اقتراح بتعديل قانون “المعاملات الإلكترونية”: حماية القاصر من “الشذوذ” ومن نفسه؟ ماذا عن الآخرين؟


2022-10-25    |   

اقتراح بتعديل قانون “المعاملات الإلكترونية”: حماية القاصر من “الشذوذ” ومن نفسه؟ ماذا عن الآخرين؟

هذا الاقتراح تقدمت به النائبة عناية عز الدين، رئيسة لجنة المرأة والطفل بتاريخ 18/12/2019، وهو يرمي إلى تعديل المادة 120 من القانون رقم 81/2018 “المعاملات الالكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي”. وقد تم تبرير تقديمه وفق ما جاء في أسبابه الموجبة أنه يهدف لوضع ضوابط على ولوج القاصرين إلى بعض المواقع الإلكترونية، “لحماية الطفل من المشاهد العنيفة والإباحية التي تؤثر على نموه العقلي وسلوكياته في المجتمع، في ظل انتشار المواقع التي تشجع على الفجور والانتحار والشذوذ الجنسي”، بحسب ما ورد في الأسباب الموجبة للاقتراح. وفي حين أن المادة 120 المذكورة اتصلت بمعاقبة إنتاج ونشر المواد التي تظهر مشاهد إباحية عن قاصرين، فإن الاقتراح هدف إلى إلزام جميع موزعي الإنترنت باعتماد “مدونة سلوك” يتعهدون فيها باعتماد نظام للتأكد من بلوغ الفئة العمريّة للمتصفح، خصوصاً المحتوى المسموح به للقاصرين، واعتماد برامج وظيفتها تصنيف المحتوى أو منع البث عند دخول القاصر إلى المواقع التي تحمل المظاهر والمعاني الإباحية والعنفيّة تحت طائلة المعاقبة حتى 3 سنوات حبس. 

وقبل المضي في إبداء الملاحظات حول هذا الاقتراح، تجدر الإشارة إلى أنه أحيل في تاريخ تقديمه، إلى لجنتي الإدارة والعدل وتكنولوجيا المعلومات وأنه وضع على جدول أعمال لجنة الإدارة والعدل للمرة الأولى بتاريخ 19/7/2022 ليحال إلى لجنة فرعية لم تنعقد بعد. كما تجدر الإشارة إلى أن عزّ الدين كانت قدمت اقتراحا سابقا بتاريخ 17/9/2019، وأحيل أمام لجان الصحة العامة، الإدارة والعدل، وتكنولوجيا المعلومات وأقرّ فقط في لجنة الصحة العامة بتاريخ 4/2/2020.

  1. اقتراح في المكان الخطأ 

كما سبق بيانه، تحدثت المادة 120 المذكورة عن المواد التي يجدر منع إنتاجها أو نشرها لكونها تحتوي على استغلال للقاصرين معتبرا إياها بمثابة اتجار بالبشر. ومن هنا، من غير الموفق وضع الاقتراح في هذه المادة طالما أن وضع برامج للتأكد من سنّ المتصفح يوحي بإمكانية ولوج الراشدين إلى المحتوى الذي تتحدث عنه،  في حين أنه يجدر منع الولوج إليها في المطلق ولجميع الفئات العمرية. 

ومن هنا، بمعزل عن الفائدة الاجتماعية للفقرات المقترح إضافتها أو مدى ملاءمتها، ثمة ضرورة ملحة في تعديل الاقتراح في اتجاه إضافته إلى موقع آخر من القانون المذكور على نحو لا يهدد بتفسيرات خطيرة من هذا النوع.  

  1. استخدام مفهوم “الشذوذ الجنسي” في التشريع 

الأمر الثاني الذي يجدر انتقاده هو استخدام النائبة عز الدين عبارة “الشذوذ الجنسي” ضمن الأسباب الموجبة للقانون. فهذا التعبير الذي غالبا ما استخدم للدلالة على المثلية الجنسية إنما يكرر المواقف المسبقة تجاه الأشخاص المثليين بما يخالف مقررات منظمة الصحة العالمية لجهة شطب المثلية من قائمة الأمراض النفسية عام 1990 ويمسّ بالكرامة الإنسانية. وما يزيد من قابلية الاقتراح للانتقاد هو أنه يصدر عن رئيسة لجنة المرأة والطفل وأنه يأتي في سياق استعادة عدد من المسؤولين لهذا المفهوم المهين ومن ضمنهم أخيرا وزير الداخلية بسام المولوي في تاريخ 24 حزيران، في سياق إصدار قراره بمنع أيّ تجمّعات تهدف إلى الترويج للمثلية. 

  1. تنظيم ذاتيّ لقطاع غير منظم؟ 

هنا، وبخلاف ما يوحي به الاقتراح، فإن تطبيقه يبقى صعبا من الناحية العملية للأسباب الآتية: 

  • أنه لا يوجد تعداد واضح لموزّعي الإنترنت في لبنان. إثباتا لذلك، يكفي أن نذكر أن عدد مقدمي خدمات الإنترنت في لبنان (ISP: Internet Service Provider) بحسب موقع وزارة الاتصالات اللبنانية (48)، يختلف عن عددهم بحسب موقع الهيئة المنظمة للاتصالات (37 ISP) كما يختلف أيضاً عن عددهم الوارد في بحث أجرته منظمة سمكس SMEX لتقييم مزوّدي الإنترنت في لبنان عام 2020 (114)،
  • فضلا عن ذلك، لا يوجد أي تنظيم رسمي لهؤلاء يخوّلهم العمل على وضع مدونة سلوك أو القيام بأي تنظيم ذاتي للقطاع. ومن هنا، فإن استناد الاقتراح إلى آلية التنظيم الذاتي يتنافى مع واقع القطاع برمته.  
  1. إباحة الحق بالخصوصية من دون أي رقابة

أخيرا، يخشى أن يساء استخدام موجب اعتماد برامج للتحقق من الفئة العمرية للمتصفح للولوج إلى بياناته الشخصيّة، وبخاصة في ظل فوضى القطاع الذي يبقى غير منظم وفي غالبه غير شرعي. وهذا ما يتعارض مع “اللائحة العامة لحماية البيانات” (GDPR)، الصادرة عن الاتحاد الأوروبي عام 2016، التي تفترض بالضرورة وجود هيئة مراقبة لإنفاذ مدونات السلوك منعا للتعسف. 

بقي أن نذكر أن المفكرة القانونية كانت بيّنت في مقالٍ نشرته في عام 2018 عند إقرار القانون (ملاحظات حول قانون المعاملات الإلكترونية: حرية التعبير تحت رحمة النيابة العامة، هشاشة نظام حماية البيانات ذات الطابع الشخصي)، بعض ثغرات هذا القانون والتي تبقى حتى اللحظة من دون معالجة. 

لقراءة اقتراح القانون، إضغط/ي هنا

انشر المقال



متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، إقتراح قانون ، الحق في الخصوصية ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني