض المصالح أو تقاطعها سواء بين أعضاء الهيئة أو بين أعضائها والمؤسسات التابعين لها بحكم وظائفهم الأصلية. فاعتبر الاقتراح أن متطلبات الاستقلالية أو تجنّب تضارب المصالح لا تستقيم بتشكيل أعضائها الهيئة من المؤسسات المالية والمصرفية ذات الصلة، ما يجعلها خاضعة من حيث العضوية والسلطة المالية للمصرف المركزي. إلّا أنه سرعان ما يحيد الاقتراح عن هدفه ولا يرتقي لمستوى ما يعِد به.

بعد الإمعان به، يفرض هذا الاقتراح أربع ملاحظات أساسية وهي:

  1. تقويض منتقص لنفوذ حاكم مصرف لبنان على تشكيل الهيئة: ففي حين يبدي الاقتراح في البداية سعيا  لتقويض نفوذ حاكم مصرف لبنان الواسع، يعود ويتراجع عن رفع تأثيره بشكل كامل عن تشكيل الهيئة. 

يحاول الاقتراح بالفعل تقويض نفوذ الحاكم في تشكيل الهيئة من جهة أولى من خلال:

  • استبعاده من الهيئة ورئاستها واستبداله بأحد القضاة من بين رؤساء غرف التمييز الحاليين أو السابقين رئيسا للهيئة، على أن يعيّن بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء، بناء على اقتراح مجلس القضاء الأعلى. 
  • نزع صلاحيته اقتراح العضو الأصيل والرديف اللذين  يعينهما مجلس الوزراء في الهيئة  (مع الإبقاء على شرط الخبرة التي لا يجب أن تقلّ عن 15 سنة في مجال القانون المالي والمصرفي).

بالمقابل، يعيد الاقتراح نفوذ الحاكم إلى الهيئة عبر منح العضوية لأحد نواب حاكم مصرف لبنان، الذي يعيّن بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء بناء على اقتراح الحاكم.

  1. تعزيز الطابع السياسي للتعيينات في الهيئة 

فضلا عن ذلك، يسجل إشراك المجلس النيابي في تعيين العضو الخامس المضاف إلى الهيئة. وجلّ ما يشترطه الاقتراح هو أن تتوفّر لديه خبرة لا تقلّ عن 15 سنة في مجال القانون الدولي أو قانون حقوق الإنسان. كما يعطي الاقتراح المجلس النيابي صلاحيّة مماثلة لانتخاب رديف تكون له المواصفات نفسها. في المقابل، لا يفسّر الاقتراح سبب اقتراح زيادة هذا العضو وبخاصة في ظلّ الطابع السياسي لانتخابه وعدم اختصاصه في الشؤون المصرفية وتبييض الأموال، التي يجب أن تتّبع معايير موضوعية وعلمية وهو ما يُؤخذ على هيئة التحقيق الخاصة عدم الالتزام به. 

  1. فشل في معالجة تضارب المصالح للأعضاء العاملين في المصارف: 

لم يعالج الاقتراح تضارب المصالح في ما يخص أعضاء الهيئة العاملين في المصارف، حيث حافظ على نفوذ لجنة الرقابة على المصارف عبر الإبقاء على عضوية رئيسها ضمن الهيئة، هي التي تُعتبر الذراع الأقوى للوبي المصارف. بل اكتفى الاقتراح بإجراء تعديل بسيط في النص يُلغي إمكانية انتداب أحد أعضاء اللجنة مكانه في حال تعذّر حضوره.

  1. فشل في معالجة الصلاحية الحصرية للهيئة برفع السريّة المصرفية: 

لم يحاول الاقتراح إجراء تعديلات جوهرية على صلاحيات الهيئة وآليات عملها تعزيزاً للشفافية. فأبقى على طريقة عملها وحصرية بعض الصلاحيات التي تتمتع بها، خصوصاً لجهة رفع السريّة المصرفية، ولم يعالج قواعد السرية المطلقة المتعلقة بعملها والتي تشكّل المشكلة الكبرى في عملها، حيث تؤدي إلى تغييب المحاسبة عنها وتقييم أدائها.

على العكس تماماً، يفرض تعزيز المحاسبة والشفافية الحقيقي، السعي لإلغاء السرية المصرفية أسوة بالعديد من الدول مثل سويسرا أو على الأقل منح صلاحية رفعها للسلطة القضائيّة كما جاء في اقتراح تعديل قانون السرية المصرفية الذي أجهضه مجلس النواب عبر التصديق عليه بصيغة مشوّهة في جلسة 28/5/2020 ثم رده من قبل رئيس الجمهورية لمجلس النواب لإعادة النظر فيه، ليقبع حتى اليوم في أدراج المجلس. 

لتحميل الملف

انشر المقال



متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، البرلمان ، مصارف ، تشريعات وقوانين ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني